المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌6 - باب حكم الأسارى - المفاتيح في شرح المصابيح - جـ ٤

[مظهر الدين الزيداني]

فهرس الكتاب

- ‌12 - كِتابُ النِّكَاحِ

- ‌2 - باب النَّظَرِ إلى المَخطوبةِ وبيانِ العَورات

- ‌3 - باب الوليَّ في النَّكاح واستِئذانِ المَرأةِ

- ‌4 - باب إعلانِ النكاحِ والخِطبةِ والشَّرطِ

- ‌5 - باب المُحرَّماتِ

- ‌6 - باب المُباشَرةِ

- ‌فصل

- ‌7 - باب الصَّداق

- ‌8 - باب الوَليمةِ

- ‌9 - باب القَسْمِ

- ‌10 - باب عشرةِ النِّساءِ وما لكلِّ واحدةٍ من الحقوقِ

- ‌11 - باب الخُلعِ والطلاقِ

- ‌12 - باب المُطلَّقَةِ ثلاثًا

- ‌فصل

- ‌13 - باب اللِّعَانِ

- ‌14 - باب العِدَّة

- ‌15 - باب الاستبراء

- ‌16 - باب النَّفقاتِ وحَقِّ المَملوكِ

- ‌17 - باب بلوغِ الصَّغيرِ وحضانتهِ في الصِّغَرِ

- ‌13 - كِتابُ العِتْقِ

- ‌2 - باب إعتاقِ العَبْدِ المُشتَرَك وشراءِ القريبِ والعتقِ في المَرَضِ

- ‌3 - باب الأيمانِ والنُّذورِ

- ‌فصل في النُّذورِ

- ‌14 - كِتَابُ القِصَاصِ

- ‌2 - باب الدَّيَاتِ

- ‌3 - باب ما لا يُضْمَنُ من الجنايات

- ‌4 - باب القَسامة

- ‌5 - باب قتلِ أهل الرِّدَّةِ والسُّعاةِ بالفسادِ

- ‌15 - كِتَابُ الحُدُودِ

- ‌2 - باب قَطْعِ السَّرِقَةِ

- ‌3 - باب الشَّفاعةِ في الحُدودِ

- ‌4 - باب حدِّ الخمرِ

- ‌5 - باب لا يُدْعى على المَحدودِ

- ‌6 - باب التَّعْزيرِ

- ‌7 - باب بيانِ الخَمْرِ ووعيدِ شاربها

- ‌16 - كِتابُ الإمَارَة وَالقَضَاءِ

- ‌1 - باب

- ‌2 - باب ما على الوُلاةِ من التَّيسيرِ

- ‌3 - باب العَملِ في القضاءِ والخَوفِ منهُ

- ‌4 - باب رزق الوُلاةِ وهداياهم

- ‌5 - باب الأقضيةِ والشَّهاداتِ

- ‌17 - كِتابُ الجهَادِ

- ‌2 - باب إعدادِ آلةِ الجِهادِ

- ‌3 - باب آدابِ السَّفَرِ

- ‌4 - باب الكتابِ إلى الكُفَّارِ ودعائِهم إلى الإسلامِ

- ‌5 - باب القِتالِ في الجهاد

- ‌6 - باب حُكْمِ الأُسارى

- ‌7 - باب الأمانِ

- ‌8 - باب قِسْمَةِ الغنائمِ والغُلولِ فيها

- ‌9 - باب الجِزْيَةِ

- ‌10 - باب الصُّلحِ

- ‌11 - باب الجلاء: إخراجِ اليهودِ من جزيرةِ العَرَبِ

- ‌12 - باب الفَيْءِ

- ‌18 - كِتَابُ الصَّيْدِ والذَّبَائِحِ

- ‌2 - باب

- ‌3 - باب ما يحلُّ أكلُه وما يحرُمُ

- ‌4 - باب العقِيقةِ

- ‌19 - كِتَابُ الأَطْعِمَةِ

- ‌2 - باب الضيافَةِ

- ‌فصل

- ‌3 - باب الأشرِبةِ

- ‌4 - باب النَّقيعِ والأنبذةِ

- ‌5 - باب تغطيةِ الأواني وغيرِها

الفصل: ‌6 - باب حكم الأسارى

قوله: "فحاص الناس حيصة"، حاص يَحِيصُ: إذا فرَّ، و (الناس) هنا: أصحاب رسول الله الذين فروا من الحرب ذلك اليوم.

