الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة
أسماءُ الأفعال والأصواتُ بين البناء والإعراب
في قوله عليه السلام للحسنِ رضي الله عنه: "كِخْ كِخْ؛ ليَطْرَحْها"(1).
قال ابن الملقن:
"وقوله للحسن: كخ كخ، هو رَدْعٌ للصغار وزجرٌ. وقال الداودي: هي معرَّبة، ومعناها: بئس، وفيها ثلاثةُ أوجُه:
فتحُ الكاف وتنوينُ الخاء؛ كذا في رواية أبي الحسن، ثانيها: بكسر الكاف وإسكانِ الخاء في رواية أبي ذر، ثالثُها: كسرُ الكاف وتشديدُ الخاء في بعض نسخ الهروي" (2).
بيان المسألة:
ذكر ابنُ الملقن معنى كلمة (كخ) باعتبارها كلمةً عربية، وباعتبارها معرَّبةً، وأورد رواياتٍ ثلاثًا، وبيانُ ذلك فيما يلي:
يختلف معنى كلمة (كخ) باختلاف كونِها عربيةً أو معرَّبة -ومعنى المعرَّب: (ما تفوه به العرب على منهاجها، تقول عرَّبته العربُ وأعربته أيضًا)(3) - فإن قيل بأنها عربية (4) أصبح معناها: رَدْع الصغير وزجره عن كل مُستقذَر (5)، وإن قيل إنها معرَّبة -كما عند الداودي (6) وغيره (7) - صار معناها: بئس (8)، ويمكنُ الجمعُ بين المعنيين في كونهما ذمًّا لِمَا يُستقذَر.
(1) صحيح البخاري 2/ 127، باب ما يذكر في الصدقة للنبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
التوضيح لشرح الجامع الصحيح 10/ 577.
(3)
الصحاح 1/ 179.
(4)
فتح الباري 3/ 355، إرشاد الساري 3/ 76، تاج العروس 7/ 328، نيل الأوطار 4/ 204.
(5)
تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم 339، الفائق في غريب الحديث 3/ 248، مشارق الأنوار على صحاح الآثار 1/ 337، القاموس المحيط 248، 258، تاج العروس 7/ 225، المعجم الوسيط 8.
(6)
هو: أحمد بن نصر، أبو جعفر الأزدي الداودي المالكي الفقيه، له كتاب الإيضاح في الرد على البكريَّة، والنصيحة في شرح البخاري، ت: 402 هـ، وترجم له في: تاريخ الإسلام 28/ 56، التوضيح لشرح الجامع الصحيح 1/ 103، معجم المؤلفين 2/ 194.
(7)
النهاية في غريب الحديث والأثر 4/ 154، المتوارى على أبواب البخاري 1/ 181، القاموس المحيط 777، فتح الباري 1/ 178، إرشاد الساري 3/ 76، تاج العروس 7/ 328.
(8)
إكمال المعلم بفوائد مسلم 3/ 624، شرح النووي على مسلم 7/ 175.
وقد اقتصر ابنُ الملقن على ثلاثة أوجُهٍ لكلمة (كخ) وهي: كَخٍ، وكِخْ، وكِخٍّ (1)، وإن كان شراحُ الحديث قد أوردوا أكثرَ من ذلك؛ ومنه:
(كِخٍ) بكسر الكاف وكسر الخاء بالتنوين.
(كَخْ)(وكَخّْ) بفتح الكاف وسكون الخاء مخففة وثقيلة.
(كَخِ) و (كِخِ) بفتح الكاف وكسرها وكسر الخاءين بلا تنوين (2).
أما كونُها من أسماء الأفعال أو من أسماء الأصوات؛ فمِن النحويين مَن جعلها من أسماء الأفعال (3)؛ لنِيابتِها عن الفعل (اترُك)، ولعدمِ تأثرِها بالعوامل، وليست فضلة، قال ابنُ مالك (4):
مَا نَابَ عَنْ فِعْلٍ كَشَتَّانَ وصَهْ
…
هُوَ اسْمُ فِعْلٍ وكَذا أَوَّهْ وَمَهْ
ومنهم مَن جعلها مِن أسماء الأصوات (5)، لكونها خطابَ ما هو في حكم ما لا يعقلُ من صغار الآدميين، قال ابنُ مالك (6):
وَمَا بِهِ خُوطِبَ مَا لا يَعْقِلُ
…
مِنْ مُشْبِهِ اسْمِ الفِعْلِ صَوْتًا يُجْعَلُ
كَذَا الَّذِي أَجْدَى حِكَايَةً كَقَبْ
والحقُّ أن أسماء الأفعال والأصوات متواخيةٌ؛ لأنهما جميعًا مزجورٌ بهما (7)، والذي يتبينُ من ظاهر الحديث أنها اسمُ صوت؛ وذاك لقول أبي هريرة (8) رضي الله عنه:"ليطرحها"، والمخاطَبُ بها صغيرُ
(1) الجامع الصحيح 2/ 128، ربما اقتصر على ذلك بناء على حركة الحرف الأخير، ولو ذكر ما للحرف الأول من حركات لأصبحت ستة أوجه، هذا مع إغفاله لكسر الخاء بلا تنوين، مع فتح وكسر الكاف.
