الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النجوم، يجبُ على قاتله قيمتُهُ كالعبد؛ إلا إبراهيمَ النَّخَعيَّ، فإنه قال بظاهر الحديث، والآخرون لعلَّهم ذهبوا إلى أنَّ الحديثَ غيرُ ثابت.
ومعنى الحديث: أنَّ المُكاتَبَ إذا أدَّى ثلثَ نجوم الكتابة مثلًا، فديتُه أثلاثٌ؛ ثلثٌ دِيةُ الحرِّ، وثلثانِ آخرانِ دِيةُ عبدٍ، وهي ثلثا قيمته، وهو غيرُ ثابت، كما ذُكر.
* * *
3 - باب الأيمانِ والنُّذورِ
(باب الأيمان والنُّذور)
(الأيمان): جمع يمين، وهي: الحَلف، و (النُّذور): جمع نَذر، قيل: هو وعدٌ بطاعةٍ مؤكدٌ بعقدٍ.
* * *
مِنِ الصِّحَاحِ:
2548 -
عن ابن عمرَ رضي الله عنهما أنه قال: كان أكثرُ ما كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَحلِفُ: "لا، ومُقَلِّبِ القلوبِ".
قوله: "لا، ومُقلِّبِ القلوب"؛ يعني: كان أكثرُ حلف النبيِّ صلى الله عليه وسلم في النفي: (لا، ومُقلِّبِ القلوب)؛ وإنما حلف بهذا ليكونَ دليلًا على أنه يجوزُ أن يكونَ الحلفُ بصفاته الأفعالية، كما هو جائزٌ بذاته وصفاته الذاتية.
* * *
2549 -
عن ابن عمرَ رضي الله عنهما أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا إن الله تعالى ينهاكمُ أن تحلِفُوا بآبائِكم، مَنْ كانَ حالِفًا فليحلِفْ بالله أو ليَصمُتْ".
قوله: "ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم"، (ألا): كلمة تنبيه؛ أي: اعلَموا؛ يعني: اليمينُ بغير اسم الله سبحانه وصفاته منهيَّة؛ وإنما نُهيتْ لأنَّ الغرضَ من اليمين أن يُذكَرَ اسمُ الله تعالى أو صفاتُه؛ لتُؤثِّرَ عظمةُ الله في نفسه، حتى لا يأخذَ ما لا حقَّ له فيه، ويُؤدِّيَ ما عليه من الحقِّ؛ لأنه لا يُؤثِّر غيرُ اسم الله وصفاته في نفس الحالف، فلهذا ما جوَّز الشرعُ أن يُحلَف بغير ذاته وصفاته تعالى.
وأمَّا ما ورد بخلاف ذلك مثل ما قاله صلى الله عليه وسلم في جواب الأعرابي: لا أزيدُ على هذا ولا أنقص: "أفلحَ - وأبيه - إن صدقَ"، وفي موضع آخر:"ذلك وأبي"؛ فقد تكلَّم بهما على عادة كلام العرب، لا على قصد القَسَم تعظيمًا.
* * *
2550 -
وقال: "لا تَحلِفُوا بالطَّواغي ولا بآبائِكم".
قوله: "لا تحلفوا بالطَّواغي"، (الطَّواغي): جمع طاغية، وهي مصدر كـ (العاقبة)، و (الخاطئة)، ومعناها: الطُّغيان، والطَّواغي ها هنا: بمعنى الأوثان، وقد ورد: طاغية فلان، وطاغية فلان، يريد بها: الصَّنم، سُميت الأوثانُ طَواغيَ؛ لأنها سببُ الطغيان.
وقيل: هذا خطاب لقومٍ قربَ عهدهم بالإسلام كانوا يحلفون بالطَّواغي؛ لكونهم معتادين بذلك في الجاهلية، فقد نُهُوا عن هذا الحَلف.
* * *
2551 -
وقال: "من حلفَ وقال في حَلفِهِ: بِاللاّتِ والعُزَّى، فليقل: لا إله إلا الله، ومَن قال لصاحِبه: تعالَ أُقامِرْكَ، فلْيَتَصدَّقْ".
