المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌12 - كِتابُ النِّكَاحِ

- ‌2 - باب النَّظَرِ إلى المَخطوبةِ وبيانِ العَورات

- ‌3 - باب الوليَّ في النَّكاح واستِئذانِ المَرأةِ

- ‌4 - باب إعلانِ النكاحِ والخِطبةِ والشَّرطِ

- ‌5 - باب المُحرَّماتِ

- ‌6 - باب المُباشَرةِ

- ‌فصل

- ‌7 - باب الصَّداق

- ‌8 - باب الوَليمةِ

- ‌9 - باب القَسْمِ

- ‌10 - باب عشرةِ النِّساءِ وما لكلِّ واحدةٍ من الحقوقِ

- ‌11 - باب الخُلعِ والطلاقِ

- ‌12 - باب المُطلَّقَةِ ثلاثًا

- ‌فصل

- ‌13 - باب اللِّعَانِ

- ‌14 - باب العِدَّة

- ‌15 - باب الاستبراء

- ‌16 - باب النَّفقاتِ وحَقِّ المَملوكِ

- ‌17 - باب بلوغِ الصَّغيرِ وحضانتهِ في الصِّغَرِ

- ‌13 - كِتابُ العِتْقِ

- ‌2 - باب إعتاقِ العَبْدِ المُشتَرَك وشراءِ القريبِ والعتقِ في المَرَضِ

- ‌3 - باب الأيمانِ والنُّذورِ

- ‌فصل في النُّذورِ

- ‌14 - كِتَابُ القِصَاصِ

- ‌2 - باب الدَّيَاتِ

- ‌3 - باب ما لا يُضْمَنُ من الجنايات

- ‌4 - باب القَسامة

- ‌5 - باب قتلِ أهل الرِّدَّةِ والسُّعاةِ بالفسادِ

- ‌15 - كِتَابُ الحُدُودِ

- ‌2 - باب قَطْعِ السَّرِقَةِ

- ‌3 - باب الشَّفاعةِ في الحُدودِ

- ‌4 - باب حدِّ الخمرِ

- ‌5 - باب لا يُدْعى على المَحدودِ

- ‌6 - باب التَّعْزيرِ

- ‌7 - باب بيانِ الخَمْرِ ووعيدِ شاربها

- ‌16 - كِتابُ الإمَارَة وَالقَضَاءِ

- ‌1 - باب

- ‌2 - باب ما على الوُلاةِ من التَّيسيرِ

- ‌3 - باب العَملِ في القضاءِ والخَوفِ منهُ

- ‌4 - باب رزق الوُلاةِ وهداياهم

- ‌5 - باب الأقضيةِ والشَّهاداتِ

- ‌17 - كِتابُ الجهَادِ

- ‌2 - باب إعدادِ آلةِ الجِهادِ

- ‌3 - باب آدابِ السَّفَرِ

- ‌4 - باب الكتابِ إلى الكُفَّارِ ودعائِهم إلى الإسلامِ

- ‌5 - باب القِتالِ في الجهاد

- ‌6 - باب حُكْمِ الأُسارى

- ‌7 - باب الأمانِ

- ‌8 - باب قِسْمَةِ الغنائمِ والغُلولِ فيها

- ‌9 - باب الجِزْيَةِ

- ‌10 - باب الصُّلحِ

- ‌11 - باب الجلاء: إخراجِ اليهودِ من جزيرةِ العَرَبِ

- ‌12 - باب الفَيْءِ

- ‌18 - كِتَابُ الصَّيْدِ والذَّبَائِحِ

- ‌2 - باب

- ‌3 - باب ما يحلُّ أكلُه وما يحرُمُ

- ‌4 - باب العقِيقةِ

- ‌19 - كِتَابُ الأَطْعِمَةِ

- ‌2 - باب الضيافَةِ

- ‌فصل

- ‌3 - باب الأشرِبةِ

- ‌4 - باب النَّقيعِ والأنبذةِ

- ‌5 - باب تغطيةِ الأواني وغيرِها

