الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على النصرةِ؛ فقال: "أَنْفَقَ وَقَاتَلَ"، وكلما كان إسلامُ الصحابيِّ في زمَنٍ أشَدَّ مِن غيرِه، كان أفضَلَ منه، ولما كانت حالُ المهاجِرِينَ أشَدَّ مِن الأنصار، فُضِّلُوا عليهم، ولم يكنْ في المهاجِرِينَ نفاقٌ؛ كما قاله أحمَدُ فيما نقَلَهُ عنه المَرُّوذِيّ (1).
ومِن هذا: كان فضلُ مَن شَهِدَ بَدْرًا على مَن شَهِدَ أُحُدًا فقطْ، ومَن بايَعَ تحتَ الشجرةِ على مَن لم يُبايِعْ؛ لتحقُّقِ النصرةِ في هذه المواقِفِ مع الإيمان؛ قال تعالى:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 18].
*
الوقوعُ في الصَّحَابةِ:
حُبُّ الصحابةِ وتوقيرُهم: مِن أعظَمِ القُرُباتِ؛ لأنَّه مِن تعظيمِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم تعظيمُ أصحابِه، ومِن إجلالِ اللهِ إجلالُ أصحابِ نبيِّه:
فعن عبد اللهِ بنِ مغفَّلٍ المُزَنيِّ؛ قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (اللهَ اللهَ فِي أَصْحَابِي! اللهَ اللهَ فِي أَصْحَابِي! لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي؛ فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبِّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي، وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللهَ تبارك وتعالى، وَمَنْ آذَى اللهَ فَيُوشِكُ أنْ يَأْخُذَهُ)(2).
وقال أحمدُ بن حنبل: "فحُبُّهُمْ سُنَّة، والدُّعَاءُ لهم قُرْبَة، والاقتداءُ
(1)"مجموع الفتاوى"(7/ 201).
(2)
"الترمذي (3862).
بهم وسيلة، والأخذُ بآثارِهِمْ فضيلة" (1).
ولا يقَعُ فيهم إلَّا مبتلًى في دِينِه.
ومَن طعَنَ في الصحابةِ أو في واحدٍ منهم، فلا يخلو مِن الوقوعِ في البِدْعَتَيْنِ: امَّا الكبرى المكفِّرة، وإمَّا الصغرى المضلِّلةِ:
أمَّا البِدْعةُ الكبرى المكفِّرةُ: فكمَن تنقَّصَهم، أو سبَّهم في شيءٍ ثبَتَ بالتواتُرِ خلافُه؛ وهذا كمَن سَبَّ جميعَ الصحابةِ أو عامَّتَهم؛ فهذا أراد صُحْبَتَهم، ولم يُرِدْ أعيانَهم، ولو زعَمَ خلافَ ذلك، وفضلُهُمْ جميعِهم أو عامَّتِهِمْ متواتِرٌ لا خلافَ فيه.
ومثلُ ذلك: مَن طعَنَ في عِرْضِ عائشةَ، واللهُ قد برَّأها في القرآن، ونحوُ ذلك، أو طعَنَ في المهاجِرِينَ أو الأنصار، أو مَن بايَعَ تحت الشَّجَرةِ، أو طعَنَ في عمومِ أهلِ بَدْرٍ وأُحُدٍ؛ فأولئك تواتَرَ فضلُهُمْ وثبَت؛ فالطعنُ في جميعِهِمْ أو عامَّتِهم كُفْرٌ.
ومثلُهُ: الطعنُ في واحدٍ تواتَرَ فضلُهُ كأبي بكرٍ، وعُمَرَ، وعائشةَ؛ قال مالك:"مَنْ سَبَّ عائشةَ، قُتِلَ، قيل له: لِمَ؟ قال: مَنْ رَمَاهَا، فقد خَالَفَ القرآنَ"(2).
وقد جاء عن أحمدَ: أنَّه سُئِلَ عمَّن يشتُمُ أبا بكرٍ وعُمَرَ وعائشةَ؛ رضي الله عنهم أجمعين؟ فقال: "ما أُرَاهُ على الإسلامِ"(3).
وقد جَعَل اللهُ مَن حَمَل غيظًا في قلبِه على الصحابةِ كافرًا، كما في قولِه تعالى:{لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّار} [الفتح: 29]؛ وبهذا استدَلَّ مالكٌ (4)
(1) انظر: "طبقات الحنابلة"(1/ 63 - 64).
(2)
"مسند الموطأ"(87)، و"المحلى"(11/ 414 - 415).
(3)
"السُّنَّة" للخلال (779 و 782).
(4)
"السُّنَّة" للخلال (760).