الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبنحوِه رُوِي عن عبد الله بنِ عمرٍو (1) ومُقاتِلِ بنِ سليمان (2)، وليس فيه شيءٌ مرفوع.
وقد جزَمَ ابنُ أبي زيدٍ في "الجامع": "أَنَّ أَرْوَاحَ الكُفَّارِ بَاقِيَةٌ فِي سِجِّينٍ"(3).
وقد صَحَّ الدليلُ: أنَّ العذابَ والنعيمَ في حياةِ البرزخِ، يكونُ للرُّوحِ والبدَنِ جميعًا، واللهُ أعلَمُ بأجَلِ كلِّ عذابٍ ونعيمٍ، ومقدارِهِ ونوعِه، وقد قال تعالى:{النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46].
وعن ابنِ عُمَرَ رضي الله تعالى عنهما؛ قال: "وَقَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم على قَلِيبِ بَدْرٍ، فَقَالَ: (هَلْ وَجَدتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟! ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُمُ الآنَ يَسْمَعُونَ مَا أَقُولُ) "(4).
وروى أحمَدُ مِن حديثِ عائشةَ مرفوعًا: (فَإذَا كَانَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ، أُجْلِسَ فِي قَبْرِهِ غَيْرَ فَزِعٍ، وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ السُّوءُ، أُجْلِسَ فِي قَبْرِهِ فَزِعًا)(5).
*
القَبْرُ وفِتْنَتُهُ:
* قَالَ ابْنُ أَبي زَيْدٍ: (وَأَنَّ المُؤمِنِينَ يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ وَيُسْأَلُونَ؛ {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: 27]):
(1) ابن حبان بعد حديث (3013). وانظر: "الروح"(1/ 321 - 322).
(2)
"تفسير مقاتل"(3/ 441 و 446).
(3)
"الجامع"(ص 111).
(4)
البخاري (3980)، ومسلم (932).
(5)
أحمد (6/ 139 رقم 25089).
يجبُ الإيمانُ بـ "حياةِ البَرْزَخ"، وهي: ما بين الدنيا وقيامِ الساعة؛ فالناسُ يَمُرُّونَ في ثلاثٍ: الحياةِ الدنيا، وحياةِ البَرْزَخ، والحياةِ الآخِرة.
وإنَّما سُمَّيَتْ حياةَ البَرْزَخِ؛ لكونِها بَرْزَخًا حاجِزًا بين الدنيا والآخرة؛ كما قال تعالى: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 100].
وتَبدَأُ حياوةُ البَرْزَخِ مِن خروجِ الرُّوحِ ومفارَقةِ الدنيا بالمَوْت.
وقد تواتَرَتِ النصوصُ في حياةِ البَرْزَخِ وفتنةِ القبرِ وعذابِه، وقد جاء مِن حديثِ عُمَرَ، والبَرَاء، وأبي هريرةَ، وأنسِ بنِ مالكٍ، وأبي قتادةَ، وغيرِهم (1).
أمَّا فتنةُ القبرِ: فالمرادُ بها: ما يَتعرَّضُ له الميِّتُ مِن امتحانٍ وابتلاءٍ وسؤال، وما يَلحَقُهُ مِن كربٍ وشِدَّة، وفَزَعٍ وهَلَع، وقد قال صلى الله عليه وسلم:(إِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا)(2)، وقال:(وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي قُبُورِكُمْ، مِثْلَ أَو قَرِيبًا مِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ)(3).
وتعادُ رُوحُ الميِّتِ إليه؛ كما جاء في حديثِ البَرَاءِ (4)، فيَحْيَا حياةً كحياتِهِ في الدنيا بيَقَظةٍ وانتباهٍ، وليست مَنَامًا وخيالًا؛ قال عمر:"أَيُرَدُّ إِلَيْنَا عُقُولُنَا؟ قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (نَعَمْ؛ كَهَيْئَتِكُمُ اليَوْمَ) "(5).
ورُوِيَ في "التِّرْمِذي": أنَّ اسمَ الفَتَّانَيْنِ مُنْكَرٌ ونَكِيرٌ، وأنَّهما أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ (6)، والفِتْنةُ بالسؤالِ عن ثلاثٍ؛ كما جاء في حديثِ
(1) انظر: "شرح الصدور"(ص 117 - 137).
(2)
مسلم (2867) من حديث زيد بن ثابت.
(3)
البخاري (86)، ومسلم (905) من حديث أسماء بنت أبي بكر.
(4)
سبق تخريجه قريبًا.
(5)
أحمد (2/ 172 رقم 6603) من حديث عبد الله بن عمرو.
(6)
الترمذي (1071) من حديث أبي هريرة.
البَرَاءِ؛ قال صلى الله عليه وسلم: (فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ شَدِيدًا الانْتِهَار، فَيَنْتَهِرَانِهِ وَيُجْلِسَانِه، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ مَا دِينُكَ؟ مَنْ نَبِيُّكَ؟ وَهِيَ آخِرُ فِتْنَةٍ تُعْرَضُ عَلَى المُؤْمِنِ؛ فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ اللهُ عز وجل: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: 27]، فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللهُ، وَدِينِيَ الإِسْلَامُ، وَنَبِيِّيَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم؛ فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي)(1).
وأمَّا عذابُ القَبْرِ: فهو حقٌّ كذلك؛ ثبَتَ فيه الدليلُ مِن وجوهٍ كثيرةٍ، وقد أخبَرَ به الأنبياءُ مِن قبلُ، وثبَتَ به النصُّ في الكتابِ والسُّنَّة؛ قال تعالى:{النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46]، وفي "الصحيحَيْن" أيضًا: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقولُ في دعائِهِ في الصلاةِ: (اللَّهُمَّ، إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ)(2).
وعذابُ القبرِ: يَلحَقُ الكافِرِينَ ومَن شاء اللهُ مِن المسلِمِينَ المقصِّرينَ، وقد مَرَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقَبْرَيْنِ؛ فقال:(إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَان، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ)(3)، وهذان مُسلِمانِ؛ فلو كانا كافِرَيْن، لكان عذابُهما على الكفرِ أَوْلى مِن عَذَابِهما على البَوْلِ والنَّمِيمة، ولم يَتَّخِذِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم سَبَبًا للتخفيفِ عنهما.
وقد ذكَرَ ابنُ أبي زَيْدٍ في "جامِعِهِ": "أَنَّ النَّاسَ يُضْغَطُونَ ويُبْلَوْنَ، ويُثَبِّتُ اللهُ مَنْطِقَ مَنْ أَحَبَّ تَثْبِيتَهُ"(4).
(1) سبق تخريجه قريبًا.
(2)
البخاري (832)، ومسلم (589) من حديث عائشة.
(3)
البخاري (216)، ومسلم (292) من حديث ابن عباس.
(4)
"الجامع"(ص 112).