الفصل: ‌14 - باب العدة

قوله: "فاختيالُ الرجل عند القتالِ، واختيالُه عند الصدقةِ"، (الخُيلاء): التكبُّر، والاختيالُ مثلُه؛ يعني: التكبُّرُ عند القتال محمودٌ، وهو: أن يَرى نفسَه عظيمةً قادرةً على القتال، ويُوقع نفسَه في الحرب، ويُظهر الشجاعةَ عن نفسه، ولا يَفرُّ كالعاجزين، وكذلك عند الصدقة؛ مثل أن يقولَ مع نفسه: إني أُعطي صدقةً كثيرةً كبيرةً؛ فإني غنيٌّ، ولي ثقةٌ وتوكُّلٌ على الله، ولا يطيع نفسَه بأن تأمرَه بالبخل، وتُخوِّفَه بأن يصيرَ فقيرًا.

وأمَّا الاختيالُ في الفخر، فهو أن يقولَ: أنا أشرفُ من فلانٍ نسبًا وكرمًا.

والمراد بـ (البغي) هنا: الاختيال.

* * *

‌14 - باب العِدَّة

(باب العدة)

مِنَ الصِّحَاحِ:

2481 -

عن أبي سلمةَ، عن فاطمةَ بنتِ قيسٍ: أنَّ أبا عمروِ بن حفصٍ طلَّقَها البتَّةَ وهو غائبٌ، فأرسلَ إليها وكيلَه بشعيرٍ، فتَسَخَّطَتْهُ، فقال: والله ما لكِ علينا مِن شيءٍ، فجاءَتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فذكرَتْ ذلكَ له، فقال:"ليسَ لكِ نفقةٌ"، فأَمَرَها أنْ تعتدَّ في بيتِ أُمِّ شَريكٍ، ثم قال:"تلكَ امرأةٌ يغشاها أصحابي، اعتدِّي عندَ ابن أُمِّ مكتومٍ فإنه رجلٌ أعمى، تَضعِينَ ثيابَكِ، فإذا حَلَلْتِ فآذِنيني"، قالت: فلمَّا حَلَلْتُ ذَكَرْتُ لهُ أنَّ مُعاوِيَةَ بن أبي سُفْيانَ، وأبا جَهْمٍ خَطَباني؟ فقال:"أمَّا أبو جَهْمٍ: فلا يَضَعُ عَصاهُ عن عاتِقِهِ، وأمَّا مُعاوِيةُ: فصُعْلوكٌ لا مالَ لهُ، انكِحي أُسامةَ بن زيدٍ"، فَكَرِهْتُهُ ثم قال: "انكِحي أُسامةَ

ص: 123

ابن زيدٍ"، فَنَكَحتُه فجعلَ الله فيهِ خيرًا واغتبَطْتُ".

وفي روايةٍ: "فأمَّا أبو جَهْمٍ فرجلٌ ضَرَّابٌ للنِّساءِ". ورُوي: أنَّ زوجَها طلَّقَها ثلاثًا، فأتَتْ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال:"لا نفقةَ لكِ إلا أنْ تكوني حامِلًا".

قوله: "فأرسل إليها وكيلُه الشعيرَ، فسخطَتْه"؛ أي: غضبَتْ على الوكيل؛ يعني: أرسل وكيلُ زوجِها الشعيرَ للنفقة، فلم تَرضَ بتلك النفقة، إمَّا لكون تلك النفقة شعيرًا لا حنطةً، أو لكونه قليلًا، فقال ذلك الوكيل: ليس لك النفقةُ؛ لأنك مُطلَّقةٌ بائنةٌ، ولا نفقةَ للمُطلَّقة البائنةِ.

قوله: "تلك امرأةٌ يغشَاها أصحابي"، (يغشَاها)؛ أي: يدخلُ عليها؛ يعني: لأمِّ شَريك أولادٌ وأقاربُ كثيرةٌ من الرجال يدخلون بيتَها، ولا يصلح بيتُها للمُعتدَّة؛ لأنَّ العِدَّةَ يجب أن تكونَ في موضعٍ خالٍ.

