الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
8 - باب قِسْمَةِ الغنائمِ والغُلولِ فيها
(باب قسمة الغنائم)
مِنَ الصِّحَاحِ:
3033 -
عن أبي هريرةَ، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال:"فلم تَحِلَّ الغنائمُ لأحدٍ من قبلِنا، ذلكَ بأنَّ الله رَأَى ضَعْفَنا وعَجْزَنا فَطَيَّبَها لنا".
قوله: "ذلك بأن الله رأى ضعفنا وعجزنا"، (ذلك) إشارةٌ إلى تحليل الله الغنائم لنا.
* * *
3034 -
عن أبي قَتادةَ قال: خَرَجْنا معَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم عامَ حُنَيْنٍ، فلمَّا التقيْنا كانَتْ للمُسلمينَ جَوْلَةٌ، فرأيتُ رجلًا مِن المشركينَ قد عَلا رجلًا مِن المسلمينَ، فضربتُ مِن وَرائه على حَبْلِ عاتقِهِ بالسَّيفِ، فقَطَعْتُ الدِّرْعَ، وأقبلَ عليَّ فضَمَّني ضَمَّةً وجدتُ منها ريحَ الموتِ، ثم أَدْرَكَهُ الموتُ فأَرسلَني، فلَحِقْتُ عمرَ فقلتُ: ما بالُ النَّاسِ؟ قال: أمرُ الله، ثم رجعُوا وجَلَسَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقالَ:"مَن قتلَ قتيلًا لهُ عليهِ بَينةٌ فلهُ سَلَبُه"، فقلتُ: مَن يشهدْ لي؟ ثم جلستُ، فقال النبيُّ مثلَه، فقمتُ فقالَ:"ما لَكَ يا أَبا قَتادةَ؟ "، فأَخبرتُهُ، فقالَ رجلٌ: صَدَقَ، وسلَبُهُ عندي فأرْضهِ مِنِّي، فقالَ أبو بكرٍ: لاها الله، إذًا لا يَعمِدُ إلى أَسَدٍ مِن أُسْدِ الله يقاتلُ عن الله ورسولهِ فيُعطيكَ سلَبَه! فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"صَدَقَ فأَعْطِهِ"، فأعطانِيهِ، فابتَعْتُ بهِ مَخْرَفًا في بني سَلَمةَ، فإنه لأَوَّلُ مالٍ
تَأَثَّلُتُه في الإِسلامِ.
قوله: "جولة"؛ أي: جَوَلانٌ ومحاربة مع الكفار؛ أي: اختلط المسلمون بالكافرين في المحارَبة.
"قد علا"؛ أي: غلب على رجل من المسلمين وألقاه. "فضمني"؛ أي: ضغطني (1) وعصرني. "فأرسلني"؛ أي: تركني.
"ما بال الناس؟ "؛ أي: حال الناس.
"أمر الله"؛ أي: أمر الله غالبٌ؛ يعني النصرة للمسلمين.
"من يشهد لي"؛ يعني: مَن يشهد لي أني قتلتُ رجلًا من المشركين ليكون سلبه لي.
"وسلبه عندي" يعني: صدق أبو قتادة أنه قتل كافرًا، وسلبُ ذلك الكافر عندي، "فأرضه"؛ يعني: فأعطه عوضًا عن ذلك السلب ليكون ذلك السلب لي.
قوله: "لا ها الله" لفظة (ها) بدلٌ من حروف القسم، ولفظة (لا) نفيُ كلام الرجل؛ أي: لا يفعل ما تقول والله، "إذًا لا يعمد"؛ يعني: لا يقصد رسولُ الله "إلى أسد"؛ أي: إلى أبي قتادة، فيأخذ منه حقُّه - وهو سلب ذلك المقتول - ويدفعه إليك.
"فابتعت"؛ أي: اشتريت "به"؛ أي: بذلك السلب "مخرفًا"؛ أي: بستانَ نخلٍ "في بني سلمة"؛ أي: في قبيلة بني سلمة؛ أي: في مَحَلَّتهم وفي بقعتهم، "فإنه"؛ أي: فإن ذلك المَخْرَفَ "أول مال تأثلت"؛ أي: اتخذتُه رأسَ مالي.
* * *
(1) في "ش": "عانقني".
3035 -
عن ابن عمرَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أَسْهَمَ للرَّجلِ ولفرسِهِ ثلاثةَ أَسْهُمٍ: سهمًا له وسهمَينِ لفرسِهِ.
قوله: "أسهم"؛ أي: أعطى.
* * *
3036 -
عن يزيدَ بن هُرْمزَ قال: كتبَ نَجْدَةُ الحَرُورِيُّ إلى ابن عبَّاسٍ يسألُه عن العبدِ والمرأةِ يحضُرانِ المَغْنَمَ، هل يُقسَمُ لهما؟ فقالَ ليزيدَ: اكتبْ إليهِ أنه ليسَ لهُما سَهْمٌ إلا أنْ يُحْذَيا.
وفي روايةٍ: كتبَ إليه ابن عباسٍ: إِنكَ كتبتَ تَسألُني: هل كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يغزُو بالنِّساءِ، وهل كانَ يَضْرِبُ لهنَّ بسهمٍ؟ قد كانَ يغزُو بهِنَّ يُداوينَ المرضَى، ويُحْذَيْنَ مِن الغنيمةِ، وأمَّا السَّهمُ فلم يَضْرِبْ لهنَّ بسهمٍ.
قوله: "إلا أن يُحْذَيا"، (الإحذاء): الإعطاء؛ يعني: يُعطيا شيئًا أقلَّ من نصيب ذكرٍ حر.
