الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يدخل عليها من غاية تقواه، أو من غاية حقِّ زوجِ تلك المرأة وأقاربها عليه، فيُدخلُ الشيطانُ في نفسه محبةَ تلك المرأة بغتةً، ويوقِعُه في الزِّنا.
* * *
2320 -
وعن أنسٍ رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أَتى فاطِمةَ بعبدٍ قد وَهَبَهُ لها، وعلى فاطمةَ ثوبٌ إذا قَنَّعَتْ به رأسَها لم يبلُغْ رِجلَيْها، وإذا غَطَّت به رِجلَيْها لم يبلُغْ رأسَها، فلمَّا رأى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ما تَلْقَى قال:"إنه ليسَ عليكِ بأسٌ، إنما هو أبوكِ وغلامُكِ".
قوله: "إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أتى فاطمةَ رضي الله عنها بعبدٍ قد وَهبَه لها، وعلى فاطمةَ ثوبٌ إذا قنَّعَتْ به رأسَها لم يَبلغْ رِجلَيها، وإذا غطَّتْ به رِجلَيها لم يَبلغْ رأسَها، فلما رأى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ما تَلقَى قال: إنه ليس عليك بأسٌ؛ إنما هو أبوك وغلامُك"، و (قنَّعت)؛ أي: ستَرَت.
قوله: (ما تلقى)؛ أي: ما يرى من التحيُّر والخجل، ومشقة جرِّ الثوب من الرجل إلى الرأس، ومن الرأس إلى الرجل.
هذا الحديثُ صريحٌ بجواز نظر الرجل إلى ما فوقَ السُّرَّة وتحتَ الرُّكبة من نساء مَحارمِه، وصريحٌ أيضًا بأنَّ عبدَ المرأة من مَحارمِها.
* * *
3 - باب الوليَّ في النَّكاح واستِئذانِ المَرأةِ
(باب الولي في النكاح)
مِنَ الصِّحَاحِ:
2321 -
عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُنْكَحُ الثَّيبُ
حتى تُستَأمرَ، ولا تُنْكَحُ البكرُ حتى تُستَأذنَ، وإذنُها الصُّموتُ".
"لا تُنكَحُ الثيبُ حتى تُستأمَرَ، ولا تُنكَحُ البكرُ حتى تُستَأذَنَ، وإذنُها الصُّمُوتُ"، (الاستئمار): طلبُ الأمر، و (الاستئذان): طلبُ الإذن، وكلاهما قريبُ المعنى؛ يعني: لا يجوز للولي أن يُزوِّجَ المرأةَ الثيبَ البالغةَ بغير إذنها، فإنْ زوَّجَها بغير إذنها فالنكاحُ باطلٌ بالاتفاق، بل لا بدَّ من أن تأذنَ وليَّها بالنطق في تزويجها.
وأمَّا البكرُ فإن كان وليُّها غيرَ أبيها وجَدَّها يجوز بعد البلوغ بإذنها، وإذنُها السكوتُ، وبغير إذنها لا يجوز بالاتفاق. فأمَّا إن كان وليُّها أباها أو جَدَّها [فـ]ـلا يجوز أيضًا بغير إذنها عند أبي حنيفةَ؛ لهذا الحديث، ويجوز عند الشافعيَّ ومالكٍ وأحمدَ.
فإن كانتِ المرأةُ غيرَ بالغةٍ جاز تزويجُها لجميع أوليائها؛ ثيبًا كانت أو بِكرًا عند أبي حنيفةَ، إلا أنه إنْ زوَّجَها أبوها أو جدُّها، لم يكنْ لها الخِيارُ إذا بلَغَتْ، وإنْ زوَّجَها غيرُ الأب والجد، ثبتَ لها الخِيارُ إذا بلَغَتْ.
وعند الشافعيِّ: إن كانت ثيبًا غيرَ بالغةٍ لم يَجزْ لأحدٍ تزويجُها، وإن كانت بِكرًا جاز للأبِ والجدَّ تزويجُها، ولم يَجزْ لغيرهما.
* * *
2322 -
وعن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "الأيمُ أَحَقُّ بنفسِها من وَلِيها، والبكرُ تُستَأذَنُ في نفسِها، وإذنُها صمَاتها".
