الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولهذا فما مِن فِرْقةٍ كلاميَّةٍ إلا كان أئمَّتُها الأوَّلُونَ أخفَّ مِن المتأخِّرين؛ لأنَّهم يَتوسَّعُونَ جِيلًا بعدَ جِيل، وقد قال مالكٌ:"مَن طلَبَ الدِّينَ بالكلامِ، تَزَنْدَق"(1)؛ يعني: منتهاهُ إلى ذلك، وأمَّا الآثارُ: فإنَّها تَحْكُمُهم، وقد قال مالكُ بن أنسٍ:"ما قَلَّتِ الآثارُ في قومٍ إلا ظهَرَتْ فيهم الأهواءْ، ولا قلَّت العلماءُ إلا ظهَرَ في الناسِ الجَفَاءْ"(2).
وقد كان مالكٌ يحذِّرُ أصحابَهُ مِن علمِ الكلامِ لأجلِ ذلك؛ ومِن قولِهِ: "إيَّاكُمْ والبِدَعَ، قيل: يا أبا عبد الله، وما البِدَع؟ قال: أهلُ البِدَعِ الذين يَتكلَّمُونَ في أسماءِ اللهِ وصفاتِه، وكلامِهِ وعلمِهِ وقدرتِهِ، ولا يسكُتُونَ عمَّا سكَتَ عنه الصحابةُ والتابِعونَ لهم بإحسان"(3).
وقد كان أهلُ المدينةِ يَنْهَوْنَ عن الخوضِ في علمِ الكلام، وهم أعلَمُ الناسِ بأثَرِهِ على الحديث، وقد قال مالكٌ ومُصعَبٌ الزُّبَيْريُّ:"رأيتُ أهلَ بَلَدِنا -يعني: أهلَ المدينةِ- يَنْهَوْنَ عن الكلامِ في الدِّين"(4).
*
الرأيُ وعِلْمُ الكلام:
والسلفُ يُطلِقُونَ "الرَّأْيَ"، و"عِلْمَ الكلامِ"، والأصلُ في كلامِهم: أنَّهم يَقصِدُونَ بعلمِ الكلامِ: ما يُستدَلُّ به مِن المعقولِ في الأصولِ مِن العقائد، ويَقصِدُونَ بالرأيِ: ما يُستدَلُّ به مِن المعقولِ في الفروعِ مِن الفقه، وكانوا يَنهَوْنَ عن الرأيِ، وهو بابٌ للخوضِ في فروعٍ أمرُها أيسَرُ
(1)"ذم الكلام" للهروي (859).
(2)
"الفقيه والمتفقه"(390)، و"ذم الكلام" للهروي (869).
(3)
"ذم الكلام" للهروي (858).
(4)
"شرح أصول الاعتقاد"(308 و 309).