"فاختفينا بها"؛ أي: استترنا بالمدينة خوفًا من رسول الله واستحياءً منه في فرارنا، "وقلنا: هلكنا"؛ أي: قلنا: صرنا مستحقَّين للعذاب بسبب الفرار من الحرب.

"بل أنتم العكَّارون وأنا فئتكم"، (عَكَر): إذا رجع وكر؛ يعني: المتحيزون إلى فئةٍ، (وأنا فئتكم)؛ يعني: مَن فرَّ من الحرب على نية أن يجتمع مع جيشٍ آخر ويتقوَّى بهم ثمَّ يرجع إلى الحرب، فلا إثم عليه، فكذلك أنتم فررتم لطلب المدد، وأنا مددكم فلا إثم عليكم في الفرار.

"أنا فئة المسلمين"؛ أي: مدد المسلمين، وأنا معاذ المسلمين، فإذا فروا التجؤوا إلي وأنا أنصرهم.

* * *

‌6 - باب حُكْمِ الأُسارى

(باب حكم الأُسراء)

(الأُسراء): جمع أسير، والمراد بـ (الأسراء) هنا: الكفار الذين أخذهم المسلمون.

مِنَ الصِّحَاحِ:

3009 -

عن أبي هريرةَ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"عَجِبَ الله من قومِ يدخُلونَ الجنةَ في السَّلاسِلَ".

ص: 410

وفي روايةٍ: "يُقادُونَ إلى الجنةِ بالسَّلاسلِ".

"عجب الله"؛ أي: رضي الله "من قوم"؛ أي: كفار؛ أي: من كفارِ أخذهم المسلمون ووضعوا السلاسل على أيديهم وأرجلهم وأدخلوهم دار الإِسلام، ثم رزقهم الله الإيمان فأسلموا ودخلوا الجنة بإسلامهم، هذا هو المراد من هذا الحديث.

* * *

3010 -

عن سَلَمةَ بن الأكْوَعِ رضي الله عنه قال: أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عينٌ مِنَ المشركينَ وهو في سفرٍ، فجلسَ عندَ أصحابهِ يتحدثُ، ثم انفَتَلَ، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"اُطلبُوه واقتلُوهُ"، فَقتَلْتُهُ، فنفَّلَنِي سَلَبَهُ.

قوله: "عين من المشركين"؛ أي: جاسوس لهم.

"انفتل"؛ أي: رجع.

"نفَّله" بتشديد الفاء؛ أي: أعطاه.

"سلبه"؛ أي: فرسه وما كان عليه من السلاح.

* * *

3011 -

وعن سَلَمَةَ بن الأكوَعِ قال: غَزَوْنَا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم هَوازِن، فَبَيْنَا نحنُ نَتَضَحَّى معَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءَ رجلٌ على جملٍ أحمرَ فأَنَاخَهُ، وجَعَلَ ينظرُ، وفينا ضَعْفَةٌ وَرِقَّةٌ مِن الظَّهْرِ، وبعضُنا مشاةٌ، إذ خرجَ بشتدُّ فأَتَى جملَهُ فَأَثَارَهُ، فاشتدَّ به الجَمَلُ، وخرجْتُ أشتدُّ حتى أخذتُ بخِطامِ الجَمَلِ فأَنَخْتُهُ، فلمَّا وضعَ ركبتَهُ في الأرضِ اخْتَرَطْتُ سيفي فضربْتُ رأسَ الرَّجلِ، ثم جئتُ بالجملِ أقودُه وعليهِ رَحْلُه وسِلاحُه، فاستقبلَني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم والناسُ

ص: 411

فقالَ: "مَن قتلَ الرَّجلَ؟ " قالوا: ابن الأكوَعِ، قال:"لهُ سَلَبَهُ أَجْمَعُ".

قوله: "هوازن" اسم قبيلة.

"نتضحى"؛ أي: نتغدَّى؛ أي: يكون في وقت الضحى، أو نأكل في وقت الضحى.