قوله: "تضعينَ ثيابَكِ"؛ يعني: لا تلبسي ثيابَ الزينة، فإنه لا يجوز للمُعتدَّة أن تلبَسَ ثيابًا فيها زينةٌ.

قوله: "فإذا حلَلتِ"؛ يعني: وإذا تَمَّتْ عِدَّتُك، "فآذِنيني"؛ أي: فأعلِمِيني انقضاءَ عدَّتِك.

قوله: "فلا يضع عصاه عن عاتقه"، يريد: أنه يُكثر ضربَ النساء، فلا تُطيقين ضربَه.

وهذا تصريحٌ منه صلى الله عليه وسلم على جواز ذكر عيبٍ في الزوج؛ لتحترزَ الزوجةُ منه، كي لا تقعَ في مشقَّةٍ، وكذلك لو كان في المرأة عيبٌ من فعلٍ أو قولٍ أو قبحِ صورةٍ؛ جازَ له أن يذكرَ ذلك العيبَ للزوج، كي لا يقعَ الزوجُ في مشقَّةٍ.

وقيل: المراد بقوله: (لا يضع عصاه عن عاتقه) أنه يُكثر المسافرةَ، فلا يكون

ص: 124

لك منه حظٌّ، وقيل: ضرَّابٌ للنساء، وقيل: كناية عن المجامعة؛ أي: كثير الجماع، وهذا بعيد.

قوله: "فصُعلوك"؛ أي: فقير، وإذا كان فقيرًا، فلا تستريحين منه.

قولها: "اغتَبطتُ"؛ أي: فرحتُ وربحتُ.

قوله: "إلا أن تكوني حاملًا"؛ يعني: فإن كنتِ حاملًا، وجبَتْ لك النفقةُ حتى تَلِدي.

* * *

2482 -

وقالت عائشةُ رضي الله عنها: إنَّ فاطمةَ كانتْ في مكان وَحْشٍ فخيفَ على ناحيَتِها، فلذلكَ رَخَّصَ لها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، تَعني في النُّقْلَة.

قولها: "في مكان وَحْش"، (الوَحِشُ) بسكون الحاء وكسرها: الخالي.

"في النُّقْلة"، (النُّقْلَة) بضم النون؛ أي: في الانتقال من ذاك الموضع إلى موضعٍ آخرَ.

* * *

2483 -

وقالت عائشةُ رضي الله عنها: ما لِفاطمةَ أنْ لا تَتَّقي الله - يعني في قولها: لا سُكنَى ولا نفقةَ -.

قولها: "ما لفاطمة"، (ما): استفهامٌ بمعنى الإنكار؛ يعني: ألا تتقي الله فاطمةُ بنتُ قيسٍ في نسبة الكذب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يعني: نَقلَتْ فاطمةُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا نفقةَ لك ولا سُكنَى"، وما قال لها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم هذا، بل يجب للمُطلَّقة البائنة النفقةُ والسُّكنَى.

وإنما أمرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فاطمةَ بالخروج من منزلها، وتعتدَّ في بيت ابن أمِّ

ص: 125

مَكتوم؛ لأنَّ مكانَها كان خاليًا تخافُ، فلأجل هذا أمرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في الانتقال من موضعها، لا لأنه لا سُكنَى لها على الزوج.

واختيارُ عائشةَ رضي الله عنها وجوبُ النفقة والسُّكنى للمُعتدَّة البائنة؛ حاملًا كانت أو حائلًا، وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي ومالك: لها السُّكنَى بكل حال، وأمَّا النفقةُ فإن كانت حاملًا استحقَّتْ، وإلا فلا، وقال أحمد: لا نفقةَ لها ولا سُكنَى، إلا أن تكون حاملًا.

وأمَّا المُتوفَّى عنها زوجُها فلا نفقةَ لها بلا خلافٍ، ولها السُّكنَى في قول مالك وأحمد وأصحِّ قولَي الشافعي، وفي القول الثاني للشافعي - وهو قول أبي حنيفة -: أنه لا سُكنَى لها.

