المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌10 - باب عشرة النساء وما لكل واحدة من الحقوق - المفاتيح في شرح المصابيح - جـ ٤

[مظهر الدين الزيداني]

فهرس الكتاب

- ‌12 - كِتابُ النِّكَاحِ

- ‌2 - باب النَّظَرِ إلى المَخطوبةِ وبيانِ العَورات

- ‌3 - باب الوليَّ في النَّكاح واستِئذانِ المَرأةِ

- ‌4 - باب إعلانِ النكاحِ والخِطبةِ والشَّرطِ

- ‌5 - باب المُحرَّماتِ

- ‌6 - باب المُباشَرةِ

- ‌فصل

- ‌7 - باب الصَّداق

- ‌8 - باب الوَليمةِ

- ‌9 - باب القَسْمِ

- ‌10 - باب عشرةِ النِّساءِ وما لكلِّ واحدةٍ من الحقوقِ

- ‌11 - باب الخُلعِ والطلاقِ

- ‌12 - باب المُطلَّقَةِ ثلاثًا

- ‌فصل

- ‌13 - باب اللِّعَانِ

- ‌14 - باب العِدَّة

- ‌15 - باب الاستبراء

- ‌16 - باب النَّفقاتِ وحَقِّ المَملوكِ

- ‌17 - باب بلوغِ الصَّغيرِ وحضانتهِ في الصِّغَرِ

- ‌13 - كِتابُ العِتْقِ

- ‌2 - باب إعتاقِ العَبْدِ المُشتَرَك وشراءِ القريبِ والعتقِ في المَرَضِ

- ‌3 - باب الأيمانِ والنُّذورِ

- ‌فصل في النُّذورِ

- ‌14 - كِتَابُ القِصَاصِ

- ‌2 - باب الدَّيَاتِ

- ‌3 - باب ما لا يُضْمَنُ من الجنايات

- ‌4 - باب القَسامة

- ‌5 - باب قتلِ أهل الرِّدَّةِ والسُّعاةِ بالفسادِ

- ‌15 - كِتَابُ الحُدُودِ

- ‌2 - باب قَطْعِ السَّرِقَةِ

- ‌3 - باب الشَّفاعةِ في الحُدودِ

- ‌4 - باب حدِّ الخمرِ

- ‌5 - باب لا يُدْعى على المَحدودِ

- ‌6 - باب التَّعْزيرِ

- ‌7 - باب بيانِ الخَمْرِ ووعيدِ شاربها

- ‌16 - كِتابُ الإمَارَة وَالقَضَاءِ

- ‌1 - باب

- ‌2 - باب ما على الوُلاةِ من التَّيسيرِ

- ‌3 - باب العَملِ في القضاءِ والخَوفِ منهُ

- ‌4 - باب رزق الوُلاةِ وهداياهم

- ‌5 - باب الأقضيةِ والشَّهاداتِ

- ‌17 - كِتابُ الجهَادِ

- ‌2 - باب إعدادِ آلةِ الجِهادِ

- ‌3 - باب آدابِ السَّفَرِ

- ‌4 - باب الكتابِ إلى الكُفَّارِ ودعائِهم إلى الإسلامِ

- ‌5 - باب القِتالِ في الجهاد

- ‌6 - باب حُكْمِ الأُسارى

- ‌7 - باب الأمانِ

- ‌8 - باب قِسْمَةِ الغنائمِ والغُلولِ فيها

- ‌9 - باب الجِزْيَةِ

- ‌10 - باب الصُّلحِ

- ‌11 - باب الجلاء: إخراجِ اليهودِ من جزيرةِ العَرَبِ

- ‌12 - باب الفَيْءِ

- ‌18 - كِتَابُ الصَّيْدِ والذَّبَائِحِ

- ‌2 - باب

- ‌3 - باب ما يحلُّ أكلُه وما يحرُمُ

- ‌4 - باب العقِيقةِ

- ‌19 - كِتَابُ الأَطْعِمَةِ

- ‌2 - باب الضيافَةِ

- ‌فصل

- ‌3 - باب الأشرِبةِ

- ‌4 - باب النَّقيعِ والأنبذةِ

- ‌5 - باب تغطيةِ الأواني وغيرِها

الفصل: ‌10 - باب عشرة النساء وما لكل واحدة من الحقوق

امرأتانِ فلم يَعدِلْ بينَهما، جاءَ يومَ القيامةِ وشِقُه ساقِطٌ".

قوله: "وشِقُّه ساقطٌ"؛ يعني: يكون أحدُ جنبَيه مجروحًا أو ساقطًا بحيث يَراه أهلُ العَرَصات؛ ليكونَ هذا زيادةً له في التعذيب؛ لأنَّ الإفضاحَ أشدُّ العذاب.

* * *

‌10 - باب عشرةِ النِّساءِ وما لكلِّ واحدةٍ من الحقوقِ

(باب عشرة النساء)

مِنَ الصِّحَاحِ:

2415 -

عن أبي هريرةَ رضي الله عنه: أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استَوصُوا بالنساءَ خيرًا فإنهنَّ خُلِقْنَ من ضلَعٍ، وإنَّ أَعْوَجَ شيءٍ في الضلَعِ أعلاهُ، فإنْ ذهبتَ تُقيمُهُ كسَرتَهُ، وإنْ تركتَهُ لم يزلْ أعوَجَ".