"فلم يضرب لهن"؛ أي: فلم يَقسم لهنَّ بسهم تام.
* * *
3037 -
وعن سلمةَ بن الأكْوَعِ قال: بَعَثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بظهرِهِ معَ رباحٍ غلامِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وأنا معه، فلمَّا أصبحْنا إذا عبدُ الرَّحمنِ الفَزارِيُّ قد أغارَ على ظهرِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقُمْتُ على أَكَمَةٍ فاستقبلتُ المدينةَ فناديْتُ ثلاثًا: يا صَباحاهُ، ثم خرجتُ في آثارِ القومِ أَرميهِم بالنبلِ، وأرتجِزُ أقولُ:
أنا ابن الأكْوَعِ
…
واليومُ يومُ الرُّضَّعِ
فما زلتُ أَرميهِم وأعقِرُ بهم، حتى ما خلَقَ الله مِن بعيرٍ من ظهرِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إلا خَلَّفتُه وراءَ ظَهْري، ثم اتَّبعْتُهم أَرميهِم، حتى ألْقَوا أكثرَ من ثلاثينَ بُردةً وثلاثينَ رُمحًا يَستخِفُّونَ، ولا يَطرَحُونَ شيئًا إلَّا جعلتُ عليهِ آرامًا مِن الحجارةِ يعرفُها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابُهُ، حتى رأيتُ فوارِسَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ولحِقَ أبو قتادةَ فارسُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بعبدِ الرَّحمنِ فقتلَهُ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"خيرُ فُرْساننا اليومَ أبو قتادةَ، وخيرُ رجَّالتِنا سَلَمةُ"، قال: ثم أَعطاني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سهمَينِ، سهمَ الفارسِ وسهمَ الرَّاجِلِ، فجمَعُهما لي جميعًا، ثم أَرْدَفَني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وراءَهُ على العَضْباءِ راجعينَ إلى المدينةِ.
قوله: "بظهره"؛ أي: بدوابه؛ يعني: دفع دوابه إلى رباحٍ ليرعاها ويسرِّحها في الصحراء.
"على أكمة"؛ أي: على موضع مرتفع.
"فاستغثت" هو من الاستغاثة، وهي رفع الصوت لينصره أحدٌ على عدوه، "يا صباحاه" هذا لفظٌ يقال عند إتيان جيشٍ وإغارةٍ؛ يعني: قد أغار علينا العدوُّ فانصرونا.
"واليوم يوم الرضع"، (الرضَّع): جمع راضع، وهو اللئيم، من (رضُع) بضم الضاد؛ أي: لؤم؛ يعني: اليوم يوم هلاك الرضَّع؛ يعني: اليوم تهلكون أيها الكفار بأيدينا.
"وأعقرُهم"؛ أي: أجرحهم، (العقر): القتل وقطع عقب الرجل والجراحة.
"خلَّفته"؛ أي: تركته؛ يعني: كنت اتبعتهم ورميتهم بالسهم، وكانوا يفرون مني، وكنت آخذ منهم دوابَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أخذتُ منهم جميع دواب رسول الله، ثم اتبعتهم حتى ألقوا من أمتعتهم كثيرًا ليخف حملهم ليَسْهُلَ عليهم الفرار.
قوله: "يستخفُّون"؛ أي: يطلبون الخفَّة في الفرار.
"إلا جعلت عليه آرامًا"؛ يعني: وضعت عليه حجرًا ليَعلم مَن يجيء خلفي أن أحدًا أخذ هذا من الكفار ليأت بعدي لإعانتي، (الآرام): جمع أَرِم، وهو العلامة من الحجر.
"الرجالة" بتشديد الجيم: جمع راجل، وهو خلاف الفارس.
قوله: "أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمين: سهمَ الفارس وسهم الراجل": فإن قيل: أخذ هذه الأمتعة سلمة من أولئك الكفار فينبغي أن تكون جميعًا له، فلمَ قسمها رسول الله بين أصحابه؟
قلنا: مَن حضر الحرب قبل انقضائها على قصد الحرب هو شريكٌ الغنيمة قاتَلَ أو لم يقاتل، وسلمة بعدُ مشغول في الحرب؛ لأنه يمشي خلف أولئك الكفار ولم يقتلهم، ورسول الله وأصحابه لحقوا قبل فراغ سلمة من الحرب، فلهذا قسم رسول الله تلك الأمتعة بين مَن حضر تلك الوقعة من أصحابه، وحقُّ سلمة من تلك الغنيمة سهم راجل لأنه كان راجلًا، ولكن أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم فارس مع سهم راجل؛ لأن معظم أخذ تلك الغنيمة كان بسبب سلمة، ويجوز للإمام أن يعطي مَن فيه كثرة السعي في الجهاد شيئًا زائدًا على نصيبه لترغيب الناس في الحرب.
ومذهب الشافعي ومالك وأحمد استحقاقُ الغنيمة مَن حضر الحرب قبل انقضائها، وليس لمن حضر بعد انقضائها.
وقال أبو حنيفة: مَن حضر الحرب على قصد المدد بعد انقضاء الحرب يستحق الغنيمة أيضًا.
قوله: "أردفني"؛ أي: أركبني خلفه "على العضباء" وهي ناقةٌ معروفة لرسول الله، سميت عضباء؛ لأن أذنها قد غُضبت؛ أي: قطعت.
* * *
3038 -
عن ابن عمرَ قال: نَفَّلَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم نفلًا سِوى نصيبنا مِن الخُمُسِ فأصابني شارِفٌ، والشارِفُ المُسِنُّ الكبيرُ.
