المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌15 - كتاب الحدود - المفاتيح في شرح المصابيح - جـ ٤

[مظهر الدين الزيداني]

فهرس الكتاب

- ‌12 - كِتابُ النِّكَاحِ

- ‌2 - باب النَّظَرِ إلى المَخطوبةِ وبيانِ العَورات

- ‌3 - باب الوليَّ في النَّكاح واستِئذانِ المَرأةِ

- ‌4 - باب إعلانِ النكاحِ والخِطبةِ والشَّرطِ

- ‌5 - باب المُحرَّماتِ

- ‌6 - باب المُباشَرةِ

- ‌فصل

- ‌7 - باب الصَّداق

- ‌8 - باب الوَليمةِ

- ‌9 - باب القَسْمِ

- ‌10 - باب عشرةِ النِّساءِ وما لكلِّ واحدةٍ من الحقوقِ

- ‌11 - باب الخُلعِ والطلاقِ

- ‌12 - باب المُطلَّقَةِ ثلاثًا

- ‌فصل

- ‌13 - باب اللِّعَانِ

- ‌14 - باب العِدَّة

- ‌15 - باب الاستبراء

- ‌16 - باب النَّفقاتِ وحَقِّ المَملوكِ

- ‌17 - باب بلوغِ الصَّغيرِ وحضانتهِ في الصِّغَرِ

- ‌13 - كِتابُ العِتْقِ

- ‌2 - باب إعتاقِ العَبْدِ المُشتَرَك وشراءِ القريبِ والعتقِ في المَرَضِ

- ‌3 - باب الأيمانِ والنُّذورِ

- ‌فصل في النُّذورِ

- ‌14 - كِتَابُ القِصَاصِ

- ‌2 - باب الدَّيَاتِ

- ‌3 - باب ما لا يُضْمَنُ من الجنايات

- ‌4 - باب القَسامة

- ‌5 - باب قتلِ أهل الرِّدَّةِ والسُّعاةِ بالفسادِ

- ‌15 - كِتَابُ الحُدُودِ

- ‌2 - باب قَطْعِ السَّرِقَةِ

- ‌3 - باب الشَّفاعةِ في الحُدودِ

- ‌4 - باب حدِّ الخمرِ

- ‌5 - باب لا يُدْعى على المَحدودِ

- ‌6 - باب التَّعْزيرِ

- ‌7 - باب بيانِ الخَمْرِ ووعيدِ شاربها

- ‌16 - كِتابُ الإمَارَة وَالقَضَاءِ

- ‌1 - باب

- ‌2 - باب ما على الوُلاةِ من التَّيسيرِ

- ‌3 - باب العَملِ في القضاءِ والخَوفِ منهُ

- ‌4 - باب رزق الوُلاةِ وهداياهم

- ‌5 - باب الأقضيةِ والشَّهاداتِ

- ‌17 - كِتابُ الجهَادِ

- ‌2 - باب إعدادِ آلةِ الجِهادِ

- ‌3 - باب آدابِ السَّفَرِ

- ‌4 - باب الكتابِ إلى الكُفَّارِ ودعائِهم إلى الإسلامِ

- ‌5 - باب القِتالِ في الجهاد

- ‌6 - باب حُكْمِ الأُسارى

- ‌7 - باب الأمانِ

- ‌8 - باب قِسْمَةِ الغنائمِ والغُلولِ فيها

- ‌9 - باب الجِزْيَةِ

- ‌10 - باب الصُّلحِ

- ‌11 - باب الجلاء: إخراجِ اليهودِ من جزيرةِ العَرَبِ

- ‌12 - باب الفَيْءِ

- ‌18 - كِتَابُ الصَّيْدِ والذَّبَائِحِ

- ‌2 - باب

- ‌3 - باب ما يحلُّ أكلُه وما يحرُمُ

- ‌4 - باب العقِيقةِ

- ‌19 - كِتَابُ الأَطْعِمَةِ

- ‌2 - باب الضيافَةِ

- ‌فصل

- ‌3 - باب الأشرِبةِ

- ‌4 - باب النَّقيعِ والأنبذةِ

- ‌5 - باب تغطيةِ الأواني وغيرِها

الفصل: ‌15 - كتاب الحدود

‌15 - كِتَابُ الحُدُودِ

ص: 243

[15]

كِتَابُ الحُدُودِ

(كِتَابُ الحُدُود)(1)

(الحدود): جمع حَدٍّ، وهو المنع، يقال: حَدَدْتُ الرجلَ: أقمت عليه الحد؛ لأنه يمنعه عن المعاودة.

