الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمُرجِئةُ: محجوجون بما تواتَرَ مِن أدلَّةِ زيادةِ الإيمانِ بالطاعاتِ، ونقصانِهِ بالمعاصي، وما يَتبَعُ ذلك مِن لوازمِ تفاوُتِ مراتبِ المؤمِنِينَ في الجَنَّة، وتعذيبِ بعضِ عصاةِ المؤمِنِينَ في النار، ثُمَّ إخراجِهم منها برحمةِ الله.
*
أرواحُ المَوْتَى وأحوالُها:
* قَالَ ابْنُ أَبي زَيْدٍ: (وَأَنَّ الشُّهَدَاءَ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونْ، وَأَرْوَاحُ أَهْلِ السَّعَادَةِ بَاقِيَةٌ نَاعِمَةٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونْ، وَأَرْوَاحُ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ مُعَذَّبَةٌ إِلَى يَوْمِ الدِّينْ):
الأرواحُ كائِنةٌ قائِمةٌ بذاتِها، تُنعَّمُ وتُعذَّبُ، وتَشقَى وتَسعَدُ بنَفْسِها، ولا يَلزَمُ أنْ يكونَ معها البدَنُ في ذلك؛ لأنَّها مغايِرةٌ له، فليستْ عضوًا منه كاليَدِ والوجهِ، وهي مخلوقةٌ بلا خلافٍ؛ فاللهُ خالقُ كلِّ شيءٍ، وهي مِن أمرِ اللهِ يَعلَمُ حقيقتَها وكُنْهَها؛ كما قال تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85].
وللأرواحِ مستقَرٌّ غيرُ الأبدانِ بعد مَوْتِها، ويُعِيدُها اللهُ إلى الأبدانِ في حياةِ البَرْزَخِ عند سؤالِ الفَتَّانِ؛ كما يُعِيدُ اللهُ رُوحَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إليه في قَبْرِه؛ قال صلى الله عليه وسلم:(مَا مِنْ رَجُلٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلَّا رَدَّ اللهُ عَلَيَّ رُوحِي؛ حَتَّى أَرُدَّ عليه السلام (1)، وقد كانت قبلَ ذلك في الرَّفِيقِ الأعلى؛ كما قال صلى الله عليه وسلم لما حضَرَتْهُ الوفاةُ:(اللَّهُمَّ، الرَّفِيقَ الأَعْلَى)(2).
(1) أبو داود (2041) من حديث أبي هريرة.
(2)
البخاري (4463 و 6348 و 6509)، ومسلم (2444) من حديث عائشة.
وقد جاءتِ الأدلَّةُ في مستقَرِّ الأرواح، بعد موتِ الأبدان:
* أمَّا أرواحُ الشهداءِ: فكما قال تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169]، وقد روى ابنُ مسعودٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قولَهُ:(أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ، لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالعَرْشِ، تَسْرَحُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ القَنَادِيلِ)(1).
* وأمَّا أرواحُ المؤمِنِينَ عامَّةً: فإنها تكونُ طيورًا تُعلَّقُ في شجَرِ الجنَّة؛ كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا نَسَمَةُ المُسْلِمِ طَيْرٌ يُعَلَّقُ فِي شَجَرِ الجَنَّةِ، حَتَّى يَرْجِعَهَا اللهُ إِلَى جَسَدِهِ اِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ)(2)، وإنْ كانت أرواحُ المؤمنينَ في الجَنَّةِ، فإنَّ اللهَ يُعِيدُها إلى أبدانِها متى شاء.
وكونُ أرواحِ المؤمنين في الجَنَّةِ: يَشهَدُ به ظاهرُ الحديثِ؛ وبه قال الشافعيُّ وأحمدُ وغيرُهما (3).
ومنهم مَن قال: إنَّ أرواحَهُمْ بأَفْنِيَةِ القبورِ؛ باعتبارِ أنه يقالُ له: "هذا مَقْعَدُكَ"، وأنه يُسلَّمُ على أهلِ القبورِ؛ وبهذا قال ابنُ عبد البَرِّ (4).
