الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
12 - كِتابُ النِّكَاحِ
[12]
كِتابُ النَّكَاحِ
(كتاب النكاح)
مِنَ الصِّحَاح:
2285 -
عن عبدِ الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشرَ الشَّبابِ مَن استطاعَ منكُم الباءَةَ فليتزوَّجْ، فإنه أَغَضُّ للبَصَرِ وأَحْصَنُ للفرج، ومَنْ لم يستطعْ فعليهِ بالصَّومِ فإنه لهُ وِجاءٌ".
قوله: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج"، (الشباب): جمع شاب، (الباءة) بالمد: النكاح، و (الباءة) في الحقيقة: المنزل، سمِّي النكاح باءةً؛ لأنه يهيئ للنكاح منزلًا، فأُطلق اسم المنزل على ما هو سببُ تهيئة المنزل.
قوله: "من استطاع منكم الباءة" أي: مَن استطاع منكم التزوُّجَ بوجدان أسبابه من النفقة والكسوة، ولا بد من هذا التأويل؛ لأنه لو أراد باستطاعة الباءة مجردَ استطاعة النكاح، يلزم تناقضٌ بين هذا وبين قوله:"ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء"؛ لأنه لو كان كلُّ مَن يقدر على المجامعة مأمورًا بالتزوج، لم يكن مأمورًا بكسر الشهوة بالصوم؛ لأن الرجل لا يخلو: إما أن يكون له اشتهاء النكاح، أو لم يكن، فإن لم يكن فلا يؤمر لا بالنكاح، ولا بكسره بالصوم؛ لأن المعدوم وهو اشتهاءُ النكاح كيف يُكْسر؟ وإن كان مشتهيًا للمجامعة لا يؤمر بكسر الشهوة، بل يؤمر بالتزوُّج؛ لأن الحديث قد جاء للترغيب في النكاح لتكثُر أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
فقد ثبت بما قررنا أن مراد الحديث: أنَّ مَن قدر على تحصيل نفقة المرأة وكسوتها فليتزوج، ومن لم يقدر على النفقة والكسوة فعليه كسر شهوته بالصوم.
وقوله: "فليتزوج" هذا أمرُ ندبٍ واستحبابٍ لا أمرُ إيجابٍ عند أكثر العلماء، وقال داود الظاهري: إنه أمرُ إيجابٍ.
وهذا الأمر إنما يتوجَّه إلى مَن تاقت نفسه؛ أي: غلبت شهوتُه، فإنَّ مَن تاقت نفسه إلى النكاح فيستحبُّ له النكاح، ويجب عند داود، ومن لم تتق نفسه إلى النكاح، فتركُ النكاح والتخلِّي إلى العبادة أولى له.
وقال أبو حنيفة: بل النكاح له أولى.
قوله: "أغض للبصر"، (الغضُّ): إلصاق أحد جفني العين بالأخرى.
قوله: "أحصن" وهو من الإحصان، وهو الحفظ.
و (أغض) و (أحصن): أفعل التفضيل؛ يعني: مَن تزوَّج فقد حفظ عينه عن النظر إلى امرأة أجنبية، وحفظ فرجه عن الحرام.
قوله: "وجاء"، (الوجاء): دقُّ خصية الفحل، والمراد به ها هنا: كسرُ الشهوة بالصوم.
* * *
2286 -
وقالَ سعدُ بن أبي وقاصٍ رضي الله عنه: رَدَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على عثمانَ بن مظعونٍ التَّبَتُّلَ ولو أَذِنَ له لاختصَيْنا.
قوله: "رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل"، (التبتل): الانقطاع عن الشيء، ويستعمل في الانقطاع عن النساء، وهو المراد ها هنا؛ يعني: استأذن عثمان بن مظعون رسول الله صلى الله عليه وسلم في ترك التزوج، والاعتزالِ عن النساء، فمنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الراوي:"ولو أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ترك التزوج لاختصينا"؛
أي: لجعل كلُّ واحد منا نفسه خصيًا، كيلا يحتاج إلى النساء.