قوله: "نفلنا"؛ أي: أعطانا "نفلًا" وهي الزيادة، يعني: أعطانا سهامنا من الغنيمة، وزاد على سهامنا شيئًا من نصيب بيت المال؛ يعني: يجوز للإمام أن يعطي أحدًا شيئًا زائدًا على سهمه إذا رأى فيه المصلحة.
* * *
3040 -
وعن ابن عمرَ قال: ذهبتْ فرسٌ لهُ فأخذَها العَدُوُّ، فظهرَ عليهمُ المسلمونَ فرُدَّ عليهِ في زمنِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وأَبَقَ عبدٌ لهُ فلَحِقَ بالرُّومِ، فظهرَ عليهمُ المسلمونَ فردَّهُ عليهِ خالدُ بن الوليدِ بعدَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
قوله: "ذهبت فرس له"؛ أي: نفرت وذهبت إلى ديار الكفار، "فظهر"؛ أي: غلب المسلمون على تلك الديار وأغاروا عليهم، وكانت تلك الفرس فيما أغاروا عليه من أموالهم، فردُّوها إلى ابن عمر، فذهب الشافعي أن الكفار إذا أخذوا مال مسلم قهرًا ثم غلب عليهم المسلمون وأخذوا ذلك المال، وجب عليهم ردُّه إلى صاحبه سواءٌ كان قبل القسمة أو بعدها.
وفي مذهب مالك وأبي حنيفة: إن وجد ذلك المال قبل القسمة وَجَبَ ردُّه إلى صاحبه، وإن وجد بعد القسمة فصاحبه أحقُّ بقيمته.
وأما العبد الآبق إلى دار الكفار، فإذا أخذه المسلمون وجب ردُّه إلى صاحبه قبل القسمة وبعدها عندهم جميعًا.
* * *
3041 -
عن جُبَيْرِ بن مُطعِمٍ قال: مشيتُ أنا وعثمانُ بن عفَّانَ إلى
النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقلنا: أعطيتَ بني المطَّلِبِ مِن خُمُسِ خيبرَ وتركتنا، ونحنُ بمنزلةٍ واحدةٍ منكَ، فقال:"إنَّما بنو هاشمٍ وبنو المطَّلبِ شيءٌ واحدٌ"، قال جُبَيرٌ: ولم يَقْسِم النبيُّ صلى الله عليه وسلم لِبني عبدِ شمسٍ وبني نوفلٍ شيئًا.
قوله: "أعطيتَ لبني المطلب من خمس خيبر
…
" إلى آخره، إذا أخذت الغنيمة من الكفار تُقسم على خمسة أسهم: أربعة للمجاهدين، وواحدٌ يقسم على خمسة أسهم: سهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويصرف بعده في المصالح، وسهم لليتامى، وسهم للفقراء والمساكين، وسهم لابن السبيل وهم المسافرون، وسهم لذوي القربى وهم بنو هاشم وبنو المطلب.
وهاشم هو الجد الثالث لرسول الله؛ لأنه صلى الله عليه وسلم هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، والمطَّلبُ أخو هاشم، وكان لعبد منافٍ أربعُ بنين: هاشم والمطلب وعبد شمس ونوفل، فجعل رسول الله أولاد هاشم وأولاد المطلب من ذوي القربى، فأعطاهم خُمسَ خُمسٍ، ولم يعط أولاد عبد شمس ونوفلٍ شيئًا من خُمس خمس الغنيمة، وأجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بأن أولاد المطلب كانوا مع أولاد [هاشم في الكفر والإسلام لم يكن بينهم مخالفة، وأما أولاد عبد شمس ونوفل كان بينهم وبين أولاد] هاشم مخالفةٌ، فلهذا حرمتهم من خمس الخمس.
* * *
3042 -
وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَيُّما قَرْيَةٍ أَتيتُمُوها وأَقَمتُمْ فيها فسهمُكم فيها، وأَيُّما قَرْيَةٍ عَصَتِ الله ورسولَهُ فإن خُمُسَها للهِ ورسولِهِ، ثمَّ هي لكم".
[قوله: "فسهمكم فيها"؛ أي: كلُّ قرية غزوتُموها واستوليتم عليها ولم أكن فيكم، قسمتُم الغنائم بأنفسكم هناك، "وأيما قرية عصت الله ورسوله"؛
أي: وحضرتُ قتالها بنفسي، فإنا أخمس الغنائم أقسم عليهم بنفسي] (1).
روى هذا الحديث أبو هريرة.
* * *
3043 -
عن أبي هريرةَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما أُعطِيكُم ولا أمنعُكم، أنا قاسِمٌ أضعُ حيثُ أُمِرْتُ".
قوله: "ما أعطيكم" ذُكر هذا الحديث في (باب رزق الولاة).
* * *
3044 -
عن خَوْلةَ الأنصاريَّةَ قالت: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "إنَّ رِجالًا يتخوَّضُون في مالِ الله بغيرِ حقٍّ، فلَهُم النارُ يومَ القيامةِ".
قوله: "يتخوضون"؛ أي: يَشْرَعون في الغنيمة والفيء والزكاة ويتصرَّفون فيها بغير أمر الله ورسوله، "فلهم النار".