مِنَ الصِّحَاحِ:

2677 -

عن أبي هريرةَ، وزيدِ بن خالدٍ: أنَّ رَجُلينِ اختصَما إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقالَ أحدُهما: اقضِ بينَنا بكتابِ الله، وقال الآخرُ: أجلْ يا رسولَ الله، فاقضِ بينَنا بكتابِ الله وائذنْ لي أنْ أَتكلَّمَ، قال:"تَكَلَّم"، قال: إنَّ ابني كانَ عَسِيفًا على هذا، فزنَى بامرأتِه فأَخبرُوني أنَّ على ابني الرَّجمَ، فافتدَيْتُ مِنهُ بمئةِ شاةٍ وبجَاريةٍ لي، ثم إني سألتُ أهلَ العِلْمِ فأَخبروني أنَّ على ابني جلدَ مئةٍ وتَغرِيبَ عامٍ، وإنَّما الرجمُ على امرأتِهِ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"أَمَا والذي نفسي بيدِه لأَقضيَنَّ بينَكما بكتابِ الله تعالى، أَمَّا غَنَمُكَ وجاريتُكَ فردٌّ عليكَ، وأمَّا ابنك فعليهِ جلدُ مئةٍ وتغريبُ عامٍ، وأمَّا أنتَ يا أُنَيْسُ فاغدُ على امرأةِ هذا فإنْ اعترفَتْ فارجمْها"، فاعترفَتْ فرجمَها.

(1) في "ش": "باب الحدود".

ص: 245

قوله: "اقضِ بيننا"؛ أي: احكم بكتاب الله؛ أي: بحكم الله.

"العَسِيفُ": الأجير، وإنما قال:"عسيفًا على هذا" ولم يقل: لهذا؛ نظرًا إلى جانب العَسِيْف، فإنَّ له على المستأجر الأجرة المسماة من جهة الخدمة والعمل، ولو قال: عسيفًا لهذا، لكان نظره إلى جانب المستأجر؛ لما يلزم له على العسيف العمل المسمى المعلوم.

قوله: "ثم إني سألت أهل العلم"؛ أي: سألت العلماء عن هذه المسألة، فيه دليل على أن الاستفتاء من المفضول مع وجود الفاضل جائز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُنكر على السائل في ذلك.

قوله: "أما والذي نفسي بيده لأقضين بكتاب الله"، (أَمَا) كلمة تنبيه؛ يعني: تنبهوا.

قال في "شرح السنة": قيل: المراد من (الكتاب): الفرض، يَقول: لأقضينَّ بينكما بما فرضه الله وأوجبه؛ إذ ليس في كتاب الله ذِكْرُ الرجم منصوصًا كذكر الجلد والقطع في السرقة، وقد جاء الكتاب بمعنى الفرض، قال الله تعالى:{كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [النساء: 24] أي: فرضه.

وقيل: (بكتاب الله)؛ أي: بحكم الله، وقوله تعالى:{أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ} [الطور: 41] أي: يحكمون.

وقيل: ذِكْرُ الرجم وإن لم يكن منصوصًا عليه صريحًا، فإنه مذكور في الكتاب على سبيل الإجمال، وهو قوله تعالى:{وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا} [النساء: 16] و (الأذى) يُطلق على الرَّجم وغيره من العقوبات، أو ضَمِنَ الكتابُ بأن يجعل لهنَّ سبيلاً، ثم بيَّنهُ عليه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فقوله:

"البكر بالبكر جلد مئة وتغريب عام": بيان حُكْم الكتاب.

ص: 246

وقد قيل: كان حكم الرجم منزلاً متلوًا فيما أنزل الله، فرفعت تلاوته، وبقي حكمه.

وفيه دليل على أن للحاكم أن يبتدأ باستماع كلام أي الخصمين شاء، وفيه دليل على جواز الإجارة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر قوله:"إن ابني كان عسيفًا على هذا".

وفي قوله: "أما غنمك وجاريتك فَرَدٌّ عليك"؛ أي: مردود، دليلٌ على أن المأخوذ بحكم البيع الفاسد، والصلح الفاسد مُستحق الرَّدِّ غير مملوك للآخذ.

وفي قوله: "فإن اعترفت فارجمها" دليلٌ على أن مَنْ أقرَّ بالزنا على نفسه مرةً واحدة يُقام الحد عليه، ولا يشترط فيه التكرار، كما لو أقر بالسرِقة مرة واحدة يقطع، أو لو أقرَّ بالقتل مرة واحدة يُقْتَصُّ منه، وهو مذهب مالك والشافعي.

