الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خرَجَ مِن اللهِ" (1)، وبنحوِهِ قال أحمدُ (2)، وكونُهُ مسموعًا ومقروءًا لا يعني: أنَّه ليس منه، أو أنَّه بائِنٌ عنه؛ كما قال أحمدُ (3): "كلامُ اللهِ منه، وليس ببائِنٍ منه، وليس منه شيءٌ مخلوقٌ".
ويقولُ بِشْرُ بن الحارِثِ الحافي: "نَشهَدُ أنَّ اللهَ يقولُ ويخلُقُ، وقولُهُ قولٌ، وخَلْقُهُ خَلْقٌ، وقولُهُ بائِنٌ مِن خَلْقِه، وخَلْقُهُ بائِنٌ مِن قَوْلِه"(4).
وقولُهم هذا دفعًا لتوهُّمِ أنَّ المسموعَ والمقروءَ والمكتوبَ يجعَلُه سَمْعُه وقراءتُه وكِتابتُه مخلوقًا؛ بل هو مبايِنٌ للخَلْق، وهذا لا يقالُ لما قام بذاتِ اللهِ؛ كما يقولُ المتكلِّمون مِن الكلامِ النَّفْسيِّ؛ لأنَّه لا يُتوهَّمُ بَيْنُونَتُه.
*
الإيمانُ بالقَدَرِ:
* قَالَ ابْنُ أَبي زَيْدٍ: (وَالإِيمَانُ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهْ، حُلْوِهِ وَمُرِّهْ، وَكُلُّ ذَلِكَ قَدْ قَدَّرَهُ اللهُ رَبُّنَا، وَمَقَادِيرُ الأُمُورِ بِيَدِهْ، وَمَصْدَرُهَا عَنْ قَضَائِهْ):
والإيمانُ بالقدَرِ خيرِهِ وشرِّهِ واجبٌ؛ كَمُلَ علمُ الله، فكَمُلَ تقديرُه؛ قال تعالى:{وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: 2]، وقال:{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49]، وقال:{وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} [الأحزاب: 38].
وعندما سُئِلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، قال:(الإِيمَانُ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلَاِتكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ، وَبِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ)(5)، وقال صلى الله عليه وسلم:(كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ حَتَّى الْعَجْزُ وَالْكَيْسُ)(6).
(1)"السُّنَّة" للخلال (1913).
(2)
"السُّنَّة" للخلال (1859).
(3)
"شرح أصول الاعتقاد"(317).
(4)
"العرش"(216)، و"العلو"(465)، و"الأربعين في صفات رب العالمين"(16).
(5)
مسلم (8) من حديث عمر.
(6)
مسلم (2655) من حديث ابن عمر.
ولا يَختلِفُ السلفُ أهلُ السُّنَّةِ في ذلكِ؛ كما قاله ابنُ عبد البَرِّ، وغيرُه (1)، وقد كان ابنُ عبَّاس يسمِّي القدَرَ:"نظامَ التوحيدِ"(2).
وفطرةُ الإنسانِ قاطعةٌ بالإيمانِ بالقدَرِ؛ لأنَّ مِن كمالِ الخالقِ كمالَ عِلْمِه، ومَن كَمُلَ علمُهُ، كَمُلَ تقديرُهُ وتدبيرُهُ لِمَا خلَقَ، وقد كانت العرَبُ حتى في الجاهليَّةِ تُؤمِنُ بالقدَرِ، ولا تكذِّبُهُ؛ وقد قال عَمْرُو بن كُلْثُومٍ:
وَأَنَّا سَوْفَ تُدْرِكُنَا المَنَايَا
…
مُقَدَّرَةً لَنَا وَمُقَدَّرِينَا (3)
ويقولُ لَبِيدُ بن رَبِيعةَ:
............................
…
إِنَّ المَنَايَا لَا تَطِيشُ سِهَامُهَا (4)
ويقولُ عَنْتَرةُ:
يَا عَبْلَ أَيْنَ مِنَ المَنِيَّةِ مَهْرَبِي
…
إِنْ كَانَ رَبِّي فِي السَّمَاءِ قَضَاهَا (5)
ويقول هانئُ بن مسعودٍ الشَّيْبانيُّ لما خطَبَ في الجاهليَّةِ في يومِ ذي قارٍ: "إِنَّ الحَذَرْ، لَا يُنْجِي مِن القَدَرْ"(6).
ويُروَى فيه حديثٌ مرفوعٌ: (لا يُغنِي حَذَرٌ مِن قَدَرٍ)(7)؛ وهذا نظيرُ ما جاء عن ابن عبَّاس: "إذا جاءَ القَدَرْ، حالَ دُونَ البَصَرْ"(8).
(1)"الاستذكار"(18/ 210 و 26/ 95)، و"شرح النووي"(1/ 155 و 16/ 195 - 196)، و"فتح الباري"(11/ 478).
(2)
"القدر" للفريابي (205)، و"شرح أصول الاعتقاد"(1224).
(3)
"شرح القصائد المشهورات"(2/ 617)، و"شرح المعلقات السبع" للزوزني (ص 216)، و"شرح القصائد العشر" للتبريزي (ص 219).
(4)
"ديوان لبيد"(ص 171/ دار صادر).
(5)
"ديوان عنترة"(ص 92).
(6)
"أمالي القالي"(1/ 169).
(7)
"الدعاء" للطبراني (33)، و"المستدرك" للحاكم (1/ 492) من حديث عائشة.
(8)
ابن أبي شيبة (32513)، والحاكم (2/ 405).