المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌11 - باب الخلع والطلاق - المفاتيح في شرح المصابيح - جـ ٤

[مظهر الدين الزيداني]

فهرس الكتاب

- ‌12 - كِتابُ النِّكَاحِ

- ‌2 - باب النَّظَرِ إلى المَخطوبةِ وبيانِ العَورات

- ‌3 - باب الوليَّ في النَّكاح واستِئذانِ المَرأةِ

- ‌4 - باب إعلانِ النكاحِ والخِطبةِ والشَّرطِ

- ‌5 - باب المُحرَّماتِ

- ‌6 - باب المُباشَرةِ

- ‌فصل

- ‌7 - باب الصَّداق

- ‌8 - باب الوَليمةِ

- ‌9 - باب القَسْمِ

- ‌10 - باب عشرةِ النِّساءِ وما لكلِّ واحدةٍ من الحقوقِ

- ‌11 - باب الخُلعِ والطلاقِ

- ‌12 - باب المُطلَّقَةِ ثلاثًا

- ‌فصل

- ‌13 - باب اللِّعَانِ

- ‌14 - باب العِدَّة

- ‌15 - باب الاستبراء

- ‌16 - باب النَّفقاتِ وحَقِّ المَملوكِ

- ‌17 - باب بلوغِ الصَّغيرِ وحضانتهِ في الصِّغَرِ

- ‌13 - كِتابُ العِتْقِ

- ‌2 - باب إعتاقِ العَبْدِ المُشتَرَك وشراءِ القريبِ والعتقِ في المَرَضِ

- ‌3 - باب الأيمانِ والنُّذورِ

- ‌فصل في النُّذورِ

- ‌14 - كِتَابُ القِصَاصِ

- ‌2 - باب الدَّيَاتِ

- ‌3 - باب ما لا يُضْمَنُ من الجنايات

- ‌4 - باب القَسامة

- ‌5 - باب قتلِ أهل الرِّدَّةِ والسُّعاةِ بالفسادِ

- ‌15 - كِتَابُ الحُدُودِ

- ‌2 - باب قَطْعِ السَّرِقَةِ

- ‌3 - باب الشَّفاعةِ في الحُدودِ

- ‌4 - باب حدِّ الخمرِ

- ‌5 - باب لا يُدْعى على المَحدودِ

- ‌6 - باب التَّعْزيرِ

- ‌7 - باب بيانِ الخَمْرِ ووعيدِ شاربها

- ‌16 - كِتابُ الإمَارَة وَالقَضَاءِ

- ‌1 - باب

- ‌2 - باب ما على الوُلاةِ من التَّيسيرِ

- ‌3 - باب العَملِ في القضاءِ والخَوفِ منهُ

- ‌4 - باب رزق الوُلاةِ وهداياهم

- ‌5 - باب الأقضيةِ والشَّهاداتِ

- ‌17 - كِتابُ الجهَادِ

- ‌2 - باب إعدادِ آلةِ الجِهادِ

- ‌3 - باب آدابِ السَّفَرِ

- ‌4 - باب الكتابِ إلى الكُفَّارِ ودعائِهم إلى الإسلامِ

- ‌5 - باب القِتالِ في الجهاد

- ‌6 - باب حُكْمِ الأُسارى

- ‌7 - باب الأمانِ

- ‌8 - باب قِسْمَةِ الغنائمِ والغُلولِ فيها

- ‌9 - باب الجِزْيَةِ

- ‌10 - باب الصُّلحِ

- ‌11 - باب الجلاء: إخراجِ اليهودِ من جزيرةِ العَرَبِ

- ‌12 - باب الفَيْءِ

- ‌18 - كِتَابُ الصَّيْدِ والذَّبَائِحِ

- ‌2 - باب

- ‌3 - باب ما يحلُّ أكلُه وما يحرُمُ

- ‌4 - باب العقِيقةِ

- ‌19 - كِتَابُ الأَطْعِمَةِ

- ‌2 - باب الضيافَةِ

- ‌فصل

- ‌3 - باب الأشرِبةِ

- ‌4 - باب النَّقيعِ والأنبذةِ

- ‌5 - باب تغطيةِ الأواني وغيرِها

الفصل: ‌11 - باب الخلع والطلاق

سمعتَ أنَّ لسليمانَ خيلًا لها أجنحةٌ، قالت: فضَحِكَ حتَّى رأيتُ نَواجِذَهُ.

