الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعدَ أن علمَتْ بعتقها، بَطَلَ خِيارُها.
* * *
*
7 - باب الصَّداق
(باب الصَّداق)
مِنَ الصّحَاحِ:
2385 -
عن سَهْلِ بن سَعْدٍ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم جاءَتْهُ امرأةٌ فقالَتْ: يا رسولَ الله! إنَّي وهبتُ نفسي لكَ فقامَتْ طويلاً، فقامَ رجلٌ فقالَ: يا رسولَ الله! زَوِّجنِيها إن لم تكنْ لكَ بها حاجةٌ، فقال:"هل عندَكَ من شيءٍ تُصْدِقُها؟ " قال: ما عندي إلا إزاري هذا، قال:"فالتَمِسْ ولو خاتَمًا من حديدٍ"، فالتَمَسَ فلم يَجِدْ شيئًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هلْ معكَ من القرآنِ شيءٌ؟ " قال: نعم، سورةُ كذا، وسورةُ كذا، فقال:"قد زَوَّجتُكَها بما مَعَكَ من القرآنِ". ويُروى: "قد زَوَّجتُكَها، فعَلَّمْها".
قوله: "جاءتْه امرأةٌ، فقالت: يا رسول الله! إني وهبتُ نفسي لك
…
" إلى آخره.
ففي هذا الحديث فوائدُ كثيرةٌ:
إحداها: أنه إذا قالت المرأةُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني وهبتُ نفسي منك، يَصحُّ النكاحُ بشرط أن يَقبَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، والدليلُ على أنَّ قَبولَه صلى الله عليه وسلم شرطٌ: أنه لمَّا سكتَ صلى الله عليه وسلم عن جواب المرأة، قال ذلك الرجل: يا رسول الله! زوَّجْنِيها إنْ لم يكنْ لك فيها حاجةٌ، فلو صارت المرأةُ زوجةً للنبي صلى الله عليه وسلم بمجرَّدِ قولها: إني وهبتُ نفسي منك، لَمَا جاز أن يَلتمسَها الرجلُ، ولَمَا زوَّجَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم من ذلك الرجل من غيرِ طلاقٍ.
فمذهبُ الشافعيِّ: أنَّ انعقادَ النكاح بلفظ الهِبة من خصائص النبيِّ صلى الله عليه وسلم، حتى لو قالت امرأةٌ لرجلٍ: وهبتُ نفسي منك، لا يَصحُّ النكاحُ، بل لا يَنعقدُ النكاحُ في غير النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلا بلفظ الإنكاحِ والتزويجِ، أو بمعناهما في سائر اللغات.
وقال أبو حنيفة: ينعقد النكاحُ بلفظ الهِبة والبَيع وسائر الألفاظ في حقِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وغيره.
الفائدة الثانية: أنه يصحُّ نكاحُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بلا وليًّ، وفي غير النبي صلى الله عليه وسلم لم يَجُزْ أن تُزوِّجَ المرأةُ نفسَها، أو تُوكِّلَ أجنبيًّا في أن يُزوِّجَها؛ بل يجب ان يُزوِّجَها وليُّها عند الشافعيِّ، وجوزَ أبو حنيفةَ أن تُزوِّجَ المرأةُ نفسَها.
الفائدة الثالثة: أن الصَّداقَ يجوز أن يكون قليلاً أو كثيرًا، ولم يكنْ له قَدْرٌ معينٌ، بل يتعلقُ برضا الزوجَين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"هل عندك مِن شيءٍ تُصدِقُها؟ "، وهو مذهب الشافعيِّ وأحمدَ. وقال أبو حنيفةَ ومالكٌ: يتقدَّر الصَّداقُ بنصابِ السرقة، وهو عشرةُ دراهمَ عند أبي حنيفةَ، وربعُ دينارٍ عند مالكٍ.
وذكرُ الصَّداق في النكاح مُستحَبٌّ، ولو لم يُذكَرِ الصَّداقُ لَصحَّ النكاحُ.
الفائدة الرابعة: أن التختُّمَ بخاتم الحديد جائزٌ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "فالتمِسْ ولو خاتمًا من حديدٍ".
الفائدة الخامسة: أنه يجوز جعل تعليمِ القرآن صَداقًا، ويُبَيَّنُ قَدرُ ما يُعلِّمُها من السور.
الفائدة السادسة: أن القاضي يجوز له تزويجُ المرأة الكبيرة برضاها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال لذلك الرجل: "قد زوَّجتُكها"، فعَلِّمْها.
رجعنا إلى شرح ألفاظ هذا الحديث:
"تُصدقُها" مضارع (أَصدَقَ إصداقًا): إذا سَمَّى صَداقَ امرأةٍ في وقت النكاح.
قوله: "ما عندي إلا إزاري"؛ يعني: ليس لي شيءٌ إلا إزاري هذا. وقد جاء في رواية أخرى: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال له: "إن أعطيتَها إيَّاها جلستَ بلا إزارٍ"، الضميرُ في (أعطيتَها) ضميرُ الإزار؛ لأنها مُؤنَّثٌ سماعيٌّ، وفي (إيَّاها) ضميرُ المرأة؛ يعني: لا يمكنك أن تَجعلَ إزارَك صَداقًا لها.
"فالتمسْ"؛ أي: فاطلبْ شيئًا آخرَ.
