الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(إِنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا؛ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ)(1).
ولا يُقال بنفيِ الأسماءِ؛ كما تقولُ الجهميَّةُ، ولا بإثباتِها مجرَّدةً عن مَعانِيها؛ كما تقولُ المعتزِلة، بل بإثباتِها مع مَعانِيها.
وأسماءُ اللهِ: عَلَمٌ للمسمَّى، ودالةُ عليه، وإنْ أُرِيدَ بها ذاتُهُ، فالاسمُ هو المسمَّى، ولا يجوزُ القولُ بأنَّ الاسمَ غيرُ المسمَّى، ما لم يُرَدْ بذلك اللفظُ العرَبيُّ لا كلامُ الله، أو كان في سياقِ الإعرابِ؛ فهنا يُرادُ الاسمُ، لا المسمَّى ذاتُه.
وقد أظهَرَ المتكلِّمونَ إطلاقَ أنَّ أسماءَ اللهِ مخلوقة؛ ليُخرِجُوها عن ذاتِهِ سبحانه؛ فلا يَلتزِمُوا بما تتضمَّنُهُ الأسماءُ مِن الصفات؛ وهذا قولُ الجهميَّةِ والمعتزِلة (2).
وقد كان أهلُ العربيَّةِ مِن الصَّدْرِ الأوَّلِ يُنكِرُونَ ذلك؛ كما قال الأصمَعيُّ: "إذا سَمِعْتَ الرجُلَ يقولُ: الاسمُ غيرُ المسمَّى، فاحكُمْ عليه بالزَّنْدَقة"(3).
*
حقيقةُ الصفاتِ:
وللصفاتِ حقيقةٌ ظاهِرة؛ وهي على نوعَيْنِ:
النوعُ الأوَّلُ: حقيقةٌ ظاهِرةٌ تليقُ بالخالق، وهي تَظهَرُ عند إضافةِ الصفةِ إلى اللهِ تعالى، وهذه يَجِبُ إثباتُها للهِ سبحانَهُ.
(1) البخاري (2736)، ومسلم (2677) من حديث أبي هريرة.
(2)
"مجموع الفتاوى"(6/ 185 - 186).
(3)
"شرح أصول الاعتقاد"(346 و 347).
النوعُ الثاني: حقيقةٌ ظاهِرةٌ تليقُ بالمخلوقِ، وهي تَظهَرُ عند إضافةِ الصفةِ إلى المخلوق؛ وهذه تُثبَتُ لصفةِ المخلوق، ويجبُ نفيُها عن صفة الخالِقِ؛ لقولِهِ تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]؛ وهذه الحقيقةُ اللائِقةُ بالمخلوقِ لا تَظهَرُ مِن إضافةِ الصفةِ إلى اللهِ تعالى، إلَّا عندَ المعطِّلةِ والمشبِّهةِ؛ وهو ما أدَّى بهما إلى نفيِ الصفةِ بحقيقتِها اللائِقةِ باللهِ تعالى وتعطيلِها.
وقد كان السلفُ يَنفُونَ أن يكونَ إثباتُ الحقيقة يَلزَمُ منه التشبيه؛ ولذا يقولُ إسحاقُ بنُ راهويه: "إنما يكونُ التشبيهُ إذا قال: يدٌ كيَدٍ أو مثلُ يد، أو سَمْعٌ كسَمْعٍ أو مثلُ سَمْع، فإذا قال: سَمْعٌ كسَمْعٍ أو مثلُ سَمْعٍ فهذا التشبيه، وأما إذا قال -كما قال الله تعالى-: يدٌ وسمعٌ وبَصَر، ولا يقولُ: كَيْف، ولا يقول: مِثل سَمْع، ولا: كسَمْع، فهذا لا يكونُ تشبيهًا"(1).
وقد أراد إسحاقُ أن يدفَعَ التوهُّمَ الذي يَقَعُ في بعض النُّفوس؛ أن إثباتَ الحقائق يلزَمُ منه القولُ بتشبِيهها.
فقد كان المعطِّلةُ يَنفُونَ حقائقَ الصفاتِ خوفًا مما يَلِيقُ بالمخلوقِ؛ فحمَلَهُمْ ذلك على تأويلِ الصفات، ثُمَّ هم تأوَّلوا الصفاتِ على معانٍ لا تخرُجُ عمَّا فرُّوا منه مِن حقائقِ الصفات؛ فالذي انتَهَوْا إليه مِن تأويلِها تضمَّن محظورَيْن:
الأوَّلُ: أنَّ قولهم هذا هو تعطيلٌ في صورةِ تأويل؛ فصرَفُوا الصفةَ عن الحقيقةِ المرادةِ إلى غيرِها؛ فتعطَّلَتْ عن المقصود.
(1) الترمذي بعد حديث (662).