الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
19 - كِتَابُ الأَطْعِمَةِ
[19]
كِتَابُ الأَطْعِمَةِ
(كتاب الأطعمة)
مِنَ الصِّحَاحِ:
3188 -
قال عمرُ بن أبي سلمةَ رضي الله عنه: كنتُ غُلامًا في حَجْرِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وكانتْ يَدي تَطيشُ في الصَّحْفَةِ، فقال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"سَمِّ الله، وكُلْ بيمينِكَ، وكُلْ ممَّا يَليكَ".
قوله: "كنت غلامًا"؛ أي: كنت صبيًا.
"في حِجْرِ رسول الله"؛ أي: في تربيته؛ أي: كانت أمي زوجتَه.
"وكانت يدي تَطِيش"، ومعنى (تطيش): تُسرع، والمراد بهذا اللفظ: أنَّ يدَه تتردَّد في حوالي القَصْعة، وكان يأكل من كل جانب.
(الصحفة): وهي القَصْعة.
"وكل مما يليك"، (يليك)؛ أي: يقربك؛ يعني: كُلْ من جانبك، ولا تأكلْ من جانبٍ آخَر.
* * *
3189 -
وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الشَّيطانَ يَستحِلُّ الطعامَ أنْ لا يُذكرَ اسمُ الله عليهِ".
قوله: "إن الشيطان يستحِلُّ الطعام"؛ يعني: الشيطانُ جوَّز أكلَ طعامٍ لم يُسَمِّ الله آكلُه عند أكله، ويعتقده حلالًا ويأكل معه، فإذا ذَكَرَ اسمَ الله لم يأكل معه، ولم يجوِّز أكله.
روى هذا الحديثَ حذيفة رضي الله عنه.
* * *
3190 -
وقال: "إذا دخلَ الرَّجلُ بيتَهُ فذكرَ الله عندَ دُخولِهِ وعندَ طعامِهِ قالَ الشَّيطانُ: لا مَبيتَ لكُمْ ولا عَشاءَ، وإذا دخلَ فلمْ يذكُرِ الله عندَ دُخولِهِ قالَ الشيطانُ: أدركْتُمُ المَبيتَ، وإذا لمْ يَذْكُرِ الله عندَ طعامِهِ قال: أدركْتُمُ المَبيتَ والعَشاءَ".
قوله: "لا مَبيت لكم ولا عشاء"، (المبيت): مكان، أو مصدر مِنْ: بات يَبيت، و (العشاء) - بفتح العين -: الطعام الذي يؤكل في وقت العشاء، ويستعمل فيما يُؤكل في غير العشاء؛ يعني: يقول الشيطان لأولاده: لا يحصل لكم مسكن وطعام في هذا البيت؛ لأنه سمَّى الله، ويحتمل أن يكون الخطاب لأهل البيت؛ يعني: يقول الشيطان على سبيل الدعاء على أهل البيت: "لا مبيت لكم"؛ أي: جعلكم الله محرومين كما جعلتُموني محرومًا من المبيت والطعام بأن ذكرتم اسمَ الله.
روى هذا الحديثَ جابر، وروى الحديثَ الذي بعده ابن عمر رضي الله عنهما.
* * *
3193 -
عن كعبِ بن مالكٍ رضي الله عنهما قال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يأكُلُ بثلاثِ أصابعَ ويَلْعَقُ يدَهُ قبلَ أنْ يمسحَها.
قوله: "قبل أن يمسحها"؛ أي: قبل أن يمسحها بشيء.
* * *
3195 -
وعن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أكلَ أحدُكُمْ طعامَه فلا يَمسحْ يَدَهُ حتَّى يَلعقَها أو يُلعِقَها".
قوله: "حتَّى يَلْعَقها" - بفتح الياء والعين - يعني: يَلَعقها بنفسه، "أو يُلْعِقها" - بضم الياء وكسر العين -؛ أي: يأمر أحدًا بلعق يده.
* * *
3196 -
وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: "إِنَّ الشَّيطانَ يحضُرُ أحدَكُمْ عندَ كُلِّ شيءٍ مِنْ شأْنِهِ حتَّى يحضُرَهُ عندَ طعامِهِ، فإذا سقَطَتْ منْ أحدِكُمْ اللُّقْمَةُ فلْيُمِطْ ما كان بِهَا مِنْ أذًى ثمَّ ليأكُلْها ولا يدَعْها للشَّيطانِ، فإذا فرغَ فلْيَلْعَقْ أصابعَهُ فإنَّهُ لا يَدْري في أيَّ طَعَامِهِ تكونُ البركَةُ".
قوله: "فإذا سقطت من يد أحدكم اللقمةُ فلْيُمِطْ ما كان بها من أذى"؛ أي: فليبعده وليُزِلْ ما كان بها من تراب، وليأكله بشرط أن يكون ما سقطت عليه اللقمة من أرض أو غيرها طاهرًا، فإن كان نجسًا لا يجوز أكلُه، بل يُطْعمه هرَّةً أو كلبًا.
* * *
3197 -
عن أبي جُحَيْفة رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لا آكلُ مُتَّكِئًا".
قوله: "لا آكل متكئًا"، يحتمل أن يريد بالاتكاء هنا: أن يَسْنُدَ ظهرَه إلى شيء، أو يضعَ إحدى يديه على الأرض، ويتَّكأ عليها، أو يقعُدَ متكئًا على الأرض ويستوي جالسًا، كلُّ ذلك منهيٌّ عند الأكل؛ لأن فيها تكبُّرًا.
قال الخطابي: الاتكاء هنا: أن يقعد متمكِّنًا مستويًا جالسًا، بل السنَّةُ أن يقعُد عند الأكل مائلًا إلى الطعام مُنحنيًا.