وقال أحمد وإسحاق وأصحاب الرأي: لا يحدُّ ما لم يقر أربع مرات، غير أن أصحاب الرأي قالوا: ينبغي أن يقر أربع مرات في أربعة مجالس، فإذا أقر أربع مرات في مجلس واحد فهو كإقرار واحد.

قوله: "يا أُنيس" المراد به: الأنيس الأسلمي.

قوله: "فاغدُ": أمر من غَدَا يَغْدُو: إذا مشى وقت الغَداة.

* * *

2679 -

وقال عمرُ رضي الله عنه: إنَّ الله تعالى بعثَ مُحمَّدًا بالحقِّ وأنزلَ عليهِ الكتابَ، وكان ممَّا أَنزلَ الله: آيةَ الرَّجمِ، فرجَمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ورَجَمْنا بعدَه، والرَّجمُ في كتابِ الله حقٌّ على مَنْ زَنَى إذا أُحْصِنَ، مِن الرجالِ والنساءِ إذا قامَتْ البينَةُ، أو كانَ الحَبَلُ، أو الاعترافُ.

ص: 247

قوله: "فكان مما أنزل الله تعالى آيةُ الرجم"، (الآية) اسم كان، (وما أنزل) خبره.

فقول عمر رضي الله عنه وسكوت باقي الصحابة رضوان الله عليهم إجماع عند الشافعي على ثبوت الرجم بنصِّ آية رفعت تلاوتها من القرآن.

قوله: "أو كان الحَبَلُ أو الاعتراف"، (الحَبَل): بفتح الباء: الحمل، و (الاعتراف): الإقرار.

* * *

2680 -

عن عُبادةَ بن الصَّامتِ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "خُذُوا عنِّي، خُذُوا عنِّي، قد جعلَ الله لهنَّ سبيلاً، البكرُ بالبكرِ جلدُ مئةٍ وتغريبُ عامٍ، والثيبُ بالثيبِ جلدُ مائةٍ والرَّجمُ".

قوله: "خذوا عني خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً"؛ أي: خذوا عنِّي هذا الحكم في حدِّ الزنا، وقد جعل الله لهن سبيلاً؛ أي: حَدًا واضحًا في حق المحصن وغيره، وإنما قال:"قد جعل الله لهن سبيلاً"، ولم يقل: لهم؛ لأنه تعالى قال في حق الزانيات: {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} [النساء: 15] يعني: يأمر بشرع الحدِّ فيهن، فإذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرع الحد في الزناة تلفظ بما هو عبارة القرآن، وهو قوله:{لَهُنَّ سَبِيلًا} .

* * *

2681 -

عن عبدِ الله بن عمرَ رضي الله عنهما: أنَّ اليهودَ جاؤوا إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فذكروا لهُ أنَّ رجلاً مِنهم وامرأةً زَنيَا، فقالَ لهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"ما تَجِدونَ في التوراةِ؟ " قالوا: نَفْضَحُهم ويُجْلَدُونَ، فقال عبدُ الله بن سَلَام: كذبْتم، إنَّ فيها

ص: 248

الرجمَ، فأَتَوا بالتوراةِ فنَشَرُوها فوَضَعَ أحدُهم يدَه على آيةِ الرجم، فقرأَ ما قبلَها وما بعدَها، فقال له عبدُ الله بن سَلَام: ارفَعْ يدَكَ فرفَعَ يَدَه، فإذا فيها آيةُ الرجمِ - ويروى: فإذا فيها آيةُ الرَّجمِ تلوحُ - فأَمَر بهما رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فرُجِما.

قوله: "أن اليهود جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجلاً منهم وامرأة زنيا

" إلى آخره، قال في "شرح السنة": في هذا الحديث دليل على أن الذمي إذا أصاب بالنكاح الذي عقده على اعتقاده يصير محصنًا، وإن أنكحة الشرك يُعطى لها حكم الصحة ولولا ذلك لم يُقروا عليه بعد الإِسلام، ولم يجب الرجم عليهم بالزنا، وإذا كان لها حكم الصحة يحصل بها التحليل، حتى لو طلق امرأته الكتابية ثلاثًا، فنكحت ذميًا وأصابها حَلَّتْ لزوجها المسلم بهذه الإصابة، وكذلك المسلم إذا أصاب زوجته الكتابية يصير محصنًا، حتى لو زنى بعده يجب عليه الرجم، وهو مذهب الشافعي، وتأولوا هذا الحديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم رجمهما بحكم التوراة، وهذا تأويل غير صحيح؛ لأن الله تعالى قال له:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49]، ولا يجوز أن يظن به صلى الله عليه وسلم أنه يتركُ حكمَ كتابه، وأمرَ الله تعالى بأن يحكم به، ويحكم بالمنسوخ، وإنما احتج عليهم بالتوراة استظهارًا.