ويروى: "الثَّيبُ أحقُّ بنفسِها من وَلِيها، والبكرُ تستأمرُ". ويروى: "البكرُ يستأذنُها أبوها، وأذنُها صُمَاتُها".
قوله: "الأيمُ أحقُّ بنفسها من وليها"، (الأيم): التي لا زوجَ لها؛ يعني: يجوز للمرأة البالغة العاقلة أن تُزوَّجَ نفسَها من زوجٍ بإذنِ الوليِّ وغيرِ إذنِه؛ بِكرًا كانت أو ثيبًا، وبهذا قال أبو حنيفة، وقال أبو ثَور: إنْ زوَّجَتْ نفسَها بإذن الوليِّ
جاز، ولا يجوز بغير إذنه، وعند الشافعي وأحمد: إنْ زوَّجَتِ المرأةُ نفسَها بَطَلَ النكاحُ، سواءٌ كان بإذن الوليَّ وغيرِ إذنه.
* * *
2323 -
عن خَنْساءَ بنتِ خِذامٍ: أنَّ أباها زوَّجَها وهي ثَيبٌ فكرِهَتْ، فأتَتْ رسولَ الله فردَّ نكاحَها.
قوله: "إنَّ أباها زوَّجَها وهي ثيبٌ، فكرَهَتْ، فأتَتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فردَّ نكاحَها": هذا دليلٌ على أنه لا يجوزُ تزويجُ الثيب البالغة بغير إذنها.
* * *
2324 -
عن عائِشَةَ رضي الله عنها: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم تزوَّجَها وهي بنتُ سبعِ سنينَ، وزُفَّتْ إليه وهي بنتُ تسعِ سنينَ، ولُعَبُها معَها، وماتَ عنها وهي بنتُ ثمانِ عَشْرةَ سنةً.
قوله في حديث عائشة رضي الله عنها: "إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تزوَّجَها وهي بنتُ سبعِ سنين": هذا دليلٌ على أنه يجوز للأب تزويجُ بنته الصغيرة بالاتفاق؛ لأنَّ عائشةَ رضي الله عنها زوَّجَها أبوها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذُكر قولُ أبي حنيفةَ في جواز تزويج الصغيرة لجميع الأولياء.
قوله: "زُفَّت إليه"؛ أي: أُرسلَتْ إليه، إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، (الزَّفاف): إرسالُ المرأة إلى بيت زوجها، وتسليمُها إليه.
* * *
مِنَ الحِسَان:
2325 -
عن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"لا نكاحَ إلا بوليٍّ".
قوله: "لا نكاحَ إلا بوليًّ"؛ يعني: كلُّ امرأةٍ زوَّجَتْ نفسَها، أو وكَّلَتْ أجنبيًا حتى يُزوَّجَها فالنكاحُ باطلِ، وبهذا قال الشافعيُّ وأحمدُ، وقال أبو حنيفة: يجوز للمرأة أن تُزوِّجَ نفسَها، وقال مالك: إن كانت المرأة دَنِيَّةً - أي: غير شريفة - جاز أن تُزوجَ نفسَها، أو تُوكِّلَ مَن يُزوِّجُها، وإن كانت شريفةً - أي: معروفةَ النَّسَب -[فـ]ـلا بدَّ مِن أن يُزوَّجَها وليُّها.
* * *
2326 -
عن عائشةَ رضي الله عنها: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: أيُّما امرأةٍ نَكَحَتْ بغيرِ إذنِ وليها فنِكاحُها باطلٌ، فنِكاحُها باطلٌ، فنِكاحُها باطلٌ، فإن دخلَ بها فلها المهرُ بما استحلَّ من فَرجِها، فإن اشتَجَروا فالسُّلطانُ وليُّ مَن لا وليَّ له".