قوله: "مَن حلفَ، فقال في حلفه: باللات والعُزَّى! فَلْيَقلْ: لا إله إلا الله"، (اللات): اسم صنم كان لثقيف، و (العُزَّى): لسُلَيم وغطفان.
قال الخطَّابي: فيه دليلٌ على أنَّ الحالفَ باللات والعُزَّى لا يلزمُه كفَّارة اليمين، فإنما يلزمُه الإنابةُ والاستغفارُ، وفي معناه إذا قال: أنا يهوديٌّ أو نَصرانيٌّ، أو: بريءٌ من الإسلام إن فعلتُ كذا، وهو قول مالك والشافعي.
وقال أصحاب الرأي: إذا قال: هو يهوديٌّ إن فعلَ كذا، فحنثَ، كان عليه كفَّارةُ يمين، وبه قال أحمد.
وإنما قال الخطَّابي رحمه الله: لا يلزمُه إلا الإنابةُ والاستغفارُ؛ لأنه لا يجوز الحلفُ إلا بالله، فإذا حلفَ بالأصنام تعظيمًا لها، كَفَرَ، فإذا كفرَ، فعليه كلمةُ التوحيد والإنابةُ إلى الإسلام؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمرَه بكلمة التوحيد، فقال:(فليقل: لا إله إلا الله)، أمَّا إذا حلف باللات، ولم يعتقد تعظيمًا لها، فَسَقَ، فعليه الاستغفارُ فقط.
قوله: "مَن قال لصاحبه: تعالَ أُقامِرْك فَلْيَتَصدَّقْ"، قال الخطَّابي: معناه: فَلْيَتَصدَّقْ بقدر ما جعله خطرًا في القِمار.
(الخطر): المال الذي يريد أن يُقامرَه به.
وقيل: يتصدق بشيءٍ من ماله كفَّارة لِمَا تكلَّم به.
(أقامرْك): مجزوم جوابًا لقوله: (تعالَ)؛ لأنَّ في (تعالَ) معنى الشرط، تقديره: إن تأتِني أُقامِرْك.
* * *
2552 -
وقال: "من حلَفَ على مِلَّةٍ غيرِ الإسلامِ كاذِبًا فهوَ كما قالَ، وليسَ على ابن آدمَ نذرٌ فيما لا يملِكُ، ومَن قتلَ نفسَه بشيءٍ في الدُّنيا عُذِّبَ بهِ يومَ القيامةِ، ومَن لعنَ مُؤْمِنًا فهو كقتلِهِ، ومَن قَذَفَ مؤمنًا بكفرٍ فهوَ كقتلِهِ، ومَن ادَّعى دَعْوَى كاذِبةً ليَتَكَثَّر بها، لم يَزِدْهُ الله إلا قِلَّةً".
قوله: "مَن حلفَ على مِلَّة غيرِ الإسلامِ كاذبًا فهوَ كما قالَ"؛ يعني: مَن حلف على مِلَّة من المِلَل الباطلة بأن قال: بالمِلَّةِ اليهوديةِ والنصرانيةِ لأَفعلَنَّ كذا؛ فهو كما قال؛ أي: فهو صار من جملة أهل الدِّين الذي حلف به، سواءٌ كان صادقًا أو كاذبًا؛ لأنه عظَّم دِينًا باطلًا بأن حلف به، فأمَّا لو قال: إن فعل كذا فهو يهوديٌّ أو نصرانيٌّ؛ إن كان كاذبًا فهو كما قال؛ يعني: إن فعل ذلك فهو يهوديٌّ أو نصرانيٌّ كما قال، وإن كان صادقًا - أي: إن لم يفعلْه - فلم يَرجعْ إلى الإسلام سالمًا، بل يحتاج إلى تجديدِ كلمةِ التوحيد؛ فعند الشافعي ومالك: لا كفَّارةَ عليه إذا فعل ذلك لتعظيمه؛ يعني: تعظيمُهُ ذلك لا يُقبَلُ الكفَّارةَ، وعند أبي حنيفة وأحمد: فعليه كفَّارةُ اليمين.