ولا خلافَ في المُطلَّقة الرَّجعية: أنَّ لها النفقةَ والسُّكنَى.

* * *

2485 -

وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: طُلِّقَتْ خالتي ثلاثًا، فَأرادَتْ أنْ تَجُدَّ نخلَها فزجرَها رجُل أنْ تَخْرُجَ، فأتَت النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالَ:"بلى فَجُدِّي نخلَكِ، فإنه عَسَى اْنْ تَصَدَّقي أو تَفْعلي معروفًا".

قوله: "أن تَجدَّ نخلَها"، أي: أن تقطعَ ثمرَ نخلها.

قوله: "بلى، فجُدِّي نخلَك"؛ يعني: لا يجوز للمُعتدَّة أن تخرجَ من منزل العِدَّة لغير عذرٍ، حتى تنقضيَ عدَّتُها، فإن خرجت بالنهار بعذرٍ جازَ، وخروجُ خالة جابر لجدِّ النخل عذرٌ؛ لأنه ليس لها مَن يَجُدُّ نخلَها، ولو لم تخرجْ لَتَلفتْ ثمرتُها، فرخَّصَ لها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في الخروج لتحصيل المال؛ لأنَّ المالَ يحصل به خيرٌ لصاحبه بالتصدُّق وإخراج الزكاة، ولا يجوز إتلافُ ما فيه خيرٌ.

قوله: "أن تصدَّقي"؛ يعني: لعلَّ ثمرةَ نخيلك تبلغُ نِصابًا، فتؤدِّي

ص: 126

زكاتَها، و (تصدَّقي) بمعنى: تُؤدِّي الزكاة.

قوله: "أو تفعلي معروفًا"؛ يعني: أو تُعطي صدقةَ تطوُّعٍ.

* * *

2486 -

وعن المِسْوَر بن مَخْرَمَة: أن سُبَيْعةَ الأَسلَمِيَّةَ نُفِسَتْ بعدَ وفاةِ زوجها بليالٍ - ويُروَى: وضعَتْ بأربعينَ ليلةً - فجاءَتْ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فاستأذنَتْه أنْ تَنكِحَ فأذِنَ لها فَنَكَحَتْ.

قوله: "نُفست بعد وفاة زوجها بليالٍ

" إلى آخره، (نُفست) بضم النون: إذا وَلدت المرأةُ، وبفتحها: إذا حاضَت.

يعني: كانت حاملًا حين مات زوجُها، فوَلدت بعد موته بزمانٍ يسيرٍ، فأذنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لها في النكاح؛ يعني: إذا وَلدت المرأةُ بعد وفاة الزوج، أو بعد الطلاق، فقد انقضت عدَّتُها، وجاز لها التزوُّجُ بزوجٍ آخرَ، وإن كان ولادتُها بعد الوفاة أو الطلاق بلحظةٍ (1).

* * *

2487 -

عن أمِّ سلمةَ رضي الله عنها قالت: جاءَتْ امرأةٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم

(1) جاء في النسختين الخطيتين المرموز لها بـ "ش" و"م" ما نصه:

"بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدُ لله القديمِ مقاله، العظيمِ إفضالُه، العميمِ نَوالُه، والصلاةُ على حبيبه المُرسَلِ مِن عندِه جل جلاله، أمَّا بعدُ:

فإذا تَمَّتِ التتمَّةُ، وانضمَّتِ الكَرَاريسُ المتفرقةُ، فُقِدَ كُرَّاستانِ منها، والأحاديث المشروحةُ فيهما من هذا الحديث الذي في (باب العِدَّة) - وهو هذا: عن أمِّ سَلَمة قالت: جاءت امرأةٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! إنَّ ابنتي تُوفِّي عنها زوجُها، وقد اشتكَت عينَها - إلى (باب التعزير)، ثم شَرعتُ في إتمامها مستعينًا بالله تعالى".