قولها: "وفي سَهْوَتِها (1) "؛ أي: وفي صُفَّة بيتِنا.

* * *

‌11 - باب الخُلعِ والطلاقِ

(باب الخلع والطلاق)

مِنَ الصِّحَاحِ:

2443 -

عن ابن عَّباسٍ رضي الله عنهما: أنَّ امرأةَ ثابتِ بن قيسٍ أَتَت النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسولَ الله! ثابتُ بن قيسٍ ما أَعتِبُ عليهِ في خُلُقٍ ولا دينٍ، ولكنْ أَكْرَهُ الكفرَ في الإِسلامِ، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"أتَرُدِّينَ عليهِ حديقَتَهُ؟ " قالت: نعم، قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"اِقْبَلِ الحديقةَ، وطلِّقْها تطليقة".

قوله: "ما أَعتب"؛ أي: ما أَغضب، "ولكن أَكرهُ الكفرَ في الإسلام" الكُفر ها هنا من كُفران النعمةِ، أو بمعنى العِصيان؛ يعني: ليس بيني وبينه ألفةٌ ومحبةٌ، وأكرهُه في القلب، وكراهيتي إياه مع إنعامه عليَّ بالنفقة غيرُ مَرضيٍّ لله تعالى، وما أريد أن يصدرَ مني في الإسلام شيءٌ يكون غيرَ مَرضيٍّ لله تعالى، فأُحبُّ أن يُطلِّقَني.

قوله: "أتَردِّين عليه حديقتَه"؛ يعني: أتَعطين الحديقةَ التي أعطاكها في المَهر حتى يُطلِّقَك؟ فقالت: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزوجها:"اقبلْ الحديقةَ وطلِّقْها" على عِوض الحديقة.

(1) في "م" و"ش" و"ق": "بهوتنا".

ص: 94

اعلمْ أنَّ الخُلْعَ مُعاوضةٌ يُشترَط فيه تراضي الزوجَين، ولا يجوزُ أن يُجبَرَ أحدُهما على الخُلْع، ويجوز الخُلْعُ فيما تَراضَى الزوجانِ من قليلِ المالِ وكثيرِه؛ فلو قال الزوجُ: طلَّقتُك على كذا دينارًا، أو على أن تُعطيني كذا، فقبلَتِ الزوجةُ؛ وَقَعَ الطلاقُ بائنًا بلا خلافٍ. أمَّا لو قال: خالَعتُك على كذا، فقالت: قبلتُ؛ حصلَتِ الفُرقةُ بينهما، واختُلِفَ في أنَّ هذه الفُرقةَ طلاقٌ أم فَسخٌ؟

فمذهبُ أبي حنيفةَ ومالكٍ وأصحُّ قَولَي الشافعيُّ: أنَّه طلاقٌ بائنٌ، كما لو قال: طلَّقتُكِ، ومذهبُ أحمدَ وأحدُ قولَي الشافعيَّ: أنه فسخٌ.

والفرقُ بين الطلاق والفَسخ: أنَّه لو لم يُطلِّقْها قبلَ ذلك، فلما اختَلعَها انقطعَ النكاحُ بينهما، فلما جَدَّدَ نكاحَها بعد ذلك تعود إلى نكاحها بثلاثِ تطليقات، فلو كان الخُلْعُ طلاقًا وَقعَ بالخُلْع طلقةٌ، فلما جَدَّدَ نكاحَها تعود إلى نكاحه بطلقتَين.

* * *

2444 -

عن عبد الله بن عُمرَ رضي الله عنهما: "أَنَّه طلَّق امرأةً له وهي حائضٌ، فذكرَ عمرُ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فتغَيَّظَ فيهِ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "لِيُراجِعْها، ثم ليُمْسِكْها حتى تَطْهُرَ، ثم تحيضَ فتَطهُرَ، فإِنْ بَدا لهُ أنَّ يُطلِّقَها فليُطلِّقْها طاهرًا قبلَ أنْ يَمَسَّها، فتِلكَ العِدَّةُ التي أمرَ الله أنَّ تُطَلَّقَ لها النساءُ".