* * *
3198 -
وعن قَتادةَ، عن أنسٍ رضي الله عنه قال: ما أكلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على خِوانٍ ولا في سُكُرُّجَةٍ، ولا خُبزَ لهُ مُرَقَّقٌ. قيل لقتادةَ: علامَ يأكُلونَ؟ قال: على السُّفَرِ.
قوله: "ولا في سُكُرُّجَة"؛ أي: ولا في قَصْعة صغيرة، وفارسيتها: سكرة، وإنما لم يأكل من السُّكُرُّجة؛ لأن في الأكل منها تكبّرًا، ولأنها من علامة البخل.
قوله: "ولا خبز له مرقق"، (خبز) ماض مجهول. (المرقق): الخبز الرقيق، وفي هذا أيضًا تكبر وتنعُّم.
قوله: "على السُّفَر"، هي جمع سُفْرة، وهي معروفة.
* * *
3199 -
وقال أنسٌ رضي الله عنه: ما أعلمُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رأَى رغيفًا مُرقَّقًا حتَّى لحِقَ بالله، ولا رأَى شاةً سَميطًا بعَيْنِهِ قطُّ.
قوله: "رغيفًا"، (الرغيف): الخبز.
"سَميطًا"؛ أي: مَشْويًا مع جِلْده بعد تنقيته من الشَّعر، وفي هذا تنعُّم، فلهذا لم يأكله النبيُّ صلى الله عليه وسلم.
* * *
3200 -
وعن سهلِ بن سعدٍ رضي الله عنه قال: ما رأَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم النَّقيَّ منْ حِينِ ابتعثَهُ الله حتَّى قبضَهُ الله. وقال: ما رأَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مُنخُلًا مِنْ حِينِ ابتعثَهُ الله حتَّى قبضَهُ الله. قيل: كيفَ كُنْتُمْ تأكلُونَ الشَّعيرَ غيرَ منخُولٍ؟ قال: كنَّا نَطحَنُهُ وننفخُهُ فيطيرُ ما طار، وما بقي ثَرَّيْناهُ فأكلناه.
قوله: "النقي"؛ أي: خبز الحنطة المنقَّاة.
"من حين ابتعثه الله"؛ أي: من حين أُوحي إليه إلى أَنْ فارق الدنيا.
قوله: "ننفخه"؛ أي: ننفخ فيه الريح بأفواهنا فيذهب بعضُ نُخَالته.
"ثم ثريناه"؛ أي: عَجَنَّاه.
* * *
3202 -
وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ المؤمنَ يأكُلُ في مِعًى واحِدٍ، والكافرُ يأكُلُ في سَبعةِ أمعاءٍ".
3203 -
وفي روايةٍ: "المُؤْمنُ يشربُ في مِعًى واحدٍ، والكافرُ يشربُ في سَبعةِ أمعاءٍ".
قوله: "إن المؤمنَ يأكل في مِعًى واحدٍ، والكافر يأكل في سبعة أمعاء"، (المعاء): ما يَدْخُلُه الطعامُ من بطن الإنسان.
روى هذا الحديثَ أبو هريرة رضي الله عنه، ورواه أيضًا مفسَّرًا بحيث يحصُل منه شرحُ هذا الحديث:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ضَافَه كفرٌ، فأمر له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بشاة فَحُلبت، فشرب حِلابها، ثم أمر له بأخرى فشرب حِلابها، حتى شرِبَ سبْعَ شيَاه، ثم إنه أصبح فاسلم، فأمر له رسولُ الله بشاة فحُلبت، فَشَرِب، ثم أمرَ له بأخرى فلم يستتمَّها، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ المؤمنَ يشربُ
في مِعَاءٍ واحد، والكافرُ يشربُ في سبعةِ أمعاء".
قال أبو عُبيدة كان هذا خاصًا لهذا الرجل؛ لأنك ترى من المسلمين مَنْ يَكْثُر أكلُه، ومن الكفار من يَقِلُّ ذلك منه، وحديث النبيِّ صلى الله عليه وسلم لا خُلْفَ له.
قال أبو عُبيد: يرى ذلك لتسمية المؤمن عند الطعام، فيكون فيه البركة، وقيل: هو مَثَلٌ ضربه النبيُّ صلى الله عليه وسلم للمؤمن وزهده في الدنيا، وللكافر وحرصِه على الدنيا، فالمؤمن يأكل بُلْغة وقوتًا عن الحاجة، والكافر يأكل شَهوة وحِرصًا طلبًا للذة، فهذا يُشْبعُه القليلُ، وذلك لا يشبعه الكثيرُ.
"ضافه كافر (1) "؛ أي: نزل به ضيفٌ كافر.
"حِلابها"؛ أي: لبنها.
"فلم يستتمَّها"؛ أي: فلم يقدر أن يشرب لبن الشاةِ الثانية على التمام.
(البُلْغة): الكَفاف.
* * *
3205 -
وفي روايةٍ: "طعامُ الواحِدِ يَكفي الاثنَيْنِ، وطعامُ الاثنَيْنِ يَكفي الأَربعَةَ، وطعامُ الأَرْبَعَةِ يَكفي الثَّمانِيةَ".
قوله: "طعام الواحد يكفي الاثنين"؛ يعني: لا يموت الإنسان من الجوع إذا أكل نصفَ الشَّبَع، بل يَقْنعَ بنصف الشَّبَع.
والغرض من هذا الحديث: أن الرجل ينبغي له أن يشبَعَ بنصف الشبع، ويُعطي ما زاد عليه محتاجًا.
(1) في جميع النسخ: "ضيف" بدل "كافر".
روى هذا الحديثَ "أبو هريرة".
* * *
3206 -
وعن عائِشَةَ رضي الله عنها: أنَّها قالت: سَمِعْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "التَّلْبينَةُ مُجِمَّةٌ لفُؤادِ المريضِ، تَذهبُ ببعضَ الحُزْنِ".