قوله: "نَكَحَتْ بغير إذن وليها، فنكاحُها باطلٌ"؛ يعني: أيما امرأةٍ زوَّجَتْ نفسَها بغير إذن وليها، فنكاحُها باطلٌ، وبهذا قال أبو ثَور، وهو يقول: إنْ زوَّجَتْ نفسَها بإذن وليها جاز نكاحُها، وإن كان بغير إذن وليها، فنكاحُها باطلٌ. وقال أبو حنيفة: يجوز نكاحُها، سواءٌ كان بإذن وليها أو غيرِ إذنه. وقال الشافعي وأحمد: بَطَلَ نكاحُها بإذن الولي وغير إذنه، بل لا يَنعقدُ نكاحٌ إلا أن يَعقدَه الوليُّ أو وكيلُ الوليَّ.
قوله: "فإن دَخلَ بها، فلها المَهرُ بما استَحلَّ من فَرجِها"، معنى (استَحلَّ) هنا: استَمتَعَ؛ يعني: فلها المَهرُ بإزاء دخولِه بها، وهذا النَّكاحُ فيه شُبهةٌ؛ لأنه إمَّا أن لا يَعلمَ بطلانَ هذا النَّكاح، فيكون شُبهةً، وإمَّا أن يَعلمَ بطلانَه، ولكنه نكاح اختَلفَ في صحته العلماءُ، وكلُّ نكاحٍ اختَلفَ في صحته العلماءُ وجبَ المَهرُ بالدخول بها في ذلك النكاح؛ لأنَّ اختلافَ العلماء شُبهةٌ، فإن وَلدَتْ، فالولدُ ولدُه، ولا يجب عليه الحَدُّ.
قوله: "فإن اشتَجَروا، فالسلطانُ وليُّ مَن لا وليَّ له"، ومعنى (اشتَجَرَ):
اختَلَفَ، والمراد بالاشتجار: عضلُ الوليَّ المرأةَ من التزويج، والعَضْلُ: المنعُ، هكذا فسَّره الخطَّابي؛ يعني: إذا طلَبَتِ المرأةُ البالغةُ من الوليَّ بأن يُزوَّجَها من كُفءٍ، فمنعَ الوليُّ تزويجَها، فالسلطانُ أو القاضي يُزوِّجُها؛ لأن مَن مَنع حَقَّ ذي حقًّ فالقاضي يأخذُ الحقَّ من المُمتنِع، ويُوصله إلى المُستحِقَّ، فكذلك ها هنا؛ الوليُّ مُمتنِعٌ والمرأةُ مُستحِقَّةُ النكاح، فالقاضي يُزوِّجُها، وتزويجُها إيصالُ حقِّها إليها، وإنما قال:(فالسلطانُ وليُّ مَن لا وليَّ له)؛ لأنَّ المرأةَ إذا امتَنعَ وليُّها من تزويجها فكأنه لا وليَّ لها، فالسلطانُ وليُّها.
* * *
2327 -
وعن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"البغايا اللاتي يُنْكِحْنَ أنفسَهُنَّ بغيرِ بَينَةٍ" والأصحُّ أنه موقوفٌ على ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما.
قوله: "البَغَايا: اللاتي يُنكحْنَ أنفسَهنَّ بغير بينةٍ"، (البَغَايا): جمع بَغِيَّة، وهي الزانية، من (البغَاء) بكسر الباء: وهو الزِّنا، والمراد بالبينة ها هنا: الشاهدُ عند قوم، والوليُّ عند آخرين.
فعلى التأويل الأول معناه: النساء اللاتي يُزوِّجْنَ أنفسَهنَّ بغير شهودٍ فهنَّ زانياتٌ، فإنْ كان بحضور شاهدَين صحَّ نكاحُهنَّ، وبهذا قال أبو حنيفةَ؛ لأنَّ المرأةَ عندَه يجوز لها تزويجُ نفسِها، ولا حاجةَ إلى الوليَّ.
وعلى التأويل الثاني معناه: أنَّ النساءَ اللاتي يُزوِّجْنَ أنفسَهنَّ فهنَّ زانياتٌ، وبهذا قال الشافعيُّ؛ لأنَّ المرأةَ عنده لا يجوزُ لها أن تزوجُ نفسِها، بل يُزوِّجُها وليُّها أو وكيلُه.
* * *
2328 -
وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "اليتيمةُ تُستَأمرُ في نفسِها، فإن صمتَتْ فهو إذنُها، وإن أَبَتْ فلا جوازَ عليها".