ص: 127

فقالت: يا رسولَ الله! إِنَّ ابنتي تُوفِّيَ عنها زَوجُها، وقد اشتَكَتْ عينَها أَفَنَكْحُلُها؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"لا"، مرتينِ أو ثلاثًا، كلُّ ذلكَ يقولُ:"لا"، ثم قال:"إنما هي أربعةُ أَشْهُرٍ وعَشْرٌ، وقد كانَتْ إحداكُنَّ في الجاهليةِ تَرْمي بالبَعرةِ على رأسِ الحولِ".

قولها: "تُوفِّي"؛ أي: مات، وأصلُه: تَوفَّاه الله؛ أي: استوفاه، فتُوفِّي؛ أي: وفَّاه أجَلَه المكتوبَ، ولم يَنقصْه شيئًا.

"اشتكَت عينَها"؛ أي: وَجِعَتْ عينَها.

"أفنَكحلُها؟ "؛ أي: نَكحلُها نحن، أو تأذن لها، فتَكتحل.

"فقال صلى الله عليه وسلم: لا، مرتين أو ثلاثًا"، (أو): شكٌّ من الرَّاوي؛ يعني: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يجوز لها الاكتحالُ، قاله مرتين أو ثلاثَ مراتٍ للمبالغة.

الظاهرُ أنَّ هذا الحديثَ مُستنَدُ أحمدَ رحمةُ الله عليه؛ فإنه لم يُجوِّز للمُتوفَّى عنها زوجُها الاكتحالَ بالإثمد في حالة الرَّمَد وفي غيره، ذكرَه الخِرَقيُّ في "مختصره"، وعند أبي حنيفة ومالك: يجوز لها الاكتحالُ به في الرَّمَد. وعند الشافعي: يجوز لها أن تَكتحلَ به ليلًا، وتمسَحه نهارًا إذا احتاجت إليه لرَمَدٍ، ذكره مُحيي السُّنَّة في "معالم التنزيل".

قوله: "قد كانت إحداكنَّ في الجاهلية تَرمي بالبَعرة على رأس الحَول"، (البَعْرة) بسكون العين: واحدة البَعْر والأبعار، وهي رَوث البعير، (الحَول): السَّنة.

وقال في "شرح السُّنَّة": معنى رميها بالبَعرة كأنها تقول: كان جلوسُها في البيت وحبسُها نفسَها سَنةً على زوجها أهونَ عليها من رمي البَعرة، أو هو يسيرٌ في جنب ما يجبُ من حقِّ الزوج، وكانت عدَّةُ المُتوفَّى عنها زوجُها حَولًا كاملًا، فنُسخ بأربعةِ أشهرٍ وعشرٍ.

ص: 128

وقيل: معناه: إظهارُ انقضاء العِدَّة بهذا الفعل المحسوس مِن قِبلها، أو أرادت أني تفرَّغتُ من العِدَّة كما يَتفرَّغ البعيرُ برمي البَعرة إذا أراد قضاءَ حاجته، أو لعلَّها تُقال لمجيء زوجٍ آخرَ؛ كما أنَّ البعيرَ إذا رمى البَعر يحتاج إلى غذاءٍ جديدٍ.

* * *

2488 -

عن أمِّ حبيبةَ، وزينبَ بنتِ جَحْشٍ، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا يَحِلُّ لامرأةٍ تؤمنُ بالله واليومِ الآخرِ أنْ تُحِدَّ على ميتٍ فوقَ ثلاثِ ليالٍ إلا على زوجٍ: أربعةَ أشهرٍ وعشرًا".

قوله: "لا يحلُّ لامرأةٍ تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدَّ على ميتٍ فوقَ ثلاث"؛ أي: ثلاث ليال، (أن تحدَّ): فاعلُ (لا يحلُّ)، و (تؤمن): صفةٌ لـ (امرأةٍ)، تقدير الكلام: لا يحلُّ لامرأةٍ مؤمنةٍ بالله واليوم الآخر الإحدادُ على ميتٍ.

