الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحثُ الثالث: التبعيَّة والاستقلال
بعدما وقف الباحثُ على بعض المسائل النحوية في كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح -بالدراسة والتحليل- تبيَّن له أن الشارحَ قد يتبعُ آراءَ غيره وقد يستقلُّ برأيه.
فمثالُ الأحكام النحوية التي تبِع فيها النحويين: في (يا نساء المسلمات)؛ إذ قال ابن الملقن: "في إعراب (يا نساء) أوجُهٌ ذكرها القاضي عياض؛ أصحُّها وأشهرُها: بنصب (النساء) وجرِّ (المسلمات) على الإضافة. قال الباجي: وبهذا رويناه عن جميع شيوخِنا بالمشرِق، وهو من بابِ إضافة الشيء إلى نفسه، والموصوفِ إلى صفته، والأعمِّ إلى الأخصِّ، كـ (مسجدِ الجامع)، و (جانبِ الغربي)، وهو عند الكوفيين جائزٌ على ظاهره
…
" (1). فهنا نجد ابن الملقن يأخذ بقول القاضي عياض والباجي، ويتابعهما دون تعقيب أو مناقشة، والباجي توفي سنة 474 هـ، والقاضي عياض توفي سنة 544 هـ.
وبه يتبين أن ابن الملقن تبِع مَن قبله في هذا الرأي.
ومن ذلك أيضًا: في (ليلٌ طويلٌ)، قال ابن الملقن:"وقال القرطبي في رواية مسلم: وروايتنا الصحيحة: (ليلٌ طويلٌ) على الابتداء والخبر، ووقع في بعض الروايات: (عليك ليلًا طويلًا)، على الإغراء. والأولُ أولى من جهة المعنى؛ لأنه الأمكَنُ في الغرور من حيث إنه يخبرُه عن طول الليل ثم يأمرُه بالرقاد بقوله: (فارقد)، وإذا نُصب على الإغراء لم يكن فيه إلا الأمرُ بملازمة طول الرقاد، وحينئذ يكون قولُه: (فارقد) ضائعا"(2).
وبهذا فقد أخذ ابنُ الملقن برأي القرطبي المتوفى 656 هـ.
ومثال ما تبِع فيه ابنُ الملقن النحويين دون إضافة أو تعليق أو تحقيق: في (أما بعد)؛ إذ قال: "وفي ضبطها أربعةُ أوجه: ضم الدال، وتنوينها، ونصبها، وتنوينها"(3). وهذه الأوجه مقررة عند النحويين (4).
(1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 16/ 275.
(2)
المصدر السابق 9/ 89.
(3)
المصدر السابق 7/ 551.
(4)
إحراز السعد بإنجاز الوعد بمسائل أما بعد 53 - 54.
ومثله في (حلة سيراء)؛ إذ قال: "قال صاحب (المطالع): حلةَ سيراءَ على الإضافة، ضبطناه عن ابن سراج ومتقني شيوخنا، وقد رواه بعضُهم بالتنوين على الصفة
…
" (1).
ومثال تبعية ابن الملقن أيضًا: في (والوضوء أيضًا)، إذ قال: "قال القرطبي: والواو عوض عن همزة الاستفهام
…
" (2). إذ تبِع ابنُ الملقن رأي القرطبي في ذلك، وقد وضَّحنا مأخذَ هذا الاتباع، وذلك بعدما أثبتنا دقةَ نقل ابن الملقن عن القرطبي.
ومن ذلك أيضًا في (منى)، إذ قال:"الأجود صرفها، وكتابتها بالألف، وتذكيرها"(3). إذ تبع في هذا الرأي سيبويه (4)، وإن كان المشهور أن أسماء البلدان يغلِبُ عليها عدمُ الصرف والتأنيث.
وكذلك في قوله تعالى: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (5)، قال: "
…
عُدِّي إلى مفعوله بـ (إلى)، وهو إذا كان بمعنى الانتظار لا يتعدى بها، وإنما يتعدى بنفسه" (6). تبع ابنُ الملقن النحويين في ذلك، وموضع الخلل هنا أنه قد ورد في القرآن معنى (الانتظار) متعديًا بحرف جر؛ قال تعالى:{فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} (7).
ومثله في (فمن كانت هجرتُه إلى الله ورسوله)، قال ابن الملقن: "لا بد فيه من تقدير شيء؛ لأن القاعدة عند أهل الصناعة
…
" (8). وفي هذا السياق يتضح منهج التبعية لديه.
ومثله في (إنما الأعمال بالنيات)، إذ قال:" (إنما) موضوعة للحصر؛ تُثبت المذكور، وتنفي ما عداه، هذا مذهب الجمهور من أهل اللغة والأصول وغيرهما"(9).
ومثله في (ما كدت أصلي العصر)، إذ قال: "والمشهور في (كاد) أنها إذا كانت في سياق
(1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 7/ 409.
(2)
التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 177.
(3)
المصدر السابق 3/ 388.
(4)
الكتاب 3/ 243.
(5)
القيامة: 23.
(6)
المصدر السابق 33/ 323.
(7)
النمل: 35.
(8)
المصدر السابق 2/ 190.
(9)
المصدر السابق 2/ 170.
النفي أوجَبَتْ، فإن كانت في سياق الإيجاب نَفَتْ" (1).
أما ما استقلَّ به ابن الملقن من آراء نحوية؛ ففي: (لا حول ولا قوة إلا بالله)، إذ قال:"وفتحهما به"(2)، أي:(حولًا- قوةً)، ولم أجد -حسب اطلاعي- هذا الرأي عند المتقدمين والمتأخرين، بل استقل به ابن الملقن، وقد وضَّحت مدى صحة هذا الرأي عندما درستُ هذه المسألة.
ومثله في (حراء)؛ إذ قال: "بكسر المهملة وتخفيف الراء والمد، وهو مصروفٌ على الصحيح، ومنهم مَن منع صرفه، مذكرٌ على الصحيح أيضًا، ومنهم مَن أنَّثه، ومنهم من قصَره أيضًا، فهذِه سِتُّ لغات"(3). ففيما ذكره ابن الملقن لغةٌ لم يقف عليها الباحثُ حسب اطلاعه؛ وهي لغة (حرا) بالقصر.
بهذا، ومن خلال الأمثلة السابقة الذكر؛ يتبينُ مقدار تبعية ابن الملقن واستقلاله في الأخذ أو الاستنباط للآراء النحوية، وذلك حسَبَما وقف عليه الباحثُ في دراسته للمسائل النحوية.
(1) المصدر السابق 6/ 282.
(2)
المصدر السابق 6/ 338.
(3)
التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 249.