الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأبو معمرٍ الكرخي (1) وغيرُهما.
وأمَّا البِدْعة الصغرى المضلِّلةُ: فكمَنْ وقَعَ في شيءٍ فيهم لم يثبُتْ بالتواتُرِ خلافُه، وإنْ صحَّ فيه الخبَر.
فهذا مبتاِعٌ؛ لعدوانِهِ على جَنَابِ الصحابةِ ولو كان واحدًا.
وخرَجَ مِن بِدْعةِ الكفرِ؛ لكونِهِ لم يُنكِرْ متواتِرًا معلومًا مِن الدِّينِ ضرورةً؛ كمَن يسُبُّ مَن صحَّ فضلُهُ ولم يتواتَرْ، أو ذَمَّ خَصْلةً فيه لم يثبُتْ بالتواتُرِ خلافُها؛ كالبُخْلِ والكذبِ والجُبْن، وإنما بُدِّعَ لعدوانِهِ على أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومخالفتِهِ لوصيَّتِهِ فيهم؛ كما قال صلى الله عليه وسلم في "الصحيحَيْن":(لَا تَسُبُّوا أصْحَابِي؛ فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أحُدٍ ذَهَبًا، مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ)(2)، وروى أحمدُ والترمذيُّ عنه صلى الله عليه وسلم؛ قال:(أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ)(3).
وقد قال الإمامُ أحمد: "إذا رأيتَ رجلًا يذكُرُ أصحابَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بسُوءٍ، فاتَّهِمْهُ على الإسلامِ"(4).
*
التفاضُلُ بين الصحابةِ:
* قَالَ ابْنُ أَبي زَيْدٍ: (وَأَفْضَلُ الصَّحَابَةِ: الخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ المَهْدِيُّونْ: أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، ثُمَّ عَلِيُّ؛ رضي الله عنهم أَجْمَعِينْ):
كان الصَّدْرُ الأوَّلُ يُجِلُّونَ الصحابةَ، ويعظِّمونَ قَدْرَهُمْ على سبيلِ
(1)"السُّنَّة" للخلال (666).
(2)
البخاري (3673)، ومسلم (2541) من حديث أبي سعيد.
(3)
أحمد (1/ 18 و 26 رقم 114 و 177)، والترمذي (2165) من حديث عمر.
(4)
"شرح أصول الاعتقاد"(2359).
الإجمالِ والتفصيل، ولم يكونوا يُوغِلُونَ في التفضيلِ بينهم؛ لعدَمِ قيامِ المُوجِبِ لذلك، ولأنَّهم على الفِطْرةِ الصحيحةِ، ولم تَظهَرِ البدعُ في الوقيعةِ في الصحابةِ والطعنِ فيهم؛ فكانوا يَعرِفُونَ مقاديرَهُمْ وفضلَهُمْ ويَحكُونَه، ويَعرِفُونَ تفاضُلَهُمْ في صدورِهم، وإنْ أمسَكُوا عن التعبيرِ عن ذلك:
كما قال مالكٌ: "إنَّ التفاضُلَ بين الصحابةِ ليس مِن أمرِ الناسِ الذين مضَوْا، وإنما كان مِن هَدْيِهِمُ الإمساكُ عن مِثْلِ هذا"(1).
وقولُ مالك هذا مِن جنسِ قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: (لَا تَخَيَّرُوا بَيْنَ الأَنْبِيَاءِ)(2)، وقولِهِ صلى الله عليه وسلم:(لَا تَخَيَّرُونِي عَلَى مُوسَى)(3)، وفي حديثٍ ثانٍ، قال-صلى الله عليه وسلم:(لَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى)(4)؛ لأنَّ مِن التفضيلِ ما يَتوهَّمُ به السامعُ نقصَ المفضولِ وعَيْبًا فيه.
وقد كان مالكٌ نفسُهُ يفضِّلُ أبا بكرٍ وعُمَرَ على غيرِهما (5).
وتفاضُلُ الصحابةِ في بعضِ الخِصَالِ، لا يعني الفَضْلَ المطلَقَ؛ فقد يفضُلُ واحدٌ الصحابةَ في خَصْلةٍ -كالشجاعةِ والكَرَمِ والحِلْمِ- وغيرُهُ أفضَلُ منه؛ ومِن هذا قولُ ابنِ عُمَرَ:"ما رأيتُ أسوَدَ مِن معاوِيةَ! "، فقيل لابنِ عُمَرَ: هو كان أسوَدَ مِن أبي بَكْرٍ؟ قال ابنُ عُمَرَ: "أبو بكرٍ واللهِ أخيَرُ منه، وهو واللهِ أسوَدُ مِن أبي بَكْرٍ! "(6)، وقال ابنُ عُمَرَ -أيضًا-:
(1)"الاستذكار"(14/ 241 و 243)؛ بنحوه.
(2)
البخاري (2412 و 6916)، ومسلم (2374) من حديث أبي سعيد.
(3)
البخاري (2411 و 3408 و 6517 و 7472)، ومسلم (2373) من حديث أبي هريرة.
(4)
البخاري (3395)، ومسلم (2377) من حديث ابن عباس.
(5)
"الاستذكار"(14/ 244)، و"الانتقاء"(ص 35).
(6)
"الآحاد والمثاني"(516)، و"السُّنَّة" للخلال (679).