قوله: "التلبينة مَجَمَّة لفؤاد المريض، تَذْهب ببعض الحزن".
(التلبينة): حِساء من دقيقٍ ولبن، وربما يُجعل فيه عَسل.
(مجمة)؛ أي محصِّلة لراحة قلب المريض.
(تَذْهب ببعض الحزن): تزيل الحُزْن والضَّعف.
* * *
3209 -
عن عمرِو بن أُمَيَّةَ: أنَّهُ رأَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم يحتزُّ مِنْ كَتِفِ شاةٍ في يدِهِ، فدُعيَ إلى الصَّلاةِ فألقاها والسِّكِّينَ التي يحتزُّ بها، ثمَّ قامَ فصلَّى ولمْ يتوضَّأْ.
قوله: "يَحَتزُّ"؛ أي: يقطع.
* * *
3211 -
وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم سألَ أهلَهُ الأُدْمَ، فقالوا: ما عِندَنا إلا خَلٌّ، فدَعا بهِ فجعلَ يأكُلُ ويقول:"نِعْمَ الإِدامُ الخلُّ، نِعْمَ الإدامُ الخلُّ".
"فجعل"؛ أي: فَطَفِق.
"يأكل به"؛ أي: يأكلُ الخبزَ بذلك الخَل.
* * *
3212 -
وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "الكَمْأَةُ منَ المَنِّ، وماؤُها شِفاءٌ للعَيْن".
وفي روايةٍ: "مِنَ المَنِّ الذي أنزلَ الله تعالى على موسى عليه السلام".
قوله: "الكمأة من المن"، (الكمأة): شيء أبيض مثل شحم يَنْبُت من الأرض، يقال بلسان بعض الناس: شحم الأرض، ويقول لها بعض أهل فارس بلسانه: أكل.
وقالوا: معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "الكمأة من المن"؛ أي: الكمأة نعمةٌ أنبتها من الأرض للناس بلا تعب الناس، فهي كالمَنِّ الذي أنزله الله علي بني إسرائيل من غير تعب.
قوله: "وماؤها شفاء للعين"، قيل: يُخلط ماؤها بشيء من أدوية كحل العين ثم يجعل في العين فيحصل به الشفاء، وقيل: بل يجعل ماؤها مُفْردًا في العين.
قال أبو هريرة رضي الله عنه: أخذت ثلاثة أكماء أو خمسة أو سبعة فعصرْتُهنَّ فجعلتُ ماءهن في قارُورة كحَّلْتُ به جاريةً فبَرَأت.
وما قاله أبو هريرة أصحُّ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "وماؤها شفاء العين"، ولم يذكر أنه يُخلط بشيء.
روى هذا الحديثَ سعيد بن زيد.
* * *
3214 -
عن جابرٍ رضي الله عنه قال: كُنَّا معَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بمَرِّ الظَّهْرانِ نَجْني الكَباثَ، فقال صلى الله عليه وسلم:"عليكُمْ بالأسودِ منهُ فإنَّهُ أطيبُ". فقيلَ: أكنتَ ترعَى الغنمَ؟ فقال: "نعمْ، وهلْ مِنْ نبيٍّ إلَّا رَعاها".
قوله: "بمَرِّ الظَّهْران": هو اسم موضع قريب من المدينة.
"الكَبَاث": ثمر شجر الأراك.
"عليكم بالأسود"؛ أي: اقصدوا جَنْيَ ما كان أسود من الكَبَاث.
"فإنه أطيب"؛ أي: أكثر لذة.
"أكنت ترعى الغنم"؛ يعني: تعرف أطيبَ الكَبَاثِ من غير أطيبه من رعي الغنم - لأنه يكثر تردده تحت الأشجار -، فهل رعيتَ الغنم حتى تعرِفَ الأطيب من الكباث؟ قال:"نعم، وهل من نبيٍّ إلا رعاها"؛ أي: رَعَى الغنمَ، والعلة في رعي الغنم ليظهرَ صبرُهم وحِلْمهم وشفقتهم على الدواب حتى إذا أُوحي إليهم تكون أنفسُهم معتادةً مذلَّلة فيسهل عليهم الصبرُ في تربية الأمة مع اختلاف طباعهم، وسوء أدبهم، وقلَّة عقولهم.
* * *
3215 -
عن أنسٍ رضي الله عنه قال: رأيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم مُقْعِيًا يأكُلُ تَمرًا.
وفي روايةٍ: يأكُلُ منهُ أكلًا ذَريعًا.
قوله: "مُقْعِيًا"، هذا اسم فاعل من (الإقعاء) وهو: أن يجلس على وَرِكَيه وينصِبَ ركبتيه وتكون تحت قدمِه على الأرض.
قوله: "أكلًا ذريعًا"؛ أي: سريعًا.
* * *
3216 -
وعن ابن عمرَ رضي الله عنهما قال: نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ يَقْرُنَ الرَّجلُ بينَ التَّمرتَيْنِ حتَّى يستأْذِنَ أصحابَهُ.
قوله: "أن يَقْرِنَ بين التمرتين". قال الخطابي: إنما لا يجوز أن يأكل الرجل تمرتين بدفعة بغير إذن أصحابه إذا كان زمانَ قَحْطٍ، أو كان الطعامُ قليلًا والآكلون كثيرًا، فأما إذا كان الطعامُ كثيرًا بحيث يشبَعُ منه جميعُ الآكلين لم يكن بأس بأن أخذ أحدهم تمرتين في دفعة واحدة، أو يجعل لقمته كبيرة، هذا إذا أضافهم أحدٌ، فإن كانوا قد خَلَطوا طعامَهم هل يجوز أم لا؟
قال الأئمة: جاز أن يَخْلِط جماعةٌ طعامَهم ويأكلوا معًا، وحينئذ لا يقصد الرجل منهم أن يجعل لقمتَه أكبر من لقمة صاحبه، فإن اتفق أكلُ أحدِهم أكثرَ بلا قصدٍ جازَ.