قوله: "عُذِّب به يومَ القيامة"؛ أي: عُذِّب بذلك الشيء الذي قَتل به نفسَه.
قوله: "ومَن لعن مؤمنًا فهو كقتلِه"، (هو): عائدٌ إلى اللَّعن الذي يدلُّ عليه (لعنَ)؛ يعني: مَن لعن مؤمنًا فلعنُه إياه كقتلِه من بعض الوجوه؛ وإنما شبَّه اللَّعنَ بالقتل؛ لأنه إذا قتلَه أذهبَ عيشَه الدُّنيويَّ له بإزهاقِ روحِهِ، وإذا لعنَه أذهبَ عِرضَه بلعنِه وشتمِه؛ فإذهابُ عِرضه كإذهابِ نفسِهِ، كلاهما يُوجب الإثمَ له، وكذلك "قذفُه مؤمنًا بكفرٍ" مثلُ قتله، كما ذُكِر.
وقيل: تشبيه اللَّعن بالقتل، والقَذف بالكُفر من حيث إنَّ الجميعَ مُحرَّم؛ يعني: كما أنَّ القتلَ مُحرَّمٌ، فكذا اللَّعنُ والقَذفُ، فلهذا شبَّههما صلى الله عليه وسلم بالقتل.
وحملُ مثلِ هذا الحديث على الزَّجر والتهديد أَولى.
قوله: "ومَن ادَّعى دعوى كاذبةً؛ لِيتَكثرَ بها، لم يَزِدْه الله إلا قلَّةً"، (كاذبة): صفة دعوى، (التكثُّر): طلب الكثرة، الضمير في (بها) يعود إلى الدعوى؛ يعني: مَن طلب كثرةَ المال بدعواه الكاذبة، لا يحصل له إلا قلةُ المال.
* * *
2554 -
عن عبدِ الرَّحمنِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "يا عبدَ الرحمنِ بن سَمُرةَ: لا تسألِ الإِمارةَ، فإنَّك إنْ أُوتيتَها عن مسألةٍ وُكِلْتَ إليها، وإنْ أُوتيتَها عن غيرِ مسألةٍ، أُعِنتَ عليها، وإذا حلفتَ على يمينٍ فرأيتَ غيرَها خيرًا منها، فكفِّرْ عن يمينِكَ وَائْتِ الذي هو خيرٌ".
وفي روايةٍ: "فائتِ الذي هوَ خيرٌ وكفِّرْ عن يمينِكَ".
قوله: "لا تسألِ الإمارةَ؛ فإنك إن أُوتيتَها
…
" إلى آخره، السؤال ها هنا: بمعنى الطلب، (الإمارة): الحكم والولاية، (الإيتاء): الإعطاء؛ يعني: لا تطلبِ الإمارةَ والولايةَ، فإن أُعطيتَ الولايةَ، وُكِلتَ بها؛ يعني: خُلِّيتَ والولايةَ، وما أُعِنتَ على حُكمِكَ، وإن أُعطيتَها من غير طلبك إياها، "أُعنتَ عليها"؛ يعني: وُفِّقتَ لحكمك في الأمور المرضية ونفاذها.
قوله: "وإذا حَلفتَ على يمينٍ، فرأيتَ غيرها خيرًا منها
…
" إلى آخره؛ يعني: إذا حلفتَ على شيء، فرأيت غيره خيرًا منه؛ بأن حلفتَ على ترك مندوب أو فعل مكروه، فالأفضلُ أن يُكفِّرَ، ثم يُحنثَ نفسَه؛ أي: يفعل ذلك المندوبَ، أو لا يفعل ذلك المكروه، وإلا فحفظُ اليمين أَولى؛ لقوله تعالى:{وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89]؛ أي: احفظوها عن الحِنث.
قال في "شرح السُّنَّة": اختلف أهل العلم في تقديم كفَّارة اليمين على
الحِنث؛ فمذهب أكثر أهل العلم من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم إلى جوازه، وإليه ذهب مالك والشافعي وأحمد؛ إلا أنَّ الشافعي يقول: إن كفَّرَ بالصوم قبل الحِنث لا يجوز، إنما يجوز تقديمُ العتق أو الإطعام أو الكسوة، كما يجوز تقديمُ الزكاة على الحَول، ولا يجوز تعجيلُ صوم رمضان قبل وقته.
