الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصحابةِ على المَنابِر، وقُتِلَ جماعةٌ مِن العلماءِ لأجلِ ذلك، وقد قام جماعةٌ مِن أهلِ العِلْمِ في وجهِ تلك الفِتْنةِ، وعلى رأسِهِمُ ابنُ الحدَّادِ.
وقد شبَّه بعضُهم مقامَهُ في فتنةِ الرفضِ في المغرِبِ، بمقامِ أحمَدَ في المشرِقِ في فتنةِ القرآن (1).
وقد كان له حُجَّةٌ وبيانٌ وقوةٌ في الحقِّ، وقد سأله أبو عبد اللهِ الرافضيُّ:"أنتم تفضِّلُونَ على الخمسةِ أصحابِ الكِسَاءِ غَيْرَهم؟ -يعني بأصحابِ الكساءِ: محمَّدًا صلى الله عليه وسلم، وعليًّا وفاطمةَ، والحسَنَ والحُسَيْنَ رضي الله عنهم، ويعني بغيرِهم: أبا بكرِ رضي الله عنه فقال ابنُ الحدَّادِ: أيُّما أفضَلُ؟ خمسةٌ سادِسُهُمْ جبريلُ عليه السلام، أو اثنانِ اللهُ ثالِثُهما؟ ! فبُهِتَ الرافضيُّ"(2).
*
ما شجَرَ بين الصحابة:
* قَالَ ابْنُ أَبي زَيْدٍ: (وَأَلَّا يُذْكَرَ أَحَدٌ مِنْ صَحَابَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا بِأَحْسَنِ ذِكْرٍ، وَالْإِمْسَاكُ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَهُمْ، وَأَنَّهُمْ أَحَقُّ النَّاسِ (فِي "الجامع": أَنْ تُنْشَرَ مَحَاسِنُهُمْ)(3)؛ أَنْ يُلْتَمَسَ لَهُمْ أَحْسَنُ المَخَارِجْ، وَيُظَنَّ بِهِمْ أَحْسَنُ المَذَاهِبْ):
لا يُتحدَّثُ بما وقَعَ بين الصحابةِ مِن خِلافٍ ونِزاع، ما لم يكنْ في ذلك فِقْهٌ للخاصَّة؛ فذِكْرُ الخِلافِ والنِّزاعِ بينهم يُوغِرُ الصدورَ، ويُسقِطُ هَيْبَتَهم وجَلَالَتَهم في بعضِ النفوسِ، وكان أحمدُ يقولُ:"هذه الأحاديثُ تُورِثُ الغِلَّ في القَلْبِ"(4).
ولم يكنِ الصحابةُ يتحدَّثُونَ بخِلافِهم عند غَيْرِهم، ولا كذلك فقهاءُ
(1)"معالم الإيمان"(2/ 298).
(2)
"معالم الإيمان"(2/ 298 - 299).
(3)
"الجامع"(ص 116).
(4)
"السُّنَّة" للخلال (816).
التابِعِينَ: كانوا لا يذكُرُونَ خلافَ الصحابة، وإنَّما تفرَّغ لأكثرِهِ أهلُ سِيَرٍ وأخْبارِيُّونَ، فنقَلُوا وزادُوا ونقَصُوا، ومِن فِقْهِ سعيدِ بنِ المسيَّبِ قولُهُ:"لقد رأيتُ عَلِيًّا وعُثْمانَ يَسْتَبَّانِ سِبَابًا ما أخبَرْتُ به أحدًا بَعْدُ"(1).
وقد كان أحمدُ يعتزِلُ مجلِسَ عبد الرَّزَّاقِ إذا حدَّث بأحاديثِ الخلافِ بين الصحابة، فإذا انتَهَى، رجَعَ، وربَّما وضَعَ إِصبَعَيْهِ في أُذُنَيْهِ طويلًا، حتى مَرَّتْ بعضُ الأحاديثِ، ثم يُخرِجُهما، ثم يَرُدُّهُما
…
حتَّى مَضَتِ الأحاديثُ كلُّها (2)؛ لا يُرِيدُ أن يَعلَقَ بقلبِهِ شيءٌ منها.
وأكثرُ تلك الأحاديثِ ليس فيها أحكامٌ وعَمَلٌ، وإنَّما هي حكاياتٌ وأقوالٌ وأفعالٌ لقَرْنٍ فاضِلٍ انصرَمَ، ويُستَثْنَى مِن ذلك: ما يتضمَّنُ فِقْهًا وحلالًا وحرامًا، وكان أحمدُ يقولُ:"لا أُحِبُّ لأحدٍ أن يكتُبَ هذه الأحاديثَ التي فيها ذِكْرُ أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لا حَلَالٌ ولا حَرَامٌ ولا سُنَنٌ"(3).
وتعرُّضُ الصحابةِ بعضِهم لبعضٍ، ليس كتعرُّضِ غيرِهم لهم؛ فهم مجتهِدُونَ، وفي منزِلةٍ وفضلٍ عالٍ، ولدَيْهِم مِن العمَلِ الصالحِ العظيمِ مِن صُحْبةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ما يُوجِبُ تكفيرَ ذنوبِهم، وليس لدى مَن بَعْدَهم مِن الحَسَناتِ ما يَقْوَى على تكفيرِ الوَقِيعةِ في أعراضِ الصحابةِ، إلا أن يَشَاءَ اللهُ.
ولمَّا كاد الوليدُ أن يقَعَ في عائشةَ، ذكَّره الزُّهْريُّ بقولِ أبي مسلِمٍ الخَوْلانيِّ لأهلِ الشامِ؛ لمَّا أرادوا الوقيعةَ في عائشةَ: "أَلَا أُخبِرُكُم بمَثَلِكُمْ ومَثَلِ هذه؟ ! كمَثَلِ عينَيْنِ في رأسٍ يُؤذِيَانِ صاحِبَهما، ولا يستطِيعُ
(1)"السُّنَّة" لعبد الله (1297 و 1298).
(2)
"السُّنَّة" للخلال (803).
(3)
"السُّنَّة" للخلال (811).