"فأناخه": فأبركه. "وجعل"؛ أي: طفق.

"وفينا ضَعْفَةٌ ورقة من الظهر"؛ يعني: كان فينا ضعفٌ وقلَّة المركوب، (الرقة): استعارة من القلة، و (الظهر): المركوب.

"المشاة": جمع الماشي، وهو خلاف الراكب.

"إذ خرج"؛ أي: خرج من بيننا بعد ما رآنا وعَرَفَ حالنا، "يشتد"؛ أي: يعدوا. "فأثاره"؛ أي: أقامه من موضعه، "فاشتد به الجمل"؛ أي: أسرع به الجمل.

"أشتُّد"؛ أي أعدو، "فاخترطت"؛ أي: أخرجت سيفي من الغمد، "فضربت رأس الرجل"؛ يعني: قَتْلُ الجاسوس من الكفار جائز.

"له سلبه أجمع"؛ أي: كله له.

* * *

3012 -

عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ قال: لما نزَلَتْ بنو قُرَيْظَةَ على حُكْمِ سعدِ بن معاذٍ، بعثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فجاءَ على حمارٍ فلمَّا دَنَا قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"قوموا إلى سَيدِكم"، فجاءَ فجلسَ، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"إنَّ هؤلاء نَزَلُوا على حُكْمِكَ"، قال: فإني أَحْكُمُ أنْ تُقتَلَ المُقاتِلَةُ وأنْ تُسْبَى الذُّرِّيةُ، قال:"لقد حكمْتَ فيهم بحُكْمِ الْمَلِكِ".

ويروى: "بحُكْمِ الله".

ص: 412

قوله: "لما نزلت بنو قريظة" كانت بنو قريظة من اليهود، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ننزل على حكم سعد بن معاذ؛ أي: رضينا بما يحكم علينا، وسعد بن معاذ من كبار الصحابة.

"قوموا إلى سيدكم"؛ أي: قوموا من مكانكم لحرمة سعد، وهذا دليل على جواز قيام الجالسين إلى مَن يدخل عليهم من أصحاب المناصب والأستاذين والصُّلحاء والأبوين، ومَن يستحق الاحترام.

"بحكم المَلِك" بكسر اللام؛ أي: بحكم الله.

ومن الناس من يقول: (بحكم المَلَك) بفتح اللام، قال محيي السنة: هذا بعيد؛ لأنه إذا روي: (بحكم الله) عُلم أن الصواب ها هنا: (بحكم المَلِك) بكسر اللام، ومَن قال:(بحكم المَلَك) - بفتح اللام - معناه: بالحكم الذي نزل به الملك وهو جبريل صلى الله عليه وسلم.

يعني: يا سعد! حَكَم الله فيهم مِثْلَ ما حَكَمْتَ فيهم.

* * *

3013 -

وعن أبي هريرةَ قال: بعثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خيلًا قِبَلَ نَجْدٍ فجاءَتْ برجلٍ مِن بني حَنِيفةَ يقال له: ثُمَامَةُ بن أُثالٍ سَيدُ أهلِ اليَمامةِ، فربطوهُ بساريةٍ من سَوارِي المسجدِ فخرجَ إليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال:"ماذا عندَكَ يا ثُمَامَةُ؟ "، قال: عندي يا محمدُ! خيرٌ، إنْ تَقْتُلْ تَقتُلْ ذا دَمٍ، وإنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ على شاكِرٍ، وإنْ كنتَ تريدُ المالَ فسلْ تُعْطَ منه ما شئتَ، فترَكَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتى كانَ الغدُ فقالَ لهُ:"ما عندَكَ يا ثُمَامَةُ؟ "، قال: عندي ما قلتُ لك: إن تُنْعِمْ تُنْعِمْ على شاكرٍ، وإنْ تَقْتُلْ تقتلْ ذا دَمٍ، وإنْ كُنْتَ تريدُ المالَ فَسَلْ تعْطَ منهُ ما شِئتَ، فتركَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتى كانَ بعدَ الغدِ فقال:"ما عِندكَ يا ثُمامَةُ؟ "، قال:

