الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: "فاحتجبَ دونَ حاجَتِهم وخَلَّتِهم وفَقْرِهم".
الخَلَّةُ والفَقْرُ متماثلان، إلا أن الخَلَّةَ أشدُّ؛ يعني: كلُّ أميرٍ أغلقَ البابَ على وجهه، أو أقام على بابه حاجبًا وشُرَطًا ليمنعوا المسلمين عن الدخول عليه، ولم يقضِ حوائجَ المسلمين = فعلَ الله به يومَ القيامة مثلَ ما فعلَ بالمسلمين.
* * *
3 - باب العَملِ في القضاءِ والخَوفِ منهُ
(باب العمل)
مِنَ الصَّحَاحِ:
2808 -
عن أبي بَكْرَةَ قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يَقْضيَنَّ حَكَمٌ بيْنَ اثنينِ وهو غَضبانُ".
قوله: "لا يقضيَنَّ حَكَمٌ بين اثنين وهو غضبان"؛ يعني: لا ينبغي للحاكم أن يحكمَ في حال الغضب؛ لأنه لا يقدِرُ على الاجتهاد والفِكْرِ في مسألة الخَصْمين من غاية غضبه، وكذلك الحَرُّ الشديد، والبَرْدُ الشديد، والجوعِ والعطش والمرض، وكل حالةٍ تمنعُه عن الاجتهاد، فإنْ حكمَ في هذه الأحوال نُفِّذَ حُكْمُه مع الكَراهِية.
* * *
2809 -
وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا حَكَمَ الحاكمُ فاجْتَهَدَ فأصابَ فلهُ أجرانِ، وإذا حكمَ فاجتَهَدَ فأَخطأَ فلهُ أَجْرٌ واحدٌ".
قوله: "إذا حكمَ الحاكمُ فاجتهدَ فأصابَ فله أجران، وإذا حكمَ واجتهدَ وأخطأ فله أجر واحد"؛ يعني: إذا وقع اجتهادُه موافقًا لحكم الله فله أجران: أجرُ
السَّعْيِ في طلب الصواب وطلبِ الدليل، وأجرُ وجدانِ الصوابِ وعَمَلِ من يعمَلُ بذلك من المستفتين، أو إيصال الحق إلى صاحبه من الخَصْمَين، وأما إذا أخطأ فله أجرُ سَعْيه في طلب الدلائل والبراهين، ولكنْ ليس له أجرُ التكلُّم والإفتاء بالصواب، وإيصال الحقَّ إلى المستحِقَّ وعَمَلِ من يَعْمَلُ بقوله، أمَّا ليسَ عليه مع أخطائه إثمٌ؛ لأنه لم يتكلَّمْ بباطلٍ عن القَصْد، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"رُفِعَ عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استُكْرِهُوا عليه".
روى هذا الحديثَ - أعني: (إذا حكم الحاكم) - عمرو بن العاص.
* * *
مِنَ الحِسَان:
2810 -
قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَن جُعِلَ قاضيًا بينَ النَّاسِ فقد ذُبحَ بغيرِ سِكِّينٍ".
قوله: "من جُعِلَ قاضيًا بين الناس فقد ذُبحَ بغيرِ سِكِّين"؛ يعني: الذبحُ بالسكين أيسرُ من الذبح بالحَجر أو الخَشَب وغيرهما، يعني: من جُعِلَ قاضيًا فكأنه ذُبحَ ذبحًا شديدًا، أو ذُبحَ بحيث لا يَرى ذبحَه أحدٌ، يعني: فقد ذُبحَ القاضي وهو لا يَعْلَم، وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث؛ لأن ضررَ القضاء كثير؛ لأنه قلما عدَلَ القاضي بين الخصمين؛ لأن النفسَ مائلةٌ إلى ميلِ مَنْ تحبُّه أو تخدِمُه، أو من له منصِبٌ يتوقَّعُ جاهه، أو يخاف سلطنَته، وربما وَسْوسَتْه نفسُه على تجويز قَبول الرِّشْوَة، فمن كانت هذه صفاتُه، فالموتُ خير له من القضاء؛ لأن الموتَ يدفعُه عن المعاصي، والقضاءُ الموصوفُ بهذه الصفاتِ يوقِعُه في المعاصي، هذا التهديد في حقِّ قاضٍ لم يَعْدِل في الحكم.
أما القاضي العادلُ في الحُكْم، فله ثوابٌ كثير؛ لأنه تابعَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في
القضاء، فإنه صلى الله عليه وسلم كان قاضيًا يَقْتضي بين الناس بالعَدْل، ومَن عدلَ كان وارثًا له صلى الله عليه وسلم، وجميع ما ذُكِرَ من فَضْلِ العِلْمِ في (باب العلم) متوجِّهٌ في حقه.
روى هذا الحديثَ أبو هريرة.
* * *
2811 -
وقال: "مَن ابتغَى القضاءَ وسألَهُ وُكِلَ إلى نَفْسِه، ومَن أُكْرِهَ عليهِ أَنزَلَ الله عليهِ ملَكًا يُسدِّدُه".
قوله: "من ابتغى القضاء
…
" إلى آخره.
أي: من طلبَ القضاء لميلِ نفسِه إلى المَنْصِب والحُكْمِ وجَمْعِ المال لم يُعِنْه الله؛ لأنه اتَّبعَ مرادَ نفسِه وقَلْبه، ومن لم يطلب القضاءَ، فأكرهه السلطانُ على القضاء أعانَه الله، وألهمَه الصوابَ، وسدَّد لسانَه؛ أي: سوَّى لسانَه وقلبَه بالحقِّ، وأصلحَه؛ لأنه قَبلَ القضاءَ لطاعة السلطان، وطاعةُ السلطان طاعةُ الله.
