الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحثُ الأول: الحروفُ العاملة
وفيه مسائلُ:
مسألة
أوجُه الإعراب في (لا) النافيةِ للجنس عند التَّكرار
في قوله عليه السلام: "لا حول ولا قوة إلا بالله"(1).
قال ابن الملقن:
"وفي: (لا حول ولا قوة إلا بالله) خمسةُ أوجُه مشهورة: فتحُهما بغير تنوين، وفتحُهما به، وفتحُ الأول ونصبُ الثاني منونًا، وفتحُ الأول ورفعُ الثاني منونًا، وعكسُه"(2).
بيان المسألة:
ذكر ابنُ الملقن ما هو مشهورٌ من أوجُه إعرابية لـ (لا حول ولا قوة إلا بالله)، وبيان ذلك فيما يلي:
يُورد النحويون مسألة (لا حول ولا قوة إلا بالله) وما تحتملُه من أوجُه إعرابية عند ذكر (لا) التي لنفي الجنس عندما تأتي مكررة (3).
ويتلخصُ ما أوردوه من أوجُه فيما يلي:
1 -
فتحُ الاثنين: على إعمال (لا) عملَ (إنَّ)، وعليه قراءةُ ابن كثير وأبي عمرٍو (4)، في قوله تعالى:{لَّا بَيْعَ فِيهِ وَلَا خُلَّةَ وَلَا شَفَاعَةَ} (5).
(1) صحيح البخاري 1/ 126، باب ما يقول إذا سمع المنادي.
(2)
التوضيح لشرح الجامع الصحيح 6/ 338.
(3)
اللمع في العربية 1/ 44، المفصل في صنعة الإعراب 1/ 111، أمالي ابن الحاجب 2/ 593، شرح المفصل لابن يعيش 2/ 114، اللمحة في شرح الملحة 1/ 491، شرح الطيبي على مشكاة المصابيح 6/ 1824، الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري 3/ 107، نخب الأفكار في تنقيح مباني الأفكار في شرح معاني الآثار 3/ 113، شرح السيوطي على مسلم 2/ 122، أبو عبد الله الفخار وجهوده في الدراسات النحوية مع تحقيق كتاب شرح الجمل 1021.
(4)
السبعة في القراءات 187، الحجة في القراءات السبع 99، حجة القراءات 141.
(5)
البقرة: 254.
2 -
فتحُ الأول ونصبُ الثاني: على إعمالِ (لا) الأولى عملَ (إنَّ)، وجعلِ (لا) الثانيةِ زائدةً، وعطفِ ما بعدها على محل اسم (لا) الأولى، وقدَّره الزمخشري فعلًا مضمرًا، أي: ولا أرى خلةً (1)، ومنه قولُ الشاعر (2):
لَا نَسَبَ اليَوْمَ وَلَا خُلَّةً
…
إتسعَ (3) الخَرْقُ على الراقِعِ (4)
3 -
فتحُ الأول ورفعُ الثاني: على إعمال (لا) الأولى عملَ (إنَّ)، وإعمالِ (لا) الثانيةِ عملَ (ليس)، أو على أن تكون (لا) الثانيةُ زائدةً ويُعطف ما بعدها على محلِّ اسم (لا) الأولى، أو على أن تكون (لا) الثانيةُ مهملةً وما بعدها مرفوعًا على الابتداء، ومنه قولُ الشاعر (5):
هذَا لعَمْرُكمُ الصَّغارُ بِعَينِه
…
لا أمَّ لي إِن كانَ ذاك ولا أبُ (6)
4 -
رفعُ الاثنين: على إعمال (لا) عملَ (ليس)، أو على أن تكون (لا) مهملةً وما بعدها مرفوعًا على الابتداء، وعليه قراءةُ غير ابن كثير وأبي عمرو (7)، في قوله تعالى:{لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ} (8).
5 -
رفعُ الأول وفتح الثاني: على إعمال (لا) عملَ (ليس)، ويرى ابنُ الحاجب ضعفَ هذا الوجه؛ لعدم تطابُق الاسمين في الإعراب، لكن يعُده الرضي غيرَ ضعيف؛ إذ تطابقُ الاسمين
(1) المفصل 105.
(2)
اختلف في قائله بين: أنس بن العباس بن مرداس، وأبي عامر جد العباس بن مرداس، ولبيد العامري. انظر: الكتاب 2/ 285، شرح أبيات سيبويه 2/ 8، الإنصاف في مسائل الخلاف 1/ 321، شرح شافية ابن الحاجب 2/ 266.
(3)
بقطع (اتسع) للضرورة. ما يجوز للشاعر في الضرورة 201، وبقبح ورداءة. الأصول في النحو 3/ 246.
(4)
البيت من السريع. وروي بألفاظ مختلفة منها: اتسع الفتق على الراتق. اتسع الخرق على الراتق. الجمل في النحو 187، الأصول في النحو 1/ 403، شرح أبيات سيبويه 2/ 8، شرح المفصل ابن يعيش 2/ 115، مغني اللبيب 1/ 298، همع الهوامع 3/ 445.
