الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأمَّا علمُ اللهِ وإحاطتُهُ، فلا يَحتاجُ إلى كَتَبَةٍ وحَفَظةٍ؛ فكلُّ ذلك يسيرٌ عليه؛ فقد فرَّق اللهُ بين عِلْمِهِ وبين الكتاب، وأنَّ علمَ كلِّ شيءٍ عليه يسيرٌ بكتابٍ وقبلَ الكتابِ؛ كما قال تعالى:{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحج: 70]، وقال:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [فاطر: 11].
وكلُّ الملائكةِ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ، ليس لهم مِن خصائصِ الربوبيَّةِ والألوهيَّةِ شيءٌ، خلَقَهُمُ اللهُ مِن نُور؛ قال الله عن عبادتهم:{وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 19 - 20]، وقال:{بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: 26 - 27]، وقال:{لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].
*
الأرواحُ وقَبْضُها:
* قَالَ ابْنُ أَبي زَيْدٍ: (وَأَنَّ مَلَكَ المَوْتِ يَقْبِضُ الأَرْوَاحَ (فِي الجَامِعِ: كُلَّهَا)(1) بِإِذْنِ رَبِّهِ):
خَلَق اللهُ الأرواحَ كما خَلَق الأجساد، وخَلْقُه للأرواح سابقٌ لخلقِه للأجساد، وقد حكى الإجماعَ على ذلك إسحاقُ وغيرُه (2).
وقد وكَّل اللهُ بالأرواحِ مَلَكًا يَبدَأُ مع الإنسانِ في تكوينِهِ في بطنِ أمِّه، ويستأذِنُ ربَّه في كلِّ عمَلٍ يعملُهُ؛ كما في "الصحيحَيْنِ" عن أنسِ بنِ
(1)"الجامع"(ص 111).
(2)
"التمهيد" لابن عبد البر (18/ 84).
مالكٍ -ورفَعَ الحديثَ- أنه قال: (إِنَّ اللهَ عز وجل قَدْ وَكَّلَ بِالرَّحِمِ مَلَكًا، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، نُطْفَةٌ؛ أَيْ رَبِّ، عَلَقَةٌ، أَيْ رَبِّ، مُضْغَةٌ؛ فَإِذَا أَرَادَ اللهُ أَنْ يَقْضِيَ خَلْقًا، قَال: قَالَ المَلَكُ: أَيْ رَبِّ، ذَكَرٌ أَو أُنْثى؟ شَقِيٌّ أَو سَعِيدٌ؟ فَمَا الرَّزْقُ؟ فَمَا الأَجَلُ؟ فَيُكْتَبُ كَذَلِكَ في بَطْنِ أُمِّهِ)(1).
ثُمَّ يُنفَخُ فيه الرُّوحُ؛ كما جاء في حديثِ ابنِ مسعودٍ في "الصحيحَيْن"(2).
والملَكُ الموكَّلُ بالرُّوحِ عند نَفْخِها، غيرُ المَلَكِ الموكَّلِ بالرُّوحِ عند قَبْضِها.
ثُمَّ إنَّ المَلَكَ الموكَّلَ مِن اللهِ بالتخليقِ وبنَفْخِ الرُّوحِ واحدٌ، ليس معه أحَدٌ؛ في ظاهِرِ النصوصِ.
وأمَّا ملَكُ قبضِ الرُّوحِ، فواحدٌ مقدَّمٌ، ومعَهُ غيرُه:
أمَّا كونُهُ واحدًا مقدَّمًا، ففي قوله تعالى:{قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة: 11].
وأمَّا كونُهُ معَهُ غيرُهُ، ففي قولِهِ تعالى:{فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} [محمد: 27]، وقولِهِ تعالى:{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ} [الأنعام: 61].
وملَكُ الموتِ المقدَّمُ يَقبِضُ، والبقيَّةُ يُعِينُونَ في قبضِ الروح، وتجهيزِها، ورفعِها؛ كما في حديثِ البَرَاءِ في "المسنَد"؛ قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا، وَإِقْبَالٍ مِنَ الْآخِرَةِ،
(1) البخاري (318)، ومسلم (2646).
(2)
البخاري (3208)، ومسلم (2643).