ص: 413

عندي ما قلتُ لكَ: إن تُنْعِمْ تُنْعِمْ على شاكرٍ، وإنْ تقتُلْ تقتُلْ ذا دمٍ، وإنْ كنتَ تريدُ المالَ فسلْ تُعْطَ منه ما شئتَ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"أَطْلِقُوا ثُمامَةَ"، فانطلَقَ إلى نَخْلٍ قريبٍ من المسجدِ فاغتسلَ ثمَّ دخلَ المسجدَ فقال: أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا الله وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه، يا محمدُ! والله ما كانَ على الأرضِ وَجْهٌ أبغضَ إليَّ مِن وجهِكَ، فقد أصبحَ وجهُكَ أحبَّ الوجوهِ كلِّها إليَّ، والله ما كانَ مِن دِينٍ أبغضَ إليَّ مِن ديِنكَ فأصبحَ دينُكَ أحبَّ الدِّينِ كلِّه إليَّ، والله ما كانَ مِن بلدٍ أبغضَ إليَّ من بلدِكَ، فأَصْبَحَ بلدُكَ أحبَّ البلادِ كلَّها إليَّ، وإنَّ خيلَكَ أَخَذَتْني وأنا أُريدُ العُمْرةَ فماذا ترى؟ فَبَشَّرَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وَأَمَرَهُ أنْ يَعْتَمِرَ، فلمَّا قَدِمَ مكةَ قَالَ له قائلٌ: صَبَأْتَ؟! فقال: لا، ولكنِّي أسلَمْتُ مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَلا والله لا يأْتِيكُمْ مِن اليمامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حتى يأذَنَ فيها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.

قوله: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلًا"؛ أي: جيشًا.

قوله: "ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكر" إن تُعتقني أشكر لك وأعرف نعمتك عليَّ، وإن كنت تريد المال؛ يعني: وإن أردت المال مني، فقل كم تريد حتى أعطيك.

"أطلقوا"؛ أي: خلُّوا سبيله.

وهذا الحديث يدل على جواز دخول الكافر المسجد، وجواز إطلاق الأسير بغير فداءٍ إذا رأى الإمام المصلحة.

"قال له قائل: صبوت"، (صبا يصبو): إذا مال؛ يعني: قال له كافر من كفار مكة: مِلْتَ عن دين الحق إلى دين الباطل، فقال: ما ملتُ عن الحق إلى الباطل، بل أسلمتُ مع محمَّد، ودينه هو دين الحق.

* * *

ص: 414

3014 -

عن جُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ رضي الله عنه: أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال في أُسارَى بدرٍ: "لو كانَ المُطْعِمُ بن عَدِيًّ حَيًّا ثمَّ كلَّمني في هؤلاءَ النَّتْنَى لترَكْتُهم له".

قوله: "لو كان المطعم حيًا" هذا المطعم هو أبو جابر بن مطعم، وكان أثبت على النبي بمكة حقوقًا، فأراد النبي أن يجازيه لو كان حيًا بأن يهب له مَن أسره من كفار مكة يوم بدر.

و"النَّتْنَى": جمع مُنْتِنٍ ونَتِنٍ، قال الفرَّاء: جعلت العرب فَعْلَى علامةً لجمع كلَّ ذي زَمانةٍ وضررٍ وهلاك، ولا يبالون أكان واحدُه فاعلًا أو فعيلًا أو فَعِلًا أو أفعل.

* * *

3015 -

عن أنسٍ: أن ثمانينَ رَجُلًا مِن أهلِ مكَّةَ هَبَطُوا على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم مِن جبلِ التَّنعيمِ مُتَسَلَّحِينَ، يُريدونَ غِرَّةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابهِ، فأخذَهم سِلْمًا فاسْتَحْيَاهُم - ويُروى: فَأَعْتَقَهُمْ - فأنزلَ الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ} ".

قوله: "هبطوا"؛ أي: نزلوا، "يريدون غِرَّةَ النبي"؛ أي: يقصدون؛ أي: تنزَّلوا على غفلةٍ منه.

"فأخذهم سلمًا"؛ أي: فأخذهم النبي صلى الله عليه وسلم أُسراء، يقال: رجل سِلْمٌ؛ أي: أسير، وقوم سِلْمٌ؛ أي: أُسراء، يستوي فيه الواحد والتثنية والجمع.