* * *

2682 -

عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ وهو في المسجدِ فناداهُ: يا رسولَ الله! إنِّي زنيتُ، فأَعرضَ عنه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فتَنَحَّى لِشقِّ وجههِ الذي أَعرضَ قِبَلَه فقال: إنِّي زنيتُ فأَعرَضَ عنه، فلمَّا شَهِدَ أربعَ شهاداتٍ دعاهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقالَ:"أَبكَ جنونٌ؟ " قال: لا، فقال:"أَحْصَنْتَ؟ " قال: نعم، يا رسولَ الله، قال:"اذهبُوا بهِ فارجمُوه".

ص: 249

قوله: "فتنحى لشقِّ وجهه الذي أعرض قِبَلَه": قال في "شرح السنة": أي: قصد الجهة التي إليها وجهُهُ ونحا نحوها، من قولك: نحوتُ الشيء أنحُوه.

* * *

2683 -

وقال جابرٌ رضي الله عنه: فأَمَرَ بهِ فرُجِمَ بالمصلَّى، فلمَّا أَذْلَقَتْه الحجارةُ فرَّ فأُدرِكَ فرُجِمَ حتى ماتَ، فقالَ لَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم خيرًا، وصلَّى عليهِ.

قوله: "أَذْلَقَتْهُ الحجارة"؛ أي: بلغ منه الجُهد حتى قلق.

و (الجُهد) بالضم: الطاقة، وقيل: مسته الحجارةُ بذلقها، و (ذلق) كل شيء: حده؛ أي: أصابته الحجارة بحدِّ طرفها.

قال في "شرح السنة": يحتج بهذا الحديث من يشترط التكرار في الإقرار بالزنا حتى يقام عليه الحد، ويحتج أبو حنيفة لمجيئه من الجوانب الأربعة على أنه يشترط أن يقر أربع مرات في أربعة مجالس، ومن لم يشترط التكرار قال: إنما رده مرة بعد أخرى بشبهة داخلة في أمره، ولذلك سأل:"أبكَ جُنون؟ "، فأخبر أن ليس به جنون، فقال:"أزنيت؟ "، قال: نعم، فأُمِرَ به فَرُجِمَ، فرده مرة أخرى للكشف عن حاله، لا أن التكرار فيه شرط.

* * *

2684 -

وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: "لمَّا أَتَى ماعِزُ بن مالكٍ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ الله! زنيتُ فطهِّرْني، فقال لهُ: "لعلَّكَ قبَّلْتَ أو غَمَزْتَ أو نظرْتَ"، قال: لا يا رسولَ الله، قال: "أَنِكْتَها؟ " - لا يَكْني - قال: نعم، فعند

ص: 250

ذلك أمرَ بِرَجمِهِ.

قوله: "لعلَّك قَبَّلْتَ أو غَمَزْتَ أو نظرْتَ؟ "، هذا دليل على أن مَنْ أقرَّ بما يوجب عقوبة لله تعالى على نفسه، فيجوز للإمام أن يُلَقِّنَهُ ما يسقط به عنه الحد.

(النَّيْكُ): الجماع.

قوله: "طهِّرني"؛ أي: طهِّرني بإقامة الحدِّ علي.

* * *

2685 -

عن بُريدَة قال: جاءَ ماعِزُ بن مالكٍ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ الله! طهِّرني، فقال:"وَيْحَكَ، ارجعْ فاستغفر الله وتُبْ إليهِ"، قال: فرجعَ غيرَ بعيدٍ ثم جاءَ فقال: يا رسولَ الله! طهِّرني، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم مثلَ ذلكَ، حتى إذا كانتْ الرابعةُ قالَ لهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"فممَّ أُطهِّرُكَ؟ " قالَ: مِن الزنا، فسألَ رسولُ الله:"أَبهِ جنونٌ؟ " فأُخبرَ أنَّه ليسَ بمجنونٍ، فقال:"أشربَ خمرًا؟ " فقامَ رجلٌ فاستَنْكَهَهُ فلم يجدْ منهُ ريحَ خمرٍ، فقال:"أَزَنيتَ؟ " قال: نعم، فأَمَرَ بهِ فرُجِمَ، فلَبثُوا يومينِ أو ثلاثةً ثم جاءَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال:"استغفُروا لِماعزِ ابن مالكٍ، لقد تابَ توبةً لو قُسِمَتْ بينَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهم"، ثم جاءَتْه امرأةٌ مِن غامِدٍ من الأزْدِ فقالت: يا رسولَ الله! طهِّرني، فقالَ:"وَيْحكِ! ارجِعِي فاستغفري الله وتوبي إليه"، فقالت: تُريدُ أنْ تُرَدِّدَني كما رَدَّدْتَ ماعِزَ بن مالكٍ، إنَّها حُبْلى مِن الزنا! فقال:"أنتِ؟ " قالت: نعم، قالَ لها:"حتى تَضَعي ما في بطنِكِ"، قال: فكَفَلَها رجلٌ من الأنصارِ حتى وضعَتْ، فأَتَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: قد وضعَتْ الغامِديةُ، فقال:"إذًا لا نرجُمُها وندعُ ولدَها صغيرًا ليسَ له مَن تُرضعُه"، فقامَ رجلٌ مِن الأنصارِ فقال: إليَّ رَضاعُه يا نبيَّ الله، قال: فرجَمَها. ويروى أنَّه قالَ لها: "اذهبي حتى تَلِدي"، فلمَّا وَلَدَت قال:"اذهبي فأَرضعيهِ حتى تَفْطِميه"،

