الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة
إضافةُ الاسم إلى ما هو بمعناه في النداء
في قوله عليه السلام: "يا نساءَ المسلماتِ"(1).
قال ابن الملقن:
"في إعراب (يا نساء) أوجُهٌ ذكرها القاضي عياضٌ؛ أصحُّها وأشهرُها: بنصب (النساء) وجرِّ (المسلمات) على الإضافة. قال الباجي: وبهذا رويناه عن جميع شيوخِنا بالمشرِق، وهو من بابِ إضافة الشيء إلى نفسه، والموصوفِ إلى صفته، والأعمِّ إلى الأخصِّ، كـ (مسجدِ الجامع)، و (جانبِ الغربي)، وهو عند الكوفيين جائزٌ على ظاهره، وعند البصريين يقدِّرون فيه محذوفًا؛ أي: مسجد المكان الجامع، وجانب المكان الغربي. ويُقدَّر هنا: يا نساء الأنفُس المسلمات أو الجماعات، وقيل: تقديرُه: يا فاضلاتَ المسلماتِ، كما يُقالُ: هؤلاء رجالُ القومِ؛ أي: ساداتُهم وأفاضِلُهم. ثانيها: رفعُهما على معنى النداء والصفة؛ أي: يا أيها النساءُ المسلماتُ. قال الباجي: كذا يرويه أهلُ بلدنا. ثالثُها: رفعُ النساء وكسرُ التاء من المسلمات على أنه منصوبٌ على الصفة على الموضع، كما يُقال: يا زيدُ العاقلَ؛ برفع زيد ونصبِ العاقل. واقتصر ابنُ التين على أنْ قال: هو من باب إضافة الشيء إلى نفسه؛ مثل قوله: {وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9)} (2)
…
" (3).
بيان المسألة:
ذكر ابنُ الملقن أن لـ (نساء) وما بعدها: أوجُهٌ إعرابيةٌ ثلاثةٌ، وبيانُ ذلك فيما يلي:
أجمع النحويون على جواز كون (نساء) منادًى مضافًا، وكونِها نكرةً مقصودة.
فإن قيل: إنها منادًى مضافٌ، فبنصب (نساء) وإضافةِ (المسلمات) إليها، بيد أن النحويين اختلفوا في جوازِ إضافة الشيء إلى نفسه.
فالبصريون لا يجيزون ذلك، ويقدِّرون فيما ورد من ذلك محذوفًا؛ كـ (مسجد المكان
(1) صحيح البخاري 3/ 153، باب إذا قال المكاتب: اشترني وأعتقني فاشتراه لذلك.
(2)
ق: 9.
(3)
التوضيح لشرح الجامع الصحيح 16/ 275.
الجامع).
وتقديرُهم في هذا الحديث: يا نساءَ الأنفُسِ المسلمات، ولكن يرى الزجَّاجُ (1): أن التقدير هو: يا نساءً مِن الأنفُس المؤمنات؛ لأمرين:
1 -
لئلا يُنعت لشيء محذوف.
2 -
أنه يُقصد بـ (الأنفس) الرجالُ، والخطابُ للنساء، وفيه تفضيلٌ لهن، ولو قُصد بها الرجال والنساءُ لَمَا صار لهن فضلٌ.
ويمكنُ القولُ إن (الأنفُس) واحدها نَفَس، والنَفَسُ مؤنثة (2)، فيستقيمُ تخريج البصريين.
أما الكوفيون فيُجيزون إضافةَ الشيء إلى نفسه، ويجعلون من ذلك نحوَ قوله تعالى:{وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ} (3).
والذي يظهر أنه لا يجوزُ إضافةُ الشيء إلى نفسه، وذلك من جانبين:
أحدهما: من حيث النظر؛ وذلك لأن الإضافة يُراد بها التعريفُ، والشيءُ لا يتعرَّفُ بنفسه؛ لأنه إن كان فيه تعريفٌ كان مستغنيًا عن الإضافة، وإن لم يكن فيه تعريف كان بإضافته إلى اسمه أبعدَ من التعريف.
ثانيهما: من حيث المعنى؛ لأنك لو قلت مثلًا: (زيدٌ أفضلُ من إخوته)، فالهاء عائدة على زيد، وزيدٌ ليس واحدًا من إخوته، إنما واحدٌ من بني أبيه، فلو كان واحدًا منهم وهم مضافون إلى ضمير، لوجب أن يكون داخلًا معهم في الإضافة.
أما ما استدل به الكوفيون مِن نحوِ قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ} ؛ فهو محمولٌ على حذف المضاف إليه وإقامةِ صفته مُقامَه، إذ الحقُّ غير اليقين، إنما خالصُه وأصحُّه (4).
(1) نقلًا: التوضيح لشرح الجامع الصحيح 16/ 275، وذكر في كتابه: (معاني القرآن
…
) أن (الأنفس) تقع للمذكر والمؤنث 4/ 360.
(2)
تهذيب اللغة 13/ 8، الزاهر في معاني كلام الناس 2/ 374، النظم المستعذب في تفسير ألفاظ المهذب 1/ 231، لسان العرب 6/ 235.
(3)
الحاقة: 51.
(4)
المحكم والمحيط الأعظم 6/ 510، الإبانة في اللغة العربية 1/ 433، لسان العرب 13/ 457.
أما إن قيل: إن (نساء) نكرةٌ مقصودة، فعلى معنَى النداءِ والصفة، ويمكن إيضاحُ ذلك بما يلي:
1 -
في نحو: (يا نساء)؛ يكون المعنى: أقصد النساء، وهي بمنزلة (يا أيها النساء)، فـ (نساء) تعرَّفت بالنداء، ومن ذلك ما مثَّل به سيبويه (يا فاسقُ الخبيثُ)(1)، فلو لم يكن (فاسق) عنده معرفةً لَمَا وصَفه بما فيه الألفُ واللام (2).
2 -
جوازُ الرفع والنصب في (المسلمات)؛ إذ تابعُ المنادى مضافٌ مصاحبٌ للألف واللام.
قال ابن مالك (3):
تَابِعَ ذِي الضَّمِّ المُضَافَ دُونَ أَلْ
…
أَلْزِمْهُ نَصْبًا كَأَزَيْدُ ذَا الحِيَلْ
وَمَا سِوَاهُ ارْفَعْ أَوِ انْصِبْ وَاجْعَلَا
…
كَمُسْتَقِلٍّ نَسَقًا وَبَدَلَا
وعليه فيجوزُ أن تقول: يا نساءُ المسلماتُ، ويا نساءُ المسلماتِ.
ومن خلال دراسة المسألة يتبيَّنُ صحةُ الأوجُه الإعرابية الثلاثة.
(1) الكتاب 2/ 199.
(2)
الأصول في النحو 1/ 347، التصريح بمضمون التوضيح في النحو 2/ 215.
(3)
ألفية ابن مالك 50.