* * *
3218 -
وقال: "يا عائشةُ! بيتٌ لا تمرَ فيهِ جِياعٌ أهلُهُ"، قالها مرَّتينِ أو ثلاثًا.
قوله: "بيت لا تمر فيه جياع أهله"، (الجياع): جمع جائع، هذا الحديث يدل على أن كل بيت لا تمر فيه يجوع أهلُه، وإن كان فيه الخبز وغيره من الأطعمة، وليس الأمرُ كذلك، بل مرادُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم من هذا الحديث أهلَ المدينة، ومَنْ كانت عادتُهم أن يكون التمرُ قوتَهم وليس لهم الخبز، أو يكون لهم الخبز ولكن اعتادوا أن لا يشبعوا بالخبز دون التمر، ويحتمل أن يريد صلى الله عليه وسلم تعظيم شأن التمر كيلا يحتقرَ الناسُ التمرَ الذي هو نعمةٌ من نِعَمِ الله.
* * *
3219 -
وقال: "من تصبَّحَ بسبعِ تَمَراتٍ عَجْوَةً لمْ يضُرَّهُ في ذلكَ اليومِ سُمٌّ ولا سِحْرٌ".
قوله: "من تَصَبَّح بسبع تَمَرات عجوةً لم يضرَّه ذلك اليوم سُمٌّ ولا سحر".
(تصبَّح)؛ أى: أكل في وقت الصباح قبل أن يطْعَمَ شيئًا آخر.
(العجوة): نوع من التمر، يحتمل أن يكون في ذلك النوعِ من التمر خاصيةٌ بدفع السمِّ والسحر، ويحتمل أن يكون رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قد دعا لذلك النوع من التمر بالبركة بأن يكون فيه الشفاء من الدَّاء.
روى هذا الحديثَ سعد بن أبي وقَّاص.
* * *
3220 -
وقال: "إنَّ في عَجْوَةِ العالِيَةِ شِفاءً، أو إنَّها تِرْيَاقٌ أوَّلَ البُكْرَةِ".
قوله: "إن في عَجْوة العالية شفاءً"، (العالية): اسم موضعٍ قريبٍ من المدينة.
"وإنها تِرْياق أولَ البُكْرة"؛ يعني: أكلها في وقت الصباح يفيد كما يفيد التِّرْياق.
روى هذا الحديثَ عائشة.
* * *
3221 -
عن عائِشَةَ رضي الله عنها قالت: كانَ يأتي علينا الشَّهرُ ما نُوقِدُ فيهِ نارًا، إنَّما هو التَّمرُ والماءُ، إلا أنْ نُؤتَى باللُّحَيْمِ.
قولها: "ما نُوقد فيه نارًا"؛ يعني: لا نطبخ شيئًا إلا أن يُؤتى باللحم؛ يعني: إلا أن يحصُل لنا لحم، فحينئذ نوقد النار ونطبخه، وباقي الشهر نأكلُ التمر بدل الخبز.
* * *
3222 -
وقالت: ما شَبعَ آلُ محمَّدٍ يَومَيْنِ مِنْ خُبْزِ بُرٍّ إلا وأحدُهُما تَمرٌ.
قولها: "إلا وأحدهما تمر"؛ يعني: كنا نأكل يومًا خبزًا ويومًا تمرًا، ولا نأكل يومين متتابعين خبز بُرٍّ.
* * *
3224 -
وقالت: تُوفِّيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وما شَبعْنا مِنَ الأَسْوَدَيْنِ.
قوله: "وما شبعْنا من الأسودين"، (الأسودان): التمر والماء؛ يعني: ما شبعنا من التمر والماء؛ من التورُّع والتقوى.
* * *
3225 -
وقالَ أبو هريرةَ رضي الله عنه: خرجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنَ الدُّنيا ولم يَشْبَعْ من خُبْزِ الشَّعيرِ.
قوله: "ولم يشبع من خبز الشعير"، معنى هذا: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم ترك الدنيا ولذتَها وقَنَعَ بأدنى قوتٍ ولباسٍ مختصَر من غاية التضرُّع والتنزُّه عن الدنيا الدنيَّة.
* * *
3226 -
وقال النُّعمانُ بن بشيرٍ: ألَسْتُمْ في طعامٍ وشرابٍ ما شِئتم؟ لقد رأيتُ نبيَّكُمْ رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يَجدُ مِنَ الدَّقَلِ ما يملأَ بطنَهُ.
قوله: "من الدَّقَل"، (الدقل): تمر رديء.
* * *
3228 -
وعن جابرٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ أكلَ ثُومًا أو بَصَلًا فلْيَعْتزِلْنا"
- أو قال: "فلْيعتزِلْ مسجِدَنا"، أوَ "ليقعُدْ في بيتِه" - وأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أُتيَ بقِدْرٍ فيها خَضراتٌ منْ بُقولٍ، فوجدَ لها ريحًا فقال: قرِّبوها - إلى بعضِ أصحابه، قال:"كُلْ فإنِّي أُناجِي مَنْ لا تُناجي".
قوله: "فليعتزلنا"؛ أي: فليبعُدْ عنَّا.
"بقدر"؛ أي: بطبق.
"فإني أناجي من لا تناجي"؛ يعني: فإني أكلِّم جبريل عليه السلام وأنت لا تكلِّمه.
* * *
3229 -
عن المِقدامِ بن مَعْد يَكرِبَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"كِيلُوا طَعامَكم يُبارَكْ لكُمْ فيهِ".