وفيه نظَر؛ فالحديثُ صريحٌ في أنها في الجنَّة، والمَقعَدُ إنما هو للبَدَن، واللهُ يُعِيدُ الرُّوحَ متى شاء؛ فيُنزِلها مِن الجنَّة، ثم يَرفَعُها.
ورُوِيَ عن مالكٍ أنه قال: "بلَغَنِي أنَّ الأرواحَ مُرسَلةٌ تَذهَبُ حيثُ شاءَتْ"(5).
(1) مسلم (1887).
(2)
الترمذي (1641)، والنسائي (2073)، وابن ماجه (4271) من حديث كعب بن مالك.
(3)
انظر: "مجموع الفتاوى"(5/ 447).
(4)
نقَلَه ابنُ عبد البر في "التمهيد"(11/ 65) عن ابن وَضَّاح.
(5)
"الاستذكار"(8/ 361).
وهذا باعتبارِ ما ورَدَ مِن نصوصٍ تُفِيدُ حضورَها في أماكنَ؛ منها: عندَ سؤالِ الملكَيْنِ (1)، وعن يمينِ آدَمَ في السماءِ (2)، وفي الجَنَّة، ولكنْ مع صحةِ الحديثِ يُقالُ: إنَّ أصلَها في الجَنَّة، واللهُ يأذنُ لها بالخروجِ متى شاء.
* وأمَّا أرواحُ الكافِرِينَ: ففي الهَاوِيةِ؛ كما في الحديثِ: (أَنَّ المَلَائِكَةَ تَقْبِضُ رُوحَ العَبْدِ المُؤْمِنِ، وَتَرْقَى بِهِ إِلَى السَّمَاء، فَتَقُولُ المَلَائِكَةُ: مَا أَطْيَبَ هَذِهِ الرِّيحَ الَّتِي جَاءَتْكُمْ مِنَ الأَرْضِ! فَيَأْتُونَ بِهِ أَرْوَاحَ المُؤْمِنِينَ، فَلَهُمْ أَشَدُّ فَرَحًا مِنْ أَحَدِكُمْ بِغَائِبِهِ يَقْدَمُ عَلَيْه، فَيَسْألُونَهُ: مَاذَا فَعَلَ فُلَانٌ؟ ! مَاذَا فَعَلَ فُلَانٌ؟ ! فيَقُولُونَ: دَعُوهُ؛ فَإِنَّهُ كَانَ فِي غَمِّ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: قَدْ مَاتَ، أَمَا أَتَاكُمْ؟ قَالُوا: ذُهِبَ بِهِ إِلَى أُمِّهِ الهَاوِيَةِ)(3).
وفيه: أنَّ المكانَ في باطنِ الأرضِ؛ حيثُ قال: (تَخرُجُ مِنْهُ كَأَنْتَنِ رِيحٍ، حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ بَابَ الأَرْضِ، فَيَقُولُونَ: مَا أَنْتَنَ هَدِهِ الرِّيحَ! حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ أَرْوَاحَ الكُفَّارِ)(4).
وقد جاء عن بعضِ السلف أنَّ أرواحَ الكافرينَ في بئرِ بَرَهُوت وهو بحَضْرَمَوْت، كما رَوَى عبدُ الرزَّاق بسندٍ جيَّدٍ عن عليِّ بنِ أبي طالب أنه قال:"شرُّ واديينِ في الناس: وادي الأحقاف، ووادٍ بحضرموت يقالُ له: بَرَهُوت"(5).
(1) كما في حديث البراء بن عازب عند أحمد (4/ 287 و 288 رقم 18534 و 18535 و 18536).
(2)
كما في حديث أبي ذر عند البخاري (349 و 3342)، ومسلم (163).
(3)
النسائي (1833) من حديث أبي هريرة.
(4)
الموضع السابق.
(5)
"المصنف"(9118).