الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لظَنِّيٍّ؛ وهذا مِن الأمورِ التي يَغفُلُ فيها العوامُّ، وربَّما بعضُ المتعلِّمينَ: بإنزالِ أشراطِ الساعةِ على حوادثَ وأعيانٍ، ثم يَعمَلُونَ بمقتضى تنزيلِهم، ويظُنُّونَ أنَّهم يَعمَلُونَ بالنصِّ الثابتِ، وهم يعملونَ بظنِّهم، لا بالنصِّ، وكثيرًا ما سُفِكَتْ دماءٌ، ووقَعَتْ فِتَنٌ في الناس، واستُبِيحَتْ حُرُماتٌ؛ بسبَبِ ذلك.
وتجويزُ السلفِ لتنزيلِ أشراطِ الساعةِ، بابٌ غيرُ البابِ الذي يَتبَعُهُ عمَلٌ وتشريع؛ فإنَّهم كانوا ينزِّلُونَ ذلك على بعضِ الحوادثِ والأشخاصِ؛ لأنَّ ذلك مِن بابِ الاحتياط، ثُمَّ إنَّهم يَجعَلُونَ ذلك استئناسًا، لا أصلًا يَستقِلُّ به العمَلُ والتَّرْك.
وقد جعَلَ اللهُ للساعةِ أماراتٍ؛ رحمةً بالناسِ لِيعتَبِرَ مَن أُرِيدَ له الاعتبار، ويَرجِعَ مَن كُتِبَ له العَوْدة؛ حتى لا تقومَ الساعةُ إلا وقد انقطَعَتْ أعذارُ الناس، وقامتِ الحُجَجُ الشرعيَّةُ والكونيَّةُ عليهم.
وعلمُ الساعةِ عند اللهِ لا يجلِّيها لوقتِها إلا هو؛ قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} [لقمان: 34]، وقال تعالى:{لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} [الأعراف: 187]، ومَن زعَمَ علمَهُ أو ادَّعَى لغيرِهِ العلمَ بيومٍ معيَّنٍ محدودٍ تقومُ فيه الساعةُ، فقد كفَرَ بالله، وكذَّبَ خَبَرَه.
*
الحسابُ والعقابُ:
* قَالَ ابْنُ أَبي زَيْدٍ: (وَأَنَّ اللهَ سبحانه وتعالى ضَاعَفَ لِعِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ الحَسَنَاتْ، وَصَفَحَ لَهُمْ بِالتَّوْبَةِ عَنْ كَبَائِرِ السَّيِّئَاتْ، وَغَفَرَ لَهُمُ الصَّغَائِرْ، بِاجْتِنَابِ الكَبَائِرْ، وَجَعَلَ مَنْ لَمْ يَتُبْ مِنَ الكَبَائِرِ صَائِرًا إِلَى مَشِيئَتِهِ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]):
يُحصِي اللهُ على عبادِهِ كلَّ أعمالهم، دقيقَها وجليلَها، صغيرَها وكبيرَها، لا يترُكُ مِن أعمالِهم دقيقَ حَسَنةٍ ولا سيِّئةٍ؛ قال تعالى:{يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المجادلة: 6]، وقال:{وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49].
وقد جعَلَ اللهُ الحسَنةَ التي يَكسِبُها العبدُ تُكتَبُ له بعَشَرةٍ، والسيِّئةُ لا تُكتَبُ عليه إلا بمِثْلِها؛ كما قال تعالى:{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [الأنعام: 160]، وقد ثبَتَ الحديثُ في ذلك عن جماعةٍ مِن الصحابةِ؛ مِن حديثِ ابنِ عبَّاسٍ (1)، وأبي هُرَيْرةَ (2)، وأنسٍ (3)، وأبي ذَرٍّ (4)، وغيرِهم (5).
ومِن لُطْفِهِ: أنْ فتَحَ بابَ التوبةِ لمن تاب؛ فمَن تابَ وأنابَ، تابَ اللهُ عليه، مهما كان ذنبُهُ ولو كان كُفْرًا؛ فاللهُ لا يَتعاظَمُهُ ذنب؛ فمغفرتُهُ تَعُمُّ جميعَ الذنوبِ صغيرَها وكبيرَها؛ قال تعالى:{قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].
بل إنَّ اللهَ يَفرَحُ بتوبةِ عبدِهِ؛ قال صلى الله عليه وسلم: (للهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ؛ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِه، وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ
…
) (6)، وقال:
(1) البخاري (6491)، ومسلم (131).
(2)
البخاري (42 و 7501)، ومسلم (128 و 129 و 130).
(3)
مسلم (162).
(4)
مسلم (2687).
(5)
كخُرَيْمِ بنِ فاتِكٍ عند أحمد (4/ 321 و 345 و 346 رقم 18900 و 19035 و 19039)، وابن حبان (6171).
(6)
البخاري (6309)، ومسلم (2747) من حديث أنس، واللفظ للبخاري.