* * *
2287 -
وقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "تُنْكَحُ المرأةُ لأربعٍ: لمالِها، ولحَسَبها وجَمالِها، ولدينِها، فاظفرْ بذاتِ الدِّينِ ترِبَتْ يداك".
قوله: "تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك"، (الحسب) بفتح السين: ما يكون في الرجل وآبائه من الخصال الحميدة في العرف، أو في الشرع؛ يعني: الناس يتزوجون المرأة لهذه الخصال الأربع كلِّها، أو لبعضها، (فاظفر) أيها المؤمن؛ أي: فاطلب وتزوَّجْ امرأة صالحة، ولا تطلب امرأة لها مال وجمال، وأب شريف، ولم يكن لها صلاح، فإن اجتمع مع الصلاح الخصال الباقية أو بعضها، فتلك نعمةٌ على نعمةٍ، وإن لم يكن لذات المال والجمال والحسب صلاح فاتركها.
"تربت يداك"؛ أي: صرتَ محرومًا من الخير إن تركت الصلاح، وطمعت في شيء آخر.
روى هذا الحديث أبو هريرة.
* * *
2288 -
وقال: "الدُّنيا مَتاعٌ، وخيرُ متاعِ الدُّنيا المرأةُ الصَّالحةُ".
قوله: "الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة"، (المتاع): ما يُتمتع به؛ أي: ما يُنتفع به، وأراد بـ (الدنيا): ما في الدنيا مما ينتفع به؛ يعني: مالُ الدنيا خلق لبني آدم لينتفعوا به، وخير ما يَنتفع به الرجلُ المرأةُ الصالحة، فإنه يتلذَّذُ منها، وتكون له سكنًا وأنيسًا، وتحفظ عينه وفرجه من الحرام، وتُعينه على دينه بأن تمنعه عن الكَلِّ في الطاعات، ويحصل له منها أولاد يطيعون الله، وتزيد بهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فأيُّ متاع من أمتعة الدنيا يكون نفعها مثل نفع المرأة الصالحة؟.
روى هذا الحديث عبد الله بن عمر.
* * *
2289 -
وقال: "خيرُ نساءٍ رَكِبن الإبلَ صالحُ نساءِ قريشٍ، أَحْناهُ على وَلدٍ في صِغَرِه وأَرْعاهُ على زوجٍ في ذاتِ يدِهِ".
قوله: "وخير نساء ركبن الإبل نساء قريش، أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذاتِ يدِهِ" الضمير في (أحناه) و (أرعاه) ينبغي أن يكون مؤنَّثًا؛ لأنه يرجع إلى النساء، ولكن جعله مذكرًا بتأويل الشخص؛ أي: أحَنُّ شخصٍ على ولده، وأرعى شخصٍ على زوج في ماله؛ يعني: تكون شفقة نساء قريش ومحافظتُهن [على] أزواجهن وصبرهن على فقرهم أكثر من جميع نساء العرب غير قريش.
والمراد بـ (ذات اليد): المال.
وتحدَّثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث حين خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَّ هانئ بنت أبي طالب، فلم تُجبه، واعتذرت إليه وقالت: يا رسول الله! إني مشتغلة بخدمة أيتامي، فلم أقدر على خدمتك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تطييبًا لقلبها، وتحسينًا لشفقتها على أولادها:(خير نساء العرب نساء قريش)، والمراد بـ (من ركب الإبل): العرب.
* * *
2290 -
وقال: "ما تركتُ بعدِي فتنةً أَضَرَّ على الرِّجالِ مِن النِّساءِ".