(استوصوا): أمرُ مُخاطَبٍ من (استَوصى) بمعنى: (أَوصَى): إذا أَمرَ واحدًا بشيءٍ، ويُعدِّى بالباء، واستَوصَى أيضًا: إذا قَبلَ وصيةَ أحدٍ، وها هنا يُحتمَل أن يكونَ معناه: مُرُوا النساءَ بالخير، فنَقلَ الباءَ من قوله:(خيرًا)، وأَدخلَها إلى (النساء)، أو يُحتمَل أن يكونَ معناه: أَرِيدُوا الخيرَ بالنساء؛ أي: ادعوا لهنَّ بالخير والصلاح، ولا تَغضبُوا عليهنَّ إذا فعلْنَ فعلًا غيرَ مَرضيٍّ؛ فإنهنَّ خُلِقْنَ من شيءٍ أعوجَ؛ لأنهنَّ من حوَّاءَ، وخُلقت حوَّاءُ من أعوجِ ضلعٍ في جنبِ آدمَ، وهو الضلعُ الأعلى، فإذا كُنَّ خُلقْنَ من شيءٍ أعوجَ يكون ما يصدر منهنَّ أعوجَ لا محالةَ.

قوله: "فإذا ذهبتَ"؛ أي: فإن طَفِقتَ.

"تُقيمه"؛ أي: تجعله مستقيمًا.

"كسرتَه"؛ أي: فإن أردتَ أن تجعلَ الضلعَ مستقيمًا لم تَقدرْ، بل تَكسرُه.

ص: 78

يعني: فإن أردتَ أن تكونَ المرأة مستقيمةً في الفعل والقول لم يكنْ، بل الطريقُ أن تَرضَى باعوجاجِ فعلِها وقولِها، وتأخذَ منها حظَّك مع اعوجاجها؛ والرِّضا باعوجاجِ فعلِها وقولِها إنما يجوزُ إذا لم يكنْ فيه إثمٌ ومعصيةٌ، فإذا كان فيه إثمٌ ومعصيةٌ [فـ]ـلا يجوز الرِّضا به، بل يجب زجرُها حتَّى تتركَ تلك المعصيةَ.

قوله: "وإن تركتَه لم يَزلْ أعوجَ": الضمير في هذا وما قبله ضمير الضلع، ويريد به النساءَ؛ يعني: وإن تركتَ النساءَ على حالِهنَّ من الاعوجاج، ولم تُطلِّقْهنَّ، لم يزل معهن اعوجاجُهنَّ، ويحصل لك منهنَّ الاستمتاعُ مع اعوجاجِهنَّ.

* * *

2416 -

وقال: "إنَّ المرأةَ خُلِقَت مِن ضلَعٍ لن تستقيمَ لكَ على طريقةٍ، فإنْ استمتعتَ بها، اسْتَمْتَعْتَ بها وبها عِوَجٌ، وإنْ ذهبتَ تُقيمُها كَسَرْتَها، وكَسْرُها طلاقُها".

قوله: "لن تستقيمَ لك على طريقةٍ"؛ يعني: لا تُوافقك فيما تشاء فيما تأمرُها؛ بل إن تُوافقْك مرةً، تُخالفْك مرةً أخرى.

رَوى هذا الحديثَ أبو هريرة.

* * *

2417 -

وقال: "لا يَفْرَكْ مُؤْمنٌ مُؤْمِنةً، إنْ كَرِهَ منها خُلُقًا رضي منها آخرَ".

قوله: "لا يَفرَك مؤمنٌ مؤمنةً"، (فَرِكَ): إذا أبغض؛ يعني: لا يُبغضِ الزوجُ زوجتَه بأن يَرى منها سوءَ أدبٍ، فإنه إن صدرَ منها فعلٌ غيرُ مَرضيٍّ له يَصدرْ منها أفعالٌ مَرضيَّةٌ له، فَلْيَعفُ عنها أفعالَها غيرَ المَرضيَّةِ لأجل أفعالِها المَرضيَّةِ.

رَوى هذا الحديثَ أبو هريرة.

* * *

ص: 79

2418 -

وقال صلى الله عليه وسلم: "لولا بنو إسرائيلَ لم يَخْنَزِ اللَّحمُ، ولولا حوَّاءُ لم تَخُنْ أُنثى زَوجَها الدَّهرَ".

قوله: "لولا بنو إسرائيلَ لم يَخنَزِ اللحمُ، ولولا حوَّاءُ لم تَخنْ أنثى زوجَها الدهرَ"، (خَنِزَ اللحمُ): إذا أنتنَ.

رَوى هذا الحديثَ أبو هريرة.

* * *

2419 -

وقال: "لا يَجْلِدْ أحدُكم امرأتَه جَلْدَ العبدِ ثم يجامعُها في آخرِ اليومِ".

وفي روايةٍ: "يَعمِدُ أحدُكم فيجلدُ امرأتَه جَلْدَ العبدِ فلعلَّه يضاجعُها في آخر يومِهِ"، ثم وَعَظَهم في ضَحِكِهِم للضَّرطَةِ فقال:"لِمَ يضحَكُ أحدُكم مما يفعلُ؟ ".

قوله: "لا يَجلدْ"؛ أي: لا يَضربْ.