* * *
3045 -
عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قامَ فينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذاتَ يومٍ فذَكرَ الغُلولَ، فعَظَّمَهُ وعظَّمَ أمرَهُ ثم قال: "لا أُلفِيَنَّ أحدَكم يَجيءُ يومَ القيامةِ على رقبَتِهِ بعيرٌ لهُ رُغاءٌ، يقولُ: يا رسولَ الله أَغِثْني! فأقولُ: لا أملِكُ لكَ شيئًا قد أبلغتُكَ، لا أُلفِينَّ أحدكم يَجيءُ يومَ القيامةِ على رقبَتِهِ فرسٌ لهُ حَمْحَمَةٌ فيقولُ: يا رسولَ الله أغِثني! فأقولُ: لا أملكُ لكَ شيئًا قد أبلغتُكَ، لا أُلفِينَّ أحدَكم يجيءُ يومَ القِيامَةِ على رقبَتِهِ شاةٌ لها ثُغاءٌ يقول: يا رسولَ الله أغِثني! فأقولُ:
(1) ما بين معكوفتين من هامش "م"، وليس في "ش" و"ق"، ولكن ذكر في "ق" متن الحديث كاملًا.
لا أملكُ لكَ شيئًا قد أبلغتُكَ، لا أُلفِينَّ أحدَكم يجيءُ يومَ القِيامَةِ على رقبَتِهِ نفسٌ لها صياحٌ فيقول: يا رسولَ الله أغِثني! فأقولُ: لا أملكُ لكَ شيئًا قد أبلغتُكَ، لا أُلفِينَّ أحدَكم يجيءُ يومَ القيامةِ على رقبَتِهِ رِقاعٌ تَخفِقُ فيقول: يا رسولَ الله أغِثني! فأقولُ: لا أملِكُ لكَ شيئًا قد أبلغتُكَ، لا أُلفينَّ أحدَكم يجيءُ يومَ القيامةِ على رقبتِهِ صامِتٌ فيقولُ: يا رسولَ الله أغثني! فأقولُ: لا أملكُ لكَ شيئًا قد أبلغتُكَ".
قوله: "لا أُلفين أحدكم"؛ يعني: لا أجد أحدكم؛ يعني لا تغُّلوا من الغنيمة شيئًا، فإن مَن غلَّ منها شيئًا يكون يوم القيامة حاملًا لذلك الشيء؛ ليكون أفضحَ له.
"الرُّغاء": صوت البعير، و"الحمحمة": صوت الفرس، و"الثغاء": صوت الشاة.
"الرِّقاع": جمع رقعة وهي قطعة من الكرباس وغيره. "تخفق"؛ أي: تتحرك؛ يعني: ليُعلم أنه غلَّ رِقاعًا من الغنيمة وغيرها.
"الصامت": الذهب والفضة.
قوله: "لا أملك لك من الله شيئًا قد أبلغتك"؛ يعني: قد قلت لك في الدنيا: إن الغلول والسرقة والخيانة موجبةٌ للعذاب فلم تقبل قولي، فاليومَ لا أملك أن أدفع عنك من عذاب الله شيئًا.
واعلم أن رسول الله لا يشفع لجميع أمته في جميع ذنوبهم حتى يدخلوا الجنة بلا عذاب؛ لأنه لو شفع لهم لبطل ما عليهم من المظالم، بل يشفع لمن أذن الله له في شفاعته وفي الوقت الذي أذن الله له في شفاعته؛ لقوله تعالى:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255].
3046 -
عن أبي هريرةَ قال: أهدى رَجُلٌ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم غُلامًا يقالُ له: مِدْعَمٌ، فبينَما مِدْعَمٌ يَحُطُّ رَحْلًا لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم إذا سهمٌ عائِرٌ فقتلَهُ، فقالَ النَّاسُ: هنيئًا له الجَّنَةُ، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"كلا! والذي نفسي بيدِهِ إنَّ الشَّمْلَةَ التي أخذَها يومَ خيبرَ مِن المغانِمِ لم تُصِبْها المَقاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عليهِ نارًا"، فلمَّا سمعَ ذلكَ الناسُ جاءَ رجلٌ بشِراكٍ أو شِراكَيْنِ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال:"شِراكٌ مِن نارٍ، أو شِراكانِ مِن نارٍ".
قوله: "يحط رحلًا لرسول الله"؛ أي: يأخذ الرحل على ظهر المركوب ويضعه على الأرض.
"سهم عائر"؛ أي: سهم لا يُدرى راميه.
"هنيئًا له الجنة"؛ يعني وجبت له الجنة لأنه قتل في خدمة رسول الله.
"كلا"؛ أي: ليس الأمر كما تظنون.
"لم تصبها المقاسم"؛ أي: أخذها من المغنم قبل القسمة وهي كانت مشتركةٌ بين الغانمين، فكان أخذُها غُلُولًا.
"تشتعل"؛ أي: ترتفع نارها؛ يعني: تلفُّ تلك الشملة عليه في جهنم وتُجعل نارًا لتحرقه. "شراك من نار"؛ يعني: مَن أخذ شراكًا من المغنم تُجعل شراكًا من نار على رحله يوم القيامة.
* * *
3047 -
عن عبدِ الله بن عَمْرٍو قال: كانَ على ثَقَلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ يقالُ لهُ كَرْكَرْةُ، فماتَ فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"هوَ في النَّارِ"، فذَهبوا ينظرونَ، فوجدُوا عباءَةً قد غلَّها.
قوله: "على ثِقَل" بكسر الثاء وفتح القاف، وهو ممَاع المسافر؛ يعني: كان هذا الرجل يحفظ متاع رسول الله في السفر، وينقله من منزل إلى منزل.
"فذهبوا ينظرون"؛ أي: فذهبوا إلى رحل ذلك الرجل ونظروا في رحله، فوجدوا في رحله عباءةً قد غلَّها، و (العباءة): كساء.
* * *
3048 -
قال ابن عمرَ: كنَّا نُصيبُ في مَغازينا العَسَلَ والعِنبَ فنأكلُهُ ولا نرفعُه.
