الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان بُهْلُولُ بنُ راشدٍ، وسُحْنُونُ بنُ سعيدٍ، وعليُّ بنُ زيادٍ: لا يسلِّمون عليهم، وكان سُحْنُونُ بنُ سعيدٍ لا يصلِّي خَلْفَهم، بل كان عبدُ اللهِ بنُ فَرُّوخٍ، وابنُ غانمٍ، وبُهْلُولُ بنُ راشدٍ، لا يصلُّون على جَنائِزِهم، وقد حكى بعضُ علماءِ المغربِ اتفاقَ علماءِ السُّنَّةِ المغارِبةِ على أنه لا تجوزُ الصلاةُ على مَن يَدِينُ بالاعتزالِ.
*
بدايةُ رَدِّ المغاربةِ على المشارِقةِ في الفروعِ لا في الأصول:
والمذاهِبُ الفقهية -ومنها: المذاهِبُ الأربعةُ المشهورة- مذاهِبُ فقهيَّة، وليست طُرُقًا عَقَدِيَّة؛ فليس كلُّ مَن انتسَبَ إلى إمامٍ في الفروع، فهو على طريقتِهِ في الاعتقاد، ولا يُنسَبُ للإمامِ اعتقادٌ قرَّره بعضُ أتباعِهِ في الفروع.
ومَن نظَرَ في كثيرٍ مِن رؤوسِ الاعتزالِ، وجَدَهم حنفيَّةً في الفروعِ، وأبو حنيفةَ بريءٌ مِنِ اعتزالهم، وهكذا في بعضِ مَن ينتسِبُ لمالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ؛ فتؤخَذُ مذاهبُ الفروعِ بمأخَذٍ غيرِ طرائقِ العقائد.
ولم تَظهَرِ الأهواءُ في المغربِ منتظِمةً مبكِّرةً؛ كما ظهَرَتْ في المشرِقِ والعراقِ والشامِ، وقد كانت غايةُ البدعِ الكلاميَّةِ يَحمِلُها أفرادٌ، وربَّما يتهيَّبون من الدعوةِ إليها والكتابةِ بها، وكان عامَّةُ ردودِ المغارِبةِ ومناظراتُهم في القرنِ الثالثِ والرابعِ -خاصَّةً المالكيَّةَ- في الفروعِ، ودفاعًا عن مالكٍ ومذهبِهِ مِن ردودِ بعضِ المشارِقةِ وغيرِهم عليه؛ خاصَّةً مِن أبي حنيفةَ والشافعيِّ وأصحابِهما، وخاصَّةً في كتابِ محمَّد بن الحسَن "الحُجَّةِ على أهلِ المدينة"، وكتابِ الشافعيِّ "اختلافِ مالك"، وغيرِهما.
وقد رَدَّ جماعةٌ مِن المغارِبةِ على الشافعيِّ، منهم: محمَّدُ بنُ سُحْنُونٍ في كتابِهِ "الجوابَات"، ويحيى بن عُمَرَ الكِنَانيُّ الأندلسيُّ
القَيْرَوانيُّ في كتابِهِ "الحُجَّةِ في الردِّ على الشافعيِّ"، ورَدَّ على الشافعيِّ: يُوسُفُ المُغَامِيُّ الأندلسيُّ، وأبو عثمانَ سعيدٌ الحدَّاد، ورَدَّ محمَّدُ بن سُحْنُونٍ على أبي حنيفةَ وأصحابِهِ في كتابِهِ "الردِّ على أهلِ العراق".
وهذه الردودُ كلُّها في القرنِ الثالث.
وقد كانوا يَرُدُّونَ الاحتجاجَ بكتبِ داوُدَ الظاهِريِّ وأقوالِهِ قبلَ دخولِ بعض رجالِ المغربِ في مذهبِه، وقبلَ ولادةِ ابنِ حزمٍ، وأوَّلُ مَن أدخَلَ كتبَ داودَ الأَندَلُسَ تلامذتُهُ: عبدُ اللهِ بن قاسمِ بنِ هِلَالٍ القرطبيُّ، ومُنْذِرُ بن سَعيدٍ البَلُّوطيُّ، ثم أدخَلَ كتبَ داودَ مَغرِبَ إفريقيَّة: محمَّدُ بن خَيْرُونَ القيروانيُّ في "رحلتِهِ إلى العراق"، التي لَقِيَ فيها أصحابَ أحمَدَ، وابنِ مَعِينٍ، وابنِ المَدِينيِّ؛ وهو أوَّلُ مَن أدخَلَها القَيْرَوانَ؛ وهذا قبلَ ولادةِ ابنِ حَزْمٍ بنحوِ قَرْنٍ.
وقد تكلَّم أبو عُثْمانَ سعيدُ بن الحدَّادِ في مسألةٍ، فقيل له: إنَّ داودَ قال فيها كذا وكذا، فقال:"لو كان نَوْمِي كيَقَظةِ داودَ، ما تكلَّمْتُ في العِلْم"(1).
وابنُ الحدَّاد شيخُ شيوخِ ابنِ أبي زَيْد.
ورَدَّ ابنُ أبي زيدٍ نفسُهُ على الظاهريَّةِ وخلافِهم لمالكٍ في كتابِهِ "الذَّبِّ عن مذهبِ مالك"، وكان كتابُهُ ردًّا على كتابٍ لأحدِ الظاهريَّةِ سمَّاه:"التنبيهَ والبيانَ، عن مسائلَ اختلَفَ فيها مالكٌ والشافعيُّ"؛ حيثُ ذكَرَ صاحبُ "التنبيهِ" مخالَفةَ مالكٍ للسُّنَّةِ في بعضِ أصولِ فقهِهِ، وسبعًا وثلاثينَ مسألةً مِن فروعِه، وكان المَغارِبةُ يسمُّونَ داودَ بالقِيَاسيِّ؛ لأنه ينفي القياسَ.
(1)"معالم الإيمان"(2/ 297 - 298).