"جلدَ العبد"؛ أي: كما يُجلَد العبدُ.

"ثم يُجامعها في آخر اليوم": اعلمْ أنَّ ضربَ العبيد والإماء جائزٌ للتأديب إذا لم يتأدَّبوا بالكلام الغليظ، وإذا لم يَتأدَّبوا إلا بالضرب؛ فَلْيكنِ الضربُ لتركِهم فرضًا من فرائض الله أو خدمةِ السيد إذا كانت تلك الخدمةُ جائزةً في الشرع، والعفوُ عنهم أَولى.

فإذا عرفتَ هذا فاعرفْ أنَّ قولَه: (لا يَجلدْ أحدُكم امرأتَه جلدَ العبد) هذا كان قبلَ أمرِه صلى الله عليه وسلم بضربهنَّ، ثم أَمرَ بضربهنَّ، كما يأتي في هذا الباب.

قوله: "ثم وعظَهم في ضحكهم للضَّرْطة"؛ يعني: وعظَ الناسَ وخوَّفَهم، ونهاهم عن الضحك حين سمعوا ضَرطةً، وقال:"لِمَ يَضحكُ أحدُكم مما يَفعل؟! "

ص: 80

يعني: لا يخلو الإنسانُ من الضَّرْطة؛ فإنها ريحٌ، والريحُ يُلازم الإنسانَ، ولا ينبغي أن يضحكَ أحدٌ ممَّن صدر منه ضَرطةٌ.

رَوى هذا الحديثَ - أعني الروايةَ الأولى والثانية - عبدُ الله بن زَمَعَة.

* * *

2420 -

وقالت عائِشَةُ رضي الله عنها: كنتُ أَلْعَبُ بالبناتِ عندَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وكانَ لي صَواحِبُ يَلعبن معي، وكانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا دخلَ يَنْقَمِعْنَ منه فَيُسَرِّبُهُنَّ إليَّ فيَلْعَبن معي.

قولها: "ألعبُ بالبنات"، (البنات): اللُّعَبُ، وهي: جمع (لُعبة) بضم اللام، وهي ما يُلعَب به، والمراد بها ها هنا: ما تَلعبُ به الصبيات.

قولها: "يَنقمِعْنَ"، قُمِع: إذا كُسِر وقُهِر، وانقمَعَ: إذا انكسَر؛ يعني: يَنهزمْنَ وَيفررْنَ استحياءً من النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

قولها: "فيُسرِّبُهنَّ"؛ أي: فيُرسلُهنَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إليَّ؛ لِيَلعبن معي، والمراد بهذا الحديث: إظهارُ حسنِ أخلاقِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

* * *

2421 -

وقالت: والله لقد رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقومُ على بابِ حُجْرَتي، والحَبَشَةُ يلعبونَ بالحِرابِ في المسجدِ، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَستُرني بردائِهِ لِأنْظُرَ إلى لَعِبهم بين أذُنِهِ وعاتقِهِ، ثم يقومُ من أجلي حتَّى اكونَ أنا التي أَنصرِفُ، فاقدِرُوا قَدْرَ الجاريةِ الحديثةِ السِّنِّ، الحريصةِ على اللهوِ.

قولها: "والحبشةُ يلعبون بالحِرابِ في المسجد"، (الحبشة): جماعةٌ معروفةٌ من الناس، الواحد: حَبَشيٌّ، و (الحِراب): جمع حَرْبة، وهي رمحٌ قصيرٌ.

ص: 81

يعني: وقفَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على باب المسجد لأجلي، ووقفتُ خلفَه، فأنظرَ من بين عاتقه وأذنه إلى لَعِبهم.

وهذا الحديثُ يدلُّ على استحبابِ مداراة النساءَ والتلطُّفِ بهنَّ، ويدلُّ أيضًا على جوازِ نظرِ المرأةِ إلى الرجلِ الأجنبيِّ فيما فوقَ السُّرَّة وتحتَ الرُّكبة، ويدلُّ أيضًا على جوازِ لُعَبٍ هي طاعةٌ في المسجدِ وغيرِه؛ فإنَّ اللَّعبَ بالحِراب وبجميع آلات الحرب طاعةٌ؛ لأنه يُعلِّمُ الجهادَ، والجهادُ طاعةٌ، وإنما يجوز اللَّعب بآلات الحرب إذا علمَ الرجلُ: أنَّه لا تَلحقه جراحةٌ، ولا يُلحق بصاحبه جراحةً.

قولها: "فاقدرُوا قَدْرَ الجاريةِ الحديثةِ السنِّ"؛ يعني: تدبَّروا وتفكَّروا في جاريةٍ قليلةِ السنِّ الحريصةِ على اللَّعب، كم يكون قَدرُ مكثِها في النظر إلى اللَّعب! يعني: يكون ذلك القَدرُ كثيرًا، حتَّى تَعلموا حسنَ معاشرة النبيِّ صلى الله عليه وسلم مع زوجاته، وتلطُّفه بهنَّ.

* * *

2422 -

وقالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأَعلمُ إذا كنتِ عني راضيةً وإذا كنتِ عليَّ غَضْبَى! فقلتُ: مِن أينَ تعرفُ ذلكَ! فقالَ: إذا كنتِ عنِّي راضيةً فإنك تقولينَ: لا وربِّ مُحمَّدٍ، وإذا كنتِ غَضْبَى قلتِ: لا وربِّ إبراهيمَ"، قالت، قُلتُ: أَجَلْ، والله يا رسولَ الله، ما أهجرُ إلا اسمَكَ.