"فاستحياهم"؛ أي: أبقاهم أحياءً ولم يقتلهم.

* * *

3016 -

عن أبي طلحةَ: أنَّ نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم أمرَ يومَ بدرٍ بأربعةٍ وعشرينَ رَجُلًا من صَنادِيدِ قُرَيشٍ، فَقُذِفُوا في طَوِيًّ من أطواءِ بدرٍ خَبيثٍ مُخْبثٍ، وكانَ إذا

ص: 415

ظهرَ على قومٍ أقامَ بالعَرْصَةِ ثلاثَ ليالٍ، فلمَّا كانَ ببدرٍ اليومَ الثالثَ أمرَ براحِلَتِهِ فَشُدَّ عليها رَحْلُها ثمَّ مَشَى، واتَّبَعَهُ أصحابُهُ، حتى قامَ على شَفَةِ الرَّكِيِّ، فجعلَ يُنادِيهِم بأسمائِهم وأسماءِ آبائهم:"يا فُلانُ بن فلانٍ، ويا فُلَانُ بن فلانٍ، أَيَسرُّكم أنكم أطَعْتُم الله ورسولَهُ؟ فإنَّا قد وَجَدْنَا ما وَعَدَنا ربنا حَقًّا، فهل وجدْتُم ما وَعَدَ ربُّكم حقًا؟ قَالَ عمرُ: يا رسولَ الله! ما تُكَلِّمُ مِن أجسادٍ لا أَرْوَاحَ لها؟ قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: والذي نفسُ مُحَمَّدٍ بيدِه، ما أنتُم بأسمَعَ لِما أقولُ منهم".

وفي روايةٍ: "ما أنتُمْ بأسمعَ منهم، ولكنْ لا يُجيبونَ".

قوله: "من صناديد قريش" وهو جمع صنديد، وهو السيد؛ يعني: من كبراء كفار مكة. "فقذفوا"؛ أي: فطرحوا. "في طويًّ"؛ أي: بئر.

"وكان"؛ أي رسول الله "إذا ظهر"؛ أي: إذا غلب "على قوم" وأخذ بلدًا من بلاد الكفار أقام بعَرْصةِ ذلك البلد ثلاثةَ أيامٍ ليطهِّر تلك العَرْصةَ من الكفار.

"على شفة الرَّكِيَّ"؛ أي: على طرف البئر التي أُلقي فيها أولئك الصناديد.

"فجعل"؛ أي: فطفق النبي صلى الله عليه وسلم ينادي كلَّ واحدٍ من أولئك الكفار المقتولين المقذوفين في تلك البئر "أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله"؛ يعني: هل تتمنَّون أن تكونوا مسلمين بعد ما وصلتم إلى عذاب.

"فإنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقًا"؛ أي: ما وعدنا ربنا من أن يجعلنا غالبين عليكم، ومن أن يقوِّيَ ديننا، فقد جعل ما وعدنا به حقًا وصدقًا، فهل وجدتم وعد ربكم من العذاب حقًا.

"ما تَكلَّم من أجساد لا أرواح لها"؛ أي: ما تتكلم، (ما) للاستفهام، ويجوز أن تكون (ما) بمعنى الذي؛ يعني: الذي تتكلمُ معه من الأجساد أجسادٌ لا أرواح لها، فكيف يجيبونك؟!

ص: 416

"ما أنتم بأسمع منهم" هذا يدل على أن الموتى يسمعون ما يقال لهم، ولكن لا يقدرون على الإجابة.