وفي روايةٍ: "مُرْهُ فليُراجِعْها، ثم ليُطلِّقْها طاهِرًا أو حامِلًا".

قوله: "إنه طلَّق امرأةً له وهي حائضٌ

" إلى آخره.

"فتغيَّظ"؛ أي: غضب، ووجه تغيُّظه: أنَّ الطلاقَ في الحَيض بدعةٌ؛ لأنَّ الطلاقَ في الحَيض يُطوِّل عِدَّةَ المرأة؛ لأنه تنقضي عِدَّتُها إذا دخلَتْ في الحَيضة الرابعة، فلو طلَّقَها في الطُهر، تنقضي عدتُها إذا دخلَتْ في الحَيضة الثالثة.

ص: 95

قوله: "لِيُراجعْها"؛ يعني: لِيَقلْ: راجعتُها إلى نكاحي؛ لِيزولَ عنه إثمُ التطليق في حال الحَيض، ثم إذا راجعَها لِيُمسكْها حتَّى يمضيَ عليها بعدَ الرجعة طُهرانِ أو أكثرُ، ثم إن شاء طلَّقَها، وإنما يُشترَط أن يمضيَ عليها بعدَ الرَّجعة طُهرانِ؛ لأنه لو طلَّقَها في الطُهرِ الذي يأتي بعد الرَّجعة تكونُ رَجعتُها لأجل الطلاق، ولو لم يُطلِّقْها بعدَ الرَّجعةِ حتَّى يمضيَ عليها طُهرانِ لم تكنِ الرَّجعةُ لأجل الطلاق؛ لأنه لو كان لأجل الطلاق لَطلَّقَها في الطُهر الأول بعدَ الرَّجعة.

قوله: "فإن بدا له"؛ يعني: فإن بدا له إرادةُ التطليق.

قوله: "فليُطلِّقها طاهرًا قبل أن يَمسَّها"؛ أي: قبلَ أن يُجامعَها في الطُّهر الَّذي يُطلِّق فيه، وإنما اشتُرط أن يُطلِّقَها قبلَ أن يُجامعَها في ذلك الطُّهر؛ لأنَّ التطليقَ في طُهرٍ جامَعَها فيه بدعةٌ، لأنه يُورِث الندامةَ، لأنَّ الرجلَ ربما طلَّقَ على ظنٍّ أنَّ المرأةَ لم تكنْ حاملًا، فلما علمَ بعد الطلاق أنها حاملٌ ندمَ، وطلاقُ البدعة ليس إلا التطليق في الحَيض، أو في طُهر جامَعَها فيه.

قوله: "فتلك العِدَّة التي أَمر الله أن يُطلَّقَ لها النساءُ"؛ أي: الطلاقُ في الطُّهر الذي لم يُجامِعْها فيه هو طلاقُ السُّنَّة، وتلك الحالةُ هي الحالةُ التي أَمر الله الرجالَ أن يُطلِّقوا النساءَ فيها.

* * *

2445 -

وقالت عائِشَةُ رضي الله عنها: خَيَّرَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فاختَرْنا الله ورسولَه، فلم يُعَدَّ ذلكَ علينا شيئًا.

قول عائشة: "خيَّرنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فاختَرْنا الله ورسولَه، فلم يُعَدَّ ذلك علينا شيئًا": سببُ تكلُّمِ عائشةَ بهذا الكلام: أنه قال أميرُ المؤمنين عليُّ بن أبي طالب وزيدُ بن ثابت رضي الله عنهما: إنَّ مَن قال لزوجته: اختاري نفسَك أو إياي، فقالت لزوجها: اخترتُك؛ أنه وقعَ طلاقٌ رَجعيٌّ، وبه قال مالكٌ.