قوله: "كيلوا طعامَكم يبارَكْ لكم فيه"، والغرض من كيل الطعام: معرفة مقدار ما يصرِفُه الرجلُ على عياله وما يستقرِض وما يبيع ويشتريه، فإنه لو لم يَكِلِ الطعامَ لكان ما يبيعه ويشتريه ويُقْرِضه ويَستقرضه مجهولًا، ولا يجوز شيء من هذه الأشياء على الجهالة، وكذلك لو لم يكل ما ينفق على العيال ربما يكون ناقصًا عن قدر كِفايتهم فيكون النقصان ضررًا عليهم، وربما يكون زائدًا على كفايتهم فيكون إسرافًا، ويَفْنى ما ادَّخر لهم عن قريب، ولو لم يَكِلْ لم يعرف قدرَ كِفايتهم، ولم يعرف ما يدَّخر لتَمام السنة، فهذا كلُّه أغراض مَرْضيَّة، فأمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أمته بكيل الطعام ليكونوا على علم ويقين فيما يعملون، فَمَنْ راعى سنةَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يجدْ بركةً عظيمة في الدنيا، وأجرًا عظيمًا في الآخرة.
* * *
3230 -
عن أبي أُمامة رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ إذا رَفَعَ مائِدَتَه قال:
"الحمدُ للَّه كثيرًا طَيبًا مُباركًا فيه، غيرَ مَكْفيٍّ ولا مُوَدَّعٍ ولا مُسْتَغْنًى عنهُ ربنا".
قوله: "حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه غيرَ مَكْفي ولا مُوَدَّعٍ ولا مُسْتغنًى عنه ربنا". يحتمل إعراب (غير مكفي) وما بعده وجوهًا:
الأول: أن يكون (غيرَ مكفي) منصوبًا صفة (حمدًا)، وما بعده معطوف عليه؛ أي: حمدًا غيرَ مكفي.
(المكفي): مفعول مِنْ: كفى يكفي: إذا دفع شيئًا؛ أي: حمدًا غير مدفوع عنا؛ أي: لا نتركه بل نُلازِمه.
(ولا مُودَّع) - بفتح الدال -؛ أي: لا نودعه؛ يعني: لا نتركه ولا نُعْرِض عنه ولا نستغني عنه؛ أي: ليس ذلك الحمد شيئًا مفزوعًا عنه، ولسنا نستغني عنه بل نحتاج إليه. (ربنا) - بفتح الباء -؛ يعني: يا ربنا.
الوجه الثاني: أن يكون (ربنا) مرفوعًا على الابتداء، و (غير مكفي) خبره، (ولا مودع)(ولا مستغنى عنه) معطوفان على (مكفي).
الوجه الثالث: أن يكون (غير مكفي) صفة (حمدًا) كما ذكرنا، (ولا مودع) معطوف على (مكفي)، (ولا مستغنى) اسم مفعول، و (ربنا) مفعول أُقيم مقام الفاعل، و (عنه) مفعول ثانٍ؛ أي: ولا نَسْتغني ربنا عنه؛ يعني: لا يستغني شيءٌ من المخلوقات عن الرب.
* * *
3233 -
عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أكلَ أحدُكُم فنَسيَ أنْ يذكرَ اسمَ الله عَلَى طعامِهِ فليَقُلْ: بسمِ الله أوّلَهُ وآخرَهُ".
قوله: "فليقل بسم الله أوله وآخره"؛ يعني: إذا تذكَّر فليقلْ: (بسم الله أولَه وآخرَه) بنصب اللام والراء، وهما منصوبان على الظرف؛ أي: في أوله
وآخره؛ يعني: فإذا قال ذلك فقد تدارك ما مضى عليه من التقصير بترك ذكرِ الله تعالى.
* * *
3236 -
عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الطَّاعِمُ الشَّاكِرُ كالصَّائِمِ الصَّابرِ".
قوله: "الطَّاعم الشاكر كالصائم الصَّابر"، هذا تشبيه في أصل استحقاق كلِّ واحد منهما الأجرَ لا في القَدْر، وهذا كما يقال: زيد كعَمرو، ومعناه: زيد يشبه عمروًا في بعض الخصال، ومعلوم أنهما ليسا مُماثِلين في جميع الخصال، فلذلك لا يلزم أن يكون أجرُ الصائم مثلَ أجرِ الطاعم الشاكر، بل أجرُ الصائمِ أكثرُ.
* * *
3237 -
عن أبي أيُّوبَ قال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا أكلَ وشربَ قال: "الحمدُ للَّه الذي أطعمَ وسقَى وسوَّغَهُ وجعلَ لهُ مَخْرجًا".
قوله: "الحمد لله الذي أَطْعم، وسَقَى، وسَوَّغه، وجعل له مَخْرجًا"، ذكر هنا أربعَ نِعَم؛ إحداها: قوله: (أطعم)؛ أي: رزق، والثانية:(سقى)، والثالثة:(سوغه)؛ أي: سهَّل دخولَ اللقمة والشَّرْبة في الحلق، فإنه خلق في الفم الأسنانَ ليَمْضَغ بها الطعام، وخلق ماء الفم ليلين به اللقمة، وخلق فيه اللسان ليدور فوق الطعام ليسهل مضغه، وجعل في الفم الذَّوق لتكمل النعم، ووسَّع الحلق بحيث يسهل فيه دخول الطعام والشراب.
النعمة الرابعة: قوله "وجعل له مخرجًا"؛ يعني: جعل الطعام - بالحكمة - في المعدة زمانًا لتنقسم منافعُه ومضارُّه فيبقى في الجسد ما يتعلق باللحم والقوة
والدَّم، ويخرج ما هو المائية منه إلى المثانة، ثم يخرج من المثانة إلى رأس الذَّكَر في وقت الحاجة وهو البول، وجعله منقادًا للشخص بحيث إذا أراد إراقتَه يسهُل له، وإذا أراد إمساكه من وقت إلى وقت آخر يسهل له، ويخرج ما هو الثقل من الطعام إلى البطن، ثم يخرج من المَقْعد في وقت الحاجة، ويسهل له إمساكه من وقت إلى وقتٍ آخر، كلُّ ذلك فضلٌ من الله الكريم، {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} .