قوله: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجالِ مِن النساءِ"، فيها يفتتن بها الرجال، لأن تلذذهم بهن أكثر من سائر التلذذات، لميل الطباع إليهن أكثر مما تميل إلى غيرهن من التلذذات، فربما يقع الرجل في الحرام، وربما يقع بين الرجال مقاتلةٌ وعداوةٌ بسبب النساء، بأن يقول رجل: أنا أتزوج هذه المرأة، ويقول الآخر: بل أنا أتزوجها.
روى هذا الحديث أسامة بن زيد.
* * *
2291 -
وقال: "إنَّ الدُّنيا حُلْوةٌ خَضرةٌ، وإنَّ الله مُستَخلِفُكم فيها فينظرُ كيفَ تعملونَ، فاتَّقوا الدُّنيا، واتَّقوا النساءَ، فإنَّ أولَ فِتْنِة بني إسرائيلَ كانتْ في النساءِ".
قوله: "إن الدنيا حلوة خضرة"؛ يعني: طيبةٌ مزيَّنة في عيونكم وقلوبكم، لا يشبع الناس من الدنيا.
قوله: "وإن الله مستخلفكم"، (الاستخلاف): إقامةُ أحدٍ مقام أحدٍ؛ يعني: جعل الله الدنيا في أيديكم، فينظر: هل تتصرفون كما يحبُّ ويرضى، بالتصدق، وأداء الزكاة، ووجوب البر، أم تعصونه بصرف ما أعطاكم من المال في الفواحش.
قوله: "فاتقوا الدنيا"؛ أي: احذروا من الاغترار بما في الدنيا من الدولة والمال، فإنه فانٍ، وإنكم ستحاسبون يوم القيامة حتى بالنقير والقطمير.
قوله: "واتقوا النساء"؛ أي: احذروا أن تميلوا إلى النساء بالحرام، أو تقبلوا قولهن فيما يقلن لكم، فإنهن ناقصات العقل، لا خير في كلامهن غالبًا، فميزوا الخير من الشر من كلامهن، واقبلوا الخير ودعوا الشر.
قوله: "فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء" قصة هذا: أن رجلًا من بني إسرائيل اسمه عاميل طلب منه ابن أخيه - وقيل: ابن عمه - أن يزوِّجه ابنته، فلم يزوجها منه، فقتله لينكح بنته، وقيل: لينكح زوجته.
وهذا الرجل هو الذي نزلت فيه قصة ذبح البقرة كما ذكر في القرآن، وهذا القتل كان بسبب تلك المرأة.
روى هذا الحديث أبو سعيد.
* * *
2292 -
وقال: "الشُّؤمُ في المرأةِ، والدَّارِ، والفرسِ".
وفي روايةٍ: "الشُّؤمُ في ثلاثٍ: في المرأةِ، والمَسْكَنِ، والدابةِ".
قوله: "الشؤم في المرأة والدار والفرس" قيل: شؤم المرأة سوءُ خلقها، وقلةُ صلاحها وطاعتها، وشؤم الدار ضيقُها وسوء جوارها، وقيل: كونها غيرَ حلالٍ بأن تكون مغصوبةً، ولم تُؤدَّ شروط البيع فيها، وشؤم الفرس: بأن يكون جَموحًا، وقيل: بأن لا يغزو عليه.
وقيل: هذا كلُّه إرشادٌ من النبي صلى الله عليه وسلم الأمةَ بجواز بيع الدار التي يكره الرجل سكناها، وبيع الفرس الذي لا يوافقه، وتطليق المرأة التي لا يكون له بها ألفة.
ويأتي بحث باقي هذا الحديث في (باب الفأل والطيرة).
روى هذا الحديث ابن عمر.