ص: 96

وقالت عائشة مع جماعةٍ من الصحابة: لم يقعِ الطلاقُ، فقالت عائشة: فإنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خيَّرَنا بين الطلاق وبين النبيِّ صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [الأحزاب: 28] إلى آخر الآية، فاختَرْنا النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فلم يُعَدَّ ذلك؛ أي: فلم يحكمْ علينا بطلاقٍ بأن قلْنا: اختَرْنا الله ورسولَه، ومذهبُ الشافعيَّ وأبي حنيفةَ كمذهب عائشةَ.

وأمَّا لو قال الزوجُ لامرأته: اختاري نفسَك وإياي، فقالت: اختَرتُ نفسي؛ وقعَ به طلاقٌ رَجعيٌّ عند الشافعيِّ وأحمدَ، وطلاقٌ بائنٌ عند أبي حنيفةَ، وثلاثُ تطليقاتٍ عند مالكٍ.

* * *

2446 -

وقال ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما في الحرامِ: يُكَفَّرُ، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ".

قول ابن عباس في الحَرام: "يُكفَّر"؛ يعني: لو قال أحدٌ لامرأته: أنتِ عليَّ حرامٌ، أو: حرَّمتُك؛ فإن نَوَى به الطلاق فهو طلاقٌ، وإن نَوَى به الظِّهارَ فهو ظِهارٌ، وإن لم يَنوِ شيئًا، أو نَوَى تحريمَ ذاتها، لم يكنْ طلاقًا ولا ظِهارًا، ولا تَحرُم عليه، بل يجب عليه كفَّارةُ اليمين بمجرَّدِ هذا اللفظ.

ولو قال لأَمَتِه هكذا، فإن نَوَى العتقَ عَتقَتْ، وإن لم يَنوِ شيئًا، أو نَوَى تحريمَ ذاتها، لم تَحرُمْ عليه، وتجبُ عليه كفَّارةُ اليمين، ولو قال لطعام: هذا عليَّ حرامٌ، أو: حرَّمتُه على نفسي، لم يَحرُمْ عليه، ولم يجبْ عليه شيءٌ، وهو مذهبُ الشافعيِّ، وقال أبو حنيفةَ: لفظُ التحريم يمينٌ، فإذا قال لامرأته أو جاريته: أنتِ عليَّ حرامٌ، أو: حرَّمتُك فهو كما لو قال: والله لا وطِئتها، فلو وَطِئها، لزمَه كفَّارةُ اليمين، ولو قال لطعام: هذا عليَّ حرامٌ، أو: حرَّمتُه عليَّ، فلو أكلَه، لزمَتْه كفَّارةُ اليمين، وقال أحمد: لفظُ الحَرام في المرأة ظِهارٌ، وقال

ص: 97

عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لفظُ الحَرام في المرأة يقع به طلاقٌ رجعيٌّ، وبه قال الزُّهريُّ، وقال مالك: يقع به ثلاثُ تطليقاتٍ.

قوله تعالى: " {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} "، (الأسوة) بضم الهمزة وكسرها: المُتابعة؛ يعني: قال ابن عباس: تلفَّظ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بلفظ الحَرام، فأَوجبَ الله عليه الكفَّارة، وعليكم متابعتُه.

واختُلف في سبب تلفُّظ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بلفظ التحريم؛ قيل: كان له صلى الله عليه وسلم جاريةٌ اسمُها: مارية، فوَطِئها، فاطَّلعتْ عليه حفصةُ، فغضبَتْ، فقال لها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"لا تغضبي واسكتي؛ فإني حرَّمتُها عليَّ"، فنَزلت:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ} [التحريم: 1].

قال المُفسِّرون: وجبَتْ عليه بلفظ التحريم كفَّارةُ اليمين.

وقيل: بل حرَّمَ عسلًا على نفسه، كما يأتي بعدَ هذا عن عائشةَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينبَ

إلى آخره.

