الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجابرٍ (1)، وعبدِ الله (2).
*
وخالَفَ في هذا الخوارجُ والمعتزِلةُ، والمرجِئةُ:
فدهَبَتِ الخوارجُ والمعتزِلةُ: إلى سلبِ الإيمانِ منه، وأنَّه لا يدخُلُ الجنَّةَ، ويخلَّدُ في النار.
وذهَبَتْ طوائفُ مِن المرجِئةِ: إلى أنَّه لا يدخُلُ النارَ أحدٌ مِن المسلِمِينَ مهما بلَغَ ذنبُه.
وقد دَلَّ الدليلُ في "الصحيحَيْنِ"(3) على تعذيبِ أقوامٍ في النارِ مِن عصاةِ بني آدَمَ، وإخراجِ أقوامٍ مِن النارِ قد امتُحِشُوا واحتَرَقُوا، إلا مواضعَ السجودِ فيهم، وأنه يخرُجُ مِن النارِ مَن كان في قلبِهِ ذَرَّةٌ مِن إيمان.
وهذه الأحاديثُ تَشهَدُ لصحَّةِ ما ذهَبَ إليه أهلُ السُّنَّةِ في حكمِ مرتكِبِ الكبيرة، وفيها رَدٌّ على مذاهبِ هذه الطوائِفِ المخالِفة.
*
الشفاعةُ وأحكامُها:
* قَالَ ابْنُ أَبي زَيْدٍ: (وَيُخرِجُ مِنْهَا بِشَفَاعَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، مَنْ شَفَعَ لَهُ مِنْ أَهْلِ الكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِهِ):
الشفاعةُ ثابتةٌ؛ وهي حقٌّ قطعيٌّ لا يُنكِرُ أصلَها مسلِمٌ، والشفعُ ضدُّ الوَتْر؛ وهو: ضمُّ واحدٍ أو أكثَرَ إلى واحدٍ أو أكثَرَ؛ ليصلَ إلى حاجةٍ يَعجِزُ عنها بنَفْسِه.
(1) البخاري (6558)، ومسلم (191).
(2)
البخاري (6571)، ومسلم (186).
(3)
سبق تخريجها قبل قليل.
وهذا مِن رحمةِ الله، وسَعَةِ فضلِه: أنْ جعَلَ الأسبابَ المُنجِيةَ مِن النارِ والمُدخِلةَ للجَنَّةِ متعدِّدةً.
والشفاعةُ تكونُ للنجاةِ والسَّلَامةِ مِن العذابِ أو الكَرْب، وتكونُ لتخفيفِ العذابِ، وتكونُ لزوالِ العذاب، وتكونُ لدخولِ الجَنَّة، وتكونُ للارتفاعِ فيها دَرَجةَ فوقَ ما يستحِقُّهُ العبدُ مِن غيرِ الشفاعة:
* أمَّا الشفاعةُ التي تكونُ للنجاةِ والسلامةِ: فكالشفاعةِ لأهلِ المَوقِفِ بتخفيفِ الكَرْبِ عليهم: بأن يعجِّلَ اللهُ في حسابِهم (1)، وكالشفاعةِ للنجاةِ مِن العذابِ لمن كتَبَ اللهُ عليه النارَ، فيُنجِيهِ الله منها بشفاعةِ غيرِه (2).
* وأمَّا الشفاعةُ التي تكونُ لتخفيفِ العذابِ: فكشفاعةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لعَمِّهِ أبي طالبٍ (3)، وشفاعتِهِ وشفاعة غيرِهِ للعصاةِ مِن المؤمِنِينَ التخفيفَ عنهم (4).
* وأمَّا الشفاعةُ التي تكونُ لزوالِ العَذَابِ: فكالشفاعةِ في أهلِ النارِ مِن عصاةِ الموحِّدِينَ بخروجِهم مِن النار؛ فإنَّ الأدلَّةَ استفاضَتْ أنَّ أقوامًا مِن أهلِ الكبائِرِ الموحِّدينَ يُعذَّبُونَ في النارِ؛ إذا لم يَرحَمْهُم اللهُ قبلَ ذلك (5).
* وأمَّا الشفاعةُ التي تكونُ لدخولِ الجَنَّةِ: فكشفاعةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لِلْأُمَمِ أن تدخُلَ الجَنَّةَ بعدما يُجاوِزُونَ الصِّرَاطَ (6).
(1) البخاري (3340)، ومسلم (194) من حديث أبي هريرة. والبخاري (7410)، ومسلم (193) من حديث أنس.
(2)
"البداية والنهاية"(20/ 189 - 192).
(3)
البخاري (3883)، ومسلم (209) من حديث العباس.
(4)
البخاري (6560، 7437)، ومسلم (182، 183، 184).
(5)
سبق قبل قليل من حديث أبي هريرة وأبي سعيد وأنس وغيرهم.
(6)
كما عند مسلم (196 و 197) من حديث أنس، و (195) من حديث أبي هريرة وحذيفة.
* وأمَّا الشفاعةُ التي تكونُ للارتفاعِ في الجَنَّةِ: فهي شفاعةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهِ مِن الملائكةِ والأنبياءِ والصالِحِينَ لغيرِهم: بأنْ يَلحَقُوا بهم، أو مَن دُونَهم ممَّن قَصُرَ عمَلُهم عن بلوغِ تلك المَرْتَبة (1)، وكشفاعةِ الأزواجِ والآباءِ والأبناءِ والأرحامِ بعضِهم لبعضٍ (2).
ولا يَشفَعُ إلَّا مؤمِنٌ، ولا تُقبَلُ الشفاعةُ مِن غيرِه؛ لأنَّ اللهَ لا يَرْضَى عن الكافِر:
وكلَّما ضَعُفَ إيمانُ العبد، ضَعُفَ احتمالُ شفاعتِه؛ حتى يكونَ أضعَفُ الأُمَّةِ إيمانًا لا يَشفَعُ لأحدٍ؛ لأنه لن يَشفَعَ لمن فَوْقَهُ؛ لأنه أقوى إيمانًا منه، وليس تحتَهُ أحدٌ يَشفَعُ له.
وكلَّما علَتْ مَرْتَبةُ المؤمِن، قَلَّ الشافِعُونَ له؛ لِعُلُوِّهِ عليهم، وبلوغِهِ مرتبةَ تمامِ الرضا أو مقارَبَتِها؛ ولهذا لم يثبُتْ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَشفَعُ له أحدٌ؛ لأنه أفضَلُ الأنبياءِ والناسِ أجمعين؛ فكان أعظَمَهُمْ شفاعةً لغيرِهِ، وغيرُهُ عديمُ الشفاعةِ له.
ولا يأذَنُ بالشفاعةِ إلا اللهُ، وليس الإذنُ لأحدٍ مِن الخَلْقِ؛ مهما علَتْ منزلتُهُ وارتفَعَ شأنه؛ قال تعالى:{قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} [الزمر: 44]، وقال:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: 18].
والشفاعةُ لا تكونُ مِن أحدٍ حتى يكونَ فيها أمرانِ:
- إذنُ اللهِ للشافعِ أن يَشفَعَ.
- ورضاهُ عن المشفوعِ له.
(1) كما في حديث أبي موسى عند البخاري (4323 و 6383)، ومسلم (2498). وحديث أم سلمة عند مسلم (920).
(2)
كما عند مسلم (2635) من حديث أبي هريرة. وهو في شفاعة الأبناء للآباء.