الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: "اليتيمةُ تُستأمَرُ في نفسِها، فإن صَمَتَتْ فهو إذنُها، وإن أَبَتْ فلا جوازَ عليها"، أراد باليتيمة ها هنا: البكرَ البالغةَ التي مات عنها أبوها وجدُّها قبل البلوغ، فحين مات أبوها وجدُّها كانت يتيمةً، فلما بلَغَتْ خَرجَتْ عن أن تكونَ يتيمةً؛ لأنه لا يُتْمَّ بعدَ البلوغ، ولكنْ سَمَّاها ها هنا يتيمةً باسم ما كانت عليه قبل البلوغ؛ يعني: إذا كانت المرأة بِكرًا بالغة، وليس لها أبٌ ولا جدٌّ، [فـ]ـلا يجوز لأحدٍ تزويجُها إلا بإذنها بالاتفاق، وإذنها سكوتها.
وإنما قلنا: إن المراد بهذه اليتيمةِ اليتيمةُ البالغة؛ لأنه شرطَ رضاها واستئمارَها، ورضا غير البالغة واستئمارها غيرُ معتبر بالاتفاق.
* * *
2329 -
وعن جابر رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"أيُّما عبدٍ تزوَّجَ بغيرِ إذنِ سيدِهِ فهو عاهرٌ".
قوله: "أيُّما عبدٍ تزوجَ بغير إذنِ سيدِه فهو عاهِرٌ"، (العاهِر): الزاني.
لا يجوز نكاحُ العبد بغير إذن سيدِه عند الشافعيَّ وأحمدَ لهذا الحديث، ولا يَصيرُ العَقدُ صحيحًا عندهما بأن أجازَ السيدُ العَقدَ بعدَ النَّكاح. وقال أبو حنيفةَ ومالكٌ: إن أجازَ السيدُ بعدَ العَقدِ، صحَّ العَقدُ.
* * *
4 - باب إعلانِ النكاحِ والخِطبةِ والشَّرطِ
(باب إعلان النكاح)
مِنَ الصِّحَاحِ:
2330 -
عن الرُّبيعِ بنتِ مُعَوِّذِ بن عفراءَ رضي الله عنها: أنها قالت: جاء
النبيُّ صلى الله عليه وسلم فدخلَ حينَ بني عليَّ، فجلسَ على فراشي، فجعلَتْ جُوَيرياتٌ لنا يَضرِبن الدُّفَّ ويندُبن مَن قُتِلَ من آبائي يومَ بدرٍ، إذ قالت إحداهُنَّ:
وفينا نبيٌّ يعلمُ ما في غدٍ
فقال: "دَعي هذه وقُولي ما كنتِ تقولينَ".
قوله: "عن الرُّبَيع بنت مُعوِّذ بن عفراء: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم جاء، فدخل حين بني عليَّ، فجَلس على فراشي"، (بني عليَّ) علي بناء المجهول؛ أي: سُلَّمتُ وزُفِفتُ إلى زوجي.
"فجعلت جُوَيرياتٌ"؛ أي: طَفِقْنَ "يَضربن الدف"، وهذا دليلٌ على جواز ضربَ الدُّفِّ عند النكاح والزَّفاف.
"ويَندُبن مَن قُتل من آبائي"، (النَّدْب): عدُّ خِصال الميت؛ يعني: يَصفْنَ شجاعةَ آبائي، ويَقُلْنَ مرثيتَهم عند ضرب الدُّفِّ، وهذا دليلٌ على أن التكلمَ بشعرٍ وكلامٍ ليس فيه فحشٌ وكذبٌ جائزٌ.
قوله: "إذ قالت إحداهنَّ: وفينا نبيٌّ يَعلمُ ما في غدِ"؛ يعني: قالت إحداهنَّ في أثناء ضرب الدُّفِّ هذا الكلامَ، وهو قولها: وفينا نبيٌّ يَعلمُ ما في غد؛ يعني: يُخبر عن الزمان المستقبل، فيكون كما أَخبرَ، فمنعَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن التكلم بهذا الكلام، وقال:"دعي هذه"؛ أي: اتركي هذه الحكايةَ أو القصةَ، "وقولي ما كنت تقولين"؛ أي: قُولي ذكرَ المقتولين.