* * *

2447 -

وعن عائِشَةَ رضي الله عنها: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يَمْكُثُ عندَ زينبَ بنْتِ جَحْشٍ، وشربَ عندَها عَسَلًا، فتَواصَيْتُ أنا وحَفْصَةُ: أنَّ أَيَّتَنا دخلَ عليها النبيُّ صلى الله عليه وسلم فَلْتَقُلْ: إني أَجِدُ منكَ ريحَ مَغافيرَ، أَكَلْتَ مَغافيرَ؟ فدخلَ على إحداهُما فقالَتْ لهُ ذلكَ، فقالَ:"لا بأسَ، شربتُ عسلًا عندَ زينبَ بنتِ جحشٍ، فلَنْ أعودَ له، وقد حَلَفْتُ، لا تُخْبري بذلكَ أحدًا! " يبتغي مرضاةَ أزواجِهِ، فنزلت:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} .

"فتواصيتُ أنا وحفصةُ"؛ أي: اشترطنا وقرَّرنا.

قولها: "إني أجدُ منك ريحَ المَغَافيرِ"، (المَغَافير): جمع مُغْفُور، وهو شيءٌ يشبه الصَّمْغ، يكون على شجرٍ، وله حلاوةٌ، ولريحِهِ نَتَنٌ.

ص: 98

وإنما قالت هذا الكلام لكي لا يدخلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بيتَ زينبَ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يحترزُ عن أكل شيء يكون له رائحةٌ كريهةٌ مُنكَرةٌ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"لا بأسَ! شربتُ عسلًا"، وجاء في رواية أخرى: أنها قالت: جَرَسَتْ نَحْلُهُ العُرْفُطَ، (العُرْفط): شجر المَغَافير؛ يعني: أكلتِ النحلةُ التي منها هذا العسل من شجر العُرْفُط، فلهذا يوجد منك ريحُ المَغَافيرِ بأن شربتَ ذلك العسل.

قوله: "لا تُخبري بذلكَ أحدًا": إنما قال ذلك كي لا تعرفَ زوجاتُه وغيرُهنَّ: أنَّه أكل شيئًا له رائحةٌ كريهةٌ.

* * *

مِنَ الحِسَان:

2448 -

عن ثوبانَ قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أيُّما امرأةٍ سألَتْ زوجَها طلاقًا في غيرِ ما بأسٍ فحرامٌ عليها رائحةُ الجنَّةِ".

قوله: "أيُّما امرأةٍ سألَتْ زوجَها طلاقًا في غيرِ ما بأسٍ، فحرامٌ عليها رائحةُ الجنة"، (في غير ما بأس)؛ أي: من غير أن يكونَ في مضاجعتِها الزوجَ بها ضررٌ.

هذا زجرٌ عن طلب المرأة الطلاقَ من غير ضرورة.

* * *

2450 -

وعن عليٍّ رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّه قال: "لا طلاقَ قبلَ نكاحٍ، ولا عَتاقَ إلَّا بعدَ مِلْكٍ، ولا وِصالَ في صيامٍ، ولا يُتْمَ بعدَ احتلامٍ، ولا رَضاعَ بعدَ فِطامٍ، ولا صَمْتَ يومٍ إلى الليلِ".

قوله: "لا طلاقَ قبل نكاح": فلو قال رجلٌ لامرأة قبل أن يَنكحَها:

ص: 99

طلَّقتُك، أو قال لها: إن دخلتِ الدارَ فأنتِ طالقٌ، ولم يقل: إذا نكحتك فأنت طالق، ولم يقلْ أيضًا: إذا دخلتِ الدارَ فأنتِ طالقٌ بعد أن نكحتُك؛ لم يقعِ الطلاقُ باتفاقٍ.

وكذا لو قال لعبد قبل أن يملكَه: أعتقتُك، أو قال: إن دخلتَ الدارَ فأنتَ حرٌّ، ولم يقلْ: بعد أن ملكتُك؛ لم يُعتقْ.

ولو قال لامرأة: إذا نكحتُك فأنتِ طالقٌ، أو قال لعبد: إذا ملكتُك فأنتَ حرٌّ، ثم نكح تلك المرأة، وملك ذاك العبد؛ لم يقعِ الطلاقُ، ولم يُعتقِ العبدُ عند الشافعي.

وكذلك لو قال: أي ما امرأةٍ أتزوجُها فهي طالقٌ، أو قال: أي عبدٍ أملكُه فهو حرٌّ، فهذا الكلام لغوٌ عند الشافعي.

