الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شَيْءٌ، وَأَنْتَ البَاطِنُ؛ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ؛ اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الفَقْرِ) (1).
وروى عِمْرَانُ بن حُصَيْنٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: (كَانَ اللهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، وَكَتَبَ في الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ)(2).
*
حكمُ التفكُّرِ في ذات الله:
* قَالَ ابْنُ أَبي زَيْدٍ: (لَا يَبْلُغُ كُنْهَ صِفَتِهِ الوَاصِفُونْ، وَلَا يُحِيطُ بأَمْرِهِ المُتَفَكِّرُونْ):
الكُنْهُ في كلامِ العرَبِ: هو حقيقةُ الشيءِ وغايتُهُ ونِهَايتُه؛ فيُقالُ: هذا أَمْرٌ لا يُدْرَكُ كُنْهُهُ: إذا كان عصيًّا على إدراكِ كيفيَّتِه (3).
وإثباتُ صفاتِ الباري إنما هو إثباتٌ للوجودِ والحقيقةِ والكيفيةِ اللائقة به التي لا نَعلَمُها، لا إثباتٌ للكيفيَّةِ في أذهانِ المثبِتِينَ؛ لأنَّ اللهَ سبحانه ليس له مثيلٌ يُكيَّفُ عليه، ولا شبيهٌ له حتى يقاسَ عليه؛ فاللهُ يقولُ عن نَفْسِه:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] ولا أَعلَمَ مِن الله بنفسِهِ سبحانه.
والواجِبُ على العقولِ: أن تَتوقَّفَ عند إثباتِ حقيقةِ الصفاتِ ومَعانِيها الثابِتة، ولا تَتجاوزَ ذلك إلى الكيفيَّةِ تفكُّرًا أو بحثًا؛ فلا تشبِّهُ ولا تؤوِّل، ولا تفوِّضُ ولا تحرِّف؛ فكلُّ مجاوَزةٍ للعقلِ عن الحَدِّ المأذونِ به شرعًا في صفاتِ اللهِ تعالى، فلا بُدَّ أن يَنتهِيَ بصاحبِهِ إلى
(1) مسلم (2713).
(2)
البخاري (3191 و 7418).
(3)
"تهذيب اللغة"(6/ 23).
تشبيهٍ أو تمثيلٍ، أو تحريفٍ وتعطيلٍ، والخوضُ فيما نَهَى اللهُ عنه يؤدِّي إلى هلاكِ صاحبِه، وهو مِن أسبابِ دخولِ النار؛ فقد ذكَرَ اللهُ قولَ أهلِ النارِ في سبَبِ دخولِهم فيها:{وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} [المدثر: 45].
وإنما نَهَى اللهُ عن الخوضِ فيما لا يُدرِكُهُ العقلُ: لأنه بابٌ للشيطانِ لإغواءِ الناسِ؛ فيستدرِجُهُمْ إلى الخوضِ في غَيْبٍ لا يُحسِنُونَه، ويَغُرُّهم بعقولِهم، وربَّما ابتدَأَ بهم بالمشروعْ، تطمينًا لنفوسِهم حتى يَجُرَّهم إلى الممنوعْ؛ كما في قولِهِ صلى الله عليه وسلم:(إِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْتِي أَحَدَكُمْ، فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ؟ فَيَقُولُ: اللهُ عز وجل، فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ الْأَرْضَ؟ فَيَقُولُ: اللهُ، فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ اللهَ؟ فَإذَا أَحَسَّ أَحَدُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَلْيَقُلْ: آمَنْتُ بِاللهِ وَبِرُسُلِهِ)(1) وفي روايةٍ: (فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ وَلْيَنْتَهِ)(2)، والنهيُ ليس للبدءِ بالتفكُّرِ المشروع، وإنما للحذَرِ أن يكونَ طريقًا للممنوع.
ويجبُ إمساكُ العقولِ والأذهانِ عن استرسالِها بالتفكُّرِ في كيفية ذاتِ اللهِ وصفاتِهِ؛ لأنَّ الأذهانَ تشبِّهُ وتمثِّلُ وتكيِّفُ؛ فلا يُمكِنُ لعقلٍ أن يبتكِرَ وصفًا جديدًا لذاتٍ لم يَرَها مِن قبلُ، ولو ابتكَرَ جديدًا، فإنَّما هي صفاتٌ مركَّبةٌ مِن عِدَّةِ ذواتٍ جمَعَها لذاتٍ واحدةٍ، فكلُّ عقلٍ يصوِّرُ الغائبَ عنه على ما يَرَى؛ حتى تَختلِفَ الصُّوَرُ في العقولِ للذاتِ الواحِدةِ؛ لاختلافِ المَشاهِدِ في كلِّ عقل؛ ولهذا نَهَى السلفُ عن الجدالِ في اللهِ وأسمائِهِ وصفاتِه.
وقد قال ابنُ عبد البَرِّ: "نُهِينا عن التفكُّرِ في الله، وأُمِرْنا بالتفكُّرِ في
(1) أحمد (2/ 331 رقم 8376) من حديث أبي هريرة.
(2)
البخاري (3276)، ومسلم (134/ 214).