الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة
مجيء (إلا) بمعنى الواو
في قوله تعالى: " {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} "(1).
قال ابن الملقن:
"وزعم أبو عبيدة أن (إلا) هنا بمعنى (الواو)، وهو خطأٌ عند حُذَّاق النحاة، والقولُ أنه استثناءٌ أبيَنُ، أي: لكنِ الذين ظلموا منهم، فإنهم يحُجُّون"(2).
بيان المسألة:
ذكر ابن الملقن أن (إلا) في هذه الآية للاستثناء، وخطأ من قال: إنها بمعنى (الواو)، وبيان ذلك فيما يلي:
اشتَهر عند النحويين أن (إلا) تكونُ للاستثناء، وجائزٌ خروجُها منه لغيره (3)، و (إلا) في قوله تعالى:{إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} اختَلف أهلُ التفسير فيها؛ فمنهم مَن عدَّها للاستثناء (4)، ومنهم مَن جعَلها بمعنى الواو (5)، وبعضُهم جعلها بمعنى (بَعْدَ)(6).
فأما حجةُ مَن عدَّها للاستثناء؛ فلكون الاستثناءِ يقتضي إخراجَ الثاني من حكم الأول، ومعنى الآية يؤُول إلى ذلك، فالذين ظلموا هم من الناس، فتُقدر (إلا) في الآية بـ (لكن) عند البصريين، أي: لكنهم يحتجون، وبـ (بل) عند الكوفيين، أي: بل إنهم يحتجون (7).
(1) صحيح البخاري 6/ 22، باب {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 150].
(2)
التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 260.
(3)
الكتاب 2/ 209، الأصول في النحو 1/ 291، اللمع في العربية 66، الأزهية في علم الحروف 187، شرح الكافية الشافية 2/ 700، رصف المباني في شرح حروف المعاني 92، الجنى الداني في حروف المعاني 519.
(4)
تفسير مقاتل بن سليمان 1/ 149، جامع البيان في تأويل القرآن 3/ 206، تفسير الرازي 17/ 275، التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد 5/ 146، طرح التثريب في شرح التقريب 3/ 251، عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد في إعراب الحديث 65 - 66.
(5)
مجاز القرآن للأبي عبيدة 1/ 60، بحر العلوم 1/ 167، الإنصاف في مسائل الخلاف 1/ 216، عمدة القاري 8/ 35.
(6)
النكت والعيون 1/ 207، الجنى الداني في حروف المعاني 519، الدر المصون في علم الكتاب المكنون 2/ 178.
(7)
الدر المصون في علم الكتاب المكنون 2/ 178.
ومن ذلك قوله تعالى: {لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ} (1)، أي: لكنِ المظلومُ يجهرُ بالسوء، فيكون بذلك أعذرَ ممن يَبدأ بالظلم (2).
وأما مَن جعل (إلا) بمعنى (الواو)؛ فيصبحُ معنى الآية عنده: ولا الذين ظلموا؛ أي: لا يكونُ لهم حجةٌ أيضًا، فأدخلوا الثانيَ في حكم الأول، ومن ذلك قوله تعالى:{خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} (3)؛ أي: والذي شاء ربُّك، ويرى ابنُ جرير أن المعنى: سوى ما شاء ربك (4).
هذا، وجمهورُ النحويين لا يُجيزون مجيء (إلا) بمعنى (الواو)(5)؛ لكون الاستثناءِ يُخرج الثانيَ من حكم الأول، والواوُ للجمع، فتُدخل الثانيَ في حكم الأول، فلا يمكنُ أن يكون أحدُهما بمعنى الآخر (6).
وأما مَن قال: إن (إلا) معناها (بَعْدَ)؛ فيصبحُ معنى الآية عنده: حجةٌ بَعْدَ الذين ظلموا.
وقد وُصِف هذا الرأيُ بالغرابة والفساد والنُّكْر (7).
ومما سبق يمكنُ القول بأن الاستثناء هو أقربُ الأقوال وأبيَنُها كما وصفه ابنُ الملقن؛ لبقاء (إلا) على أصل وضعِها، ولبعدِ الخلاف حول هذا الرأي.
(1) النساء: 148.
(2)
معاني القرآن للأخفش 1/ 269، جامع البيان في تأويل القرآن 9/ 344، معاني القرآن وإعرابه للزجاج 4/ 110.
(3)
هود: 107.
(4)
جامع البيان في تأويل القرآن 19/ 433.
(5)
معاني القرآن للفراء 1/ 89، جامع البيان في تأويل القرآن 9/ 344، الإنصاف في مسائل الخلاف 1/ 216، مفاتيح الغيب 17/ 275، الدر المصون في علم الكتاب المكنون 2/ 178، الجنى الداني في حروف المعاني 518.
(6)
الدر المصون في علم الكتاب المكنون 2/ 178.
(7)
الجنى الداني في حروف المعاني 521، الدر المصون في علم الكتاب المكنون 2/ 178.