ص: 251

فلمَّا فطمَتْه أَتَتْه بالصبيِّ في يدِه كِسْرةُ خبزٍ فقالت: هذا يا نبيَّ الله! قد فطمْتُه وقد أكلَ الطعامَ، فدفعَ الصبيَّ إلى رجلٍ من المسلمينَ، ثم أمرَ بها فحُفِرَ لها إلى صدرها وأمَرَ الناسَ فرجمُوها، فيُقبلُ خالدُ بن الوليدِ بحجرٍ فرَمَى رأسَها، فتَنَضَّح الدمُ على وجهِ خالدٍ فَسَبَّها، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"مهلاً يا خالدُ! فوَالذي نفسي بيدِه لقد تابَتْ توبةً لو تَابَها صاحبُ مَكْسٍ لغُفِرَ لهُ"، ثم أَمَرَ بها فصلَّى عليها ودُفِنَتْ.

قوله: "فاسْتَنْكَهَهُ": قال في "الصحاح": فاسْتَنْكَهْتُ الرجلَ فَنَكَهَ في وجهي يَنْكِهُ نَكْهًا: إذا أمرتُهُ بأن يَنْكَهَ، ليعلمَ أشاربٌ هو أم غيرَ شاربٍ، النَّكْهَةُ: ريحُ الفم.

قوله: "فَكَفَلَهَا رجلٌ من الأنصار حتى وَضَعَتْ"، (كَفَلَهَا)؛ أي: ضمنها؛ يعني: صار كفيلاً لها وقائمًا بمصالحها حتى وضعت ولدها.

قوله: "إذًا لا نرجمها وندع ولدها صغيرًا"، (إذًا) جواب وجزاء، (ندع)؛ أي: نترك؛ يعني: إذا وضعت ما في بطنها، فقال صلى الله عليه وسلم: إذن نؤخر رجمها حتى أرضعت ولدها.

وفيه دليل على أنه إذا وجب الحدُّ على الحامل لا يقام عليها ما لم تضع الحمل؛ لأن الإذن في معاقبتها قبل الوضع إهلاك البريء بسبب المذنب، سواء كانت العقوبة لله تعالى أو للعباد.

قوله: "فتقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها": وفي أكثر "نسخ المصابيح": "تقيل" على وزن (تفعل) بياء تحتها نقطتين؛ معناه: تتبع، وفي بعضها:"يقبل" على وزن (يَفعل) مضارع معروف من أقبل إقبالًا، فعلى هذا فكأن الراوي قال: رأيت خالدًا يقبل بحجر، على حكاية الحال، قيل: الثاني هو الرواية.

ص: 252

قوله: "فتنضَّحَ الدم": (تنضح يتنضح): إذا ترشش؛ يعني: وقع رشاش الدم من المرجومة على وجه خالد.

قوله: "لو تابها صاحب مَكْسٍ لَغُفِرَ له".

(المَكْسُ): الخيانة، و (الماكِسُ): العشار؛ يعني: الذي يأخذ العشور.

* * *

2686 -

عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال، سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقولُ:"إذا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُم فتَبَيَّنَ زناها فلْيَجْلِدْها الحدَّ ولا يُثَرِّبْ عليها، ثم إنْ زَنَتْ فلْيجلِدْها الحدَّ ولا يُثرِّبْ، ثم إنْ زنَت الثالثةَ فتبيَّنَ زناها فليَبعْها ولو بحبْلٍ من شَعرٍ".

