الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من رضا الثيب؛ فإنَّ الثيبَ إذا قلَّ استحياؤها تَطلبُ أطعمةً لذيذةً وكسوةً رفيعةً، وأَتعبَتِ الزوجَ بالكلف والإذلال.
* * *
2 - باب النَّظَرِ إلى المَخطوبةِ وبيانِ العَورات
(باب النظر إلى المخطوبة)
مِنَ الصِّحَاحِ:
2298 -
عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: جاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: إني تزوَّجتُ امرأةً من الأنصارِ، قال:"فانظرْ إليها، فإنَّ في أَعْيُنِ الأنصارِ شيئًا".
قوله: "تزوجت امرأة من الأنصار، قال: فانظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئًا" هذا الحديثُ رخصةٌ من الشارع بجواز نظر الرجل إلى المرأة التي يريد خِطبتَها، ولا يَنظرُ إلا إلى ما ليس بعورةٍ منها، وهو: الوجهُ والكفَّانِ ظاهرُهما وباطنُهما، ولا يحتاج إلى إذنها في ذلك.
وقال مالك: لا يجوز النظرُ إليها إلا بإذنها.
والأَولى أن يَنظرَ إليها قبلَ أن يَطلبَها، حتى لو لم يوافقْه تزوُّجُها وتَرَكَها لا تتأذَّى به المرأةُ وأهلُها؛ فإنه لو طلبها أولًا ثم نَظرَ إليها فربما لا تُوافقُه ويَتركُها، فتتأذَّى به المرأةُ وأهلُها، ولو طلبَها أولًا ثم نظَرَ إليها، ولم تُوافقْه وتَركَها، لم يكنْ به بأسٌ.
وقوله في أول هذا الحديث: (تزوَّجتُ امرأةً): لعل المرادَ بالتزوُّج ها هنا: الخِطبةُ لا النِّكاحُ؛ لأنَّ النظرَ بعدَ النَّكاح لا يُفيد، لأنه لو نظَرَ إليها بعد النكاح ولم تُوافقْه، لا
يجوز له الفسخُ إلا بعيوبٍ خمسةٍ، وهي: جنونُها وجُذَامُها وبَرَصُها ورتَقُها وقَرَنُها.
والرَّتَق: ضيقُ الفَرج بحيث لا يمكن مجامعتُها، والقَرَن: ظهورُ قطعةِ لحمٍ في باطن الفَرج تمنع المجامعة.
قوله: (فإن في أعين الأنصار شيئًا)؛ يعني: يكون في عيون الأنصار شيءٌ من العيب، مثل الحَوَلِ أو شيءٍ من البياض، وهذا يدلُّ أنَّ الرجلَ إذا سألَ أحدًا عن حال امرأة يريد تَزوُّجَها، أو عن حال رجل تريد امرأةٌ أن تَتزوَّجَه، جاز له أن يَصدُقَ فيما علم من عيب تلك المرأة أو الرجل، ولم يكنْ ذلك غيبةً، بل هو نصحٌ وإرشادٌ للسائل؛ كيلا يقعَ في مكروهٍ وشكٍّ.
* * *
2299 -
وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تباشرِ المرأةُ المرأةَ فتَنْعَتَها لزَوجِها كأنه ينظرُ إليها".
قوله: (لا تُبَاشر المرأةُ المرأةَ، فتَنعتَها لزوجها كأنه يَنظرُ إليها)، (المُبَاشرة): إيصال كلِّ واحدٍ من الشخصَين بَشَرتَه إلى بشرة صاحبه، ويُكنى به عن المُجَامَعة والمُلامَسة، والمراد به ها هنا: النظرُ؛ يعني: لا تَنظر المرأةُ إلى امرأةٍ وتصفها لزوجها بما رأت منها من حسن بشرتها، فيقع في قلب زوج الواصفة عشقُ الموصوفة، ويَلحقه شغفٌ وتحيُّرٌ من محبَّتها، وهذا نهيٌ أن تَصفَ المرأةُ حسنَ امرأةٍ عند زوجِها أو رجلٍ آخرَ؛ كيلا يميلَ الرجالُ إلى الأجنبيات بما سمعوا من أوصافهنَّ.
رَوى هذا الحديثَ ابن مسعود.
* * *
2300 -
وقال: "لا ينظرِ الرَّجلُ إلى عورةِ الرَّجلِ، ولا المَرأةُ إلى عورةِ المَرأةِ، ولا يُفضي الرَّجلُ إلى الرَّجلِ في ثوبٍ واحدٍ، ولا تُفضي المرأةُ إلى المرأةِ في الثوبِ الواحدِ".