* * *
2293 -
وقال جابرٌ رضي الله عنه: كنَّا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في غَزْوةٍ، فلمَّا قَفَلْنا كنَّا قريبًا مِن المدينةِ، قلتُ: يا رسولَ الله! إني حديثُ عهدٍ بعُرسٍ، قال:"تزوَّجتَ؟ " قلتُ: نعم، قال:"أبكْرٌ أَمْ ثَيبٌ؟ " قلتُ: بل ثيبٌ، قالَّ:"فهلا بكرًا تلاعبُها وتلاعبُك؟ " فلمَّا قدِمنا ذهبنا لندخلَ فقال: "أَمهِلوا حتى ندخلَ ليلًا - أي عِشاءً - لكي تمتشِطَ الشَّعِثَةُ وتَستَحِدَّ المُغِيبَةُ".
قوله: "قفلنا"؛ أي: رجعنا.
"حديث عهد بعرس"؛ أي: تزوُّجي جديد.
قوله: "فهلا بكرًا تلاعبها وتلاعبك"؛ يعني: لمَ لمْ تتزوَّجْ بكرًا تكثر ملاعبتك إياها، وملاعبتها إياك؟.
هذا الحديث يدل على أنَّ تزوُّج البكر أولى، وتأتي علَّته.
ويدل أيضًا على أن ما يجري بين الزوجين من الملاعبة مرضيٌّ للشارع، وهو سنةٌ؛ لأنها سبب زيادة الألفة والنشاط، ومَهيجِ الشهوة التي هي سبب الولادة.
قوله: "لكي تمتشِط الشعِثة"؛ أي: لتُصلح شعرها بالمشط، (الشعثة): متفرقةُ الشعر.
قوله: "وتستحدَّ المغيبة"؛ أي: لتستعمل الحديد؛ أي: الموسى، (المُغيبة) بضم الميم وكسر الغين: المرأة التي غاب عنها زوجها.
يعني: من السنة أن لا يدخل المسافر بيته إلا بعد أن يبلغ الخبر بقدومه إلى أهله؛ لتزين زوجته نفسها وتَطَيَّب؛ لأنه لو دخل عليها زوجها على غفلة منها ربما يجدها شعثة وسخة كريهة الرائحة، فيحصل للزوج منها نفرة الطباع.
قوله: (وتستحد المغيبة) صريحٌ على أن السنة حَلْقُ عانتهن كالرجال، وليس عليهن نتفُ عانتهن كما هو عادتهن.
* * *
2295 -
وقال: "إذا خطبَ إليكم مَنْ تَرْضَونَ دينَهُ وخلُقَهُ فزوِّجُوه، إنْ لا تفعلُوهُ تَكُنْ فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ عريضٌ".
قوله: "إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض"؛ يعني: إذا طلب أحدٌ منكم أن تزوِّجوه امرأةً من أولادكم أو أقاربكم، فانظروا فإن كان مسلمًا صالحًا حسن الخلق فزوِّجوه؛ لأنكم لو لم تزوِّجوا نساء أقاربكم إلا من معروفٍ صاحبِ مال وجاه وغير ذلك من الصفات التي يميل إليها أبناء الدنيا، يبقى أكثر نساءكم بلا زوج، ويبقى أكثر الرجال بلا زوجة، وحينئذ يميل الرجال إلى النساء، والنساء إلى الرجال، ويكثر الزنا، ويلحق الأولياءَ العارُ بنسبة الزنا إلى نسائهم.
وربما تغلب غيرةٌ على أقاربهم بما سمعوا من نسبة الزنا إليهن، فيقتلوهن، ويقتلون من قصدهن بالفواحش، وهذا كله فسادٌ عريض، وفتنة كبيرة.
وهذا الحديث دليل مالك، فإنه يقول: لا يراعى في الكفاءة إلا الدِّين وحده.