قوله: "فليجلدْها الحدَّ ولا يثرِّبْ عليها"، (التثريب والتعيير) واحد؛ يعني: ينبغي أن يقام عليها الحد، ولا يقتصر على توبيخها ويترك الحد الواجب عليها، وقيل: إذا أقيم عليها الحدُّ فلا يجوز أن يعيرها أحد.

قال في "شرح السنة": يجوزُ للسيد أن يقيم الحد على مملوكه من دون السلطان، وبه قال مالك والشافعي وأحمد.

وقال أبو حنيفة: لا يقيم المولى بنفسه بل يرفعه إلى الإمام.

قوله: "فليبعها ولو بحبل من شعر"؛ يعني: إذا اعتادت الزنا فليبعها ولو بشيء قليل.

قال في "شرح السنة": وفي الحديث دليل أن بيع غير المحجور بما لا يتغابن به الناس جائز، وفيه دليل على أن حد المماليك الجلد لا الرجم، وفيه دليل على أن الزنا عيب في المملوك يُرَدُّ به البيع، ولذلك حط من قيمته.

* * *

ص: 253

2687 -

عن عليٍّ رضي الله عنه قال: يا أيُّها الناسُ! أقيموا على أَرِقَّائِكُم الحدَّ، مَن أَحْصَنَ منهم ومَن لم يُحْصِنْ، فإنَّ أَمَةً لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم زَنَتْ، فأَمَرَني أنْ أجلِدَها فإذا هيَ حديثُ عهدٍ بنفاسٍ، فخشيتُ إنْ أنا جلدتُها أنْ أقتُلَها، فذكرتُ ذلكَ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقالَ:"أحسنتَ".

وفي روايةٍ قال: "دعْها حتى ينقطعَ دمُها ثم أَقِمْ عليها الحدَّ، وأقيمُوا الحدودَ على ما ملكَتْ أيمانُكم".

قوله: "أقيموا على أَرِقَّائِكُم"، (الأَرِقَّاء): جمع رقيق، (الحدَّ): الجلد، والإحصان وعدم الإحصان في الرقيق سواء.

قوله: (أقيموا) دليل على الوجوب على السادات إقامة الحد على المماليك إذا زنوا؛ لأن ظاهر الأمر للوجوب.

* * *

مِنَ الحِسَان:

2688 -

عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: جاءَ ماعِزٌ الأسلَميُّ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنّه قد زنى - فذكر الحديثَ وقال - فلمَّا وجدَ مسَّ الحجارةِ فرَّ يشتدُّ حتى مرَّ برجلٍ معه لَحْيُ جملٍ فضَربَهُ بهِ وضَربَهُ الناسُ حتى ماتَ، فذَكرُوا لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنَّه فرَّ فقال:"هلَّا تركتُموه".

وفي روايةٍ: "هلَّا تركتُموه لعلَّه أنْ يتوبَ فيتوبَ الله عليهِ".

قوله: "فَرَّ يشتدُّ"، (يشتد)؛ أي: يعدو.

قوله: "لَحْيُ جملٍ"، (اللَّحي) بفتح اللام: منبتُ اللحية من الإنسان وغيره، ذكره في "الصحاح".

* * *

ص: 254

2689 -

عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: "أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لماعزٍ: "أَحَقٌّ ما بَلَغني عنكَ؟ " قال: وما بلغَكَ عني؟ قال: "بلغَني أنكَ وقعْتَ على جاريةِ آلِ فلانٍ"، قال: نعم، فشهدَ أربعَ شهاداتٍ فأَمَرَ به فرُجِمَ".

قوله: "وقعت على جارية آل فلان"؛ أي: زنيت بها.

* * *

2691 -

وعن يزيدَ بن نُعيمٍ، عن أبيه: أنَّ ماعِزًا أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأقرَّ عندَه أربعَ مراتٍ، فأمرَ برجمِهِ وقال لهزَّالٍ:"لو سَتَرْتَه بثوبكَ كانَ خيرًا لك".

قوله: "لو سترتَهُ بثوبكَ لكانَ خيرًا لك"، قيل: كناية عن التثريب على فعل هزَّال في هتك ستر ماعز؛ لأنه حرض ماعز على الإتيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وغرضه من المجيء إليه صلى الله عليه وسلم فضيحَتَهُ، وهو أنه باعترافه على نفسه بالزنا؛ لأنه وقع على مولاة له اسمها فاطمة، وما فعل ذلك به إلا قصاصًا لفعله.