(5)
اختلف في قائله بين: رجل من بني مذحج، وهمام بن مرة، وضمرة بن ضمرة، وضمرة بن جابر، وهني بن أحمر، وزرافة الباهلي. انظر: الكتاب 2/ 292، الأصول في النحو 386، اللمحة في الملحة 1/ 492، شرح التصريح 1/ 345، المعجم المفصل في شواهد العربية 1/ 147.
(6)
البيت من الكامل، عيون الأخبار 3/ 24، شرح أبيات سيبويه 1/ 159، اللمع في العربية 45، الخزانة 2/ 41، المعجم المفصل في شواهد العربية 1/ 147.
(7)
السبعة في القراءات 187، الحجة في القراءات السبع 99، حجة القراءات 141.
(8)
البقرة: 254.
في الإعراب ليس بشرط عند توفُر شرط الإلغاء؛ وهو التكرير، بل هو في قوة رفعهما، وفي قوة فتح الأول ورفع الثاني (1)، أو على أن تكون (لا) مهملة وما بعدها مرفوعًا على الابتداء، وإعمالِ (لا) الثانية عملَ (إنَّ)، ومنه قولُ أميةَ بن أبي الصَّلت:
فلا لغوٌ ولا تأثيمَ فيها
…
وما فاهُوا بهِ أبدًا مُقيمُ (2)
هذه هي الأوجُه المشهورة عند النحويين، منها وجه ضعيفٌ؛ هو فتح الأول ونصب الثاني؛ إذ جاءت (لا) مع الاسم المنون، والقياسُ فتحُه بلا تنوين، وخُص هذا الوجه بالضرورة (3)، وقد جمع ابنُ مالك هذه الأوجُه في كافيته وألفيته، فقال في الكافية الشافية (4):
وإنْ عطَفْتَ مثلَه علَيْهِ
…
فالرفعَ والنصبَ انسُبَنْ إلَيْه
والفتحَ أيضًا زِدْ إذا كرَّرتَ لا
…
وكنتَ بالفتحِ وَسَمْتَ الأوَّلا
وإنْ رفعتَه فما للثاني
…
في النصبِ حَظٌّ بل له الوَجْهان
وفتحُ معطوفٍ بناءً قد يَرِدْ
…
بقَصْدِ تركيبٍ و (لا) لفظًا فُقِدْ
وقال في ألفيته (5):
عملَ إنَّ اجعَلْ لِلَا في نكرَهْ
…
مفردةً جاءتكَ أو مكررةْ
فانصِبْ بها مضافًا اوْ مضارِعَهْ
…
وبعد ذاك الخبرَ اذكُرْ رافِعَهْ
وركِّبِ المفردَ فاتحًا كَلَا
…
حولَ ولا قوةَ والثانِ اجعَلَا
مرفوعًا او منصوبًا اوْ مركَّبَا
…
وإنْ رفعتَ أوَّلًا لا تَنْصِبَا
(1) نقلًا: شرح الرضي لكافية ابن الحاجب 834.
(2)
البيت من الوافر. ذكر في ديوانه بلفظ مختلف عما هو عند النحويين وهو:
ولا لغوٌ ولا تأثيمَ فيها
…
ولا حين ولا فيها مليم
وفيها لحم ساهرة وبحر
…
وما فاهوا به لهم مقيم
انظر: ديوانه 121 - 122، اللمع في العربية 45، شرح الكافية الشافية 1/ 535، الخزانة 4/ 494.
(3)
شرح التصريح على التوضيح 1/ 347.
(4)
شرح الكافية الشافية 1/ 519.
(5)
ألفية ابن مالك 23.
أما ما أورده ابنُ الملقن من أوجه لـ (لا حول ولا قوة إلا بالله)، فمنها وجهٌ لم أجده عند غيره (1)، وهو فتحُهما جميعًا، وقد يكونُ هذا سبقَ قلم أو تصحيفًا، والصوابُ كما لا يخفى ضمُّهما به؛ أي رفعُهما، وهو وجهٌ معروف في كتب النحو، وقد أشار المحققُ إلى ذلك (2).
(1) ذكر ابن الملقن أن هذه هي الأوجه مشهورة، ولم أجد هذا الوجه (فتحهما مع التنوين) -حسب اطلاعي- ولو لم يذكر بأنها مشهورة لالتُمس تخريج للحوقلة على (فتح الأول والثاني مع التنوين) بتقدير فعل مضمر (أجد)، فيصبح المعنى: لا أجد بيعًا ولا أجد خلةً، وقد ذكر الزمخشري هذا التقدير عند نصب الثاني فحسب بفعل (أرى)، وأرى في هذا التوجيه اضطرابًا؛ مما قد يفضي إليه من التخفف في القواعد النحوية. أما كون هذا الوجه مشهورًا فربما وُجد من يخدمه، وربما أراد ابن الملقن رفعهما جميعًا بدلًا من فتحهما.
(2)
التوضيح لشرح الجامع الصحيح 6/ 338.