قوله: "في مغازينا" وهو جمع المَغْزَي، وهو مصدر ميميٌّ أو مكانٌ من: غزا يغزوا؛ يعني بهذا الحديث: أنه يجوز للمجاهدين أن يأكلوا من مال الكفار ما داموا في بلادهم قبل قسمة الغنيمة، سواءٌ فيه الخبزُ واللحم وغيرهما.
* * *
3049 -
عن عبدِ الله بن مُغَفَّلٍ قال: أَصَبْتُ جِرابًا من شحمٍ يومَ خيبرَ فالتزمتُهُ فقلتُ: لا أُعطي اليومَ أَحَدًا مِن هذا شيئًا، فالتَفَتُّ فإذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يبتسِمُ إليَّ.
قوله: "فالتزمته"؛ أي: عانقته وضممته إلى نفسي، "فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم تبسَّم إلي" هذا دليل على جواز أخذ المجاهدين من طعام الغنيمة قَدْرَ ما يحتاجون إليه؛ لأنه لو لم يكن جائزًا لمنع رسول الله ابن المغفَّل عن قوله:(لا أعطي اليوم أحدًا من هذا شيئًا).
* * *
مِنَ الحِسَانِ:
3052 -
عن عوفِ بن مالكٍ الأَشْجَعِيَّ وخالدِ بن الوليدِ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَضَى في السَّلَبِ للقاتلِ، ولم يُخَمِّسْ السَّلَبَ.
قوله: "ولم يخمس السلب"؛ يعني: دفع السلب كلَّه إلى القاتل من غير أن يأخذ منه الخُمس، بخلاف الغنيمة فإنه يأخذ منها الخمس.
* * *
3054 -
عن عُمَيْرٍ مَوْلى آبي اللَّحمِ قال: شهدتُ خيبرَ مع سادَتي، فكلَّمُوا فِيَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فكلَّمُوه أني مملوكٌ، فأَمَرَني فقُلِّدْتُ سيفًا فإذا أَنا أجرُّه، فأمرَ لي بشيءٍ من خُرْثيَّ المتاعِ، وعرضتُ عليهِ رُقْيَةً كنتُ أرْقي بها المجانينَ، فأمرني بطَرْحِ بعضها وحَبْسِ بعضها.
قوله: "فقلدت سيفًا"؛ أي: علَّق سيفي بمنكبي؛ يعني: أمرني أن أحمل السلاح وأكون مع المجاهدين لأتعلم المحاربة.
"فإذا أنا أجره"؛ أي: كنت صغيرًا وكنت أجرُّ السيف على الأرض من قصر قامتي، "فأمر لي بشيء من خُرْثيِّ المتاع"، (الخُرْثي): أثاث البيت، وهو ما يستعمل في البيت كالقِدْرِ وغيرها؛ يعني: أمر بدفع شيء من خرثيِّ الغنيمة إلي.
"فأمرني بطرح بعضها"، يعني: كان بعضها حسنًا وبعضها كلمات قبيحة، فأمرني أن أترك قراءة ما هو السيئ منها وأقرأ ما هو الحسن منها.
* * *
3055 -
عن مُجمِّعِ بن جاريةَ قال: قُسِمَتْ خيبرُ على أهلِ الحُدَيْبيةِ، قسمَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثمانيةَ عَشَرَ سهمًا، وكانَ الجيشُ ألفًا وخمسَ مئةٍ، قال
الشيخُ رضي الله عنه: فيهم ثلاثُ مئةِ فارسٍ! وهذا وَهْمٌ، إنَّما كانوا مئتي فارسٍ.
قوله: "قسمت خيبر"؛ أي: قُسم نصف أراضي خيبر وقُسم جميع منقولات غنائمها بين الجيش الذين كانوا مع رسول الله في الحديبية، وحفظ عليه نصفَ أراضيها لنفسه، فهيأ من غلتها أسباب بيته وأضيافه.
قوله: "وهذا وهم"، (الوهم): الخطأ؛ يعني: مَن قال: فيهم ثلاثُ مئة فارس، فقد سها ونسي الرواية، بل كانوا مئتي فارس، قال أبو داود: والرواية الصحيحة أن فيهم مئتي فارس.
وقد جاء في بعض الروايات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى كلَّ فارس ثلاثة أسهم: سهمًا له وسهمين لفرسه، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد، وقد جاء في رواية أخرى صلى الله عليه وسلم أعطى كلَّ فارس سهمين: سهمًا له وسهمًا لفرسه، وبه قال أبو حنيفة.
فإن قيل: كيف قسمها على ثمانية عشر سهمًا؟
قلنا: أعطى كلَّ مئةٍ سهمًا، فعلى قولِ مَن قال: كان فيهم ثلاث مئة فارس وأعطى كلَّ فارس مثلي راجل فهذا مستقيم؛ لأن الرجَّالة كانوا على هذه الرواية ألفًا ومئتين، فيكون نصيبهم اثني عشر سهمًا لكلِّ مئة سهمٌ، ويكون للفرسان ستةُ أسهم لكلِّ مئةٍ سهمان، فيكون المجموع ثمانية عشر سهمًا.
ومن قال: أعطى كل فارس ثلاثة أمثال نصيب راجل، فهذه لا تستقيم قسمتها على ثمانية عشر سهمًا؛ لأن الفرسان إذا كانوا ثلاثَ مئة يكون نصيبهم تسعة أسهم، ونصيب الرجالة اثني عشر سهمًا لكل مئة سهم، فيكون المجموع أحدًا وعشرين سهمًا لا ثمانية عشر سهمًا، وإن كان الفرسان مئتين يكون نصيبهم ستة أسهم، ويكون نصيب الرجالة ثلاثة عشر سهمًا لكل مئة سهم، فيكون المجموع تسعة عشر سهمًا لا ثمانية عشر، فهذه القسمة تحتاج إلى تأويلٍ على
قولِ مَن قال: لكل فارس ثلاثة أمثال نصيب راجل.