الظاهر: أنَّ المرادَ بالإحداد: الجزعُ والبكاءُ والتحرق على الميت أكثرَ من ثلاثِ ليالٍ؛ فقد جاء في خبرٍ آخرَ: "العَزاءُ ثلاثةُ أيام"، وأمَّا العِدَّةُ فإن كانت تُسمَّى إحدادًا، فالمراد غير هذا، بل المراد: تركُ الزينة فقط، كما قال مُحيي السُّنَّة رحمه الله: معنى الإحداد هو الامتناع من الزينة، يقال: أحدَّتِ المرأةُ على زوجها، فهي مُحِدَّة، وحَدَّتْ أيضًا، وحدود الله: ما يجب الامتناعُ دونها.

* * *

2489 -

وعن أمِّ عطيَّةَ رضي الله عنها، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تُحِدُّ امرأةٌ على ميتٍ فوقَ ثلاثٍ إلا على زوجٍ أربعةَ أشهرٍ وعَشْرًا، ولا تَلْبَسُ ثوبًا مصبوغًا إلا ثوبَ عَصْبٍ، ولا تكتحلُ، ولا تَمَسُّ طِيْبًا إلا إذا طَهُرت نُبذةً مِن

ص: 129

قُسْطٍ، أو أَظفارٍ". ويروى:"ولا تَختضبْ".

قوله: "إلا ثوبَ عَصْب"، (العَصْب): نوع من البُرُود يُعصَب غزلُه، ثم يُصبَغ، ثم يُنسَج، فلا بأسَ بلبسه.

قوله: "إلا إذا طَهُرت نبذةً من قُسط أو أظفار"، (النُّبذة): القطعة اليسيرة، (القُسط) بضم القاف: من عقاقير البحر، قال مُحيي السُّنَّة: هو عودٌ يُحمَل من الهند يُجعَل في الأدوية، و (الأظفار): شيءٌ طيبٌ أسودُ يُجعَل في الدُّخْنَة، لا واحدَ لها.

ويُروَى: "نُبذةً من كُسْت أظفارٍ"، وأراد بالكُست: القُسط، وتُبدَل القافُ بالكاف، والطاءُ بالتاء، كما يُقال: كافور وقافور، ونُقل عن الأزهريِّ: أنه قال: واحدها: ظُفْر.

* * *

مِنَ الحِسَان:

2490 -

عن زينبَ بنتِ كعبٍ: أنَّ الفُرَيعةَ بنتَ مالكِ بن سِنانٍ، وهي أختُ أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنها، أخبرَتْها أنها جاءَتْ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم تسألُه أنْ تَرجِعَ إلى أهلِها في بني خُدْرةَ، فإنَّ زوجَها خرجَ في طلبِ أَعْبُدٍ له أَبَقُوا فقتلُوه، قالت: فسألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أنْ أَرجِعَ إلى أهلي، فإنَّ زوجي لم يترُكْني في منزلٍ يملِكُهُ ولا نفقةٍ، فقالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "نعم"، فانصرَفْتُ حتى إذا كنتُ في الحُجْرةِ أو في المسجدِ دَعاني، فقال:"اُمْكُثي في بيتِكِ حتى يبلغَ الكتابُ أجلَهُ"، قالت: فاعتدَدْتُ فيه أربعةَ أشهرٍ وعَشْرًا.

قوله: "حتى يبلغَ الكتابُ أجلَه"، و (الأَجَل): المدة؛ أي: حتى تنقضيَ العِدَّةُ؛ وإنما سُميت العِدَّةُ كتابًا؛ لأنها فريضةٌ من الله سبحانه، كما قال الله

ص: 130

تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 178]؛ أي: فُرض.

قولها: "فاعتددتُ فيه"، الاعتداد ها هنا بمعنى: قضاء العِدَّة؛ أي: قضيتُ عِدَّتي بما أمرَني سبحانه.