(2)
فتح الباري 1/ 178، 3/ 355، الديباج على شرح مسلم بن الحجاج 3/ 170، إرشاد الساري 3/ 76، دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين 3/ 129.
(3)
تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد 8/ 3878، دليل الفالحين بشرح رياض الصالحين 3/ 129.
(4)
ألفية ابن مالك 53.
(5)
شرح الأشموني لألفية ابن مالك 3/ 104، دليل الفالحين بشرح رياض الصالحين 3/ 129.
(6)
ألفية ابن مالك 54.
(7)
شرح المفصل لابن يعيش 3/ 89.
(8)
هو: عبد الرحمن بن صخر الدوسي، أسلم عام خيبر، توفي 57 للهجرة النبوية، وترجمته في: الاستيعاب في معرفة الأصحاب 4/ 1768، الإصابة في تمييز الصحابة 801، الأعلام للزركلي 3/ 308.
السن، وهو الحسن رضي الله عنه بُغيةَ نهيِه عن أكل تمر الصدقة.
واختُلف في بنائها وإعرابها، فتُبنى عند اشتباهِها بالحرف، كما أوضح ذلك ابنُ مالك بقوله (1):
والاِسْمُ مِنْهُ مُعْرَبٌ وَمَبْنِي
…
لِشَبَهٍ مِنَ الحُرُوفِ مُدْنِي
كَالشَّبَهِ الوَضْعِيِّ فِي اسْمَيْ جِئْتَنَا
…
وَالمعْنَويِّ فِي مَتَى وَفِي هُنَا
وَكَنِيَابَةٍ عَنِ الفِعْلِ بِلَا
…
تَأَثُّرٍ
…
وتُعرب عند تنوينِها، أو عند وقوعِها موقعَ متمكِّن (2).
وأما رواية (كَخٍ) بفتح الكاف وكسر الخاء بالتنوين، تُعد (كَخٍ) معربة لا مبنية؛ لدخول التنوين عليها، إذ امتناعُه من علامات البناء (3)، وأما روايةُ كسر الكاف وسكون الخاء (كِخْ)، وروايةُ تشديدها (كِخّْ)، فمبنيةٌ؛ لشبهِها بالحرف بلزومِ النيابة عن الفعل (4) إن عُدَّت من أسماء الأفعال، أو لشبهها بالحروف المهملة إن عُدت من أسماء الأصوات (5).
هذا، وقد أوجب ابنُ مالك بناءَ أسماء الأفعال وأسماءِ الأصوات في قوله:
.........................
…
وَالْزَمْ بِنَا النَّوْعَيْنِ فَهْوَ قَدْ وَجَبْ (6)
وبعد دراسة المسألة تبين أن (كخ) اجتمع فيها ما يدلُّ على اسم الفعل؛ وهو النيابةُ عن الفعل، وما يدل على اسم الصوت؛ وهو مخاطبةُ ما هو في حكم ما لا يعقل مِن صغيرِ الآدميين، ولكن تبيَّن لي أن الأرجح -بحسب اطلاعي- أنها اسمُ صوت يُعرب ويُبنى؛ فهي معربةٌ في رواية (كَخٍ)، ومبنيةٌ في رواية (كِخْ) و (كِخّْ)، كما سبق ذكره.
(1) ألفية ابن مالك 10.
(2)
الكتاب 1/ 243، تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد 1/ 215.
(3)
الكتاب 1/ 243.
(4)
تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد 1/ 212، شرح الأشموني على ألفية ابن مالك 3/ 104.
(5)
شرح الكافية الشافية 3/ 1397.
(6)
ألفية ابن مالك 54، شرح الكافية الشافية 3/ 1397.