قال العلماء: تأويله على قولِ مَن قال: الفرسان كانوا مئتين: أنه كان في ذلك الجيش مئة عبدٍ راجل، ولم يُقسم لهم؛ لأنه لا سهم للعبد بل يعطى رضخًا، وهو شيءٌ أقل من نصيبِ راجلٍ على ما رآه الإمام، فإذا خرج من الرجالة مئة يبقى ألف ومئتان فيكون نصيبهم اثني عشر سهمًا، ويكون نصيب مئتي فارس ستة أسهم، فيكون المجموع ثمانية عشر سهمًا، فعلى هذا التأويل صحت القسمة.
ومن قال: الفرسان ثلاث مئة لا تستقيم القسمة على ثمانية عشر سهمًا على قوله، إلا أن يقول: كان في الرجالة ثلاث مئة عبد، أو يقول: كان في الفرسان مئة، عبد فحينئذ تصح القسمة على ثمانية عشر سهمًا بعد خروج العبيد من بين الجيش.
* * *
3056 -
عن حبيبِ بن مَسْلَمةَ الفِهريِّ قال: شهدتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَفَّلَ الرُّبُعَ في البَدْأَةِ، والثُلُثَ في الرَّجْعَةِ.
قوله: "نفل الربع في البدأة والثلث في الرجعة"؛ يعني: إذا أرسل من الجيش جماعة قبل الجيش إلى ديار الكفار ليخوِّفوهم ويُغيروا على قراهم وحواليهم، فما أصابوا من الغنيمة أعطاهم ربع تلك الغنيمة وقسم ثلاثة أرباعها بين جميع الجيش، فإذا دخل الجيش ديار الكفار وأغاروا عليهم وقاتلوهم، ثم خرجوا من ديار الكفار وأقبلوا على ديارهم وذهبوا منزلًا أو بعض منزل وأرسل من الجيش جماعة إلى ديار الكفار ليقتلوا من استتر منهم ويُغيروا على ما بقي من أموالهم، كان صلى الله عليه وسلم يعطي أولئك الجماعة ثلث ما غنموا في رجعتهم، وقسم ثلثي تلك الغنيمة بين جميع الجيش.
وإنما أعطى في الرجعة الثلث وفي البداءة الربع؛ لأن الخطر في الرجعة أكثر؛ لأن الجيش في البداءة يجيئون خلف أهل البداءة فيعينونهم ويهرب الكفار إذا سمعوا مجيء الجيش، فلم يكن لهم جرأةٌ إلى محاربة أهل البداءة، وأما في الرجعة قد رجع الجيش عن ديار الكفار وأمن الكفارُ، فيكون لهم جراءةٌ على مقاتلة أهل الرجعة.
* * *
3057 -
وعن حبيبِ بن مَسْلَمَة الفِهْريِّ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كانَ يُنفِّلُ الرُّبُعَ بعدَ الخُمُسِ، والثُلُثَ بعدَ الخُمُسِ إذا قَفَلَ.
قوله: "ينفل الربع بعد الخمس والثلث بعد الخمس إذا قفل" هذا الحديث عينُ الحديث المتقدم، إلا أنه ما بيَّن في الحديث المتقدم أنه يعطي أهل البداءة ربع ما غنموا بعد إخراج خمسه أو قبله، وبيَّن ها هنا أنه صلى الله عليه وسلم يعطيهم ربع ما غنموا بعد إخراج خمسه، وكذلك أهل الرجعة يعطيهم ثلث ما غنموا بعد إخراج خمسه، يخرج أولًا خمسه، ويصرف الخمس على أهل الخمس، وما بقي بعد الخمس يعطي أهل البداءة ربعه وأهل الرجعة ثلثه.
قوله: "إذا قفل"؛ أي: إذا رجع عن السفر.
* * *
3058 -
عن أبي الجُوَيْريةِ الجَرْميِّ قال: أصبتُ بأرضِ الرُّومِ جرَّةً حمراءَ فيها دنانيرُ في إمْرَةِ مُعاويةَ، وعلينا رجلٌ مِنْ أصحابِ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يُقالُ لهُ: مَعْنُ بن يزيدَ، فأتَيْتُه بها فقَسَمها بينَ المُسلمينَ وأعطاني منها مِثلَ ما أعطَى رجُلًا منهم، ثمَّ قال: لولا أنِّي سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "لا نَفْلَ إلَّا بعدَ الخُمُسِ"، لأَعطَيْتُكَ.
قوله: "في إمرة معاوية"؛ أي: في زمان كون معاوية أميرًا.
"وعلينا رجل"؛ أي: كان أميرنا في ذلك الجيش رجلًا اسمه معن بن يزيد.
قوله: "لا نَفَلَ إلا بعد الخمس لأعطيتك": ها هنا النفل (1).
* * *
3059 -
عن أبي موسى الأشعريِّ قال: قَدِمْنا فوافَقْنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حينَ افتتحَ خَيْبَرَ فأسهمَ لنا - أو قال: فأعطانا منها - وما قسمَ لأحَدٍ غابَ عنْ فتحِ خَيْبَرَ منها شيئًا إلّا لمنْ شَهِدَ معهُ إلَّا أصحابَ سفينَتِنا جَعْفَرًا وأصحابَهُ، أسهمَ لهمْ معهم.