* * *

2491 -

عن أمَّ سَلَمةَ قالت: "دخلَ عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حينَ توفي أبو سلَمةَ وقد جعلتُ على عَينيَّ صَبرًا فقال: "ما هذا يا أُمَّ سلمةَ؟ " فقلتُ: إنما هو صَبرٌ ليسَ فيه طِيبٌ، فقال: "إنه يَشُبُّ الوجهَ فلا تجعَليهِ إلا بالليلِ وَتَنْزَعِيهِ بالنَّهارِ، ولا تَمْتَشِطي بالطِّيبِ، ولا بالحِنَّاءِ فإنه خِضابٌ"، قلتُ: بأيِّ شيءٍ أَمْتَشِطُ يا رسولَ الله؟ قال: "بالسِّدر تُغَلِّفينَ به رأسَكِ".

قولها: "وقد جعلتُ على [عينيَّ] صبرًا"، (الصَّبر) بكسر الباء: هذا الدواء المُرُّ، ولا يُسكَّن إلا في ضرورة الشعر. قيل: يجوز كلاهما على السَّويَّة كـ (كَتْف) و (كَتِف).

قوله: "إنه يشبُّ الوجهَ"، تقول:(شبَبتُ النارَ والحربَ أُشبُّها شَبَبًا وشُبُوبًا): إذا أوقدتَها، يقال للجميل: إنه لَمشبوبٌ، قال الشيخ مُحيي السُّنَّة: أي: يُوقده ويُلوِّنه ويُحسِّنه.

قوله: "ولا تمتشطي بالطِّيب"، (الامتشاط والمَشط): تسريحُ الشَّعر، الباء في (بالطيب): للحال؛ أي: لا تمتشطي في حالِ كونِ المُشط مُطيَّبًا.

قوله: "بالسِّدر تَغلَّفين به رأسَك"، (تَغلَّفين) بفتح التاء: أصله: تتغلَّفين، فحُذفت إحدى التاءَين، ذكرُه الإمامُ شهابُ الدِّين التُّورِبشْتِيُّ رحمه الله في "شرحه".

قال في "الصِّحاح": تَغلَّفَ الرجلُ بالغالية، وغَلَفَ بها لحيتَه غَلْفًا.

ص: 131

وقيل: هو بضم التاء من: التغليف، وهو جعلُ الشيءِ غلافًا لشيءٍ.

حاصل الروايتَين: أنه إن رُوِي بفتح التاء فمعناه: لا تُكثري من الطِّيب على شَعرك حتى يصيرَ الطِّيبُ غلافًا للشَّعر، فيُغطي الشَّعرَ ويحويه كتغطيةِ الغلافِ المغلوفَ، وإن رُوِي بضم التاء فمعناه: لا تُمكِّني أن يُفعَل بك ذلك؛ أي: امتنعي وامنعي غيرَك منه.

* * *

2492 -

عن أمِّ سلمةَ رضي الله عنها: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "المُتَوفَّى عنها زوجُها لا تلبَسُ المُعَصفَرَ من الثِّيابِ، ولا المُمَشَّقةَ، ولا الحُليَّ، ولا تختَضبُ، ولا تكتَحِلُ".

قوله: "لا تلبَس المُعصفَر من الثياب ولا المُمشَّقة"، (عُصفِرَ الثوبُ): إذا صُبغ بالعُصْفُر، وهو صِبْغٌ أحمرُ، يُقال له بالفارسية: خَسَك.

قال في "الغريبين": (المِشْقُ): المَغْرَةُ، وثوبٌ مُمَشَّقٌ: مصبوغٌ بالمِشْق، والمَغْرَةُ: الطِّين الأحمر، وقد تُحرَّك الغينُ، ومعدنه ظَفَارِ.

يعني: لا يجوز للمُتوفَّى عنها زوجُها أن تلبسَ ثيابَ الزينة والحُليَّ، ولا يجوز لها أيضًا أن تَطيَّبَ في بدنها ولا في ثيابها، ولا أن تأكلَ الأطعمةَ التي فيها طِيبٌ؛ يعني: الطعامَ المُزعفَرَ، ولا أن تكتحلَ بالإثمد من غير رَمَد - كما ذُكر قبلُ - إلى انقضاء عِدَّتها.

* * *

ص: 132