قوله: "غَضْبَى": هذا اللفظ تأنيث: (غَضبان)، يُقال للرجل: غَضبان، وللمرأة: غَضْبَى.

قولها: "أجلْ"؛ أي: نعم، لا أَهجرُ إلا اسمَك؛ يعني: إذا غضبتُ عليك لا أتركُ حبَّك، ولا أتركُ إلا اسمَك؛ يعني: لا أَذكرُك باللسان مدةَ غضبي.

وجهُ إيرادِ هذا الحديثِ في هذا الباب: بيانُ خُلُقِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فإنه يَعرفُ

ص: 82

الغضبَ منها ولا يَهجرُها، ولا يَضربُها، ولا يُؤذيها، بل يَصبرُ حتَّى يزولَ الغضبُ عنها.

* * *

2423 -

عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا الرَّجلُ امرأتَه إلى فراشِه فأبَتْ فباتَ غضبانَ لَعَنَتْها الملائكةُ حتى تُصْبحَ".

وفي روايةٍ: "إلا كانَ الَّذي في السَّماءِ ساخِطًا عليها حتَّى يَرْضَى عنها".

قوله: "إلا كان الذي في السماءِ ساخطًا"؛ يعني: يكون الله تعالى عليها غضبانَ؛ لأنَّ إيذاءَ الزوجِ والغضبَ عليه عصيانٌ الله تعالى، وهذا إنما يكون إذا لم يكن غضبُ الزوجةِ بسبب ظلمِ الزوجِ عليها، فأمَّا إذا كان الجُرمُ للزوج، بأن يُؤذيها ويَظلم عليها، فلم يكنْ على الزوجة بأسٌ بأن تغضبَ على زوجها.

* * *

2424 -

وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في خُطبةِ حَجَّةِ الوَداعِ: "اتَّقُوا الله في النِّساءِ فإنَّكَم أخذتُمُوهُنَّ بأمانِ الله، واستَحْلَلتم فروجَهُنَّ بكلمةِ الله، ولكم عليهِنَّ أنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكم أحدًا تَكْرَهُونَهُ، فإنْ فَعَلْنَ فاضرِبُوهنَّ ضَرْبًا غيرَ مُبَرِّحٍ، ولَهنَّ عليكم رِزقُهنَّ وكِسْوَتُهنَّ بالمعروفِ".

قوله: "اتقوا الله في النساء": قد ذُكر هذا الحديثُ في قصة حَجَّة الوداع.

* * *

2425 -

وعن أسماءَ: أنَّ امرأة قالت: يا رسولَ الله! إنَّ لي ضَرَّةً، فهل عليَّ جناحٌ إنْ تَشَبَّعتُ من زوجي غيرَ الذي يُعطيني؟ فقال:"المُتَشَبعُ بما لم يُعْطَ كلابسِ ثَوْبَيْ زورٍ".

ص: 83

قوله: "المُتشبع بما لم يُعطَ كلابسِ ثَوبَي زُور": ذُكر شرحُ هذا الحديث في (باب العطايا).

* * *

2426 -

وقال أنسٌ رضي الله عنه: آلَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِن نسائِهِ شهرًا، وكانَتْ انفكَّت رِجْلُه فأقامَ في مَشْرُبةٍ تسعًا وعشرينَ ليلةً ثم نزلَ، فقالوا: يا رسولَ الله! آلَيْتَ شهرًا فقال: "إنَّ الشَّهرَ يكونُ تسعًا وعشرينَ".

قوله: "آلَى رسولُ الله

" إلى آخره؛ يعني: حلفَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن لا يَدخلَ [على] واحدةٍ من نسائه شهرًا، وكنَّ يُؤذينَه، فعَزَلَهنَّ، وجلس في غرفة المسجد.

قوله: "انفكَّت رِجلُه"؛ أي: تألَّمت مِفصلُ قدمه.

قوله: "في مَشرُبة"؛ أي: في غرفة.

قوله: "إن الشهرَ يكون تسعًا وعشرين" يومًا، إنما لم أُقِمْ ثلاثين يومًا؛ لأني حلفتُ شهرًا، وقد ظهرَ الهلالُ بعد تسعٍ وعشرين، فإذا ظهرَ الهلالُ فقد تمَّ الشهرُ.

اعلمْ أنَّه إذا حلفَ أحدٌ أن لا يَفعلَ هذا الفعلَ هذا الشهرَ، فإذا ظهرَ الهلالُ تمَّ يمينُه، سواءٌ كان يمينُه في أول الشهر أو أثنائه، أمَّا إذا لم يُعينِ الشهرَ، بل قال: شهرًا؛ لزمَه أن يتركَ الفعلَ الذي حلفَ عليه ثلاثين يومًا من وقت يمينه، فإن كان يمينُه في أول الشهر، فظهرَ الهلالُ بعدَ تسعٍ وعشرين يومًا، لزمَه أن يترك ذلك الفعلَ يومًا آخرَ بعد ظهور الهلال، حتَّى يُتِمَّ ثلاثين يومًا من وقت يمينه، وكذلك النَذرُ في الصوم.