* * *
2386 -
وقالت عائشةُ رضي الله عنها وسُئلَت عن صَداقِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: قالت: كانَ صَداقُه لأزواجِه ثنتَيْ عشرةَ أُوقِيَّةً ونَشًّا، قالت: أَتدرونَ ما النَّش؟ نصفُ أُوقيَّة، فتِلكَ خَمْسُ مِئَةِ درهم".
قولها: "أتدري ما النشُّ؟ "، (النشُّ): نصفُ أُوقيةٍ، و (الأُوقية): أربعون درهمًا.
* * *
مِنَ الحِسَان:
2387 -
قال عمرُ بن الخطَّابِ رضي الله عنه: ألا لا تُغالوا صَدُقَةَ النِّساءِ، فإنها لو كانت مَكْرُمَةً في الدُّنيا وتَقوى عندَ الله، لكانَ أَوْلاكُم بها نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم، ما علمتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نكحَ شيئًا من نسائِهِ ولا أَنْكَحَ شيئًا من بناتِه على أكثرَ من اثنتي عَشْرَةَ أُوقِيَّةً.
قوله: "لا تُغالُوا صَدُقةَ النساء"؛ أي: لا تُكثروا مَهرَ النساء.
قوله: "مَكرُمةً"؛ أي: كرمًا ومروءةً وشرفًا.
* * *
2388 -
وعن جابرٍ رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "من أعطى في صَداقِ امرأتِه مِلءَ كفيهِ سَوِيقًا أو تمرًا فقد استحَلَّ".
قوله: "مَن أَعطَى في صَداق امرأته ملءَ كفَّيه سَوِيقًا أو تمرًا، فقد استَحلَّ": قد ذُكر في أول هذا الباب: أنه يجوز أن يكونَ الصَّداقُ قليلًا أو كثيرًا، ويجوز أن لا يُذكَر الصَّداقُ في النكاح، إلا أنه إذا تزوَّجَ بغير الصَّداق، يجبُ مَهرُ المِثل عند الدخول.
وقوله: (فقد استَحلَّها): ذَكر هذا على رسم غالب الناس؛ فإنهم يتزوَّجون على الصَّداق، وليس معناه: أنه لو لم يَذكرِ الصَّداقَ، لم تَحِلَّ المرأةُ، بل لو أَذنَتِ المرأةُ البالغةُ العاقلةُ في أن يُزوِّجَها وليها بلا مَهرٍ، صحَّ النكاحُ.
* * *
2389 -
وعن عامرِ بن رَبيعةَ رضي الله عنه قال: "أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُل من بني فَزَارَةَ ومعَهُ امرأةٌ لهُ فقالَ: إنَّي تزوَّجتُها بنعلَينِ، فقال لها: أَرَضيتِ؟ قالت: نعم، ولو لم يُعطِني لَرَضيْتُ، قال: شأنُكَ وشأنُها".
قوله: "شأنَك وشأنَها"؛ أي: الزَمْ شأنَك وشأنَها؛ أي: اشتَغِل بأمرِك وأمرِها؛ يعني: اشتَغِلْ بالأفعال التي ينبغي أن تكونَ بين الزوج والزوجة.
* * *
2390 -
عن عَلْقَمَةَ، عن ابن مَسْعودٍ رضي الله عنهما: أنَّه سُئلَ عن رجلٍ تزوَّجَ امرأةً ولم يَفرِضْ لها شيئًا ولم يَدخلْ بها حتى ماتَ؟ فقال ابن مسعودٍ: لها مِثلُ صَداقِ نسائِها، وعليها العِدَّةُ، ولها الميراثُ، فقامَ مَعْقِلُ بن سِنانٍ الأشْجَعِيُّ فقال: قضى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في بِرْوَعَ بنتِ واشِقٍ الأشجَعيَّةِ امرأةٍ منا بمثلِ ما قَضَيْتَ، ففرِحَ بها ابن مسعودٍ رضي الله عنه.
قوله: "عن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه سُئل عن رجلٍ تزوَّج امرأةً ولم يَفرضْ لها شيئًا
…
" إلى آخره.
(الفَرْضُ): التقدير؛ يعني: تزوَّجَها ولم يُسمِّ لها مَهرًا، ثم مات الزوجُ قبلَ أن يَدخلَ بها، فاجتهدَ ابن مسعود في هذه المسألة شهرًا، ثم قال: لها صَداقُ نسائها، ولها الميراثُ، وعليها العِدَّةُ؛ فإن يكنْ صوابًا فمِنَ الله، وإن يكنْ خطأ فمنِّي ومن الشياطين.
ففي قول ابن مسعود دليلُ جوازِ الاجتهاد؛ فإنه حكمَ في هذه المسألة باجتهاده حتى شهد مَعقِلُ بن سِنان: أنه سمعَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنه حكمَ في هذه المسألة بمثل ما حكمَ به ابن مسعود رضي الله عنه، ففرح ابن مسعود بكونِ اجتهادِه موافقًا لحكم النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع جماعة من الصحابة رضي الله عنهم: إنه لا مَهرَ لها؛ لأنه لم يَدخلْ بها الزوجُ، ولها الميراثُ، وعليها العِدَّةُ.
وللشافعي قولانِ: أحدُهما يقول ابن مسعود، والثاني يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ومذهبُ أبي حنيفةَ وأحمدَ كقول ابن مسعود.
هذا إذا مات الزوجُ قبلَ الفَرض والدخول، أمَّا إذا دخلَ بها قبلَ الفَرض، وَجَبَ لها مَهرُ المِثل بلا خلافٍ، ومَهرُ المِثل هو: مَهرُ نساءٍ من نسائها في المال