الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأمَّا الكافِرُ، فيُؤتَى كتابَهُ بشمالِهِ مِن وراءِ ظهرِه، لا يُؤتَى به مِن أمامِهِ؛ لأنَّ الأَمَامَ إكرامٌ؛ كما قال تعالى:{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 25]، وقال:{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ} [الانشقاق: 10].
واختُلِفَ في صاحبِ الكبيرةِ الذي لم يَغفِرِ اللهُ له مِن المسلِمِينَ، وأراد عذابَهُ؛ هل يأخُذُ كتابَهُ بيمينِهِ أو بشمالِهِ، على قولَيْنِ:
- فمنهم (1) مَنْ قال: بشِمَالِهِ؛ لأنَّ اللهَ كتَبَ عليه العذابَ في النارِ إلى أمَدٍ؛ وهذا ينافي استبشارَهُ بالنجاة، ومثلُهُ لا يقالُ فيه: إنَّ حسابَهُ يسيرٌ؛ كما في أصحابِ اليمينِ؛ كما في قولِهِ تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا} [الانشقاق: 7 - 9]؛ فمَن كتَبَ اللهُ عليه النارَ مِن عصاةِ الموحِّدِينَ، لا يَنقلِبُ مسرورًا إلى أهلِه.
- وذهَبَ آخَرونَ (2): إلى أنه يأخُذُهُ بيمينِهِ؛ ولكنَّه لا يستبشِرُ استبشارَ الناجِينَ، ولا يُسرُّ كسرورِهم؛ فالناسُ على مَراتِبَ في هذا.
- وفي ذلك قولٌ ثالثٌ: أنَّ العصاةَ يأخُذُونَ كُتُبَهم وراءَ ظهورِهم،
وأمَّا المؤمنونَ: فيأخُذُونَها بأيمانِهم، وأمَّا الكفَّارُ: فبشِمَالهم؛ وبهذا قال ابنُ حَزْمٍ (3)؛ وفيه نظَر.
*
الصراطُ وأحوالُ الناسِ فيه:
* قَالَ ابْنُ أَبي زَيْدٍ: (وَأَنَّ الصِّرَاطَ حَقٌّ، يَجُوزُهُ العِبَادُ بِقَدْرِ أَعْمَالِهمْ؛ فَنَاجُونَ مُتَفَاوِتُونَ فِي سُرْعَةِ النَّجَاةِ عَلَيْهِ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، وَقَوْمٌ أَوْبَقَتْهُمْ فِيهَا أَعْمَالُهُمْ):
(1)"لوامع الأنوار"(2/ 183).
(2)
"لوامع الأنوار"(2/ 183).
(3)
"المحلى"(1/ 17).
والصراطُ حَقٌّ باتفاقِ السلف، وهو جِسْرٌ مورودٌ على متنِ جهنَّمَ، وهو المرادُ بقولِهِ تعالى:{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: 71]؛ يعني: جهنَّمَ، والورودُ يكونُ على الصراطِ، لا يَصِلُ أحدٌ إلى مكانِهِ مِن الجَنَّةِ إلا مِن فوقِهِ إنْ كان مؤمِنًا، وإنْ كان غيرَ مؤمِنٍ، فيسقُطُ ويَهلِكُ مع الهالِكِين، وفي "الصحيحَيْن" مِن حديثٍ طويلٍ، فيه:(وَيُضْرَبُ جِسرُ جَهَنَّمَ)، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ، وَدُعَاءُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ، سَلِّمْ سَلِّمْ، وَبِهِ كَلَالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ؛ أَمَا رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ؟ ! قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ الله، قَالَ: فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غَيْرَ أَنَّهَا لَا يَعْلَمُ قَدْرَ عَظَمَتِهَا إِلَّا اللهُ تَعَالَى، فَتَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ، مِنْهُمُ المُوبَقُ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمُ المُخَرْدَلُ، ثُمَّ يَنْجُو
…
) (1)؛ الحديثَ.
ويَمُرُّ الناسُ عليه بحسَبِ إيمانِهم، وسُرْعةُ سقوطِهم بمقدارِ كُفْرِهم وفجورِهم، وأثبَتُ الناسِ على صراطِ الدنيا أثبَتُهُمْ وأسرَعُهُمْ على صراطِ الآخرة؛ كما في "الصحيحَيْنِ" في الحديثِ؛ قال:(المُؤْمِنُ عَلَيْهَا كَالطَّرْفِ، وَكَالبَرْقِ، وَكَالرِّيحِ، وَكَأَجَاوِيدِ الخَيْلِ وَالرِّكَابِ؛ فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ؛ حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبًا)(2).
وهو دقيقٌ مَزلَّةُ قدَمٍ إلا لمن ثبَّته اللهُ؛ كما قال ابنُ مسعودٍ: "وَالصِّرَاطُ كَحَدِّ السَّيْفِ، دَحْضُ مَزِلَّةٍ"(3)، وقال سَلْمانُ:"إنه كحَدِّ المُوسَى"(4).
(1) البخاري (6573)، ومسلم (182) من حديث أبي هريرة.
(2)
البخاري (7439)، ومسلم (183) من حديث أبي سعيد.
(3)
"تعظيم قدر الصلاة"(278). وقد روي عنه مرفوعًا.
(4)
ابن أبي شيبة (35335)، وابن الأعرابي (1827). وقد رُوِي عنه مرفوعًا.