* * *

ص: 84

2427 -

وقال جابرٌ: عَزَلَهن شهرًا، أو تِسْعًا وعشرينَ ثم نزلَتْ هذه الآية:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ} - إلى قوله - {فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} ، فبدأ بعائشةَ رضي الله عنها فقال:"يا عائشةُ إني أريدُ أنْ أعرِضَ عليكِ أمرًا، أُحِبُّ أنْ لا تَعْجَلي فيهِ حتى تَستشيري أَبَوَيْكِ! " قالت: وما هو يا رسولَ الله؟ فتلا عليها هذه الآيةَ، فقالت: أَفيكَ يا رسولَ الله أَستشيرُ أَبَوَيَّ؟ بل أختارُ الله ورسولَه والدارَ الآخرةَ، وأسألُكَ أنْ لا تُخبرَ امرأةً مِن نسائكَ بالذي قلتُ، قال:"لا تسألُني امرأةٌ منهنَّ إلا أَخبرتُها، إن الله لم يبعَثني مُعَنِّتًا ولا مُتَعَنِّتًا، ولكن بعثَني مُعلِّمًا مُيسِّرًا"،

قوله: "ثم نزلت هذه الآية"؛ يعني: كانت زوجاتُه يُؤذينَه ولا يَرضَيْنَ بفقره، فنَزلت هذه الآيةُ؛ يعني: قلُ يا محمدُ لزوجاتك: إني اخترتُ الفقرَ في الدنيا؛ فمَن لم تَرضَ منكنَّ بفقري فَلْتَخترْ، وَلْتَأتيني حتَّى أُمتَّعَها - أي: حتَّى أُعطيَ مَهرَها - وأُسرَحَها سراحًا جميلًا؛ أي: وأُطلِّقَها طلاقًا لا ضررَ فيه ولا إيذاءَ، ومَن رضيَ بفقري وأرادتِ الآخرةَ، فإن الله سيُعطيها عوضَ مشقَّتها أجرًا عظيمًا.

قوله: "حتى تستشيري أَبوَيك"؛ يعني: لا تَعجلي في جوابي من تِلقاء نفسِكِ، بل أستَشِيري أبوَيك؛ ليكونَ جوابُك إياي عن رضاك ورضا أبوَيك.

قولها: "أسألك أن لا تُخبرَ امرأة"؛ يعني: وأَطلبْ منك أن لا تُخْبرَ واحدةً من زوجاتك بأني رضيتُ بنكاحك، ومرادُها في هذا الكلام: أنَّ نساءَه لو علمْنَ أنَّ عائشةَ رضيَتْ بنكاحه، لَوافقْنَها بالرِّضا بنكاحه، ولو لم يَعلَمْنَ أنَّ عائشةَ رضيَتْ بنكاحه، فلعلَّهنَّ يَختَرْنَ فراقَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فيُفرَد النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعائشة.

قوله: "مُعنِّتًا"؛ أي: مُؤذيًا ومُوقعًا أحدًا في أمرٍ شديدٍ.

"ولا مُتعنِّتًا"؛ أي: ولا طالبًا لزَلَّة أحد، الزَّلة: الخطأ والإثم.

ص: 85

فلما قرأ النبيُّ صلى الله عليه وسلم هذه الآيةَ عليهنَّ، فاختارَتِ الزوجاتُ التسعُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم والدارَ الآخرةَ، ورضينَ بالفقرِ وتركِ زينة الدنيا، فبَقينَ في نكاحه حتى تُوفِّي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فلما اختَرْنَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نزل قولُه تعالى:{لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 52]؛ يعني: فلما اقتضى كرمُهنَّ أنْ يَتركْنَ زينةَ الدنيا وَيختَرْنَك اقتضَى كرمُنا القديمُ أن نُحرِّمَ عليك أن تتزوَّجَ بامرأة غيرِهنَّ بعدَما اختَرْنَ الله ورسولَه صلى الله عليه وسلم، {وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} يعني: ولا أن تُطلَّق واحدةً منهنَّ، وتتزوَّجَ بدل المُطلَّقة امرأةً أخرى.

وقيل: نُسخت هذه الآيةُ بقوله: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} [الأحزاب: 51]، معناها عند هذا القائل: إباحةُ التزوُّج له غيرَهنَّ.

* * *

2428 -

وقالت عائِشَةُ رضي الله عنها: كُنْتُ أغارُ على اللائي وَهَبن أنفسَهن لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقلتُ: أَتَهَبُ المرأةُ نفسَها؟ فلمَّا أنزلَ الله عز وجل: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ} ، قلتُ: ما أَرَى ربَّكَ إلا يُسارعُ في هَواكَ.

قولها: "أغار": هذا نفسُ مُتكلِّمٍ (1)، من (الغَيرة).

* * *

مِنَ الحِسَان:

2429 -

عن عائِشَةَ رضي الله عنها: أنَّها كانت معَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ، قالت: فسَابقتُه فسَبقتُه على رِجْلَيَّ، فلمَّا حَمَلتُ اللحمَ سابقتُه فسبَقَني،

(1) أي: على صيغة المتكلم.

ص: 86

قال: "هذه بتلكَ السَّبَقَةِ".

