المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌2 - باب إعتاق العبد المشترك وشراء القريب والعتق في المرض - المفاتيح في شرح المصابيح - جـ ٤

[مظهر الدين الزيداني]

فهرس الكتاب

- ‌12 - كِتابُ النِّكَاحِ

- ‌2 - باب النَّظَرِ إلى المَخطوبةِ وبيانِ العَورات

- ‌3 - باب الوليَّ في النَّكاح واستِئذانِ المَرأةِ

- ‌4 - باب إعلانِ النكاحِ والخِطبةِ والشَّرطِ

- ‌5 - باب المُحرَّماتِ

- ‌6 - باب المُباشَرةِ

- ‌فصل

- ‌7 - باب الصَّداق

- ‌8 - باب الوَليمةِ

- ‌9 - باب القَسْمِ

- ‌10 - باب عشرةِ النِّساءِ وما لكلِّ واحدةٍ من الحقوقِ

- ‌11 - باب الخُلعِ والطلاقِ

- ‌12 - باب المُطلَّقَةِ ثلاثًا

- ‌فصل

- ‌13 - باب اللِّعَانِ

- ‌14 - باب العِدَّة

- ‌15 - باب الاستبراء

- ‌16 - باب النَّفقاتِ وحَقِّ المَملوكِ

- ‌17 - باب بلوغِ الصَّغيرِ وحضانتهِ في الصِّغَرِ

- ‌13 - كِتابُ العِتْقِ

- ‌2 - باب إعتاقِ العَبْدِ المُشتَرَك وشراءِ القريبِ والعتقِ في المَرَضِ

- ‌3 - باب الأيمانِ والنُّذورِ

- ‌فصل في النُّذورِ

- ‌14 - كِتَابُ القِصَاصِ

- ‌2 - باب الدَّيَاتِ

- ‌3 - باب ما لا يُضْمَنُ من الجنايات

- ‌4 - باب القَسامة

- ‌5 - باب قتلِ أهل الرِّدَّةِ والسُّعاةِ بالفسادِ

- ‌15 - كِتَابُ الحُدُودِ

- ‌2 - باب قَطْعِ السَّرِقَةِ

- ‌3 - باب الشَّفاعةِ في الحُدودِ

- ‌4 - باب حدِّ الخمرِ

- ‌5 - باب لا يُدْعى على المَحدودِ

- ‌6 - باب التَّعْزيرِ

- ‌7 - باب بيانِ الخَمْرِ ووعيدِ شاربها

- ‌16 - كِتابُ الإمَارَة وَالقَضَاءِ

- ‌1 - باب

- ‌2 - باب ما على الوُلاةِ من التَّيسيرِ

- ‌3 - باب العَملِ في القضاءِ والخَوفِ منهُ

- ‌4 - باب رزق الوُلاةِ وهداياهم

- ‌5 - باب الأقضيةِ والشَّهاداتِ

- ‌17 - كِتابُ الجهَادِ

- ‌2 - باب إعدادِ آلةِ الجِهادِ

- ‌3 - باب آدابِ السَّفَرِ

- ‌4 - باب الكتابِ إلى الكُفَّارِ ودعائِهم إلى الإسلامِ

- ‌5 - باب القِتالِ في الجهاد

- ‌6 - باب حُكْمِ الأُسارى

- ‌7 - باب الأمانِ

- ‌8 - باب قِسْمَةِ الغنائمِ والغُلولِ فيها

- ‌9 - باب الجِزْيَةِ

- ‌10 - باب الصُّلحِ

- ‌11 - باب الجلاء: إخراجِ اليهودِ من جزيرةِ العَرَبِ

- ‌12 - باب الفَيْءِ

- ‌18 - كِتَابُ الصَّيْدِ والذَّبَائِحِ

- ‌2 - باب

- ‌3 - باب ما يحلُّ أكلُه وما يحرُمُ

- ‌4 - باب العقِيقةِ

- ‌19 - كِتَابُ الأَطْعِمَةِ

- ‌2 - باب الضيافَةِ

- ‌فصل

- ‌3 - باب الأشرِبةِ

- ‌4 - باب النَّقيعِ والأنبذةِ

- ‌5 - باب تغطيةِ الأواني وغيرِها

الفصل: ‌2 - باب إعتاق العبد المشترك وشراء القريب والعتق في المرض

‌2 - باب إعتاقِ العَبْدِ المُشتَرَك وشراءِ القريبِ والعتقِ في المَرَضِ

(باب إعتاق العبد المشترك، وشراء القريب، والعتق في المرض)

مِنَ الصِّحَاحِ:

2533 -

عن ابن عُمرَ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن أَعتَقَ شِرْكًا لهُ في عَبْدٍ وكانَ لهُ مالٌ يبلغُ ثمنَ العبدِ، قُوِّمَ العبدُ عليهِ قيمةَ عدلٍ، فأَعْطى شُرَكاءَهُ حِصَصَهم وعَتَقَ عليه العَبْدُ، وإلا فقد عَتَقَ منه ما عَتَقَ".