* * *

3017 -

عن مروانَ، والمِسْوَرِ بن مَخْرَمَة: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ حينَ جاءَهُ وفدُ هَوازِنَ مسلمينَ فسألُوهُ أَنْ يَرُدَّ إليهم أموالَهم وسَبْيَهم، قال:"فاختارُوا إحدى الطَّائفَتينِ: إمَّا السَّبْيَ، وإمَّا المالَ"، قالوا: فإنَّا نختارُ سَبْيَنَا، فقامَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فَأَثْنَى على الله بما هوَ أهلُهُ ثم قَالَ:"أمَّا بعدُ فإنَّ إخوانَكم قد جَاؤوا تائبينَ، وإني قد رأيتُ أنْ أَرُدَّ إليهم سَبْيَهم، فَمَنْ أَحَب منكم أنْ يُطَيبَ ذلكَ فَلْيَفْعَلْ، ومَن أحبَّ منكُمْ أنْ يكونَ على حظِّهِ حتى نُعطِيَهِ إيَّاهُ مِن أوَّلِ ما يُفِيءُ الله علينا فليَفْعَلْ"، فقالَ الناسُ: قد طَيَّبَنا ذلكَ يا رسولَ الله! فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنا لا نَدري مَن أذِنَ منكم ممن لَمْ يأذنْ، فارجِعُوا حتى يرفعَ إلينا عُرَفاؤُكم أَمْرَكُم"، فرجعَ النَّاسُ فكلَّمَهم عُرَفاؤُهم، ثم رَجَعُوا إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فأخبروهُ أنهم قد طَيَّبُوا وأَذِنُوا.

"وفد هوازن"، (الوفد): الجماعة التي جاؤوا من عند قوم لرسالة.

قصة هذا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمَّا أغار على قبيلة هوازن وأخذ أموالهم وسبى ذراريهم، فأسلم من بقي منهم، وبعثوا جماعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فطلبوا أموالهم وذريتهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس لكم أن تطلبوا الأموال والسبي كليهما، بل أطلبوا أحدهما.

المراد بـ "إحدى الطائفتين": إحد الشيئين من المال والسبي، فاختاروا السبي.

قوله: "تائبين"؛ أي: مسلمين.

قوله: "فمن أحب منكم أن يطيب ذلك": إنما استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة في رد سبيهم؛ لأن أموالهم وسبيهم صار ملكًا للمجاهدين، ولا يجوز رد ما ملكه

ص: 417

المجاهدون إلا بإذنهم؛ يعني: مَن طاب قلبه بردِّ سبيهم إليهم بلا عوضٍ فليخبرنا، ومن أراد عوضًا عن سبيهم فليخبرنا حتى نعطيه عوضَ نصيبه من سبيهم "من مالٍ يُفيء الله"؛ أي: يرزقنا الله بعد هذا من فيء.

قوله: "إنا لا ندري من أذن منكم"؛ يعني: لا ندري من رضي منكم ممَّن لم يرض على التعيين، فليخبر كلُّ واحد عريف قومه ليخبرنا ذلك العريف، و (العريف): مَن يعرِّف الأميرَ حالَ قومه.

* * *

3018 -

عن عِمرانَ بن حُصَيْنٍ قال: كان ثَقِيفٌ حليفًا لبني عُقَيْلٍ، فأسَرَتْ ثَقيفٌ رجلينِ من أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وأَسَرَ أصحابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم رجلًا من بني عُقَيْلٍ، فأَوْثَقوهُ فطَرَحُوه في الحَرَّةِ، فمرَّ به النبيُّ صلى الله عليه وسلم فَنَادَاهُ: يا مُحمدُ! يا محمدُ! فيمَ أُخِذْتُ؟ قال: "بجريرةِ حُلفائِكم ثَقيفٍ"، فتركَهُ ومضى، فنادَاهُ: يا محمدُ! يا محمدُ! فَرَحِمَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فرجَعَ فقال: "ما شأنُكَ؟ "، فقال: إنَّي مُسلِمٌ، فقال:"لو قُلْتَها وأنتَ تملِكُ أمرَكَ أفلحْتَ كلَّ الفَلَاحِ"، قال: فَفَداهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالرَّجُلَينِ اللَّذَيْنِ أَسَرَتْهُما ثقيفٌ.

قوله: "كان ثقيف حليفًا لبني عقيل"؛ يعني: جرى بين قبيلة ثقيف وبين بني عقيل محالفةٌ، فأخذ ثقيفٌ رجلين من أصحاب رسول الله، وأخذ أصحاب رسول الله رجلًا من بني عقيل عوضًا عن الرجلين الذين أخذهما ثقيف، وكان عادة العرب أن يأخذوا الحليف بجُرم حليفه، ففعل رسول الله هذا الصنيع على عادة العرب.