قوله: "وفي رواية: فائتِ الذي هو خيرٌ، وكفِّرْ عن يمينك"، وفي هذه الرواية التحنيثُ مُقدَّمٌ على التكفيرِ، بخلاف الرواية الأولى.
* * *
2556 -
وقال: "والله لأنْ يَلِجَّ أحَدُكم بيمينهِ في أهلِه، آثَمُ لهُ عندَ الله من أنْ يُعطيَ كفَّارتَه التي افترضَ الله عليهِ".
قوله: "والله لأَنْ يلجَّ أحدُكم بيمينه في أهلِهِ
…
" إلى آخره، لَجِجْتَ - بالكسر - تَلَجُّ لَجَاجًا، ولَجَاجةَ، فهو لَجُوجٌ، و (لجَجْتَ - بالفتح - تَلِجُّ) لغةٌ، ذكره في "الصِّحاح".
يعني: إذا حلف أنه لا يفعلُ الشيءَ الفلاني، ويعرفُ أن فعلَ ذلك الشيء خيرٌ من إقامته على اليمين، ثم يلجُّ مع أهله، ولا يفعلُ ذلك تعلُّلًا باليمين؛ يكون إثْمُه أكثرَ في الوفاء على اليمين من فعلِ المحلوف عليه، وإعطاءِ الكفارة المفروضةِ عليه.
* * *
2558 -
وقال: "اليمينُ على نِيَّةِ المُسْتَحلِفِ".
قوله: "اليمينُ على نيَّة المُستحلِف"، (النية): القصد، و (المُستحلِف): طالب الحلف؛ يعني: النظر في اليمين على نيَّة طالب الحلف واعتقاده، فالتأويلُ على خلاف قصد طالب الحلف لا يدفعُ إثمَ اليمين الكاذبة.
قيل: عند إبراهيمَ النَّخَعيِّ تفصيلٌ؛ فهو ينظر إلى أنه إن كان المُستحلِفُ ظالمًا، فالنيةُ على ما نواه الحالف، وإن كان مظلومًا، فالنيةُ على ما نواه المُستحلِف.
* * *
2559 -
وعن عائشةَ رضي الله عنها: أنها قالت: لَغْوُ اليمينِ قولُ الإنسانِ: لا والله، وبَلَى والله، ورفَعَهُ بعضُهم عن عائشةَ رضي الله عنها.
قولها: "لغوُ اليمينِ قولُ الإنسان: لا، والله! وبلى، والله! "؛ يعني: قولُ الإنسان: لا، والله! وبلى، والله! من غير أن يعتقدَ به قلبُه، كما هو عادةُ العرب في المكالمة = لا يُؤاخَذ به؛ فإنه مما يسبق إليه اللسان، وإليه ذهب الشافعي. وقال أبو حنيفة: لغو اليمين عبارةٌ عن أن يحلفَ على شيءٍ مضى وهو كاذبٌ فيه، ولكن يظنُّ أنه صادقٌ فيه، فلا كفَّارةَ عليه ولا إثمَ.
* * *
مِنِ الحِسَان:
2561 -
عن ابن عمرَ رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "مَن حَلَفَ بغيرِ الله فقد أَشْرَكَ".
قوله: "مَن حلفَ بغير الله فقد أشرَكَ"؛ يعني: مَن حلف بغير الله وصفاته مُعتقدًا له التعظيمَ فقد أشرَكَ؛ لأنه أشرَكَ المحلوفَ به مع الله فى التعظيمِ المُختصِّ به، وإذا لم يحلفْ به إلا من حيث العادةُ كما يقول: لا، وأبي! فلا بأسَ، هذا هو الظاهر.
قال الشيخ في "شرح السُّنَّة": وفسَّر هذا الحديثَ بعضُ أهل العلم على التغليظ، وهذا مثل ما رُوي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:"الرِّياءُ شِركٌ"، وقد فسَّر بعضُ
أهل العلم: {وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] قال: لا يُرائي، وهذا التفسير يدلُّ على أنَّ قولَه صلى الله عليه وسلم:"فقد أشرَكَ" شِركٌ دونَ شِركٍ، يريد به: الشِّركَ الخفيَّ.