وعلَّةُ نهيه صلى الله عليه وسلم تلك الجاريةَ عن التكلم بقولها: (وفينا رسولُ الله يَعلمُ ما في غد): أنه صلى الله عليه وسلم كرهَ أن يقولَ أحدٌ: إنه صلى الله عليه وسلم يَعلمُ الغيبَ مطلقًا؛ لأنَّ الغيبَ لا يَعلمُه إلا الله، بل يجب أن يُقال: يَعلمُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من الغيب ما أَخبرَه الله به.
ويُحتمَل أن تكونَ كراهيته ذلك الكلام أن وصفَه صلى الله عليه وسلم في أثناء ضربِ الدُّفِّ، وفي أثناء مَرثيةِ أولئك المقتولين لا يليق بمنصبهِ صلى الله عليه وسلم، بل هو أجلُّ
وأشرفُ من أن تذكر هذه العبارة في أثناء ضربِ الدُّفِّ.
* * *
2331 -
وقالت عائشةُ رضي الله عنها: زُفَّتْ امرأةٌ إلى رجلٍ من الأنصارِ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"ما كانَ معَكم لهوٌ؟ فإنَّ الأنصارَ يُعجِبُهم اللهوُ".
قوله: "ما كان معكم لهوٌ؟ "(ما) للنفي، ومعناه: الاستفهام، والأَولى أن يُقالَ: حُذِفَ من هذا الكلام همزةُ الاستفهام لدلالة الحال عليه، والتقدير: أمَا كان معكم لهوٌ؟ وهذا رخصةٌ في اللهو عند العُرس، والمراد باللهو: ضربُ الدُّفِّ وقراءةُ شِعرٍ ليس فيه إثمٌ.
ورَوى ابن سِيرين: أنَّ عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه إذا سمع صوتًا أو دُفًّا قال: ما هذا؟ فإن قالوا: عرسٌ أو خِتانٌ، صَمَتَ؛ يعني: تركَهم على حالهم، ولم يَنهَهُم عن ذلك.
* * *
2332 -
وقالت عائشةُ رضي الله عنها: تَزَوَّجَني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في شوَّالٍ، وبنى بي في شوَّالٍ، فأيُّ نساءِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كانَ أَحْظَى عندَه مني؟.
قول عائشة رضي الله عنها: "تزوَّجني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في شوال"؛ أي: نكَحَني في شوال.
"وبنى بي"؛ أي: أَدخلَني بيتَه، وضمَّني إليه في شوال.
قولها: "أَحظَى"؛ أي: أكثرُ وأَوفَى نصيبًا منه صلى الله عليه وسلم.
أرادت بهذا الحديث: أنَّ العَوَامَّ كانوا يقولون: التزوُّجُ بين العبدَين ليس بمحمودٍ، فذَكرَتْ عائشةُ هذه الحكايةَ إنكارًا عليهم؛ يعني: فلو لم يكنِ التزوُّجُ بين العيدَين محمودًا لَمَا تزوَّجَني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في شوال، والتزوُّجُ بين العيدَين حرامٌ
لِمَن أَحرَمَ بالحجِّ من أول شوال، ومِن حين أَحرَمَ الرجلُ بالحجَّ أو العُمرة، حَرُمَ عليه التزوُّجُ، ولا يَنعقدُ النَّكاحُ في الإحرام؛ هذا في المُحْرِم، وأمَّا في غير المُحْرِم، فلا بأسَ عليه بالتزوُّجِ والزَّفاف بين العيدَين.
* * *
2333 -
وقال صلى الله عليه وسلم: "أحقُّ الشروطِ أن تُوفُوا به ما استحلَلْتُم به الفُرُوجَ".
قوله: "أحقُّ الشروطِ أن تُوفُوا به ما استَحللتُم الفُرُوجَ"؛ يعني: الوفاءُ بالشروطِ حقٌّ، وأحقُّها بالوفاء شروطُ النَّكاح.
وشروطُ النَّكاح قسمانِ:
أداءُ المَهر؛ عَينًا كان أو في الذِّمَّة، وأداءُ النفقةِ والكسوةِ، والعدلُ بين النساء لو كان لرجل أكثرُ من زوجة، فالوفاءُ بهذه الأشياء واجب بالاتفاق، ومعنى الشروط في هذه الأشياء الحقوقُ؛ يعني: حقوقَ النَّكاح.