قوله: "لا ينظر الرجلُ إلى عورة الرجل، ولا المرأةُ إلى عورة المرأة، ولا يُفضي الرجلُ إلى الرجل في ثوب واحد، ولا تُفضي المرأةُ إلى المرأة في الثوب الواحد"، (أَفضَى): إذا وصل شيءٌ إلى شيءٍ؛ يعني: لا يجوزْ أن يَضطجعَ رجلانِ تحتَ ثوب واحدٍ مُتجرِّدَين؛ فإنه إذا وَصلَت بشرةُ الرجل إلى الرجل لا يُؤمَن من هيجانِ شهوتهما وظهورِ فاحشةٍ بينهما، وكذلك المرأتانِ إذا وقعت بشرةُ إحداهما إلى الأخرى لا يُؤمَن هيجانُ شهوتهما وظهورُ فاحشةٍ بينهما، وهي أن تُجامعَ إحداهما على بشرة الأخرى، ومجامعتُهما مسحُ إحداهما فَرجَها بفَرجِ الأخرى، وهذا حرامٌ، إلا أنه من الصغائر لا من الكبائر، ويجب به التعزيرُ دونَ الحَدِّ.
وفي هذا الحديث: بيانُ تحريم النظر إلى ما لا يجوز.
واعلمْ أنَّ نظرَ الرجل إلى عورة الرجل حرامٌ، وعورةُ الرجلِ ما بين سُرَّته إلى ركبتَيه، وكذلك يَحرمُ نظرُ المرأةِ إلى عورة المرأة، وعورةُ المرأة في حقِّ المرأة ما بين سُرَّتها وركبتَيها، وعورةُ المرأة في حقِّ مَحَارمها كأبيها وابنها وغيرِهما من رجال أقاربها ممن يَحرم النَّكاحُ بينهما ما بين السُّرَّة والرُّكبة أيضًا، وأمَّا المرأةُ في حقِّ الرجلِ الأجنبيِّ فجميعُ بدنِها عورةٌ إلا وجهَها وكفَّيها، ولا يجوز النظرُ إلى وجهِها وكفَّيها أيضًا إلا عند حاجةٍ، كسماعِ إقرارٍ وتَحمُّلِ شهادةٍ عليها، أو أراد الرجل أن يَخطِبَها.
رَوى هذا الحديثَ أبو سعيد.
* * *
2301 -
وقال: "ألا لا يَبيتَنَّ رجلٌ عندَ امرأةٍ ثَيبٍ إلا أن يكونَ ناكِحًا أو ذا رَحِمٍ مَحْرَمٍ".
قوله: "ألا لا يبيتن رجل عند امرأة ثيب إلا أن يكون ناكحًا أو ذا رحم
مَحْرمٍ" والمراد بالبَيتوتة ها هنا: التخلِّي ليلًا كان أو نهارًا؛ يعني: لا يجوز أن يخلو رجل بأمرأة، إلَاّ أن يكون الرجل زوجَها أو مَحْرَمًا لها.
ولا يجوز تخلِّي الرجل بالمرأة الأجنبية بِكْرًا كانت أو ثيبًا، وإنما قيَّدَ النهيَ بالثيب لمبالغةِ الاحترازِ عن الثيب؛ فإنَّ خوفَ الفاحشة من الثيب أكثرُ، لأنَّ الرجلَ يخاف من أقارب المرأة في إزالة بكارتها؛ لأنَّ إزالةَ البَكَارة شيءٌ له علامةٌ تُعرَف، بخلاف وطء الثيب؛ فإنه لا علامةَ له، فإذا لم يكن له علامةٌ تُعرَف فقلما يَحترزُ الرجلُ عنه.
رَوى هذا الحديثَ جابرُ بن عبدِ الله.
* * *
2302 -
وقال: "إيَّاكم والدُّخولَ على النساءِ"، فقالَ رجلٌ: يا رسولَ الله! أرأيتَ الحَمْوَ؟ قال: "الحَموُ الموتُ".
قوله: "وإيَّاكم والدخولَ على النساء، فقال رجل: يا رسول الله! أرأيت الحَمْوَ؟ قال: الحَمْوُ الموتُ"؛ يعني: احذروا من أن تدخلوا في بيتٍ فيه امرأةٌ ليست هي من مَحَارمكم، وليس هناك غيرُها؛ فإنَّ الشيطانَ يُوقِعُ بينكم فاحشةً.
