الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولم تكنِ العرَبُ تَعرِفُ إنكارَ القدَرِ حتى دخَلَتْ فيهم العلومُ الفلسفيَّةُ والكلاميَّةُ، اليونانيَّةُ والفارسيَّةُ والهنديَّة؛ فظهَرَ نفيُ القدَرِ في العراقِ والشامِ قبلَ غيرِهما.
وكان أَوَّلَ مَن أشهَرَ القدَرَ: مَعْبَدٌ الجُهَنيُّ، وقد أخَذَهُ مِن نَصْرانيٍّ يقالُ له: سَوْسَنٌ (1)، ولم تكنِ النصارى على قولٍ واحدٍ في القدَرِ:
فمنهم: جَبْريَّةٌ؛ كالنُّسْطُورِيِّينَ.
ومنهم: قَدَرّيَّةٌ؛ كاليَعَاقِبة.
ومنهم: متوسِّطونَ؛ كأُوغَسْطِين.
ومَن كذَّب بالقدَر، لَزِمَهُ زوالُ أشياءٍ عظيمةٍ لا يصحُّ بزوالِها إيمانٌ؛ فلا يصحُّ مِن نافي القدَرِ توكُّلٌ على الله، ولا رجاءٌ، ولا دعاءٌ له، ولا رِضًا بما يُنزِلُ مِن البلاء؛ إذْ كيف يُسأَلُ مَن لا يَقدِرُ على العطاءِ والاختيارِ في الكونِ؟ ! وكيف يُتوكَّلُ عليه ويُرجَى ويُرضَى على تقديرِه، وهو لم يقدِّر؟ !
*
الجدالُ في القَدَرِ:
والقَدَرُ: مِن أسرارِ الله التي لا يجوزُ الخوضُ فيها بغيرِ ما ورَدَ في الشرعِ؛ فلا مجالَ للعقلِ أن يَصِلَ إلى غايتِهِ ونتيجتِهِ التي ينتهي إليها، والعقولُ إنما تَبحَثُ في مُمكِناتِ الإدراكِ العقليِّ، لا في مُحالَاتِه، فبَحْثُها في محالاتِهِ ليس لها؛ فالله نهى عن الخوضِ في كلِّ ما لا سبيلَ لإدراكِه، ولا العلمِ به؛ قال تعالى:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36].
(1)"القدر" للفريابي (348)، و"شرح أصول الاعتقاد"(1398).