الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وضَمَّةُ القبرِ قد جاء فيها عِدَّةُ أحاديثَ مِن وجوهٍ متعدِّدةٍ، وفيها جملةٌ مِن الآثارِ عن الصحابةِ والتابعين؛ فقد جاء في "المسنَد" مِن حديثِ عائشةَ:(إِنَّ لِلْقَبْرِ ضَغْطَةً، لَوْ كَانَ أَحَدٌ نَاجِيًا مِنْهَا، لَنَجَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ)(1)؛ وله طرقٌ متعدِّدة مِن حديث ابنِ عُمَرَ (2)، وابنِ عبَّاسٍ (3)، وغيرِهما (4).
وقد أنكَرَ بعضُ طوائفِ الضلالِ والمادِّيُّونَ عذابَ القبر؛ باعتبارِ رُؤْيَتِهم للميِّتِ وليس عليه عذابٌ يُرَى، واللهُ قادرٌ على أنْ يحجُبَ عنهم ما يشاءُ؛ كما حجَبَ عنهم الرُّوحَ التي بها حياتُهم ولا يَرَوْنَها، وكما يَرَى الجِنُّ الإنسانَ ولا يَرَاهُمْ.
*
كتابةُ الأعمالِ على المكلَّفين
* قَالَ ابْنُ أَبي زَيْدٍ: (وَأنَّ عَلَى العِبَادِ حَفَظَةً يَكْتُبُونَ أَعْمَالَهُمْ، وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَنْ عِلْمِ رَبِّهِمْ):
يجبُ الإيمانُ بالملائكةِ؛ فالإيمانُ بهم رُكْنٌ مِن أركانِ الإيمانِ، وأنَّهم عبادٌ للهِ مقرَّبون، وفي حديثِ جبريلَ لمَّا سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن الإيمان؟ قال:(الإِيمَانُ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَاليَوْمِ الآخِر، وَبِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ)(5).
وقد قرَنَ اللهُ الإيمانَ بالملائكةِ بالإيمانِ به سبحانه؛ فقال: {كُلِّ
(1)"المسند"(6/ 55 و 98 رقم 24283 و 24663).
(2)
عند النسائي (2055).
(3)
عند الطبراني في "الكبير"(10/ 406 رقم 10827).
(4)
كأنسٍ عند أبي يعلى؛ كما في "إتحاف الخيرة"(2/ 493).
(5)
سبق تخريجه.
آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} [البقرة: 285]، وقال تعالى:{وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة: 177].
والملائكةُ كثيرٌ لا يُحصِيهم عَدًّا إلا اللهُ؛ ولكنْ قد يأتي في الوحيِ بيانٌ لعَدَدِ بعضِهم في عمَلٍ معيَّنٍ، أو موضِعٍ معيَّنٍ، أو زمانٍ معيَّن:
منهم: الواحدُ؛ كالموكَّلِ بالوحيِ، وخازنِ الجنَّةِ، وخازنِ النارِ، وملَكِ الجِبَالِ، وقابضِ الأرواحِ، ونافِخِ الصُّور، ونافِخِ الرُّوح.
ومنهم: اثنانِ؛ كالمُوكَّلَيْنِ بالكتابةِ: رَقِيبٍ وعَتِيد.
ومنهم: ثمانيةٌ؛ كحمَلَةِ العَرْش.
ومنهم: تِسْعةَ عشَرَ؛ وهم خَزَنةُ النار، ومقدَّمُهُمْ مَالِكٌ.
ومنهم: سَبْعُونَ أَلْفًا؛ وهم الذين يطوفونَ بالبيتِ المعمورِ؛ كما في الحديثِ قال صلى الله عليه وسلم: (. . . فَرُفِعَ لِيَ البَيْتُ المعْمُورُ، فَسَألْتُ جِبْرِيلَ؟ فَقَالَ: هَذَا البَيْتُ المعْمُورُ؛ يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ؛ إذَا خَرَجُوا، لَمْ يَعُودُوا إلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيهِمْ)؛ متفَقٌ عليه (1).
ومِن الملائكةِ: الحفَظَةُ الذين يُحصُونَ على العبادِ أفعالَهم، ويكتُبُونَها؛ لإقامةِ الحُجَّةِ عليهم؛ قال تعالى:{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار: 10 - 12]، وقال:{إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 17 - 18].
واللهُ يَعلَمُ أفعالَ العبادِ وأقوالَهم ونِيَّاتِهم، ولا يَحتاجُ اللهُ إلى أحدٍ يُحصِي ذلك له لِيَعْلَمَ ويُحاسِبَ، ولكنَّ اللهَ أرادَ إقامةَ الحُجَّةِ على عبادِهِ وقطعَ أعذارِهم بإحصاءٍ محسوسٍ.
(1) البخاري (3207)، ومسلم (164) من حديث مالك بن صعصعة.