ومذهب غيره: أنه يراعى في الكفاءة أربع أشياء: الدين، والحرية، والنسب، والصنعة؛ يعني: لا تزوَّج المسلمة من كافر، فإن زوِّجت فالنكاح باطل، ولا تزوَّج الصالحة من فاسقٍ، ولا الحرةُ من عبد، ولا المشهورةُ النسبِ من خاملِ النسب، ولا بنتُ تاجرٍ أو من له حرفةٌ طيبةٌ ممَّن له حرفةٌ خبيثة أو مكروهةٌ عند الناس، فإن رضيت المرأة ووليُّها بغير كفءٍ ممن ذكرنا؛ صحَّ النكاح (1)، وإن رضيَتِ المرأةُ بغير كُفءٍ ولم يَرضَ الولي، أو رضيَ الولي ولم تَرضَ المرأةُ؛ فالنَّكاحُ باطلٌ، وإن كان لها أولياءُ بدرجةٍ واحدةٍ ورضيَتِ المرأةُ وبعضُ الأولياءِ دونَ بعضٍ؛ فالنَّكاحُ باطلٌ أيضًا.
وفي قولٍ: البراءة من العيوب التي هي: البَرَصُ والجُذَامُ والجنونُ والجَبُّ؛ مُعتبَرةٌ في الكفاءة أيضًا، وفي قولٍ: اليَسارُ مُعتبَرٌ أيضًا؛ يعني: لو كان الزوجُ مُعسِرًا (2) والمرأةُ غنيةً أو من قومٍ أغنياءَ، ليس الزوجُ بكُفءٍ لها.
واعلمْ أن الكفاءةَ مُعتبَرةٌ في الزوج؛ يعني: لا تُزوَّجُ امرأة شريفةٌ بهذه الخِصال من زوجٍ خسيسٍ، أمَّا لو كان الزوجُ شريفًا بهذه الخِصال، والمرأةُ دونَه في هذه الخِصال فلا بأسَ، حتى لو زَوَّجَ الرجلُ من ابنه الصغير الشريف امرأةً هي دونَه في هذه الخِصال جاز، إلا أنه لا يجوز أن تكونَ المرأةُ أَمَةً أو بها برصٌ أو جُذَامٌ أو جنونٌ أو رَتَقٌ أو قَرَنٌ، والرَّتَق والقَرَن: عَيبانِ يكونان في الفَرج لا يمكن أن يُجامعَ تلك المرأةَ.
ولا يجوز أن تُزوَّجَ مسلمةٌ من كافرٍ بالاتفاق، سواءٌ رضيَتِ المرأةُ والأولياءُ أو لم يَرضَوا.
(1) إلا تزويج المسلمة من كافر، فلا يصح ولو رضيت المرأة ووليُّها، كما سيأتي.
(2)
في "ق": "فقيرًا".
رَوى هذا الحديثَ أبو حاتم المزني، ولم يَروِ هو غيرَ هذا الحديث.
* * *
2296 -
وقال: "تزَوَّجُوا الوَدُودَ الوَلُودَ، فإني مُكاثِرٌ بكم الأمَمَ".
قوله: (تزوَّجوا الوَلُودَ الوَدُودَ؛ فإني مُكاثِرٌ بكم الأُمَمَ)، (الوَدُود): التي تَشتدُّ محبتُها للزوج، ويَشتركُ في هذا الوزن المُذكَّرُ والمُؤنثُ، (الوَلُود): التي تَكثُر ولادتُها، يعني: تَزوَّجوا امرأةً تعرفون كونَها شديدةَ المحبة لزوجها؛ لأنَّ المرأةَ إذا اشتدَّت محبتُها لزوجها تُلاعِبُ زوجَها، وتَطيبُ نفسُها، فيَكثُر جريانُ الوَطء بينهما ويَكثُر الأولادُ بينهما، وإذا كثُر الأولادُ تَكثُر أمَّةُ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (إني مُكاثرٌ بكم الأمم)، (المُكَاثرة): المُفَاخرةُ بكثرة الأتباع والأهل؛ يعني: أُفاخر الأنبياءَ بكثرة أمَّتي وأقول: أنا أكثرُ الأنبياء أمَّةً.
