الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة
مجيء (لَمَّا) بمعنى (إلا)
في قول عائشة رضي الله عنها: "
…
عزمتُ عليك بما لي عليك من الحق لَمَّا أخبرتني
…
" (1).
قال ابن الملقن:
"وقولها: (لما أخبرتني):
…
يحتمل أن تكون اللامُ بمعنى (إلا) و (ما) زائدة، هذا مذهب الكوفيين، ويحتمل أن تكون (لَمَّا) مشددةً بمعنى (إلا)، ذكره سيبويه، وأنكره الجوهري" (2).
بيان المسألة:
ذكر ابن الملقن احتمالَ كون (اللام) أو (لمَّا) ذات الميم المشددة بمعنى (إلا)، غير أن النحويين اختلفوا في مجيء (لمَّا) بمعنى (إلا) مطلقًا، فمنهم من أجاز مجيء ذلك؛ مثل الخليل وسيبويه والكسائي (3)، ومنهم مَن منعه؛ مثل أبي عُبيد والفرَّاء والجوهري (4)، حيث استدل من يرون الجوازَ بقول العرب:(أقسمتُ عليك إلا فعلت، ولَمَّا فعلت)(5)، وأما الذين منعوا فيرون أن مجيئه وجهٌ غير معروف، ولم يُقَل في شعر ولا غيره، ولو أنه يجوز ذلك لسُمع: ذهب الناس لَمَّا زيدًا (6).
لذا يرى صاحبُ (الجنى الداني) أن يقتصر فيها على التركيب الذي وقعت فيه، وأن يُتوقف في إجازة ذلك حتى يرد في كلام العرب ما يشهدُ بصحته (7). ويرى أبو حيان ألا يُلتفت إلى قول أبي عبيد والفراء، وإنكارِهما مجيءَ (لما) بمعنى (إلا)(8).
(1) صحيح البخاري 8/ 64، باب من ناجى بين الناس ومن لم يخبر.
(2)
التوضيح لشرح الجامع الصحيح، 29/ 141، وقد وقع في الأصل (تكون ما مشددة)، وهو تحريف.
(3)
الجنى الداني 593، الأزهية 207.
(4)
البحر المحيط 6/ 216، اللغة الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، (لمم) 5/ 2033.
(5)
الكتاب 3/ 105.
(6)
معاني القرآن 2/ 29.
(7)
الجنى الداني 593.
(8)
البحر المحيط 6/ 216.
والذي يظهرُ أن القول الأول هو الأرجحُ؛ لأمور؛ منها:
1 -
ثبوت مجيء (لَمَّا) بمعنى (إلا) عن العرب بنقل الثقات، وذلك في لغة هذيل (1).
2 -
أما كون (إلا) لا تستعمل إلا أداةَ استثناء، فهذا لا يلزمُ الاطراد، فكم من شيء خُص بتركيب دون ما أشبَهَه! كما ذكر ذلك أبو حيان (2).
3 -
ورود ما يُثبت ذلك شعرًا ونثرًا.
هذا، ومجيء (لَمَّا) بمعنى (إلا) إنما يكون في موضعين (3):
أحدهما: مع القسم؛ مثل: (عزمتُ عليك لَمَّا ضربتَ كاتبَك سوطًا)، أي: إلا ضربته.
وكقول الشاعر (4):
قالتْ له: باللهِ يا ذا البُرْدَيْنْ
…
لَمَّا غَنِثْتَ نَفَسًا أو اثنيْنْ (5)
أي: إلا غنثت، بمعنى شرِب ثم تنفَّس.
والثاني: بعد نفي دون قسم، ومنه قراءة ابن عامر وعاصم وحمزة (6)، في قوله تعالى:
{وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ} (7)، وقوله:{وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (8).
أي: ما كل ذلك إلا جميع، وما كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا.
أمَّا كونُ (اللام) أو (الميم المشددة) بمعنى (إلا)، فيرى سيبويه أن الميم المشددة في (لمَّا) معناها (إلا)، وذلك عند سؤاله للخليل بقوله: "وسألتُ الخليل عن قولهم: أقسمتُ عليك إلا فعلت ولمَّا فعلت، لِمَ جاز هذا في هذا الموضع، وإنما (أقسمت) هاهنا كقولك: والله؟ فقال:
(1) معاني القرآن 3/ 254، لسان العرب 12/ 552، القسطلاني 9/ 165.
(2)
البحر المحيط 6/ 216.
(3)
شرح الكافية الشافية 3/ 1645، شرح التسهيل 4/ 101.
(4)
لم أقف على قائله.
(5)
البيت من السريع، لا من الرجز، ووزنه: مستفعلن مستفعلن مفعولات، والرجز ليس كذلك، إنما هو: مستفعلن مستفعلن مستفعلن في: شرح الكافية الشافية 3/ 1645، شرح التسهيل 3/ 207، الجنى الداني 593.
(6)
معاني القراءات للأزهري 2/ 305، حجة القراءات 597.
(7)
يس: 32.
(8)
الزُّخرُف: 35.
وجهُ الكلام (لتفعلن) هاهنا، ولكنهم أجازوا هذا لأنهم شبَّهوه بـ (نشدتك الله)، إذا كان فيه معنى الطلب"، فتبين أن ذلك لمَّا كان وجه الكلام في (إلا فعلت) و (لما فعلت) كلمة واحدة هي:(لتفعلن).
أما الكوفيون (1) فيرون أن (اللام) هي التي بمعنى (إلا)، ومثال ذلك قوله تعالى:{وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ} (2)؛ فيجعلون (إن) نافية، ويقدرون فعلًا، واللام بمعنى إلا، أي:(وما أرى كلًّا إلا ليوفينهم).
وقد وصف ابنُ الشجري (3) هذا القولَ بأنه من الأقوال الضعيفة البعيدة.
(1) الموفي في النحو الكوفي 140.
(2)
هود: 111.
(3)
أمالي ابن الشجري 3/ 147.