وقال أبو حنيفة: يقع الطلاقُ ويحصل العَتقُ إذا أضافَ حصولَ الطلاقِ بعدَ النكاحِ والعتقَ بعدَ المُلك، سواءٌ عيَّنَ امرأةً وعبدًا، أو لم يُعينْ بأن قال: أي ما امرأةٍ أتزوَّجُها فهي طالقٌ، أو: أي عبدٍ أملكُه فهو حرٌّ.

وقال مالك: إنْ عيَّنَ امرأةً، أو امرأةً في بلدةٍ معينةٍ، أو عيَّنَ مدةً بأن قال: أي ما امرأةٍ أتزوَّجُها إلى شهرٍ أو إلى سنةٍ فهي طالقٌ؛ وقع الطلاقُ، وإن لم يُعينْ شيئًا من هذه الأشياء لم يقعِ الطلاقُ.

وقال أحمد: إنْ علَّقَ الطلاقَ بشيءٍ من هذه الأشياء، [فـ]ـلن يجوزَ له تزوُّجُ تلك المرأة، فإن خالَفَ وتزوَّجَ لم نُفرِّقْ بينهما.

قوله: "ولا يُتمَ بعد احتلام"؛ يعني: مَن بلغَ من الذكور والإناث زالَ حكمُ اليُتمِ عنه، وخرج عن كونه يتيمًا حتَّى لا يتصرفَ الوليُّ في ماله، ويجوزُ منه ما جاز من البالغين، ولا يجوزُ منه ما لا يجوزُ من البالغين، بل صار حكمُه

ص: 100

مطلقًا حكمُ البالغين.

قوله: "ولا صَمتَ يومٍ إلى الليل"؛ يعني: لا يجوز أن يسكتَ الرجلُ من أول اليوم إلى الليل؛ لأنَّ السكوتَ من كلامٍ لا إثمَ فيه ليس بقُربةٍ، والسكوتُ من كلامٍ فيه قُربةٌ لله تعالى، كتربيةِ أحدٍ خيرًا والوعظِ وإسكانِ الفتنة بين الناس وما أشبه ذلك، فلا وجهَ للسكوت من مثل هذه الأشياء، وإنما القُربةُ في السكوت من كلامٍ فيه إثمٌ، لا من جميع الكلام.

* * *

2451 -

عن عمرِو بن شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نذرَ لابن آدمَ فيما لا يَملكُ، ولا عِتقَ فيما لا يملكُ، ولا طلاقَ فيما لا يملكُ، ولا بيعَ فيما لا يملكُ".

قوله: "لا نذرَ لابن آدم فيما لا يملكُ"؛ يعني: لو قال أحدٌ: لله تعالى عليَّ أن أُعتقَ هذا العبد؛ ولم يكنْ مالكًا لذلك العبد وقتَ النذر، لم يَصحَّ هذا النذرُ، حتى لو ملك ذلك العبدَ بعد ذلك، لم يُعتقْ عليه.

* * *

2452 -

عن رُكانَةَ بن عبدِ يزيدَ: أنَّه طَلَّقَ امرأتَه سُهَيْمَةَ البَتَّةَ، ثم أَتَى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنِّي طلقتُ امرأتي البتَّةَ، ووالله ما أردتُ إلا واحدةً، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"والله ما أَردتَ إلا واحدةً؟ " فقال رُكانةُ: والله ما أردتُ إلا واحدةً، فردَّها إليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فطلَّقَها الثانيةَ في زمانِ عمرَ، والثالثةَ في زمانِ عثمانَ.

قوله: "أنَّه طلق امرأته سُهَيمة البتَّة"، (سُهَيمة): اسم امرأته، (البتَّة):

ص: 101

القطع، وطلاقُ البَتِّ أن يقول: طلَّقتُ امرأتي البتَّةَ، أو يقول: بَتَتُ طلاقَها، أو يقول لامرأته: أنتِ مَبتوتةٌ، ففي جميع ذلك يتعلَّق بنيَّته، ولا يقع أكثرُ ممَّا نوى؛ فإن نَوى عددًا وقع ذلك العددُ، وإن لم يَنوِ عددًا وقعـ[ـت] طَلْقةٌ واحدةٌ، ويكون الطلاقُ رجعيًا إن كان بعد الدخول وكان بغير عِوضٍ، هذا مذهب الشافعي.

