الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فكلَّما كان الواحدُ منهم أسبَقَ زمنًا وأقرَبَ مكانًا، كان أقرَبَ إلى الصوابِ مِن غيرِه؛ لأنَّ الوحيَ نزَلَ بين أظهُرِهم وبلسانِهِم أو لسانِ مَن حَوْلَهم.
وكلَّما تقادَمَ الزمانُ، وتباعَدَ المكان، ضَعُف اللسان.
وقد يُوجَدُ صحيحُ الاعتقادِ بعيدَ المَنزِل، وقريبُ المَنزِلِ فاسدَ الاعتقاد.
*
المَغرِبُ في زمَنِ الصحابةِ والتابعين:
دخَلَ الإسلامُ المَغرِبَ في خلافةِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، ثُمَّ توسَّع في خلافةِ مَن بعدَهُ؛ كعُثْمانَ، ثُمَّ في إمارةِ مُعاوِيةَ، ويَزِيدَ، وعبدِ المَلِكِ بن مَرْوانَ:
فإنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ قد بعَثَ عَمْرَو بنَ العاصِ، وعُثْمانُ بعَثَ عبدَ اللهِ بنَ أبي السَّرْح، ومعاويةُ بعَثَ رُوَيفِعَ بنَ ثابتٍ، ومعاويةَ بنَ حُدَيْجٍ، وعبدَ اللهِ بنَ الزُّبَيْرِ، وعُقْبةَ بنَ نافعٍ، وجاء يزيدُ وأتَمَّ أمرَ عُقْبةَ بنِ نافعٍ.
وكلُّ أولئكَ المبعوثينَ صحابةٌ؛ إلا عُقْبةَ، فمولودٌ زمَنَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ وبه دخَلَ الإسلامَ عامَّةُ المَغرِبِ الأدنى والأوسَط، حتى بلَغَ محيطَهُ الأَطْلَسِيَّ، ومما اشتَهَر عنه قولُهُ:"اللَّهُمَّ، اشْهَدْ أَنِّي قَدْ بَلَغْتُ المَجْهُودَ، وَلَوْلَا هَذَا البَحْرُ، لَمَضَيْتُ فِي البِلَادِ أُقَاتِلُ مَنْ كَفَرَ بِكَ؛ حَتَّى لَا يُعْبَدَ أَحَدٌ دُونَكَ"(1).
ثم اتسَعَ الإسلامُ بعدُ بيَدِ زُهَيْرِ بنِ قيسٍ، وموسى بنِ نُصَيْرٍ، وطارقِ بنِ زيادٍ؛ حتى جاوَزَتِ الأَنْدَلُسَ إلى جنوبِ فَرَنْسَا.
(1)"رياض النفوس"(1/ 39).
وكلُّ هذا قبلَ تمامِ المئةِ مِن الهِجْرة.
وقد دخَلَ بلدانَ المغربِ جماعةٌ مِن الصحابةِ فاتحين، وقد سمَّى أهلُ السِّيَرِ خلقًا منهم متفرِّقين؛ يقرُبُونَ أو يزيدون على خمسينَ نَفْسًا، وقد أخرَجَ ابنُ عبد الحَكَمِ عن سُلَيْمانَ بنِ يَسَارٍ؛ قال:"غَزَوْنَا إفريقيَّةَ معَ معاويةَ بنِ حُدَيْجٍ، ومعنا بَشَرٌ كثيرٌ مِن أصحابِ رسولِ اللهِ مِن المهاجِرِينَ والأنصارِ"(1).
وأمَّا التابعونَ: فخلقٌ كثيرٌ لا يُحصَوْنَ، وقد ارتحَلَ إلى المَغرِبِ جماعةٌ مِن فقهاءِ التابِعينَ ممَّن سَمِعَ أو أدرَكَ جماعةً مِن أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم-كابنِ عبَّاس، وابنِ عُمَر، وعبدِ اللهِ بنِ عمرو، وطبقتِهم -لنشرِ العلمِ في المغرِبِ؛ كحَيِّ بنِ مَوْهَبٍ المَعَافِرِيِّ، وحِبَّانَ بنِ أبي جَبَلةَ القُرَشيِّ، وإسماعيلَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ القُرَشيِّ، وبكرِ بنِ سَوَادةَ الجُذَاميِّ، وعبدِ الرحمنِ بنِ رافعٍ التَّنُوخِيِّ، وعبدِ اللهِ بنِ يزيدَ المَعَافِرِيِّ، وإسماعيلَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أبي المُهاجِر، وجُعْثُلِ بنِ عاهانَ الرُّعَيْنِيِّ، وسعدِ بنِ مسعودٍ التُّجِيبِيِّ، وطَلْقِ بنِ جَعْبانَ الفارسيِّ.
وهؤلاءِ أرسَلَهم عمرُ بن عبدِ العزيزِ لتعليمِ أهلِ المغرِب.
وكذلك في المغرِبِ مِن التابعينَ: عبدُ اللهِ بن أبي بُرْدةَ القُرَشيُّ، وعُلَيُّ بن رَبَاحٍ اللَّخْميُّ.
وعامَّةُ هؤلاءِ سكَنَ القَيْرَوانَ بلدَ ابنِ أبي زيدٍ، وأكثَرُهم تُوُفِّيَ فيها، وخَلَفَهم في ذلك تلامذتُهم، وكان السلفُ يسمُّونَ القيروانَ بإفريقيَّةَ، وقد قال مالك:"تُوُفِّيَتْ حَفْصةُ عامَ فُتِحَتْ إفريقيَّةُ"(2)؛ يريدُ: القيروانَ،
(1)"فتوح مصر"(ص 220).
(2)
"تاريخ أبي زرعة"(489 و 1282).