القسم الثاني: أن يَشرُطَ أهلُ الزوجة على الزوج أن لا يُخرجَها من بلدِها إلى بلدٍ آخرَ، ومن بيتِ أقاربها إلى بيتِ أجنبيًّ، أو مِن محلتِها إلى محلته، أو أن لا يَنكحَ عليها زوجةً أخرى، وما أشبه ذلك، فالوفاءُ بهذه الشروطِ وأشباهِها غيرُ واجبٍ عند الشافعي وأبي حنيفة ومالك، وواجبٌ عند ابن مسعود، وبه قال أحمد.
رَوى هذا الحديثَ عقبةُ بن عامر رضي الله عنه.
* * *
2334 -
وقال: "لا يخطُبْ الرَّجلُ على خِطْبةِ أخيهِ حتى ينكِحَ أو يترُكَ".
قوله: "لا يَخطِبُ الرجلُ على خِطبةِ أخيه حتى يَنكحَ، أو يترُكَ"؛ يعني: إذا طلَبَ أحدٌ امرأةً أن يتزوَّجَها، فأجابه وليُّها حيث لا يُشترطُ رضا الزوجة؛ بأن كانت بِكرًا ووليُّها أبوها أو جدُّها، وحيث شُرِطَ رضا الزوجة؛ فيعتبر أن تجيبَ الطالبَ
الزوجةُ ووليها، فحينئذ يحرم أن يتزوج تلك المرأة أحد حتى يتركَ الطالبُ الأولُ تزوُّجَها، أو يَأذَنَ للطالبِ الثاني في تزوُّجِها، فإن تزوَّجَ الثاني تلك المرأةَ بغير إذنِ الأولِ، صحَّ النَّكاحُ، ولكنْ يَأثمُ.
رَوى هذا الحديثَ ابن عمرَ رضي الله عنهما.
* * *
2335 -
وقال: "لا تَسألِ المرأةُ طلاقَ أختِها لتَستفرِغَ صَحفتَها ولتَنكِحَ، فإنَّ لها ما قُدَّرَ لها".
قوله: "لا تَسألِ المرأةُ طلاقَ أختها"، الأختُ هنا: يُحتمَل أن تكونَ أختَها من النَّسَب، ويُحتمَل أن تكونَ أختَها في الإِسلام؛ يعني: لا ينبغي لامرأة أن تقولَ لرجل: طلَّقْ زوجتَك وتَزوَّجْني؛ فإنَّ ذلك من الإضرار والخديعة.
قوله: "لِتَستفرِغَ صحفتَها"؛ أي: لتجعلَ قصعتَها خاليةً من الطعام؛ أي: لتَحرِمَها وتَمنعَها من النفقة والكسوة، وتقومَ مَقامَها في وجدان النفقة والكسوة وغيرهما من التلذُّذات.
قوله: "ولتَنكح" هذا يَحتمل وَجهَين:
أحدهما: أن يكونَ معناه: ولتَدخل على تلك المرأة، ولتَنكح زوجَها، ولا تسأل طلاقَها؛ ليكونَ جميعُ مالِ ذلك الرجل للطالِبة؛ فإنَّ الله يُوصل إليها ما قُدَّر لها من الرزق، سواءٌ كانت منفردةً في زوجيةِ ذلك الرجل، أو مع زوجةٍ أخرى.
والوجه الثاني: أن يكونَ معناه: ولتَنكحْ زوجًا آخرَ، ولتَترك ذلك الرجلَ؛ كي لا تُلحقَ ضررًا بزوجها.
رَوى هذا الحديثَ أبو هريرة رضي الله عنه.
* * *
2336 -
عن ابن عمرَ رضي الله عنهما: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشِّغارِ.
والشِّغارُ: أن يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابنتَه على أن يزوِّجَه الآخرُ ابنتَه، وليسَ بينَهما صَداقٌ.
قوله: "نَهَى عن الشِّغار"، قد ذُكر شرحُه في (باب الغصب) في قوله:"لا جلب".
* * *
2337 -
وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لا شِغارَ في الإِسلامِ".