* * *
3238 -
عن سلمانَ قال: قرأتُ في التَّوراةِ أنَّ بَركةَ الطعامِ الوُضوءُ بعدَهُ، فذكرتُ للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"بَركةُ الطَّعامِ الوُضوءُ قبلَهُ والوُضوءُ بعدَهُ".
قوله: "الوضوءُ قبلَه والوضوءُ بعدَه"؛ أراد بالوضوء: غَسل الكفين.
* * *
3239 -
عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خرجَ مِنَ الخَلاءِ فقُدَّمَ إليهِ طعامٌ فقالوا: ألا نأتِيكَ بوَضُوءٍ؟ قال: "إنَّما أُمِرْتُ بالوُضوءِ إذا قُمتُ إلى الصَّلاةِ".
قوله: "إنما أُمرت بالوضوء"، أراد بالوضوء: الذي يُتوضَّأ للصلاة.
* * *
3240 -
عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم: أنَّه أُتيَ بِقَصْعَةٍ مِنْ ثريدٍ فقال: "كُلوا من جَوانِبها، ولا تأْكُلوا مِنْ وسطِها، فإنّ البَركةَ تنزِلُ في وسَطِها".
وفي روايةٍ: "إذا أكلَ أحدُكُمْ طعامًا فلا يأْكُلْ منْ أعلَى، ولكنْ يأكُلُ مِنْ
أسفَلِها، فإن البَركةَ تنزِلُ مِنْ أعلاها".
قوله: "فلا يأكل من أعلى الصَّحفة"؛ أي: من وسط القَصْعة.
"ولكن يأكل من أسفلها"؛ أي: من جانبها.
* * *
3241 -
عن عبدِ الله بن عمرٍو رضي الله عنهما: أنَّه قال: ما رُئي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يأكلُ متَّكِئًا قطُّ، ولا يطأُ عَقِبَهُ رجُلان.
قوله: "لا يطأ عَقِبَه رجلان"؛ أي: ولا يمشي خلفه رجلان؛ يعني: من غاية التواضع يمشي في وسط الجمع أو في آخرهم ولا يمشي قدَّامهم.
* * *
3242 -
عن عبدِ الله بن الحارثِ بن جَزْءٍ رضي الله عنه: أنَّه قال: أُتيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بخُبْزٍ ولَحْمٍ وهو في المسجِدِ، فأكلَ وأكلنا مَعَهَ، ثمّ قام فصلَّى وصلَّيْنا معهُ، ولم نَزِدْ على أنْ مَسَحْنا أيْدِيَنا بالحَصْباءِ.
قوله: "ولم نَزِدْ على أن مسحنا أيدينا بالحَصْباء"، (الحصا): الحجارة الصغار؛ يعني: لم نتوضأ ولم نغسل أيدينا.
* * *
3243 -
عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: أُتِيَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بلَحْمٍ فَرُفِعَ إليهِ الذِّراعُ، وكانتْ تُعجِبُهُ فنَهَسَ منها.
قوله: "فرفع إليه الذراع": ليأكل منها.
"وكانت تعجبه"؛ أي: وكانت الذراعُ تعجبُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؛ أي: تطيب
وتحسن في نظره، ومعناه: أنه صلى الله عليه وسلم يحبُّ الذراعَ من الشاة المشوية.
"فنهس"، (النَّهس): اللَّدغ، هذا هو اللغة، ومعناه: أنه صلى الله عليه وسلم أكل منها بأسنانه.
* * *
3244 -
ورُوِيَ عن عائِشَةَ رضي الله عنها قالت: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَقْطَعُوا اللَّحْمَ بالسِّكِّينِ فإنَّهُ منْ صُنْعِ الأعاجِمِ، وانهَشُوهُ فإنَّهُ أهنأُ وأمرأُ"، غريب.
قوله: "لا تقطعوا اللحم بالسكين"؛ يعني: لا تقطعوه بالسكين عند الأكل.
"فإنه من صنع الأعاجم"؛ أي: فعلِ أهلِ فارس؛ لأن فيه تكبرًا.
"وانهشوه"؛ أي: كُلُوه بالأسنان.
* * *
3245 -
عن أمِّ المُنْذِرِ قالت: دخلَ عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ومعهُ عليٌّ ولنا دوالٍ مُعلَّقةٌ، فجعلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يأكُلُ وعليٌّ معهُ، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لعليٍّ:"مَهْ يا عليُّ! فإنَّكَ ناقِهٌ". قالت: فجعلتُ لهمْ سِلْقًا وشَعيرًا، فقالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"يا عليُّ منْ هذا فأصِبْ فإنَّهُ أَوْفَقُ لكَ".
قوله: "ولنا دوالي"، (الدوالي): جمع دالية، وهي العنقود من الثمر.
قوله: "مه"؛ أي: اكفف؛ يعني: لا تأكل. قد نهى في هذا الحديث عن قطع اللحم بالسكين، وقد ذكر قبلَ هذا: أنه كان يقطع اللحم بالسكين ويأكله، وإنما قطع اللحم بالسكين ليعلِّم أمته أن نهيَه عن قطع اللحم بالسكين
نهيَ تنزيه، لا نهيَ تحريم، فإنه لو نهى عن شيء ولم يفعل ولم يأمر بخلافه لا يدرى أنه نهي تنزيه، بل يحتمل على أنه نهي تحريم.