قوله: (أرأيت الحَموَ)، (الحَمْوُ): واحد الأحماء، وهم أقارب الزوج، قيل: المراد منه ها هنا: أخو زوج المرأة؛ فإنه ليس بِمَحرمٍ لها، وقيل: المراد منه أبو زوجها؛ فإنه مَحرمٌ لها، ولكنْ مَنهيٌّ عن الدخول عليها في الخلوة مبالَغةً لتحريم دخول مَن ليس بِمَحرمٍ لها، فلا يجوز دخولُ أخي زوج المرأة عليها، ولا دخولُ زوجِ المرأة على أختها؛ فإنه لا مَحرميَّةَ بينهم.
قوله صلى الله عليه وسلم: (الحمو الموت) يعني: دخولُ الحَمو على المرأة في الخلوة سببُ الموت، وأشدُّ من الموت؛ فإنه حرامٌ، وارتكابُ الحرام سببُ الهلاك في الدنيا والآخرة، كما أنَّ الموتَ هلاكٌ، وهذا نظير قولهم: الأسدُ الموتُ؛ يعني:
لقاءُ الأسدِ ومقاربتُه سببُ الموت.
رَوى هذا الحديثَ عقبةُ بن عامر رضي الله عنه.
* * *
2303 -
عن جابرٍ رضي الله عنه: أنَّ أمَّ سلمةَ رضي الله عنها استأذَنَتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في الحِجامَةِ فأمرَ أبا طَيبةَ أن يَحْجِمها، قال: حسِبتُ أنه كان أخاها من الرَّضاعةِ، أو غلامًا لم يحتلمْ.
قوله: "حسِبتُ أنه كان أخاها من الرضاعة، أو غلامًا لم يَحتلمْ" يعني: لو لم يكن صبيًا غيرَ مُحتلِمٍ أو مَحرَمًا لها لم يُجوِّزْ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن تكشفَ أمُّ سَلَمةَ بدنَها للحجَّام، فإن كان لامرأةٍ وجعٌ شديدٌ يقول الطبيب: لا بدُّ لها من الحِجامة أو الفَصد، أو بها جراحةٌ يُحتاج إلى مداواتها، جاز للحجَّامِ أن يَنظرَ إليها، حتى جاز النظرُ إلى فَرجِها.
* * *
2304 -
عن جريرِ بن عبدِ الله رضي الله عنه قال: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفُجْأَةِ؟ فأمرني أن أصرِفَ بصَري.
قوله: "سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن نظرِ الفجأةِ، فأمرني أن أصرفَ بصري"؛ يعني: قلت: إذا وقع بصري على امرأة بغتة بغير اختياري فما حكمه؟ قال: فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أصرفَ بصري؛ يعني: أَمرَني أن لا أَنظرَ مرةً ثانيةً؛ يعني: النظرةُ الأولى مَعفوٌّ عنها إذا كان بغيرِ اختيارِهِ، وأمَّا النظرةُ الثانيةُ فغيرُ مَعفوٍّ عنها؛ لأنها باختياره.
* * *
2305 -
عن جابرٍ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ المرأةَ تُقبلُ في صورةِ شيطانٍ وتُدْبرُ في صورةِ شيطانٍ، إذا أحدُكم أعجبَتْهُ المرأةُ فوقعَتْ في
قلبهِ فلْيَعمِدْ إلى امرأتِهِ فلْيُواقِعْها، فإن ذلك يردُّ ما في نفسِه".
قوله: "إن المرأة تُقبل في صورة شيطان، وتُدبر في صورةِ شيطانٍ
…
" إلى آخره؛ يعني: النظرَ إلى قُبل المرأة ودُبرها.
والمراد: النظرُ إلى جميع بدنها فتنةٌ، تُوقعُ الرجلَ في الفتنة والميل إليها، فلا يَنظرْ إليها باختياره، فإنْ وَقعَ نظرُه إليها، ومالَ قلبُه فَلْيَمنع نفسَه من اتِّباعها وقضاءِ شهوتِه منها، بل لِيَقصدْ بيتَه، وَلْيُجامِعِ امرأتَه، فإذا جامَعَ زوجتَه تُكسَرُ شهوتُه، فإذا انكسرَت شهوتُه يَزولُ ميلُه إلى تلك المرأةِ ببركةِ مُوافقةِ أمرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله في هذا الحديث: "أعجبته"؛ أي: صارت حسنةً ومحبوبةً في قلبه.