روى هذا الحديث أنس.
* * *
2812 -
وقال: "القضاةُ ثلاثةٌ: واحدٌ في الجنَّةِ، واثنانِ في النَّارِ، فأمَّا الذي في الجنَّةِ: فرَجُلٌ عَرَفَ الحقَّ فقَضَى بهِ، ورَجُلٌ عرفَ الحقَّ فَجارَ في الحُكْمِ فهوَ في النَّارِ، ورَجُلٌ قضَى للنَاسِ على جهلٍ فهوَ في النَّارِ".
قوله: "قضى للناس على جَهْلٍ"؛ يعني: الذي ليس له علمٌ فقضى، فهو آثم في القضاء سواءٌ اتفقَ قضاؤُه صوابًا أو خطأً؛ لأن من ليس له علمٌ لا يجوزُ أن يقبلَ القضاء، ولا يصحُّ قضاؤه ولا فتواه.
روى هذا الحديثَ بُرَيدَةُ.
* * *
2813 -
وقال: "مَن طلَبَ قضاءَ المسلمينَ حتى ينالَهُ، ثم غلبَ عدلُه جَوْرَهُ فلهُ الجنَّةُ، ومَن غلبَ جَوْرُهُ عدلَهُ فلهُ النَّارُ".
قوله: "حتى ينالَه"؛ أي: حتى يجدَه.
قوله: "غلبَ عدلُه جَوْرَه"؛ يقال: (غَلَبَ) باعتبارين: أحدهما: بمعنى: قَوِيَ، والثاني: بمعنى: صار أكثرَ مِن غيرِه في العَدَد.
ومعنى (غَلَبَ) هنا: قوي؛ أي: مَنْ قويَ عَدْلُه بحيثُ لا يدَعُ عدلَه أن يصْدُرَ منه جورٌ، وهو الظُّلْم.
وقوله: "غَلَبَ جورُه عَدْلَه"؛ معناه: قَوِيَ جَوْرُه بحيث لم يقدِرْ عدلُه أن يمنَعه عن الجَوْر، بل صدَرَ منه الجَوْرُ والعَدْل، فمن صدَرَ منه جورٌ عن عمد، ولم يستحلَّ صاحبُه استحقَّ النارَ، ثم إن شاء الله عفا عنه بأن يرضيَ خصمَه، وإن شاء عاقَبه بقدْرِ ظلمه.
والجَوْرُ لا يُعْفَى عنه، لا عن قليله، ولا عن كثيره؛ لأنه حقوق الآدميين، وحقوق الآدميين تتعلَّق بالاقتصاص، ولا يعفو الله عنه إلا بإرضاء الخصوم.
روى هذا الحديثَ أبو هريرة.
* * *
2814 -
عن معاذِ بن جَبلٍ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لمَّا بعثَهُ إلى اليمنِ قال: "كيفَ تقضي إذا عَرضَ لكَ قضاءٌ؟ "، قال: أقضي بكتابِ الله، قال:"فإنْ لم تَجِدْ في كتابِ الله؟ "، قال: فبسُنَّةِ رسولِ الله، قال:"فإنْ لم تَجِدْ في سُنَّةِ رسولِ الله؟ "، قال:"أَجتهِدُ رأيي ولا آلو، قال: فضربَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على صدرِهِ وقال: "الحمدُ للهِ الذي وَفَّقَ رسولَ رسولِ الله لِما يُرضي رسولَ الله".
قوله: "أَجْتَهِدُ رأيي"؛ أي: أطلُبُ تلك الواقعةَ بالقياس على المسائل التي
جاء فيها نَصٌّ، فإذا وجدتُ مشابَهةً بين تلك الواقعة، وبين المسألة التي جاء فيها نصٌّ أَحْكُمُ في تلك الواقعة مِثْلَ حُكْمِ المسألة التي جاء فيها نَصٌّ؛ لمَا بينهما من المشابهة، مثاله: جاءَ النصُّ بتحريم الربا في البُرِّ، ولم يجئ نصٌّ بتحريم الربا في البطِّيخ.
قاس الشافعي البطِّيخَ على البُرِّ؛ لما وجدَ بينهما من عِلَّةٍ مُتَّحِدَة، وهي أنَّ كليهما مطعومٌ.
وقاس أبو حنيفة الجِصَّ على البُرِّ؛ لِمَا وجدَ بينهما من عِلَّةٍ مُتَّحِدة، وهي أنَّ الجِصَّ مَكِيلٌ كالبُرِّ.
وهذا الحديثُ يدلُّ على أن الاجتهاد حكمٌ شرعي؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حَمَد معاذًا على هذا القول، ولو لم يكن مُرضياً لرسول الله لم يَحْمَدْه رسولُ الله.
قوله: "ولا آلو"؛ أي: ولا أُقصِّر.
* * *
2815 -
وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّما أقضي بينَكم برَأْيي فِيمَا لم يُنْزَلْ عليَّ فيهِ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما أَقْضي بينكم برأيي فيما لم يُنْزَلْ عليَّ فيه"؛ يعني: إذا رُفِعَتْ عليَّ مرافعةٌ، ولم يُنْزَلْ عليَّ منها في القرآن شيءٌ أجتهدُ الصوابَ، وأحكمُ فيها ما أجدُه صوابًا في رأيي، وهذا دليلٌ على جواز الاجتهادِ أيضًا.
روى هذا الحديثَ أبو هريرة.
* * *