قولها: "فسابقتُه"؛ أي: عدوتُ وركضتُ وماشيتُ معه؛ لنَنظرَ أيُّنا أسرعُ عَدْوًا.

"فسبقتُه"؛ أي: فغلبتُ عليه في العَدْو، وتقدَّمتُ عليه.

"فلما حملتُ اللحمَ"؛ أي: فلما سمنتُ.

قوله: "هذه بتلك السَّبْقة"؛ يعني: تقدُّمي عليك في هذه النَّوبة في مقابلة تقدُّمِكِ عليَّ في النَّوبة الأولى.

والمرادُ بإيراد هذا الحديث: بيانُ حسن أخلاقه صلى الله عليه وسلم أو تلطُّفه بنسائه؛ لتقتديَ به أمَّتُه.

* * *

2430 -

عن عائِشَةَ رضي الله عنها: أنَّها قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "خيرُكم خيرُكم لأهلِهِ، وأنا خيرُكم لأهلي، وإذا ماتَ صاحِبُكم فدَعُوه".

قوله: "خيرُكم خيرُكم لأهله"؛ يعني: خيرُكم مَن هو أحسنُ أخلاقًا على أهله.

قوله: "إذا مات صاحبُكم فدَعُوه"؛ يعني: لِيُحسِنْ كلُّ واحدٍ منكم على أهله، فإذا مات واحدٌ منكم فاتركوه؛ أي: فاتركوا ذكرَ مساوئه؛ يعني: لا تذكروه بعد الموت بأخلاقه المذمومة وأفعاله القبيحة؛ فإنَّ تركَ ذكر مساوئه والعفوَ عنه من حسن أخلاقكم.

ويُحتمَل أن يكونَ معناه: فاتركوا محبتَه بعد الموت، ولا تُعلِّقوا قلوبَكم بأن تجلسوا على مصيبته، والبكاء عليه.

* * *

ص: 87

2432 -

وقال: "لو كنتُ آمِرًا أحدًا أنْ يَسجُدَ لأَحدٍ، لأمرتُ المرأةَ أنْ تسجُدَ لزَوجِها".

قوله: "لو كُنْتُ آمرًا أحدًا أن يسجدَ لأحد

" إلى آخره؛ يعني: لا يجوز لأحد أن يسجدَ لغير الله، ولو جاز أن يسجدَ أحدٌ لغير الله لأَمرتُ المرأةَ أن تسجدَ لزوجها.

وإنما ذُكر هذا الحديثُ لبيانِ أنه لا يجوزُ السجودُ لغير الله، ولبيانِ تأكيد حقِّ الزوج على الزوجة.

يَروي هذا الحديثَ معاذُ بن جبل.

* * *

2433 -

وقال: "أيُّما امرأةٍ ماتَتْ وزوجُها عنها راضٍ، دخلَت الجنةَ".

قوله: "أيُّما امرأةٍ ماتت، وزوجُها عنها راضٍ، دخلت الجنة": ذُكر هذا الحديثُ أيضًا لتأكيد حقِّ الزوج على الزوجة؛ لبيانِ ثوابِ طاعةِ الزوجةِ زوجَها.

وظاهرُ هذا الحديث يُنبئ: أنَّ طاعةَ الزوجة زوجَها تَكفيها، وليس كذلك؛ بل تحتاج إلى طاعة الله أولًا، من أداء الصلاة والصوم والزكاة وغيرها من الفرائض، ويجب عليها أيضًا تركُ المناهي.

رَوى هذا الحديثَ قيسُ بن عبادة الأنصاريُّ وأمُّ سَلَمة.

* * *

2434 -

وعن طَلْقِ بن عليِّ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا الرَّجُلُ زوجتَه لحاجتِه فلْتَأتِهِ، وإنْ كانَتْ على التنُّورِ".

قوله: "وإن كانت على التنُّور"؛ يعني: وإن كانت تَخبز، وقد ضَربت

ص: 88

الخبزَ على التنُّور.

يعني: إذا دعاها الزوجُ، فَلْتَأتِه وإن كان خبزُها يحترقُ في التنُّور، وهذا بشرط أن يكونَ ذلك الخبزُ للزوج؛ لأنَّ الزوجَ إذا دعاها في هذه الحالة، فقد رضيَ بإتلافِ مالِهِ، وتلفُ المالِ أسهلُ من وقوع الزوج في الزِّنا إن لم تُجبْه الزوجةُ.

* * *

2435 -

عن معاذٍ رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"لا تُؤذي امرأةٌ زوجَها في الدُّنيا إلا قالَتْ زوجتُه من الحورِ العِينِ، لا تؤذِيهِ قاتَلكِ الله، فإنما هوَ عندَكِ دخيلٌ، يُوشِكُ أنْ يُفارِقَكِ إلينا"، غريب.

قوله: "لا تُؤذي امرأةٌ زوجَها في الدنيا إلا قالت زوجتُه من الحُور العِينِ: لا تُؤذيه قاتلَك الله! فإنما هو عندك دَخيلٌ، يُوشك أن يُفارقَك إلينا"، وإنما تَعرف زوجتُه من الحُور العِين ما يجري بينه وبين زوجته في الدنيا بأنْ رفعَ الله تعالى الحجابَ بين الحُور العِين وبين أزواجهنَّ في الدنيا، حتَّى يَعلَمْنَ ما يجري بينهم وبين زوجاتهم في الدنيا، كما رفعَ الله الحجابَ بين الأولياء حتى يعلموا مِن المَشرق ما يجري في المَغرب.