* * *

2692 -

عن عمرِو بن شُعيبٍ، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرِو بن العاصِ رضي الله عنهما: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "تَعافَوا الحُدودَ فيما بينَكم فما بَلغني مِن حدٍّ فقد وَجَبَ".

قوله: "تعافَوا الحدودَ فيما بينكم فما بلغني من حدٍّ فقد وَجَبَ"؛ يعني: الحدود التي بينكم ينبغي أن يعفوا بعضكم عن بعض قبل أن يبلغني ذلك؛ لأنه إذا بلغني ذلك وَجَبَ عليَّ إقامتُهُ عليكم، هذا الخطاب لغير الأئمة.

* * *

2693 -

وعن عائِشَةَ رضي الله عنها قالت: إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "أَقِيلُوا

ص: 255

ذَوي الهَيْئاتِ عَثَراتِهم إلا الحُدودَ".

قوله: "أقيلوا ذوي الهَيْئَاتِ عثراتِهم": (أَقَاَلَ يَقِيْلُ): إذا عفا، (الهيئات): جمع هيئة، وهي صورة الشيء وشكله، يقال: فلان حسن الهيئة، (العثرات): جمع عثرة، وهي الزلة.

قيل: أراد بـ (ذوي الهيئات): أصحاب المناصب والمروءات، وقيل: أهل الصلاح والورع؛ يعني: إن بدرت منهم زلة، فاعفوها عنهم، فإنها نادرة، والنادرة إذا كانت نادرة فهي بالعفو أولى.

أما الحدود فلا يعفى عنها البتة فإنه صلى الله عليه وسلم استثنى الحدود عنها، واستثناء الحدود دليل على أن الخطاب للأئمة، فإنهم إذا بلغهم الحدود فلا يقدرون على عفوها.

قال في "شرح السنة": وفيه دليل على جواز ترك التعزير، وأنه غير واجب، ولو كان واجبًا كالحد لاستوى فيه ذو الهيئة وغيره.

* * *

2694 -

وعن عائِشَةَ رضي الله عنها قالت: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ادرَؤوا الحدودَ عن المسلمينَ ما اسْتَطَعْتُمْ، فإنْ كانَ لهُ مَخْرَجٌ فخلُّوا سبيلَهُ، فإنَّ الإمامَ أنْ يُخطِئَ في العفوِ خيرٌ مِن أن يُخطِئَ في العقوبةِ" ولم يرفعْهُ بعضُهم وهو الأصحُّ.

قوله: "ادرَؤوا الحدودَ عن المسلمين ما استَطَعْتُم"، (درأ): دفع، و (استطاع): إذا أطاق، (ما) في (ما استطعتم) للدوام.

قوله: "فإنَّ الإمام أن يُخطئَ في العفوِ خيرٌ من أن يُخطئَ في العقوبة"، (خَطِئَ): إذا أثم متعمدًا، و (أخطأ): إذا لم يتعمد.

ص: 256

قال الأزهري: قال غيره: (أخطأ) إذا سلك سبيل خطأ عامدًا أو غير عامد.

لفظة: (فإن) علة للدرء، فـ: فإنَّ، ولأنَّ، وبأنَّ، وأنَّ مفتوح الهمزة: ترد للعلة.

يعني: ادفعوا الحدود ما استطعتم قبل أن يصل إليَّ، فإن الإمام إذا سلك سبيل الخطأ في العفو الذي صَدَرَ منكم خيرٌ من أن يسلك الخطأ في الحدود، فإن الحدود إذا وصلت إليه وجبَ عليه الإنفاذ.

* * *

2695 -

عن وائلِ بن حُجْرٍ رضي الله عنه قال: استُكْرِهَتْ امرأةٌ على عهدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فدَرَأَ عنها الحَدَّ وأقامَهُ على الذي أصابَها، ولم يذكرْ أنَّه هل جعلَ لها مهرًا.

قوله: "استُكْرِهَت امرأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فدَرَأَ عنها الحدَّ"، (استكره)؛ أي: أكره على الشيء، (العهد) ها هنا: الزمان.

يعني: وقع أحدٌ على امرأة بالإكراه في زمان الوحي، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحدِّ الرجل، ولم يأمر بحدِّ المرأة لكونها مُكرهة.

قوله: "ولم يَذكُرْ أنه جَعَلَ لها مهرًا" يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم جَعَلَ للمكرهة مهرًا، ولم يذكره الراوي؛ لأن عدم ذكر الراوي أنه جعل لها مهرًا لا يدل على عدم وجوب المهر؛ لأنه ثبت وجوبه لها بإيجابه صلى الله عليه وسلم في أحاديثه الأخر.