قوله: "قدمنا فوافقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
" إلى آخره، قصةُ هذا: أن جعفر ابن أبي طالب مع جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا من مكة إلى حبشة حين كان رسول الله بمكة، فلمَّا هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة وقوي دينه سمع جعفر وأصحابه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هاجر إلى المدينة وقويَ دينه هاجروا من حبشة إلى المدينة، وكانوا جالسين في سفينة، فلما وصلوا إلى خيبر وافق وصولهم حين فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، ففرح رسول الله بقدومهم وأعطاهم من غنيمة خيبر سهامهم.
* * *
3060 -
عن زَيْدِ بن خالدٍ: أنَّ رجُلًا مِنْ أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم تُوفَّيَ يومَ خيبرَ فذكرُوا لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"صَلُّوا على صاحِبكُمْ". فتغيَّرَتْ وُجوهُ
(1)"ها هنا النفل" ليست في "ق"، ووقع بعدها في "م" بياض بمقدار خمس كلمات.
النَّاسِ لذلك، فقال:"إنَّ صاحِبَكُمْ غَلَّ في سبيلِ الله". ففّتَّشْنا متاعَهُ فوجَدْنا خَرَزًا مِن خَرَزِ اليَهودِ لا يُساوي دِرهَمَيْنِ.
قوله: "فتغيَّرت وجوه الناس لذلك"؛ أي: لعدم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
"ففتشنا متاعه"؛ أي: فطلبنا من بين متاعه الشيء الذي غله، (التفتيش): مثل البحث، وهو قلب التراب ظهرًا لبطنٍ ليظهر ما فيه.
* * *
3061 -
عن عبدِ الله بن عَمروٍ قال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا أصابَ غنيمةً أمرَ بلالًا فنادَى في الناسِ، فيَجيئُونَ بغنائِمِهِمْ، فيُخمِّسهُ ويقْسِمُهُ، فجاءَ رجلٌ بعدَ ذلكَ بزِمامٍ مِنْ شَعْرٍ فقال: هذا فيما كُنَّا أصبناهُ مِنَ الغَنيمَةِ، فقال:"أسمِعْتَ بلالًا يُنادِي ثلاثًا؟ "، قال: نعم، قال:"فما مَنَعَكَ أنْ تجيءَ بهِ؟ " فاعتذَرَ، قال:"كُنْ أنتَ تجيءُ بهِ يومَ القِيامةِ، فلنْ أقبلَهُ عنك".
قوله: "فاعتذر"؛ أي: أظهر عذرًا في تأخير مجيئه بذلك الزمام، وإنما لم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الزمام منه؛ لأنه كان لجميع الغانمين فيه شركةٌ وقد تفرَّقوا، ولم يمكن (1) إيصال نصيب كلِّ واحدٍ منهم من ذلك الزمام، فترك في يده ليكون إثمه عليه لأنه هو الغاصب.
* * *
3062 -
عن عمرِو بن شُعَيْبٍ، عن أبيه، عن جدِّه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكرٍ وعمرَ حَرَّقُوا متاعَ الغالِّ وضربُوه.
(1) في جميع النسخ: "يكن".
قوله: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر حرقوا متاع الغال وضربوه" قال أحمد: يحرق متاع الغالِّ إلا الحيوان والمصحف، ولا يحرق ما غلَّ لأنه مال الغانمين، وتحريق متاعه زجرٌ وعقوبة له.
وقال الشافعي وأبو حنيفة ومالك: لا يحرق شيءٌ من متاعه، بل يعزَّر، وحملوا هذا الحديث على الوعيد والزجر.
* * *
3064 -
عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه قال: نَهَى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عنْ شِراءِ المغانِمِ حتَّى تُقْسَمَ.
قوله: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شري المغانم حتى تقسم"؛ يعني: لو باع أحد من المجاهدين نصيبه من الغنيمة لا يجوز؛ لأن نصيبه مجهول، ولأنه ملك ضعيف يسقط بالإعراض، فإن الملك المستقر لا يسقط بالإعراض؛ يعني: لو قال أحد: لا أريد هذا المتاع، أو: أعرضتُ عن هذا المتاع، أو: تركته، لا يخرج بذلك المتاعُ عن ملكه إلا أن يهبه من أحد، ولو قال أحد المجاهدين: إني أسقطت نصيبي من الغنيمة، أو: أعرضت عنه، سقط نصيبه، فهذا دليل على أن ملكه في الغنيمة قبل القسمة غير مستقر، وإذا كان غير مستقر لا يجوز بيعه.
* * *
3066 -
عن خَوْلَة بنتِ قَيْسٍ قالت: سمعتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "إنَّ المالَ خَضرَةٌ حُلْوَةٌ، فمنْ أصابَهُ بحقِّهِ بُورِكَ له فيهِ، ورُبَّ مُتخَوِّضٍ فيما شاءتْ بهِ نفسُهُ مِنْ مالِ الله ورسُولِهِ ليسَ لهُ يومَ القِيامَةِ إلَّا النَّارُ".
قوله: "ورب متخوِّضٍ"؛ أي: شارعٍ متصرِّفٍ في الغنيمة والفيء والزكاة وغيرها.
* * *
3067 -
عن ابن عبَّاسٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تنفَّلَ سَيْفَهُ ذا الفَقارِ يومَ بَدْرٍ، وهو الذي رأَى فيها الرُّؤْيا يومَ أُحُدٍ.
قوله: "أن النبي صلى الله عليه وسلم تنفل سيفه ذا الفقار يوم بدر، وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد"(1).
