الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حُجَّتَه، وبلَّغهم رسالتَه؛ قال تعالى:{وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24]، وقال:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا} [النحل: 36]، وقال:{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ} [يونس: 47]؛ فكانتِ الرسُلُ تَتَتابَعُ للبلاغِ، نبيًّا بعدَ نبيّ؛ حتى لا يَغِيبَ الحقُّ مِن الأرضِ بالكليَّة؛ قال تعالى عن تتابُعِ رُسُلِهِ:{ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى} [المؤمنون: 44].
وتتابُعُ الرسُلِ حتى تقومَ الحُجَّةُ في الأرضِ على العالمين، وتَنقطِعَ أعذارُهم؛ كما قال تعالى:{رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]، وقال تعالى:{فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} [النساء: 41].
والإيمانُ بجميعِ الرسُلِ واجبٌ، والكافِرُ بواحدٍ منهم كافِرٌ بجميعِهم؛ قال تعالى:{كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة: 285]، وقال:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} [النساء: 150]؛ فجعَلَ الكفرَ به وبرسُلِهِ واحدًا، ولا يَلزَمُ مِن الإيمانِ برسولٍ اتباعُ شريعتِه، بل إنَّ الإيمانَ به يقتضي تصديقَ الخبَر، والإقرارَ بالمنزِلةِ والفضل، وأمَّا الاتِّبُاعُ، فقد ختَمَ الله جميعَ الشرائعِ برسالةِ النبيِّ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
*
خِتَامُ رسالةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم للرِّسالات:
وكلُّ نَبِيٍّ يَبْعَثُهُ اللهُ لأُمَّتِهِ وقومِه، ويَجعَلُ رسالتَهُ مقيَّدةً بزمانٍ تنتهي به، إلا رسالةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فقد جعَلَها الله عامَّةً للعالَمِينَ جِنًّا وإنسًا، وجعَلَها دائِمةً وخاتِمةً للرسالاتِ السابقة؛ فلا يجوزُ التديُّن بأيِّ رسالةٍ سماويَّةٍ سابقةٍ بعد بعثةِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
أمَّا عمومُ رسالةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لجميعِ الأُمَمِ، فلقولِهِ تعالى: {قُلْ يَاأَيُّهَا
النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف: 158]، وقولِهِ:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} [الأنبياء: 107] وقولِهِ عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [سبأ: 28]، وفي الحديثِ: قال صلى الله عليه وسلم: (كَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً)(1).
وأوجَبَ اللهُ على جميعِ الأنبياءِ اتِّبَاعَ محمَّدٍ لو بُعِثَ وهم أحياءٌ، وأخَذَ الميثاقَ عليهم بذلك؛ كما قال تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ} [آل عمران: 81]؛ وهذا في الرُّسُل، وهو في العالَمِينَ مِن بابِ أولى؛ قال ابن عبَّاس رضي الله عنهما:"ما بعَثَ اللهُ نبيًّا إلَّا أخَذَ عليه الميثاقَ: لَئِنْ بُعِثَ محمَّدٌ، وهو حَيٌّ؛ لَيُومِنَنَّ بِهِ وَلَيَنْصُرَنَّهُ، وأمَرَهُ أنْ يأخُذَ على أُمَّتِهِ المِيثَاقَ: لَئِنْ بُعِثَ محمَّدٌ، وهم أحياءٌ؛ لَيُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَيَنْصُرُنَّهُ"(2).
وقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُكاتِبُ الناسَ برسالتِه، ويأمُرُهم بإجابتِهِ عليها؛ فيَبعَثُ إلى اليهودِ والنصارى، والصابِئةِ والمشرِكين، ويَبعَثُ إلى العرَبِ والعجَم، والأحمَرِ والأبيَضِ والأسوَد، ولم يفرِّقْ بينَهم في الخطابِ إلا بما يُوجِبُ تركَ ما كانوا عليه مِن دِينٍ سابق؛ فكلُّ داخلٍ في الإسلامِ، فإنه يجبُ عليه أن يدَعَ ما كان عليه قبلَ ذلك.
فالله أمَرَ اليهودَ والنصارى باتباعِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهم أقرَبُ الأممِ إلى أمَّةِ محمَّد، وكتُبُهم أقرَبُ الكتبِ المنزَّلةِ إلى القرآن؛ قال تعالى: {يَاأَيُّهَا
(1) البخاري (335 و 438)، ومسلم (521) من حديث جابر.
(2)
"تفسير ابن كثير"(3/ 100 و 13/ 546)، وعزاه الحافظ في "فتح الباري"(6/ 434) للبخاري.