* * *

2696 -

عن علقمةَ بن وائلٍ، عن أبيه: أنَّ امرأةً خرجَتْ على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم تريدُ الصلاةَ، فتلقَّاها رَجُلٌ فتَجَلَّلَها فقَضَى حاجتَه منها، فصاحَتْ وانطلقَ، ومرَّتْ عِصابةٌ مِن المُهاجرينَ فقالَت: إنَّ ذلكَ فعلَ بي كذا وكذا،

ص: 257

فأخذوا الرَّجُلَ فأَتَوا بهِ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها:"اذهبي فقد غفرَ الله لكِ"، وقالَ للرَّجُل الذي وقعَ عليها:"ارجمُوهُ"، وقال:"لقد تابَ توبةً لو تابَها أهلُ المدينةِ لَقُبلَ منهم".

قوله: "فتلقَّاها رجل فتجلَّلها فقضى حاجته"، (تلقى): إذا استقبل، (تجلَّلها): إذا علاها، (قضى حاجته): أصابها.

قوله: "فقال لها: اذهبي قد غفرَ الله لك"؛ يعني: ما أمر بحدِّها لكونها مكرهة، ولكنه أمر بحدِّ الذي وقع عليها لكونه محصنًا.

* * *

2698 -

عن سعيدِ بن سعدِ بن عُبادةَ: أنَّ سعدَ بن عُبادة أَتَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم برجلٍ كانَ في الحيِّ مُخْدَجٍ سقيمٍ، فوُجِدَ على أَمةٍ مِن إمائِهم يَخْبُثُ بها فقال:"خُذُوا لهُ عِثْكالاً فيه مئةُ شِمْراخٍ فاضرِبُوهُ بهِ ضربةً".

قوله: "أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجلٍ كان في الحيِّ مُخْدَجٍ سقيمٍ"، (المخدَج): ناقص الخلق، (سقيم): مريض.

قوله: "فَوُجدَ على أمة من إمائهم يَخْبُثُ بها"؛ أي: فوجد واقعًا على أمة يزني بها.

قوله: "خُذوا له عِثْكالاً فيه مئةُ شِمْراخٍ فاضربُوه به ضربة" واحدة بحيث تصبه الشماريخ كلها فيسقط عنه الحد، قال "في شرح السنة":(العِثْكَال والاِثْكَال): هو العِذْقُ الذي يسمى الكباشة، يقال: اِثكال واُثكَول وعِثكال وعُثكول، وأغصانه: شَماريخ، واحدها: شِمْرَاخ.

قال الشافعي: هذا في مريض به مرض لا يرجى زواله، وإن كان به مرض يرجى زواله يُؤخر حتى يبرأ.

ص: 258

وكذلك لا يقام في الحرِّ والبرد الشديدين، بل يؤخر إلى اعتدال الهواء، هذا إذا كان غير محصن.

وقال مالك وأبو حنيفة: لا يضرب بالشماريخ ضربة واحدة بحيث تمسه الشماريخ كلها فيسقط الحد عنه.

* * *

2699 -

عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ وجدتُموه يعملُ عملَ قومِ لُوطٍ فاقُتلوه، الفاعِلَ والمفعولَ بهِ".

قوله: "فاقتلوا الفاعل والمفعول به": قال في "شرح السنة": اختلف أهل العلم في حدّ اللواط، فذهب الشافعي في أظهر قوليه وأبو يوسف ومحمد: إلى أنَّ حدَّ الفاعل حد الزنا إن كان محصنًا يرجم، وإن لم يكن محصنًا يجلد مئة، وعلى المفعول به عند الشافعي على هذا القول جلد مئة وتغريب عام، رجلًا كان أو امرأة، محصنًا كان أو غير محصن؛ لأن التمكن في الدبر لا يحصنها، فلا يلزمها بها حد المحصنات، وذهب قوم إلى أن اللوطي يُرجم محصنًا كان أو غير محصن، وبه قال مالك وأحمد.

القول الآخر للشافعي: أنه يُقتل الفاعل والمفعول به، كما جاء في الحديث، وقد قيل في كيفية قتلهما: هدم بناء عليهما، وقيل: رميهما من شاهق كما فعل بقوم لوط، وعند أبي حنيفة: يعزر ولا يحد.

* * *

2700 -

وقال: "مَن أَتَى بهيمةً فاقتُلُوهُ واقتلوها مَعَه".

قوله: "من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه"، قال مالك والشافعي في أظهر قوليه وأحمد وأبو حنيفة: أنه يُعَزَّر، وقال إسحاق: يُقتل إن تعمد ذلك مع العلم بالنهي.

ص: 259