* * *
مِنَ الحِسَان:
2306 -
عن جابرٍ رضي الله عنه أنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا خطبَ أحدُكم المرأةَ فإن استطاعَ أن ينظرَ إلى ما يدعُوهُ إلى نِكاحِها فليفعَلْ".
قوله: "إذا خطب أحدُكم المرأةَ، فإن استطاعَ أن يَنظرَ إلى ما يَدعُوه إلى نكاحِها فَلْيَفعلْ"؛ يعني: فإن استطاع أن يَنظرَ إلى وجهها وكفَّيها؛ لِيكونَ نظرُه إليها مُحرِّضًا له على نكاحها بأن يَميلَ قلبُه إليها، فَلْيَنظرْ؛ فإنَّ هذا النظرَ مُستحَبٌّ؛ لأنه سببُ تحصيلِ النكاح، والنكاحُ سُنَّةٌ مُؤكَّدةٌ، وما هو سببُ تحصيلِ السُّنَّة يكون سُنَّةً، وكذلك جميعُ الأفعال؛ فما كان منها مُوجبًا وسببًا لخيرٍ فهو خيرٌ، وما هو مُوجِبٌ وسببٌ لشرٍّ فهو شرٌّ.
* * *
2307 -
عن المغيرةِ بن شُعبةَ رضي الله عنه قال: خطبتُ امرأةً فقالَ لي النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "هلْ نظرتَ إليها؟ " فقلتُ: لا، قال:"فانظرْ إليها فإنه أَحْرَى أن يُؤدَمَ بينَكُما".
قوله: "فإنه أَحرَى أن يُؤدَمَ بينكما"، (أَحرَى)؛ أي: أَجدَر وأَليَق، (أَدَمَ يُؤدَم) على وزن:(أَفعَلَ يُفعَل): إذا وقعـ[ـت]، الأُلفةُ بين الشخصَين.
النظرُ إلى المرأة قبلَ النكاح يُوقع الأُلفةَ بين الزوجَين؛ لأنه إذا نَظرَ، فإن مالَ قلبُه إليها وتزوَّجَها، يكون تزوَّجَها عن معرفةٍ ورؤيةٍ، وكلُّ فعلٍ يكون عن معرفةٍ وتجربة، لا تكون بعدَه مَلامَةٌ غالبًا، وإن لم يَنظرْ إليها فربما يُظنُّها جميلةً، فإذا تَزوَّجَها عن هذا الظنِّ، فربما لا تكون كما ظَنَّها، فيكون بعدَ ذلك نادمًا على تزوُّجِها، ولا يكونُ له بها أُلفةٌ.
* * *
2308 -
عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"أيُّما رجلٍ رأى امرأةً تُعجبُهُ فليقُمْ إلى أهِلِه، فإنَّ معَها مثلَ الذي معَها".
قوله: "فَلْيَقمْ إلى أهله"؛ يعني: فَلْيُجامع امرأتَه؛ فإنَّ مع امرأته فَرجًا مثلَ فَرجِ تلك المرأة؛ يعني: إذا جامَعَ امرأتَه تُكسَرُ شهوته بإنزال منيه، ويَزول عز نفسه غلبةُ شهوتِه التي حصلَت في نفسه برؤية تلك المرأة، وهذا أمرٌ بأكلِ الحلالِ واستمتاعِ الحلالِ، ونهيٌ عن اتِّباعِ الحرام.
* * *
2309 -
عن عبدِ الله رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنه قال: "المرأةُ عورةٌ فإذا خرجَتْ استشرفَها الشَّيطانُ".
قوله: "استَشرَفَها الشيطانُ"، (استشرف): إذا نظرَ إلى شيء عن الاحتياط والتأمل، ومعناه هنا: أنَّ شياطينَ الإنس نظروا إليها؛ لأن الطِّباعَ مائلةٌ إلى النساء أكثرُ مما تميلُ إلى غير النساء، أو معناه: حَمَلَ الشيطانُ الرجالَ وأَوقَعَ في قلوبهم أن يَنظروا إليها.
* * *
1210 -
وعن بُرَيْدةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لعليٍّ: "يا عليُّ! لا تُتْبعِ النَّظرةَ النظرةَ، فإنَّ لكَ الأولى وليسَتْ لكَ الآخِرةُ".