قولها: "قاتلك الله": هذا خطابٌ مع كلِّ امرأةٍ تُؤذي زوجَها المسلمَ، سواءٌ كانت مسلمةً أو كِتابيةً.

قولها: "فإنما هو عندك دخيل"؛ أي: غريبٌ، "يوشك"؛ أي: يَقرُب "أن يُفارقك إلينا"؛ أي: عن قريبٍ يتركُك بأن يموتَ ويصلَ إلينا؛ يعني: أنتِ زوجتُه في الدنيا، ونحن زوجاتُه في الآخرة، فإن كانت هذه المرأةُ كِتابيةً فلا إشكالَ في هذا الحديث؛ لأنَّ الكِتابيةَ تُخلَّد في النار كسائر الكفَّار، ولا تكون زوجتَه في الآخرة؛ لأنه يكون في الجنة. وأمَّا إذا كانت مسلمةً فالحديثُ على

ص: 89

هذا التقدير مُشكِلٌ؛ لأنها تَدخل الجنةَ كزوجها، فكيف يُفارقها؟! فدفعُ هذا الإشكالِ بأن تقولَ: معنى هذا الحديث: إنك أيتُها المرأةُ التي تُؤذي زوجَك في الدنيا إيذاؤك زوجَك عصيانُ الله تعالى، وعصيانُ الله سببُ دخول النار، ودخولُك النارَ فراقٌ بينك وبين زوجك مدةَ بقائك في النار إلى أن تَخرجي من النار، وتَدخلي الجنةَ، وتَصلِي إلى زوجك.

* * *

2436 -

عن حكيمٍ بن مُعاويةَ القُشَيريِّ، عن أبيه قال: قلتُ: يا رسولَ الله ما حقُّ زوجةِ أحدِنا عليهِ؟ قال: "أنْ تُطعِمَها إذا طَعِمْتَ، وتَكْسُوَها إذا اكتسَيْتَ، ولا تَضْرِب الوجْهَ، ولا تُقَبحْ، ولا تَهجُرْ إلا في البيتِ".

قوله: "أن تُطعمَها إذا طعمتَ": ليس معنى هذا الحديث: أنك إذا طعمتَ أَطعِمْها، وإذا لم تَطعَمْ فلا تُطعِمْها، بل يجب على الزوج إطعامُ الزوجة وكسوتُها كما هو مُبيَّنٌ في الفقه، سواءٌ طَعِمَ الزوجُ أم لم يَطعَمْ، وإنما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم هذا الكلامَ؛ لأنه كانت عادةُ بعضِ العربِ: أنهم يأكلون ويشربون ويلبسون، ويتركون أهلِيهم جائعين عارِين، فنهاهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن تلك العادة.

قوله: "ولا تضربِ الوجهَ": هذا تصريحٌ منه صلى الله عليه وسلم على جواز ضربهنَّ على وفق الشرع، بأن يَفعلْنَ فاحشةً، أو يَتركْنَ الصلاةَ، أو يُخالفْنَ أمرَ الأزواج، ولا يجوز الضربُ على الوجه، لا في الآدميِّ ولا في غيرِه.

قوله: "ولا تُقبحْ" بتشديد الباء؛ أي: ولا تَقلْ لها قولًا قبيحًا؛ أي: ولا تَشتُمْها.

قوله: "ولا تَهجُرْ إلا في البيت"؛ يعني: لو غضبتَ عليها لا تخرجْ من البيت، ولا تتركْها في البيت الخالي؛ فإنها ربما تخافُ من البيت الخالي، وربما

ص: 90

يَقصدُها رجلٌ بفاحشةٍ وغير ذلك، بل إذا غضبتَ عليها ففارِقْها من فراشها إلى ناحيةٍ من ذلك البيت.

* * *

2437 -

وعن لَقيطِ بن صَبرة قال: قلتُ يا رسولَ الله! إنَّ لي امرأةً في لسانِها شيءٌ - يعني البَذَاء - قال: "طلِّقْها"، قلتُ: إنَّ لي منها وَلَدًا ولها صُحبةٌ، قال:"فَمُرْها - يقولُ عِظْها - فإنْ يَكُ فيها خيرٌ فستَقْبَلُ، ولا تضرِبن ظَعِينَتَكَ ضَرْبَكَ أُمَيَّتَكَ".

قوله: "في لسانها شيءٌ"؛ يعني: في لسانها بَذَاءٌ؛ يعني: تُؤذيني بلسانها، "البَذَاء": الفُحش.

قوله: "فمُرْها؛ يقول: عِظْها"، (يقول) هنا معناه: يريد؛ يعني: يريد النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقوله (فمرها): عِظْها؛ يعني: مُرْ، أمرٌ من (أمر)، ومعنى (أَمرَ) هنا: وَعَظَ.

قوله: "ولا تضربن ظعينتَك ضربَك أُمَيتَك"، (الظعينة): الزوجة، (الأُمَيَّة): تصغير أَمَة.