وقال أبو حنيفة: إن نَوى ثلاثًا يكون ثلاثًا، وإن نوَى اثنين، أو لم يَنوِ شيئًا، أو نَوى واحدةً، وقع في هذه الصور الثلاث طَلْقةً بائنةً.

وقال مالك: وقع الثلاثُ، سواءٌ نَوى واحدةً أو أكثرَ أو لم يَنوِ شيئًا.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ما أردتَ إلا واحدة؟ " وهذا تحليفٌ منه صلى الله عليه وسلم لرُكانَةَ؛ يعني: قلْ: والله لم يكنْ في نيَّتي إلا طَلْقةٌ واحدةٌ.

قوله: "فردَّها عليه رسول الله"؛ يعني: أمرَه بالرجعة، بأن يقول: راجعتُها إلى نكاحي.

* * *

2453 -

وعن أبي هُريرةَ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثٌ جِدُّهن جِدٌّ وهَزْلُهن جِدٌّ: الطَّلاقُ، والنِّكَاحُ، والرَّجعةُ"، غريب.

قوله: "ثلاثٌ جدُّهنَّ جدٌّ

" إلى آخره، الحكمُ كما هو في هذا الحديثِ بالاتفاقِ، حتى لو نكحَ أو طلَّقَ أو أعتقَ وقال: كنتُ لاعبًا أو هازلًا، لم يَنفعْه هذا اللفظُ، بل لزمَه النكاحُ والطلاقُ والعتاقُ، وكذلك البيعُ والهِبةُ وجميعُ التصرفات؛ وإنما خصَّ هذه الثلاثةَ بالذكر؛ لأنَّ هذه الثلاثةَ أمرُها أعظمُ وآكدُ.

* * *

ص: 102

2455 -

وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "كلُّ طلاقٍ جائزٌ إلا طلاقَ المعتوهِ والمغلوبِ على عقلِه"، غريب.

قوله: "كلُّ طلاقٍ جائزٌ؛ إلا طلاقَ المَعتوهِ والمغلوبِ على عقلِهِ"، (المَعتوه): ناقص العقل، و (المغلوب على عقله): عامٌّ بين السَّكران، والمجنون، والنائم، والمريض الذي زال عقلُه بالمرض، والمُغْمَى عليه؛ يعني: كلُّ مَن طلَّقَ وقع طلاقُه إلا هؤلاء، وكذلك الصبي.

* * *

2457 -

وعن عائشةَ رضي الله عنها: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "طلاقُ الأَمَةِ تطليقتانِ، وعِدَّتُها حيضتانِ".

قوله: "طلاقُ الأَمَة تطليقتان، وعِدَّتها حَيضتان"، وبهذا الحديث قال أبو حنيفة: الطلاقُ يتعلق بالمرأة؛ فإن كانت أَمَةً يكون طلاقُها اثنين، سواءٌ كان زوجُها حرًّا أو عبدًا، وإن كانت المرأةُ حرَّةً يكون طلاقُها ثلاثًا، سواءٌ كان زوجُها حرًّا أو عبدًا.

وقال الشافعي ومالك وأحمد: الطلاقُ يتعلَّق بالرجل؛ فطلاقُ العبد اثنان، وطلاقُ الحرِّ ثلاثٌ، ولا نظرَ إلى الزوجة.

وعِدَّة الأَمَة على نصف عِدَّة الحرَّة فيما له نصفٌ؛ فعدَّة الحرَّة ثلاثُ حِيَضٍ، وعدَّةُ الأَمَة حَيضتانِ؛ لأنه لا نصفَ للحَيض، وإن كانت تعتدُّ بالأشهر، فعدَّةُ الأَمَة شهرٌ ونصفٌ، وعدَّةُ الحرَّة ثلاثةُ أشهرٍ.

* * *

ص: 103