الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة
(أو) بين العطف والغائيَّة
في قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} (1).
قال ابن الملقن:
"
…
فمَن قال: هو معطوف بـ (أو) على قوله: {لِيَقْطَعَ طَرَفًا} ، فالمعنى عنده: ليقتلَ طائفةً، أو يخزيَهم بالهزيمة، أو يتوبَ عليهم، أو يعذبَهم، وقيل:(أو) هنا بمعنى (حتى) " (2).
بيان المسألة:
ذكر ابنُ الملقن أن لـ (أو) في هذه الآية معنيَين: عاطفةً وغائيَّةً، وبيان ذلك فيما يلي:
اختلف المفسرون في معنى (أو) في الآية؛ فمنهم مَن جعلها عاطفة، ومنهم من جعلها بمعنى (حتى).
فمَن جعلها عاطفة اعتمد على معنى الآية، أي: ما دعوتَ به يا محمد صلى الله عليه وسلم على هؤلاء النفر، عائدةُ استجابته إلى الله وحده، لا لأحدٍ من خلقه، إن أراد أن يقتلَهم، أو يخزيَهم، أو يتوبَ عليهم فيُسْلموا، أو يعذبهم إن ماتوا كفارا (3).
قال تعالى: {لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُوا خَائِبِينَ (127) لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} (4). وهذا بمعنى قوله تعالى: {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ} (5)(6).
(1) صحيح البخاري 5/ 99، باب {لَيسَ لَكَ مِنَ الأَمرِ شَيءٌ أَو يَتُوبَ عَلَيهِم أَو يُعَذِّبَهُم فَإِنَّهُم ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128].
(2)
التوضيح لشرح الجامع الصحيح 21/ 175.
(3)
معاني القرآن للأخفش 1/ 233، جامع البيان في تأويل القرآن 7/ 194، شرح صحيح البخاري لابن بطال 10/ 375، إرشاد الساري 6/ 303.
(4)
آل عمران: 128.
(5)
البقرة: 272.
(6)
نقلًا عن: عمدة القاري 25/ 62، البقرة 272.
هذا، ويُمكنُ أن يُقال بأن (أو) تعني الإباحةَ، كما هو مقرر عند النحويين، قال ابن مالك بعد أن عدَّ حروف العطف (1):
خيِّرْ أَبِحْ قسِّمْ بـ (أو) وأبِهمِ
…
واشكُكْ وإضرابٌ بها أيضًا نُمِي
إذ الإباحةُ يجوز فيها الجمعُ بين الأمور (2)، فيصبح المعنى: أن الله وحده قادر على أن يجمع بين (القتل، والخزي، والتوبة، والعذاب) لقوم بعينهم.
ومَن جعلها بمعنى (حتى) اعتمد على النصب بـ (أن) المضمرةِ وجوبًا بعد (أو) التي بمعنى (حتى)(3)، قال ابنُ مالك (4):
لا فأنَ اعْمِلْ مُظهِرًا أو مُضمِرَا
…
وبعد نفي كان حتما أُضمِرَا
كذاك بعد (أوْ) إذا يصلحُ في
…
موضعِها (حتى) أوِ (الَّا أنْ) خَفِي
ومن ذلك قولُ امرئ القيس:
فقلتُ له لا تبكِ عينُك إنما
…
نحاولُ ملكًا أو نموتَ فنُعذَرَا (5)
أي: إلا أن نموت، وذلك في كل موضع وقعت فيه (أو) وكان يصلحُ فيه (إلا أن) أو (حتى)(6).
وبعد دراسة المسألة يتبيَّنُ أنه لا تعارُضَ من جهة النحو بين كون (أو) عاطفةً وكونِها غائيةً، أما من جهة المعنى فالصواب أن (أو) عاطفة، إذ إن الأمر لله لا لأحد من خلقه، وإلى هذا المعنى أشار ابن الملقن (7).
(1) ألفية ابن مالك 48.
(2)
توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك 2/ 1008، الجنى الداني في حروف المعاني 228، شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك 3/ 232، شرح الأشموني لألفية ابن مالك 2/ 378.
(3)
فتح الباري 11/ 97، عمدة القاري 17/ 155، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 3/ 959، تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي 8/ 282، ذخيرة العقبى في شرح المجتبى 12/ 250.
(4)
ألفية ابن مالك 57.
(5)
البيت من الطويل، ديوانه 96، الكتاب 3/ 47، المقتضب 3/ 28، شرح أبيات سيبويه 2/ 71، شرح المفصل لابن يعيش 4/ 235، خزانة الأدب 2/ 152، المعجم المفصل في شواهد العربية 3/ 110.
(6)
المقتضب 2/ 29، الأصول في النحو 2/ 156، ألفية ابن مالك 48، حاشية الصبان 3/ 432.
(7)
التوضيح لشرح الجامع الصحيح 33/ 121.