* * *

2438 -

وعن إياسِ بن عبدِ الله: أنَّه قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تضرِبُوا إماءَ الله". فأتاهُ عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا رسولَ الله! ذَئِرَ النِّساءُ على أزواجِهنَّ، فأذِنَ في ضَربهِنَّ، فأَطافَ بآلِ محمدٍ نساءٌ كثيرٌ كلُّهنَّ يَشتكينَ أزواجَهنَّ، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"لقد أطافَ بآلِ مُحمَّدٍ سبعونَ امرأةً كلُّهن يشتكينَ أزواجَهنَّ، ولا تِجِدُونَ أولئكَ خيارَكم".

قوله: "لا تضربوا إماء الله

" إلى آخره، (الإماءُ) هنا: الزوجات.

ص: 91

"ذَئِرَ النساءُ"؛ أي: اجترَأْنَ ونشَزْنَ.

قوله: "فأطافَ بآلِ محمدٍ نساءٌ كثيرٌ"؛ يعنىِ: اجتمعت نساءٌ كثيرٌ على باب النبيِّ صلى الله عليه وسلم يَشتكينَ كثرةَ ضرب أزواجهنَّ.

قوله: "ولا تجدونَ أولئكَ خيارَكم"؛ يعني: ليس مَن ضربَ زوجتَه خيرٌ ممن لا يضرب زوجتَه؛ بل الَّذي لا يضربُ زوجتَه خيرٌ من الَّذي يضربها.

في هذا الحديث ثلاثةُ أشياءَ:

أحدها: النهي عن ضرب النساء.

والثاني: الإذن في ضربهنَّ.

والثالث: بيان خيريَّة مَن لا يضربُ زوجتَه على مَن يضربُ زوجتَه.

اعلمْ أنَّ ترتيبَ هذه الأشياء الثلاثة: أنَّه صلى الله عليه وسلم نهى عن ضربهنَّ أولًا، فلما ذَئِرَ النساءُ، أَذنَ في ضربهنَّ؛ كيلا يَنشزْنَ [على] أزواجهنَّ، ولا يَغلبن عليهم، فبقي هذا الحُكمُ؛ أعني: أنَّ ضربَهنَّ جائزٌ إذا نشَزْنَ [على] أزواجهنَّ، أو تَركْنَ أوامرَ الله، أو فَعلْنَ شيئًا من المناهي.

وتأويل قوله: (ولا تجدون أولئك خيارَكم) أنَّ الصبرَ معهنَّ والعفوَ عن سوء أدبهنَّ خيرٌ من ضربهنَّ، مع أنَّ ضربَهنَّ جائزٌ، وهذا في نشوزهنَّ؛ فإن النُّشوزَ معناه: تركُ حقٍّ الزوج، والزوجُ لو رضيَ بترك حقِّه يكون خيرًا، وإنما لا يجوز للزوج أن يَرضَى بتركِ المرأة شيئًا من أوامر الله تعالى أو فعلِـ[ـها] شيئًا من المناهي.

* * *

2439 -

عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ليس مِنا مَن خَبَّبَ امرأةً على زَوْجِها أو عبدًا على سيدِه" أي: أفسدَ.

قوله: "مَن خبَّبَ امرأةً على زوجها"، (التخبيب): الإفساد، والمراد به

ص: 92

ها هنا: أن يُوقعَ أحدٌ عداوةَ زوجِ امرأةٍ في قلبها، بأن يَذكرَ مساوئَه عندها، ويَحملَها على أن تُؤذيَه، وتطلبَ الطلاقَ منه، وفي العبد بأن يَذكرَ مساوئَ السيد عنده، ويَحملَه على أن يُقصِّرَ في الخدمة، وأن يَطلبَ بيعَه، أو يَحملَه على الفرار منه.

* * *

2440 -

وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مِن أَكْملِ المؤمنينَ إيمانًا أحسنْهم خُلُقًا، وألطَفُهم بأهلِهِ".

2441 -

وقال: "أَكْمَلُ المؤمنينَ إيمانًا أحسنُهم خُلُقًا، وخِيارُكم خيارُكم لنِسائهم"، صحيح.

قوله: "من أكملِ المؤمنينَ إيمانًا أحسنُهم خُلقًا، وألطفُهم بأهله"؛ يعني: مَن كان خُلقُه أحسنَ يكون إيمانُه أكملَ.

وهذا الحديث دليلُ مَن قال: الإيمانُ يزيد بالطاعة ويَنقص بالمعصية، وهو مذهبُ الشافعيِّ ومالكٍ وأحمدَ.

رَوت هذا الحديثَ عائشةُ والذي بعدَه أيضًا.

* * *

2442 -

عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: قَدِمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِن غزوةِ تبوكَ، أو حُنَينٍ؛ وفي سَهْوتِها سِتْرٌ فَهَبَّت ريحٌ فكشفَتْ ناحيةَ السَّترِ عن بناتٍ لعائشةَ - لُعَبٍ - فقال:"ما هذا يا عائشةُ؟ " قالت: بناتي، ورَأَى بَينهنَّ فَرَسًا له جناحانِ من رِقاعٍ، فقال "ما هذا الَّذي أَرَى وَسطَهنَّ؟ " قالت: فرسٌ، قال:"وما هذا الذي عليه؟ " قالت: جناحانِ، قال:"فرسٌ لهُ جناحانِ! " قالتُ: أَما

ص: 93