* * *
3071 -
عن القاسم مَوْلى عبدِ الرَّحمنِ عن بعضِ أَصْحابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: كُنَّا نأكُلُ الجَزورَ في الغزْوِ ولا نقسِمُهُ، حتَّى إنْ كنَّا لنرجِعُ إلى رِحالِنا وأخْرِجَتُنا منهُ مَمْلوءةٌ.
قوله: "وأَخْرِجَتُنا منه": جمع خُرْج، وهو نوع من الجُوالق.
* * *
3072 -
عن عبادةَ بن الصَّامتِ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقول: "أدُّوا الخِياطَ والمِخْيَطَ، وإيَّاكُمْ والغُلُولَ فإنَّهُ عارٌ على أهلِهِ يومَ القِيامَةِ".
قوله: "أدوا الخِيَاط والمِخْيَط"، الخياط: جمع خيط، و (المِخْيَط)، الإبرة؛
(1) جاء في هامش "م" ما نصه: "يعني أخذه زيادة
…
المغنم، والرؤيا التي رأى فيه: أنه رأى في منامه يوم أحد أنه هز ذا الفقار فانقطع من وسطه، ثم هزه هزةً أخرى فعاد أحسن مما كان. حاشية من شرح القاضي".
يعني: اجمعوا جميع الغنائم حتى تُقسم بين الغانمين، ولا تأخذوا منها قبل القسمة شيئًا.
* * *
3073 -
عن عمرِو بن شُعَيْبٍ، عن أبيه، عن جدِّه قال: دَنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم منْ بعيرٍ فأخذَ وَبَرَةً منْ سَنامِهِ ثمَّ قال: يا أيُّها الناسُ! إنَّهُ ليسَ لي منْ هذا الفَيْءِ شيءٌ ولا هذا - ورفعَ أُصبعَهُ - إلا الخُمُسَ، والخُمُسُ مَردودٌ عليكُمْ، فأَدُّوا الخِياطَ والمِخْيَطَ"، فقامَ رجُلٌ في يدِهِ كُبَّةٌ منْ شَعرٍ فقال: أخذتُ هذهِ لأُصلِحَ بها بَرْذعَةً، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "أمَّا ما كانَ لي ولبني عبدِ المطَّلِبِ فهوَ لَكَ". فقال: أمَّا إذْ بلَغَتْ ما أَرَى فلا أَرَبَ لي فيها، ونَبَذَها.
قوله: "والخمس مردود عليكم"؛ يعني: ما يحصل لي من الغنائم والفيء أصرفه في مصالحكم من السلاح والخيل وغيرهما.
"كبة من شعر"؛ أي: قطعة.
"ما كان لي ولبني عبد المطلب"؛ يعني: ما كان من هذا الشعر نصيبي ونصيب بني عبد المطلب أحللناه لك، وباقي نصيب الغانمين فاستَحِلَّ منهم.
"أما إذا بلغَتْ ما أرى"؛ يعني: إذا بلغَتْ هذه الكبة إلى ما أرى من المضايقة "فلا أرب"؛ أي: فلا حاجة "لي فيها" مع هذه المضايقة.
* * *
3074 -
عن عمرِو بن عَبَسةَ قال: صلَّى بنا رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى بَعيرٍ منَ المغنمَ فلمَّا سلَّمَ أَخَذ وَبَرَةً مِنْ جَنْبِ البَعيرِ، ثمَّ قال: ولا يَحِلُّ لي منْ غنائِمِكُمْ مثلُ هذا إلَّا الخُمُس، والخُمُسُ مَردودٌ فيكُمْ".
قوله: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بعير"؛ أي: استقبل في صلاته بعيرًا، وجعله بمنزلة الخشبة المغروزة ليظهر مصلَاّه.
* * *
3075 -
عن جُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ قال: لمَّا قَسَمَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم سهْمَ ذَوي القُرْبَى بينَ بني هاشِمٍ وبني المُطَّلب أتيتُهُ أنا وعُثمانُ بن عفَّانَ، فقلنا: يا رسُولَ الله! هؤلاِءِ إخوانُنا منْ بني هاشِمٍ لا نُنْكِرُ فضلَهُمْ لمكانِكَ الذي وَضَعَكَ الله منهُم، أرأَيْتَ إخوانَنا منْ بني المطَّلِبِ أعطيتَهُمْ وترَكْتَنا، وإنَّما قرابَتُنا وقَرابَتُهم واحِدَةٌ. فقالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: أمَّا بنو هاشِمٍ وبنو المطَّلِبِ فشيءٌ واحدٌ هكذا وشبَّكَ بين أصابعِهِ".
وفي روايةٍ: "أنا وبنو المطَّلِبِ لا نفتَرِقُ في جاهِليَّةٍ ولا إسلامٍ، وإنَّما نحنُ وهُمْ شيءٌ واحِدٌ، وشبَّكَ بينَ أصابعِهِ".
قوله: "لا ننكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله منهم"؛ يعني: بنو هاشم أفضل منا لأنهم أقرب إليك منا؛ لأن جدهم وجدَّك واحد وهو هاشم، وأما بنو المطلب فقرابتُهم وقرابتنا منك سواءٌ؛ لأن أباهم أخو هاشم وأبانا كذلك أخو هاشم.
قوله: "وشبك بين أصابعه"، (التشبيك): إدخالُ شيءٍ في شيء؛ أي: أدخل أصابع إحدى يديه بين أصابع يده الأخرى؛ يعني: كما أن بعض هذه الأصابع داخلٌ في بعض، فكذلك بنو هاشم وبنو المطلب كانوا موافقين ومختلطين في الكفر والإسلام، فأما غيرهم من أقاربنا فلم يكن موافقًا لبني هاشم.
* * *