الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالتفكُّرِ في خَلقِه الدالِّ عليه" (1)؛ لأنَّ التفكُّرَ في الأسماءِ يؤدِّي لمعرِفةِ معناها وآثارِها، والعمَلِ بمقتضاها، وهو الإحصاءُ المقصودُ بقولِهِ صلى الله عليه وسلم:(إِنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا؛ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ)(2).
*
اللغةُ وعلمُ الكلام، وأسبابُ انتشارِ البِدْعة:
كان اللسانُ العَرَبيُّ الأوَّلُ حاميًا مِن الخروجِ عن وضعِ الشريعةِ، ومرادِ اللهِ سبحانه، ولمَّا انتشَرَتِ العُجْمةُ في الناس، ظنَّ أولادُ العرَبِ أنَّهم كآبائِهم يَرِثُونَ اللسانَ، كما يَرِثُونَ النسَب؛ ففسَدَتْ أفهامُ بعضِهم للنصوصِ لفسادِ اللسان؛ وقد صحَّ عن الحسَنِ البصريِّ قولُه:"أهلَكَتْهُمُ العُجْمةُ؛ يتأوَّلون القرآنَ على غيرِ تأويلِه"(3).
وكان مالكٌ يحذِّرُ مِن تفسيرِ القرآنِ وتأويلِهِ مِن غيرِ معرِفةٍ بلسانِ العرَبِ ولغاتِها، ويدعو إلى تأديبِ فاعلِهِ؛ لأنَّ ذلك يؤدِّي إلى حملِ كلامِ اللهِ على غيرِ مرادِه؛ قال:"لا أُوتَى برَجُلٍ يفسِّرُ كتابَ اللهِ غيرَ عالِمٍ بلغاتِ العرَبِ، إلا جعَلْتُهُ نَكَالًا"(4).
ويكفي في رَدِّ البدعِ الكلاميَّةِ معرِفةُ مَنْشَئِها اللسانيّ، وبُعْدِها المكانيِّ والزمانيّ؛ ولهذا لم يكنِ العرَبُ الذين سَمِعُوا القرآنَ يَستشكِلُونَ مِن الصفاتِ ما استشكَلَهُ المتكلِّمونَ حتى كفَّارُ قريش، ولم يكنِ الصحابةُ يَسألُونَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن أنواعِ الصفاتِ الذاتيَّةِ والفعليَّة؛ لأنَّ لسانَهم وبيانَهم لا يحتاجُ لِمِثْلِ هذا التقسيم.
(1)"جامع بيان العلم"(1769).
(2)
البخاري (2736)، ومسلم (2677) من حديث أبي هريرة. وسيأتي بيانُ أنواعِ ظاهرِ الصفاتِ عند السلَفِ في شرحِ كلامِ ابنِ أبي زَيْد؛ بإذنِ الله.
(3)
"تفسير القرآن" لابن وهب (85/ الجامع).
(4)
"شعب الإيمان"(2090)، و"ذم الكلام"(882).
وقد بيَّن ابنُ أبي زيدٍ القَيْرَوانيُّ: أنَّ البِدَعَ في الدِّينِ كانت بسبَبِ تصديرِ بني العبَّاسِ للعجَمِ مِن الفُرْسِ وغيرِهم، ولم يكنْ ذلك في بني أُميَّة (1).
ولما تمكَّن علمُ الكلامِ مِن بعضِ الناسِ، التمَسُوا مِن علمِ العربيَّةِ وأشعارِ العرَبِ ما يؤيِّدُ قولَهم، ولو كان مخالِفًا للوضعِ العرَبيِّ الأوَّل، ولسانِ قريش؛ فهم اعتقَدُوا بدليلِ علمِ الكلامِ، ثم استأنسُوا بالعربيَّة، حتى أصبَحَ هناك مَن يَقصِدُ تعلُّمَ العربيَّةِ، لتقريرِ علمِ العقائدِ على طريقةِ أهلِ الكلام.
وأهلُ السُّنَّةِ يُرجِعُونَ فهمَ مسائلِ الدِّينِ إلى ما تواضَعَ عليه أهلُ الصدرِ الأوَّلِ، واشتهَرَ الأخذُ به مِن زمنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم والصحابةِ والتابِعِينَ خاصَّةً الحجازيِّين، ولا يَعتمِدُونَ على كلِّ لغةٍ واستعمال، ويتثبَّتون في النقلِ، ولا يَستدِلُّونَ بكلِّ شيءٍ مِن شواهدِ العرَبِ وأشعارِهم، بل بما تَفهَمُهُ عامَّةُ العرَبِ عند الإطلاق.
وقد نبَّه على هذا جمعٌ مِن الأئمَّةِ؛ كالشافعيِّ في "الرسالة"(2)، وعبدِ العزيزِ الكِنَانيِّ في "الحَيْدة"(3)؛ وهو الذي يَجرِي عليه في استعمالِهِ ونهجِهِ أئمَّةُ العربيَّةِ؛ كأبي عمرِو بنِ العَلَاءِ، وحمَّادِ بنِ سَلَمةَ، والخليلِ بنِ أحمدَ، وسِيبَوَيْهِ، والكِسَائِيِّ، والأَصمَعيِّ، وأبي عُبَيدٍ القاسمِ بنِ سلَّامٍ، وابنِ قُتَيْبةَ، وثَعْلَبٍ، وأبي منصورٍ الأَزْهَريِّ، وغيرِهم.
(1) انظر: "صَوْن المنطق"(ص 756).
(2)
"الرسالة"(ص 40 - 53).
(3)
"الحيدة"(ص 54 - 58).