هذا الحديثُ صريحٌ بتأكيدِ استحباب التزوُّج، وفضيلةِ امرأةٍ وَلُودٍ على غيرها، وفضلِ كثرةِ أولاد الرجل والمرأة، وكثرةِ ثوابهما وهذا أفضل طاعة؛ لأنَّ مَن حصل منه أولادٌ فقد حصَّلَ مرادَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وتحصيلُ مراد النبيِّ صلى الله عليه وسلم أفضلُ القُرَب، وفي تكثير الأولاد تكثيرُ عِباد الله، ولا شكَّ أنَّ تكثيرَ مَن يُطيع الله من أفضل القُرَب.
فإن قيل: إن كانتِ المرأةُ ثيبًا عُرف كونُها وَدُودًا وَلُودًا في نكاح زوجها الأول، فيَعرف الرجالُ بعد ذلك كونَها وَدُودًا ولودًا فيتزوَّجونها، وأمَّا إذا كانت بِكرًا فكيف يُعرَف كونُها وَدُودًا وَلُودًا حتى يَتزوجَها الرجالُ؟
قلنا: يُعرَف كونُها وَدُودًا ووَلُودًا بأقاربها، فإن كانت نساءُ أقاربها ولودًا تكونُ هي كذلك؛ لأنَّ الغالبَ سرايةُ طبائع نساء الأقارب من بعضهنَّ إلى بعضٍ، وتشبه بعضُهنَّ بعضًا.
رَوى هذا الحديثَ مَعقِلُ بن يَسَار.
* * *
2297 -
عن عبدِ الرَّحمنِ بن عُوَيْمٍ: أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالأبكارِ، فإنَّهنَّ أعذَبُ أَفواهًا، وأَنْتَقُ أَرحامًا، وأَرضَى باليسيرِ"، مرسلٌ.
"عليكم بالأبكار؛ فإنهن أعذبُ أفواهًا، وأَنتَقُ أرحامًا، وأرضى باليسير"، (عليكم): هذه كلمة الإغراء والتحريض، يُحرِّض النبي صلى الله عليه وسلم الأُمَّة بتزوُّجِ الأبكار؛ لأنهنَّ أعذبُ أفواهًا من الثيبات، ومعنى الأعذب: الأطيب، والأفواه: جمع فُوه وهو الفم، ولكن الفُوه غيرُ مُستعمَل في المفرد، بل المُستعمَلُ في المفرد: الفم، وفي الجمع: الأفواه، ومعنى الكلام يحتمل أمرَين:
أحدهما: أن يكونَ كنايةً عن طِيب قُبْلة البكْر؛ فإنه لا شكَّ أنَّ البكْرَ أكثرُ شبابًا ومَلاحةً من الثيب.
والثاني: أن يكونَ كنايةً عن طيب الكلام وعدم السَّلاطة والتفحُّش في الكلام؛ فإنَّ الغالبَ أن يكونَ استحياءُ البكْر أكثرَ من الثيب، وإذا كان استحياؤها أكثرَ، [فإنها] تستحيي من التكلم بالفحش ومن السَّلاطة.
قوله: (وأنتق أرحامًا)، (أنتق): أفعل التفضيل، من (نتَقَتِ) المرأةُ: إذا كثرت أولادها؛ يعني: أرحامُهنَّ أكثرُ قَبولًا للنُطفة والحمل: إمَّا لقوَّةِ حرارة أرحامهنَّ، أو لشدةِ شهوتهنَّ وميلهنَّ إلى الأزواج وشدةِ ميل الأزواج إليهنَّ، وهذه الأشياءُ سببُ الحمل، ولكنَّ الأسبابَ ليست مُؤثِّرةً إلا بأمر الله تعالى؛ فإنَّا نرَى بعضَ الأبكار لا تَلدُ أصلًا، ونَرى بعضَ الثيبات تَلدُ كثيرًا.
(وأرضى باليسير)؛ يعني: يكون رضاها بقلة الطعام والكسوة والتنعم أكثر