قوله: "لا تُتبعِ النظرةَ النظرةَ؛ فإنَّ لك الأولى، وليست لك الآخرة"؛ يعني: إذا وقع نظرُك إلى امرأةٍ بغير اختيارك [فـ]ـاحفظْ نظرَك، ولا تَنظرْ إليها مرةً أخرى؛ فإنَّ لك النظرةَ الأولى؛ يعني: لا إثمَ عليك في النظرة الأولى؛ لأنها لم تكنْ باختيارك، وليست لك النظرة الأخيرة؛ يعني: يكون عليك إثمٌ بالنظرة الأخيرة؛ لأنها باختيارك.
* * *
2310 -
عن عَمرِو بن شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: أنه قال: "إذا زَوَّجَ أحدُكم عبدَه أَمَتَهُ فلا ينظرْ إلى عَورتِها".
وفي روايةٍ: "فلا ينظرْ إلى ما دونَ السُّرَّةِ وفوقَ الرُّكبةِ".
قوله: "إذا زوَّجَ أحدكم عبدَه أمَتَه فلا يَنظرْ إلى عورتِها"؛ يعني: إذا زوَّجَ الرجلُ عبدَه أمَتَه صارت الأمَةُ أجنبيةً من السيد؛ لأنَّ المرأةَ لا تحلُّ للزوج وللسيد معًا، وإذا صارت أجنبيةً من السيد لا يجوزُ للسيد أن يَنظرَ إليها؛ إلا فيما ليس بعورةٍ منها، وهو فوقَ السُّرَّة وتحتَ الرُّكبة؛ لأنَّ الأصحَّ أنَّ عورةَ الأَمَة هذا القَدْرُ كعورة الرجل. وقيل: ما يظهرُ منها في حالَ الخدمةِ والتردُّدِ ليس بعورة، والباقي عورةٌ. وقيل: بل الأَمَةُ كالحرَّة؛ جميعُ بدنها عورةٌ إلا وجهَها وكفَّيها، وهذا الوجهُ بعيدٌ.
* * *
2312 -
وعن جَرْهَدٍ رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "أَمَا علِمتَ أنَّ الفَخِذَ عَورةٌ؟ ".
قوله: "أمَا علمتَ أنَّ الفخذَ عورةٌ؟ "، وقد ذكرْنا: أنَّ عورةَ الرجل ما بين السُّرة والرُّكبة.
واعلمْ أنَّ الفخذَ إذا كان اسمَ قبيلةٍ خاؤها ساكنةٍ، وإذا كان اسمَ العضو [فـ]ـخاؤها مكسورةٌ، وقيل: يجوز تسكينُ الخاء وكسرُها في اسم القبيلة وفي العضو المعروف كلاهما.
رَوى هذا الحديثَ جَرْهَد.
* * *
2314 -
وقال لمَعْمَرٍ: "يا مَعْمَرُ غَطِّ فَخِذَيك فإن الفَخِذَينِ عَورةٌ".
قوله: "يا مَعمرُ! غَطِّ فَخذَيك"، (غطَّ): أمرُ مُخاطَبٍ مُذكَّرٍ، من (التغطية)، وهي السَّتر.
معنى هذا الحديث ظاهرٌ، ونزيده بيانًا، وهو: أنَّ سترَ العورة في الصلاة واجبٌ، سواء كان المُصلَّي في موضعٍ هناك أحدٌ أو في موضعٍ خالٍ بلا خلاف، وأمَّا في غير الصلاة [فـ]ـيجبُ سترُ العورة إن كان هناك أحدٌ بلا خلافٍ، وإن كان في موضعٍ خالٍ [فـ]ـفيه قولان: الأصحُّ أنَّ السترَ واجبٌ؛ لأنَّ الله تعالى أَولى بأن يُستحيَى منه، وكذا الملائكةُ.
وفي قولٍ: لا يجب؛ لأنَّ السترَ من البشر واجبٌ، لا من غيره.
* * *
2315 -
وقال: "إيَّاكم والتعرِّيَ، فإنَّ معَكم مَن لا يفارقُكم إلا عندَ الغائِطِ، وحينَ يُفضي الرَّجلُ إلى أهلِهِ، فاستحْيُوهم وأكرِمُوهم".
قوله: "إيَّاكم والتعرِّي"؛ يعني: احذروا من كشفَ العورة؛ فإنَّ الملائكةَ معكم لا يُفارقونكم إلا عند تغوُّطِكم ومُجامعتِكم النساءَ، فإذا كانوا معكم
فاستَحيُوهم، ولا تَكشفوا عوراتِكم عندَهم، وأكَرِمُوهم بأنْ تُعظِّمُوهم، وتعظيمُهم أن تَستحيُوهم.