"ناقِهٌ" هو اسم فاعل من (نقه) - بفتح القاف وكسرها -: إذا برئ من المرض؛ يعني: يضرك أكل البُسر والثمر، فإنك قريب برء من المرض.
(السلق): بَقْلٌ يقال له بالفارسي: جفندر.
"أوفق"؛ أي: يكون أحسن وأنفع لك من البُسر.
* * *
3246 -
عن أنسٍ رضي الله عنه قال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُعجبُهُ الثُّفْلُ.
قوله: "يعجبه الثفل"؛ أي: يحب الثفل، قيل:(الثفل) - بضم الثاء وكسرها، والضم أفصح - وهو: ما يَلْصُقْ من المطبوخ بأسفل القدر، يقال له القدرة، وسئل الحارث من الثُّفل قال: هو الثَّريد.
* * *
3247 -
عن نُبَيْشَةَ، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ أكلَ في قَصْعَةٍ فلَحَسَها استغفرَتْ لهُ القَصْعَةُ"، غريب.
قوله: "فلحسها"؛ أي: فَلَعَقَها.
* * *
3248 -
عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ باتَ وفي يدِهِ غَمَرٌ لمْ يَغْسِلْهُ فأصابَهُ شيءٌ فلا يَلُومَنَّ إلَّا نفسَه".
قوله: "في يده غَمَر"؛ أي: وسَخٌ ودسم وزُهومة.
* * *
3249 -
عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: كانَ أحبَّ الطَّعامِ إلى رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم الثَّريدُ مِنَ الخُبزِ، والثَّريدُ مِنَ الحَيْسِ.
قوله: "والثريد من الحيس"، (الحيس)، قال في "الغيث": أصل الحيس: الخَلْط، وهو في الحديث الأَقِط والتمر يُخْلَطان بالسمن.
* * *
3251 -
عن أُمِّ هانئٍ قالت: دخلَ عليَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال: "أعِندَكِ شيءٌ؟ "، قلتُ: لا، إلا خُبْزٌ يابسٌ وخَلٌّ، فقال:"هاتي، ما أفْقَرَ بيتٌ مِنْ أُدُمٍ فيهِ خَلٌّ"، غريب.
قوله: "ما أفَقرَ بيتٌ من أُدُم فيه خَل"، (أفقر) إذا خَلَا، (الأدم): جمع إدام، وهو بالفارسي بان خورش؛ يعني: لم يكن بيتٌ بلا إدام ما دام فيه الخَلٌّ.
* * *
3253 -
عن سعدٍ قال: مرضْتُ مَرَضًا فأتاني النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يعُودُني، فوضعَ يدَهُ بينَ ثَدْيَيَّ حتَّى وجَدْتُ بردَها على فُؤادي، وقال:"إنَّكَ رجلٌ مَفْؤودٌ، وائتِ الحارثَ بن كَلَدَةَ أخا ثَقِيفٍ فإنَّهُ رجلٌ يتطبَّبُ فلْيَأخُذْ سبعَ تَمَراتٍ مِنْ عَجْوةِ المدينةِ فلْيَجَأْهُنَّ بنواهُن ثمَّ ليَلُدَّكَ بهِنَّ".
قوله: "إنك رجل مفؤود"؛ أي: أصاب فؤادَك مرضٌ.
"يتطبب"؛ أي: يعلم الطب.
قوله: "فليجَأْهنَّ"؛ أي: فَلْيَدُقَّهنَّ.
"ثم ليلُدَّك"؛ أي: ليضعْ ذلك في فمك.
* * *
3254 -
وعن عائشةَ رضي الله عنها: أنَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم كانَ يأكُلُ البطِّيخَ بالرُّطَبِ، ويقولُ:"يُكسرُ حَرُّ هذا ببردِ هذا، وبردُ هذا بحرِّ هذا"، غريب.
قوله: "يأكل البطيخ بالرطب، ويقول: يُكسر حرُّ هذا ببرد هذا، وبردُ هذا بحرِّ هذا"، الطَّبيخ والبطِّيخ واحد، ولعله أراد بالطبيخ هنا: قبل أن ينضُج ويصير حُلْوًا فإنه قبل نضجه يكون باردًا، وأما بعد نُضْجه فهو حار.
* * *
3255 -
عن أنسٍ رضي الله عنه قال: أُتيَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بتمرٍ عتِيقٍ فجعلَ يُفتِّشُهُ ويُخرِجُ السُّوسَ منهُ.
قوله: "بتمر عتيق"؛ أي: بتمر قديم وقع فيه السُّوس من غاية قِدَمِه.
(والسُّوس): دودٌ يظهر في التمر وغيره.
"فجعل"؛ أي: فطَفِقَ.
"يُفَتِّشه"؛ أي: يشُقُّ التمر ويطلُب فيه السّوسَ ويطرحُ السوسَ ويأكلُ التمرَ، وهذا دليلٌ بأن الطعام لا ينجُس بدودٍ يقع فيه، ولا يحرُم الطعامُ مع تلك الدود.
* * *
3256 -
عن ابن عمرَ رضي الله عنه قال: أُتيَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بجُبنةٍ في تَبْوكَ فدعا بالسِّكِّينٍ فسمَّى وقطَعَ.
قوله: "بجُبنة" - بضم الجيم والباء وتشديد النون - وهي الجُبن.
هذا الحديث يدل على طهارة الأَنْفِحة؛ لأنها لو كانت نجسة لكان الجبن نَجِسًا؛ لأن الجبن لا يحصل إلا بالأنفحة.
قوله: "فسمى"؛ أي: سمَّى الله وقَطَعَ الجُبن.
* * *
3257 -
وعن سلمانَ قال: سُئِلَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عن السَّمْنِ والجُبن والفِراءِ؟ فقال: "الحَلالُ ما أحلَّ الله في كتابهِ، والحَرامُ ما حرَّمَ الله في كتابهِ، وما سكتَ عنهُ فهوَ ممَّا عفا عنهُ"، غريب وموقوفٌ على الأصَحِّ.
