الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة
دلالة (مِنْ) بين بيانِ الجِنْس والتبعيض
في قول عائشة رضي الله عنها: "أولُ ما بُدئَ به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنَ الوحيِ: الرؤيا الصالحةُ في النوم"(1).
قال ابن الملقن:
"وقولها: (من الوحي)؛ في (من) هنا قولان: أحدُهما: أنها لبيان الجنس، وثانيهما: للتبعيض، قال القزازُ بالأول، كأنها قالت: من جنس الوحي، وليست الرؤيا من الوحي حتى تكون (من) للتبعيض، وردَّه القاضي، وقال: بل يجوزُ أن تكون للتبعيض؛ لأنها من الوحي، كما جاء في الحديث: أنها جزءٌ من النبوة"(2).
بيان المسألة:
ذكر ابنُ الملقن معنيَين من معاني (من)، ثم أورد خلافًا بين النحويين حولهما، وبيانُ ذلك فيما يلي:
اختلف النحويون حول معنى (مِنِ) الجارةِ، فمنهم مَن يرى أنها لا تكونُ إلا لابتداء الغاية (3)، ومنهم مَن يرى أنها تخرج لمعانٍ أُخَر (4)، واختلافُ النحويين في هذه المسألة محمولٌ على تبايُن معنى (من)، إذ هُم متفقون على أنها تأتي لمعانٍ عدة.
فيرى القيرواني (5) أن (مِن) لبيان الجنس، إذ إن الرؤيا الصالحة من جنس الوحي، والوحي أعمُّ، ومثلُ ذلك في قوله تعالى:{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} (6)، أي: الرجسَ الذي هو
(1) صحيح البخاري 1/ 7، باب بدء الوحي.
(2)
التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 244.
(3)
المقتضب 1/ 44، الأصول في النحو 1/ 409.
(4)
الإيضاح العضدي 251، الأزهية في علم الحروف 224، رصف المباني 323، الجنى الداني 309.
(5)
هو: محمد بن جعفر القيرواني، نحوي عالم بالأدب مؤلف كتاب الجامع في اللغة، توفي عن عمر يناهز التسعين سنة 412 هـ، وترجمته في: معجم الأدباء 6/ 2475، وفيات الأعيان 4/ 374 - 376، سير أعلام النبلاء 17/ 326، وذكر أن كتابه غير مطبوع، سير أعلا م النبلاء 17/ 326، التراجم الساقطة من كتاب تهذيب الكمال لمغلطاي 143.
(6)
الحج: 30.
الأوثان؛ والرجسُ أعم. وعلى الرأي الأول (من) لابتداء الغاية.
أما القاضي عياض (1) فيَعُد (من) تبعيضيةً، وذلك لِمَا ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم:"الرؤيا الحسنةُ، من الرجل الصالح، جزءٌ من ستة وأربعين جزءًا من النبوة"(2).
أي: أن الرؤيا بعض النبوة.
غير أن أبا حيان الأندلسي يرى فرقًا بين (من) التبعيضيةِ و (بعضٍ)، ويرجعُ عدمَ التفريق بينهما إلى صعوبة الأمر على قليلي التدبر من الطلبة (3).
ومما سبق يتبيَّن أن النحويين اختلفوا حول معنى (من)؛ أهي للتبعيض أم لبيان الجنس؟ ويمكن إرجاعُ هذا الخلاف إلى تقارب المعنيين.
بل لقد وصَف المالَقيُّ تقارُبَ هذين المعنيين بالمعنى الخفي؛ إذ التي للتبعيض تُقدَّر بـ (بعض)، والتي لبيان الجنس تُقدر بتخصيص شيء دون غيره (4).
(1) إكمال المعلم بفوائد مسلم 1/ 479.
(2)
صحيح البخاري 9/ 30 باب رؤيا الصالحين.
(3)
التذييل والتكميل 11/ 123، ومثَّل للتفريق بينهما بـ (أكلت بعض الرغيف) و (أكلت من الرغيف)، فالأول: الأكل وقع على البعض، وذكر الرغيف لذلك البعض، وفي المثال الثاني: الأكل وقع بالرغيف، والرغيف هنا متعلق بالأكل، ودلت (من) أنه لم يعمه. ينظر: تمهيد القواعد 6/ 2887.
(4)
رصف المباني 323.