وهذا يدلُّ على ستر العورة في الخَلوة أيضًا، ولا يجوز كشفُ العورة إلا عند الضرورة لقضاءِ الحاجة، والمُجامعةِ، وحلقِ العانة، ومُداواةِ العورة إذا كان بها علَّةٌ.
رَوى هذا الحديثَ ابن عمرَ رضي الله عنه.
* * *
2316 -
وعن أمِّ سلَمَةَ رضي الله عنها: أنها كانت عندَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وميمونةَ، إذ أقبَلَ ابن أُمِّ مكتومٍ فدخلَ عليهِ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"احتجبا منه"، فقلتُ: يا رسولَ الله! أليسَ هو أَعمى لا يُبصِرُنا؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَفَعَمْياوانِ أنتما، أَلستُما تُبصِرانِه؟ ".
"أفعَمياوانِ أنتما؟! ألستُما تُبصرانِه؟! "، (عَمياوان): تثنية عَمياء، وهي تأنيث (أعمى).
هذا الحديثُ يدلُّ على أنه لا يجوز للمرأة النظرُ إلى الرجل الأجنبي، كما لا يجوز للرجل أن يَنظرَ إلى المرأة الأجنبية.
ويأتي حديث في (باب عِشرة النساء) يدلُّ على جواز نظرة المرأة إلى الرجل الأجنبي، وهو أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وقف على باب حُجرته، وعائشةُ وقفَت خلفَه تنظرُ إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد.
فهذان الحديثانِ متناقضانِ؛ فعَملَ بعضُ الفقهاء بالحديث الأول، وتأويلُ الحديثِ الثاني: أنَّ عائشةَ رضي الله عنها حينَئذٍ لم تكنْ بالغةً، وغيرُ البالغة لم تكنْ مُكلفةً، وبعضُهم عَملَ بالحديث الثاني وقال: بل هي بالغة حينئذ، تأوَّلَ الحديثَ الأول على التقوى والورع.
والفتوى على أنه يجوز للمرأة النظر إلى الرجل الأجنبي فيما فوقَ السُّرَّة وتحتَ الرُّكبة، بدليل أنَّ نساءَ الصحابة يحضرون الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، ولا بدَّ أن يَقعَ نظرُهنَّ إلى الرجال، فلو لم يجزْ لهنَ النظرُ إلى الرجال لم يُؤمَرْنَ بحضور المساجدِ والمُصلَّى لصلاة العيد، ولأنه أُمرَتِ النساءُ بالحجاب عن الرجال، ولم يُؤمَرِ الرجالُ بالحجاب؛ يعني: لم يُؤمَرِ الرجالُ بأن يَستروا أنفسَهم ووجوهَهم بالجلباب، وأُمرَتِ النساءُ بأن يَحجبن أنفسَهنَّ بالجلباب.
وهذا البحثُ الذي ذكرناه فيما إذا لم يكنِ النظرُ عن الشهوة، فأمَّا نظرُ المرأة بالشهوة إلى الرجل فحرامٌ، وما قلنا من تحريم نظر الرجل إلى المرأة يستوي فيه النظرُ بالشهوة وغيرُها.
* * *
2318 -
وعن عمرَ رضي الله عنه، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"لا يَخلُونَّ رجل بامرأةٍ، فإنَّ الشَّيطانَ ثالثُهما".
قوله: "لا يَخلوَنَّ رجلٌ بامرأةٍ"؛ أي: بامرأة أجنبيةٍ.
"فإنَّ الشيطانَ ثالثُهم"؛ أي: فإنَّ الشيطانَ يكون معهما، ويُهيج شهوةَ كلِّ واحدٍ منهما، ويُلقي محبةَ كلِّ واحدٍ منهما في قلب الآخر حتى يُوقعَهما في الزِّنا.
* * *
2319 -
وعن جابرٍ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"لا تَلِجُوا على المُغِيباتِ، فإن الشَّيطانَ يجري من أحدِكم مَجْرى الدَّمِ".
قوله: "لا تَلِجُوا على المُغِيبَات"، (المُغِيبَة): المرأةُ التي غاب عنها زوجُها؛ يعني: لا تدخلوا على النساء الأجنبيات في موضعٍ خالٍ؛ فإنَّ الشيطانَ معكم وأنتم لا تعلمون.
وربما يثق الرجلُ بتقوى نفسه، ويَظنُّ أنَّ نفسَه لا تميل إلى المرأة التي