قوله: "لا شِغارَ في الإِسلام"؛ يعني: كان أهلُ الجاهلية يَفعلونه، أمَّا في الإِسلام فلا يجوز.
رَوى هذا الحديثَ ابن عمرَ رضي الله عنهما.
* * *
2338 -
وعن عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نهى عن مُتْعَةِ النِّساءِ يومَ خيبرَ، وعن أكلِ لُحومِ الحُمُرِ الإِنسيَّةِ.
قوله: "نَهَى عن مُتعةِ النساءِ يومَ خَيبرَ، وعن أكلِ لحومِ الحُمُرِ الإنسيَّةِ"، صورة المتعة: أن يَتزوَّجَ الرجلُ امرأةً إلى مدةٍ معلومةٍ، مثل أن يقولَ: تزوَّجتُ هذه المرأةَ شهرًا، ويقول الوليُّ: زوَّجتُكَها، فإذا انقضى ذلك الشهرُ، ارتفَعَ النَّكاحُ، ولا يحتاج إلى الطلاقِ، رخَّص رسولُ الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين في هذا النَّكاح عامَ أَوْطاس، وهو غزوٌ؛ لمَّا رأى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أصحابَه شبان مُشتهين النَّكاحَ، وخاف منهم الوقوعَ في الفتنة، فرخَّص لهم، ثم قال:"يا أيُّها الناسُ! إني قد كنتُ أَذنتُ لكم في الاستمتاع من النساء، وإنَّ الله قد حرَّمَ ذلك إلى يوم القيامة"، ومعنى الاستمتاع ها هنا: نكاح المُتعة.
وأَجمَعَ أهلُ السُّنَّة على تحريم نكاح المُتعة، وكذلك أهلُ البدع إلا الشيعةَ.
وكذلك كان لحمُ الحمارِ الإنسيَّ حلالًا، ثم حرَّمَه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.
* * *
2339 -
وعن سلَمَةَ بن الأكَوعِ قال: رَخَّصَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عامَ أوطاسٍ في المُتعَةِ ثلاثًا ثم نَهى عنها.
قول سَلَمة بن الأكوع: "رخَّص رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عامَ أَوْطاسٍ في المُتعةِ ثلاثًا، ثم نَهَى عنها"؛ يعني: ثلاثةَ أيام؛ يعني: مدةُ هذه الرخصةِ في ذلك الغزو ثلاثةُ أيامٍ، لا جميعُ مدةِ هذه الرخصةِ؛ لأنَّ جميعَ مدةِ هذه الرخصةِ كانت أكثرَ من ثلاثةِ أيامٍ؛ لأنَّ الخطَّابيَّ قال: رخَّص رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في نكاح المُتعة في بدء الإِسلام، ونسخَها في حَجَّةِ الوداعِ.
* * *
مِنَ الحِسَان:
2340 -
عن أبي الأحَوصِ عن عبدِ الله رضي الله عنه قال: علَّمنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم التشهُّدَ في الصَّلاةِ، والتشُّهدَ في الحاجةِ، فذكرَ التشهُّدَ في الصَّلاةِ كما ذكرَ غيرَه، والتشهَّدُ في الحاجةِ:"إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدهِ الله فلا مُضلَّ له، ومَنْ يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا الله وأشهدُ أنَّ مُحمَّدًا عبدُه ورسولُه"، ويقرأُ ثلاثَ آياتٍ قصيرة - ففسَّرَه سفيانُ الثوريُّ:{اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ، {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} ، {اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} "، ويُروى عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه في خُطبةِ
الحاجةِ من النَّكاحِ وغيره.
قوله: "علَّمَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم التشهدَ في الصلاة، والتشهدَ في الحاجة"، وأراد بالتشهد: كلَّ كلامٍ فيه الثناءُ على الله تعالى، وفيه كلمتا الشهادة؛ يعني: أَمرَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن نقَرأَ التشهدَ في الصلاة، وهي: التحيَّاتُ
…
إلى آخره، والتشهدَ عند الحاجةِ والنكاحِ؛ يعني: إذا كان لنا حاجةٌ أو شغلٌ عند أحدٍ، أَمرَنا إذا وصلْنا إلى ذلك الأحد أن نَقولَ قبلَ ذكرِنا حاجتَنا: الحمدُ لله نَعبدُه ونَستعينُه
…
إلى آخر ما ذكر في هذا الحديث.
