الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا كلُّه تأصيلٌ لقاعدةِ الجَوْهَرِ والعَرَضِ والحوادِث، وانضباطُها على الإنسانِ لا يُجِيزُ تنزيلَها على اللهِ؛ فاللهُ تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشُّورَى: 11]؛ فمَن ليس كمِثْلِهِ شيءٌ في ذاتِه، ليس كمِثْلِهِ شيءٌ في صفاتِه.
والسلَفُ يُثبِتُونَ للهِ الأسماءَ والصفاتِ؛ كما أثبَتَها اللهُ لنفسِه، وأثبَتَها له نبيُّهُ صلى الله عليه وسلم؛ مِن غيرِ تشبيهٍ ولا تمثيلْ، ولا تعطيلٍ ولا تكييفٍ ولا تأويلْ، والذي عليه السلفُ: إثباتُ ما أثبَتَهُ اللهُ لنفسِه، وما أثبَتَهُ له نبيُّه صلى الله عليه وسلم، والإيمانُ بذلك، وأنَّه على الحقيقةِ؛ فلا يؤوَّلُ، ولا يَلزَمُ مِن إثباتِ الحقيقةِ: التشبيهُ؛ كما أنه لا يَلزَمُ مِن إثباتِ ذاتِ اللهِ على الحقيقةِ: إثباتُ الشبيهِ لها، ومَن جعَلَ ذلك لازمًا، فيَلزَمُهُ إنكارُ حقيقةِ الذاتِ؛ كما يُنكِرُ حقيقةَ الصفاتِ؛ فالعِلَّةُ التي تَستوجِبُ نفيَ الحقيقتَيْنِ واحدةٌ.
*
ما وَرَدَ مِن الأسماءِ والصفاتِ عن الصحابةِ والتابِعِين:
الأصلُ: ألَّا تُثبَتَ الأسماءُ والصفاتُ لله إلا بما ثبَتَ في الوحيَيْن؛ لأنَّ مسائلَ الغيب مَرَدُّها إلى علمِ الله، لا مجالَ فيها للاجتهادِ والنَّظَر؛ فاللهُ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]؛ حتى يُقاسَ على غيرِه، أو يُقاسَ غيرُهُ عليه.
وأمَّا ما يُثبِتُهُ الصحابةُ مِن الصفاتِ والأسماءِ لله؛ فهم لا يقولونَ على اللهِ بلا عِلْم، وليستِ العقائدُ مِن موارِدِ النِّزَاعِ عندَهم؛ ولهذا لا يُحفَظُ عنهم خلافٌ في الأسماءِ والصفاتِ وتوحيدِ الله؛ فقَوْلُ الواحدِ في ذلك هو قولُ البَقِيَّة، ولَمَّا أَذِنَ الشرعُ لهم بالحديثِ عن بني إسرائيلَ مما لا يُخالِفُ الشريعةَ، في قولِهِ صلى الله عليه وسلم: (حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ،
وَلَا حَرَجَ) (1)، كان الصحابةُ في الأسماءِ والصفاتِ على قسمَيْنِ:
القِسْم الأوَّل: الذين لا يُعرَفُونَ بالنقلِ عن بني إسرائيلَ؛ وهم الأصلُ والأغلَبُ؛ فهؤلاءِ يُجزَمُ أنَّهم لا يتخرَّصُونَ على الله بالعَقْل، وأنَّ نَقْلَهم إنما هو عن وَحْي.
وإثباتُ ذلك صحيحٌ؛ كما جاء عن ابنِ عبَّاسٍ، وابنِ مسعودٍ، وأبي مُوسَى: إثباتُ القَدَمَيْنِ لله (2)؛ فهذا يقوِّيهِ إثباتُ صفةِ القَدَم لله تعالى في "الصحيحَيْنِ"؛ مِن حديثِ أنسٍ وأبي هُرَيْرةَ مرفوعًا (3)، وفي "المسنَدِ"، وعند ابنِ خُزَيْمةَ في "التوحيد"؛ مِن حديثِ ابنِ عبَّاسٍ (4)، وله ما يعضُدُهُ مِن مرفوعٍ عن ابنِ عبَّاسٍ في "المسنَدِ"، وغيرِه (5).
ونقَلَ الآجُرِّيُّ في "الشريعة"(6): "أنَّ عمَلَ مذهبِ أهلِ الحقِّ والعلماءِ: أنَّهم يَصِفُون اللهَ عز وجل بما وصَفَ به نَفْسَهُ عز وجل، وبما وصَفَهُ به رسولُهُ صلى الله عليه وسلم، وبما وصَفَهُ به الصحابةُ رضي الله عنهم".
ولأنَّ مجرَّدَ كلامِ الصحابيِّ في الأسماءِ والصفاتِ وفيما لا يجوزُ له أن يتكلَّمَ به إلا بالوَحْي، فذلك كأنَّما أسنَدَهُ ورفَعَهُ إلى النبيَّ صلى الله عليه وسلم؛ ويؤكِّدُ ذلك: أنَّ الصحابةَ لم يَقَعْ بينَهُمُ اختلافٌ ونزاعٌ في هذا البابِ؛ كما وقَعَ بينَهم في الفروع؛ لأنَّ الفروعَ مَحَلُّ رأيٍ واجتهاد.
(1) أبو داود (3662) من حديث أبي هريرة. والنسائي في "الكبرى"(5817) من حديث أبي سعيد.
(2)
سبق عند الكلام على الكرسي.
(3)
البخاري (4848)، ومسلم (2848) من حديث أنس. والبخاري (4849)، ومسلم (2846) من حديث أبي هريرة.
(4)
"التوحيد"(1/ 248 و 249) من حديث ابن عباس؛ موقوفًا.
(5)
أحمد (1/ 256 رقم 2314)، والدارمي (2745).
(6)
"الشريعة"(2/ 1051).