* * *
2562 -
عن بُرَيدةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَن حَلَفَ بالأَمانةِ فليسَ منا".
قوله: "مَن حلف بالأمانة، فليس منَّا"؛ أي: فليس ممَّن اقتدى بطريقتنا.
قيل: شدَّد رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في الكراهية بالحلف بالأمانة؛ لأنه من مُبتدَعاتِ أهلِ الكتاب.
قال في "شرح السُّنَّة": وهذا أيضًا يُشبه أن يكونَ وعيدًا؛ لمَّا أنه حلفَ بغير الله، وإنما قال الشيخ رحمه الله: حلف بغير الله؛ لأنَّ الأمانةَ ليست من صفاته تعالى، وإنما هي أمرٌ من أمره، وفرضٌ من فروضه، فنُهوا عنه؛ لِمَا في ذلك من التسوية بينها وبين أسماء الله وصفاته.
ولا يجب به كفَّارةٌ عند الشافعي، وقال أصحاب الرأي: إذا قال: وأمانةِ الله! كان يمينًا تجب به الكفَّارةُ.
* * *
2565 -
وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: "كانتْ يمينُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا حلفَ: لا، وأستغفِرُ الله".
قوله: "إذا حلف: لا، وأستغفر الله"، قيل: إذا حلف رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يمينَ اللغو، وهي قوله: لا، والله! و: بلى، والله! كما ذُكر قبلُ، كان يقولُ:(وأستغفرُ الله) عَقيبَه؛ تداركًا لِمَا جرى على لسانه من غير قصد، ولو كان مَعفوًّا عنه كما نطقَ
به القرآنُ؛ ليكون دليلًا لأمَّته على الاحترازِ عنه.
* * *
2566 -
وعن ابن عمرَ رضي الله عنهما: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن حلفَ على يمينٍ فقالَ: إنْ شاءَ الله، فلا حِنْثَ عليهِ"، وَوَقَفَهُ بعضُهم على ابن عمرَ رضي الله عنهما.
قوله: "مَن حلفَ على يمينٍ، فقال: إن شاء الله؛ فلا حِنثَ عليه"، (الحِنثُ): الخُلْفُ في اليمين؛ يعني: مَن حلف على فعل شيء أو تركه، فقال عَقيبَه: إن شاء الله؛ فلا ينعقد يمينُه.
يعني: لو فعلَ ذلك الشيء أو تركَه، لم يحنث، ولا فرقَ بين الأيمان كلِّها في ذلك؛ يعني: بالله! والطلاقِ! والعتاقِ! لكنَّ الخلاف في أنَّ الاستثناءَ إذا كان منفصلًا عنها يصحُّ أم لا؟
قال في "شرح السُّنَّة": واختلف أهل العلم في الاستثناء إذا كان منفصلًا عن اليمين؛ فذهب أكثرُهم إلى أنه لا يُعمَل به إلا أن يكون بين اليمين والاستثناء سكتةٌ يسيرةٌ، كسكتة الرجل للتذكر أو للقيء أو للتنفس، فإن طال الفصل، أو اشتغل بكلامٍ آخرَ بينهما، ثم استثنى، فلا يصحُّ.
وذهب بعضُهم إلى أنَّ الاستثناءَ جائزٌ ما دام في المجلس. وقال أحمد: له أن يَستثنيَ ما دام في ذلك الأمر.
وقال ابن عباس: له استثناءٌ بعد حينٍ؛ قال الخطَّابي: ولو كان الأمرُ على ما ذهب إليه، لَكان للحالفِ المَخرجُ من يمينه حتى لا تلزمَه كفَّارةٌ بحال، وقد ثبت عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:"مَن حلفَ على يمينٍ، فرأى غيرَها خيرًا منها، فَلْيَأتِ الذي هو خيرٌ، وَلْيُكفِّرْ عن يمينه"، ذُكر شرح الحديث الذي ذكرَه للاستدلال قبل هذا.
* * *