* * *
2341 -
وعن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلُّ خُطبةٍ ليسَ فيها تَشَهُّدٌ فهي كَاليَدِ الجَذْماءِ" غريب.
وفي رِوايةٍ: "كلُّ كلامٍ لا يُبدأُ فيه بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ} فهو أَجْذَمُ".
قوله: "كلُّ خِطبةٍ ليس فيها تشهُّدٌ فهي كاليد الجَذماء"، (الخِطبة) بكسر الخاء: طلبُ التزوُّج؛ يعني: كلُّ طلبِ تزوُّجٍ، أو: كلُّ عقدٍ، لم يُبدَأ فيه بـ (الحمد لله رب العالمين) فهو كاليد الجَذماء، والجَذماء: المقطوعة؛ يعني: كما أنَّ اليدَ المقطوعةَ لا منفعةَ فيها.
ولا قوةَ لِمَن قُطعَتْ يدُه، فكذلك كلُّ أمرٍ لم يُبدَأ فيه بـ (الحمد لله) لا ثباتَ له ولا خيرَ فيه.
وفي رواية عن أبي هريرة رضي الله عنه: "كل كلام لم يُبدأ فيه بالحمد لله فهو أَقطع"؛ أي: فهو مقطوعٌ لا نظامَ فيه.
* * *
2342 -
عن عائِشَةَ رضي الله عنها: أنَّها قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:
"أعلِنُوا هذا النَّكاحَ واجعَلُوه في المساجدِ، واضرِبُوا عليه بالدُّفوفِ"، غريب.
2343 -
وعن محمَّدِ بن حاطبٍ الجُمَحِيِّ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"فَصْلُ ما بينَ الحلالِ والحرامِ: الصوتُ والدُّفُّ في النَّكاحِ".
قوله: "أَعلِنُوا هذا النَّكاح" هذا إشارةٌ إلى نكاح المسلمين؛ يعني: أَعلِنُوا نكاحَكم، بأن تجعلوه في المساجد، وأن تضربوا الدُّفوف فيه؛ لأنه لو جَرى النَّكاحُ ولم يَجرِ الإعلانُ، فلم يَدرِ الناسُ بالنَّكاح، وربما رَأَوا رجلًا مُتخلَّيًا بامرأته؛ فيُطالبونه بالإتيان ببينة النَّكاح، فعجزَ عن الإتيان بالبينة؛ فيضربونهما ويَنسبونهما إلى الزِّنا، ويَقعُ الناسُ بسببهما في الغِيبة والبُهتان.
كما جاء في الحديث الذي بعده: أنَّ الفرقَ بين الحلال والحرام في النكاح: هو الصوتُ وضربُ الدُّفِّ، ليس المرادُ منه: أنه ليس فرقٌ بين الحلال والحرام في النكاح إلا الصوتُ والضربُ، فإنَّ الفرقَ يَحصلُ بحضور الشُهود عقد النكاح؛ ولكن مرادَه: أنَّ الغالبَ أن يَخفى على الجيران والأباعد جريانُ النكاح في خلوةٍ وإن كان هناك شهود، فالسُّنَّةُ إعلانُ النكاح بضرب الدُّفِّ، وأصواتِ الحاضرين بالتهنئة، أو نغمةٍ في إنشادِ شِعرٍ لا إثمَ فيه.
ويجوز ضربُ الدُّف وإنشادُ الشِّعر ورفعُ الصوت عند النكاح في المساجد، وهذا الحديث مُخصَّص لنهيه صلى الله عليه وسلم عن رفعِ الأصواتِ وإنشادِ الشِّعر في المساجد؛ يعني: يجوز في النكاح رفعُ الأصوات وضربُ الدُّفَّ في المساجد، ولا يجوز في غير النَّكاح.
* * *
2346 -
وعن عائِشَةَ رضي الله عنها: أنَّ جاريةً من الأنصارِ زُوِّجَتْ فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "ألا أرسَلْتُم معهم مَن يقولُ:
أَتيناكُم أَتيناكُم
…
فَحَيَّانا وحَيَّاكُم"