قوله: "سئل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن السَّمْن والجُبن والفِراء فقال: الحلالُ ما أحلَّ الله في كتابه، والحرام ما حرَّمَ الله في كتابه، وما سكت عنه فهو ممَّا عفا عنه".
(الفراء) - بكسر الفاء والمد - جمع فَرى - بفتح الفاء وبالقصر - وهو الحمار الوحشي؛ يعني: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السمن والجبن والفراء هل هنَّ حلالان؟
فأجاب بأن الحلالَ ما أحلَّ الله في كتابه، والحرامَ ما حرَّمَ الله في كتابه؛ يعني: هذه الأشياء ليست مما حرَّم الله.
قوله: (الحلال ما أحل الله في كتابه)؛ يعني ما بيَّنَ الله تحليلَه فهو حلال، وما بيَّنَ تحريمَه فهو حرام، وهذا لا يدل على أن ما ليس في كتاب الله من الحَلالات والحَرَامات فليس بحلال ولا حرام؛ لأن تخصيصَ الشيء بالذِّكْر لا يدلُّ على نفي غيره، بل ما بيَّنَ رسولُ الله تحليلَه أو تحريمَه فهو مِثْلُ ما بيَّنَه الله، فالضَّابط فيه: أن ما بيَّن الله أو بيَّن رسولُه تحليلَه فهو حلال، أو تحريمَه فهو حرام، وما لم يبينه الله ولا رسولُه اختلَف العلماءُ؛ فقال بعضهم: هو حلال، وقال بعضهم: هو حرام.
* * *
3258 -
ورُوِيَ عن ابن عمرَ رضي الله عنهما أنَّه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "وَدِدتُ أنَّ عِندي خُبْزةً بيضاءَ مِنْ بُرَّةٍ سَمْراءَ مُلَبَّقَةً بِسمنٍ ولَبن". فقامَ رجلٌ منَ القومِ فاتَّخذَهُ فجاءَ بهِ، فقال:"في أيِّ شيءٍ كانَ هذا؟ " قال: في عُكَّةِ ضَبٍّ قال: "اِرفَعْهُ".
قوله: "من بُرَّةٍ سمراء"، (البرة): الحِنطة السمراء، حنطة في لونها سمرة، قيل: الخبزُ من هذه الحِنطة أطيبُ من خبزِ غيرِها من أنواع الحنطة.
قوله: "مُلَبَّقة"؛ أي: مُلَطَّخة.
"في أي شيء كان هذا"؛ أي: في أي ظَرف كان هذا السمن.
"في عُكَّة ضَبٍّ"؛ أي: في جلد ضب، (العكة): وعاءٌ صغير للسَّمن.
"ارفعه"؛ أي: ارفع هذا الخبزَ فإنِّي لا آكلُ الضبَّ ولا شيئًا يكون في جِلْده.
* * *
3260 -
ورُوِيَ عن عائشةَ رضي الله عنها: أنَّها سُئِلتْ عَنِ البَصَلِ فقالت: إنَّ آخِرَ طَعامٍ أكلَهُ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم طَعامٌ فيهِ بَصَلٌ.
قولها: "إنَّ آخرَ طعامٍ أكلَه رسولُ الله طعامٌ فيه بصل"، إنما أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر عمره طعامًا فيه بصل ليبينَ للناس أنه ليس بحرام، وأنَّ نهيَه عن الثوم والبصل نهيُ تنزيه لا نهيَ تحريم.
* * *
3262 -
عن عِكْراشِ بن ذُؤَيْبٍ أنَّه قال: أُتِينا بجَفْنَةٍ كثيرةِ الثَّريدِ والوَذْرِ، فَخَبطْتُ بيدِي في نَواحِيها، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "كُلْ مِنْ مَوْضعٍ واحِدٍ، فإنَّهُ طعامٌ
واحِدٌ"، ثُمَّ أُتِينا بطَبَقٍ فيهِ ألوانُ التمرِ، فجعلتُ آكُلُ منْ بينِ يدَيَّ، وجالَتْ يدُ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في الطَبَقِ، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "يا عِكْراشُ كُلْ مِنْ حيثُ شِئْتَ فإنه غيرُ لَونٍ"، غريب.
قوله: "والوَذْر"، (الوذر): قِطَعُ اللحم.
"حَبَطْتُ بيدي"، هذا من الحبط؛ بمعنى التردُّد في كل جانب؛ يعني: جالَت ودَارَتْ يَدي في جوانب القَصْعة.
* * *
3263 -
وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذَ أهلَهُ الوَعَكُ أمرَ بالحِساءِ فصُنِعَ، ثُمَّ أَمَرهُمْ فحَسَوْا منهُ، وكانَ يقولُ:"إنَّه لَيَرْتُو فُؤادَ الحزينِ وَيَسْرُو عنْ فُؤادِ السَّقيم كما تَسْرُو إحْداكُنَّ الوَسَخَ بالماء عنْ وجهِها"، صحيح.
"ليرتو"؛ أي: ليقْوَى ويُشَد.
"ويسرو"؛ أي: يُزيل التعب والسَّقَم.
* * *
3264 -
عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "العَجْوَةُ مِنَ الجَنَّةِ فيها شِفاءٌ مِنَ السَّمِّ، والكَمْأَةُ مِنَ المَنِّ وماؤُها شِفاءٌ للعينِ".
قوله: "العجوة من الجنة"؛ أي: هذا النوع من التمر فيه لذة وشفاء من السُّمِّ والسحر كما ذُكر، فكأنه من الجنة؛ لأن طعامَ الجنة هو الذي يُزيل الأذى والتعب.
* * *