قوله: "بجريرة حلفائكم"، (الجريرة): الجُرم، و (الحلفاء): جمع حليف.

ص: 418

"فرحمه"؛ أي: حصل فيه رحمة ورقة له.

قوله: "لو قلتها"؛ أي: لو قلت كلمة الإِسلام في حال اختيارك؛ أي: قبل أن أُخذت "أفلحت"؛ أي: لنجوت من أن نأخذك، ومن عذاب يوم القيامة.

وهذا الحديث يدل على أن الكافر إذا قال بعد الأخذ: أنا مسلم، لا يُحكم بإسلامه حتى يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله؛ لأن قوله: (أنا مسلم) يحتمل أن يريد به: إني منقادٌ مطيعٌ لحكمكم.

والدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحكم بإسلامه أنه ردَّه إلى الكفار وأخذ بدله الرجلين الذين أسرتْهما ثقيف من أصحابه، ولو كان مسلمًا لم يردَّه إلى الكفار.

* * *

مِنَ الحِسَان:

3019 -

عن عائشةَ قالت: لمَّا بعثَ أهلُ مكَّةَ في فداءِ أُسرَائِهم، بعثَتْ زينبُ في فداءَ أبي العاص بمالٍ، وبعثَتْ فيهِ بقِلادةٍ لها كانَتْ عندَ خديجةَ أدخلَتْها بها على أبي العاصِ، فلمّا رَآها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رَقَّ لها رِقَّةً شديدةً، وقال:"إنْ رأيتُم أنْ تُطْلِقُوا لها أَسيرَها، وتردُّوا عليها الذي لها؟ "، فقالوا: نعم، وكانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أخذَ عليه أنْ يُخلَيَ سبيلَ زينبَ إليه، وبعثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم زيدَ بن حارثةَ ورَجُلًا من الأنصارِ فقال:"كُونَا ببطنِ يَأْجِجٍ حتى تَمُرَّ بِكُمَا زينبُ فَتَصْحَبَاها حتى تَأْتِيا بها".

قولها: "لما بعث أهل مكة في فداء أسرائهم" قصة هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا غلب يومَ بدرِ على كفار مكة قتل بعضهم وأسر بعضهم وطلب منهم الفداء، فأُرسل لكل أسيرٍ مَن له قريبٌ بفداءٍ يفتديه، فبعثت زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم ورضي

ص: 419

عنها فداءً لزوجها أبي العاص، وهو كان من جملة أسراء بدر، وكان في بدءِ الإِسلام تزوُّج الكافر بالمسلمة جائزًا، فنسخ هذا الحكم بقوله تعالى:{وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [البقرة: 221].

قولها: "أدخلتها بها على أبي العاص"؛ يعني: كانت تلك القلادة لخديجة فدفعتْها إلى بنتها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين زُفت إلى زوجها أبي العاص، فبعثت زينب تلك القلادة إلى رسول الله فداءً لزوجها أبي العاص، فلما رأى رسول الله تلك القلادة رقَّ لزينب ولِمَا تذكَّر من صحبة خديجة، وقال:"إن رأيتم"؛ أي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابة: إن رضيتم بأن تُخَلُّو زوج زينب وتردُّوا إليها مالها الذي أرسلتْه لفداء زوجها فافعلوا.

"أخذ عليه"؛ أي: أخذ عهدًا من أبي العاص وقال: نخليك بشرطِ أن ترسل إلي زينب، فقبل هذا الشرط.

"بطن يَأْجِج" اسم موضع قريب من مكة.

* * *

3021 -

ورُوِيَ عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لمَّا أرادَ قتلَ عُقبَةَ ابن أبي مُعَيْطٍ قال: مَن للصَّبْيَةِ؟ قال: "النارُ".

قوله: "من للصبية"؛ يعني: مَن يُترك لحفظ أطفالي إذا قتلتني.

* * *

3022 -

عن عُبَيْدَةَ عن عليًّ، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: أنَّ جبريلَ هبطَ عليهِ فقالَ لهُ: "خَيرْهُم - يعني: أصحابَكَ - في أُسارَى بدرٍ: القتلَ، أو الفِداءَ على

ص: 420