قوله: "مَن أعتق شِركًا له في عبدٍ

" إلى آخره، (الشِّرك): النصيب، و"الحِصَص": جمع حِصَّة، وهي النصيب أيضًا.

قال في "شرح السُّنَّة": في الحديث دليلٌ على أنَّ مَن أعتقَ نصيبَه من عبدٍ مُشترَكٍ بينه وبين غيره؛ وهو مُوسِرٌ لقيمة نصيب الشريك، يعتق كلُّه بنفس الإعتاق، ولا يتوقَّفُ على أداء القيمة، ولا على الاستسعاء - الاستسعاء: طلب السعي من المُكاتِب في تحصيل مالٍ يُؤدَّى إلى مُكاتِبه بسعي نفسه، على خلاف القياس، لكنَّ الشارعَ له تشوُّفٌ إلى العتق؛ فجوَّز هذا، كما جوَّزَ في العَرَايا لحاجة المساكين -، ويكون ولاءُهُ كلُّه للمُعتِق، وإن كان مُعسِرًا، عتقَ نصيبُهُ، ونصيبُ الشريك رقيقٌ لا يُكلَّف إعتاقه، ولا يُستسعَى العبدُ في فكِّه، وهو قول الشافعي وأحمد.

وقال مالك: لا يُعتَق نصيبُ الشريك بنفس اللفظ ما لم يُؤدِّ إليه قيمتَه، وقاله الشافعي في القديم.

وقال أبو حنيفة: إن كان الشريكُ المُعتِقُ مُوسِرًا، فالذي لم يُعتِق بالخيار؛ إن شاء أَعتَقَ نصيبَ نفسه، وإن شاء استَسعَى العبدَ في قيمة نصيبه، فإذا أدَّى عتقَ، وكان الولاءُ بينهما نصفَين، وإن شاء ضَمِنَ المُعتِقُ قيمةَ نصيبه، ثم شريكُهُ

ص: 156

بعدما ضمن، رجعَ على العبد، واستسعاهُ فيه، فإذا أدَّاه عتقَ، وولاؤه كلُّه له؛ أي: للمُعتِق.

* * *

2534 -

وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"مَن أَعْتَقَ شِقْصًا من عبدٍ عَتَقَ كلُّه إنْ كانَ له مالٌ، فإن لم يكنْ لهُ مالٌ استُسعيَ العبدُ غيرَ مَشقوقٍ عليهِ".

قوله: "مَن أعتق شِقْصًا في عبد، أُعتق كلُّه"، (الشَّقْص والشَّقيص): النصيب.

قوله: "إن لم يكنْ له مالٌ استُسعي العبدُ غيرَ مشقوقٍ عليه"، قال الخطَّابي: وقد تأوَّلَه بعضُ الناس، فقال: معنى السعاية: أن يُستسعَى العبدُ لسيده؛ أي: يُستخدمَ، ولذلك قال:(غيرَ مشقوق عليه)؛ أي: لا يُحمَّل فوقَ ما يلزمُه من الخدمة، بل يُقدَّر ما فيه من الرِّقِّ، لا يُطالَبُ بأكثرَ منه.

معنى قول الخطَّابي: أي: يُستسعَى العبدُ لسيده؛ أي: لسيده الذي لم يُعتِق إن كان المعتِقُ مُعسِرًا.

حاصل معنى هذا الحديث: أنَّ مَن أَعتقَ نصيبًا من عبدٍ مُشترَكٍ بينه وبين شريكه، عتقَ كلُّه إن كان مُوسِرًا، وإن كان مُعسِرًا، فلشريكِهِ أن يَستخدمَ العبدَ بقدر نصيبه فيه، ولا يُكلِّفَه فوق حقِّه.

* * *

2535 -

عن عِمرانَ بن حُصَينٍ رضي الله عنه: أنَّ رجلًا أعتقَ ستةَ مَمْلوكينَ لهُ عندَ مَوْتِهِ، لم يكنْ لهُ مالٌ غيرُهم، فدَعا بهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فجَزَّأَهم أَثلاثًا ثم أَقرَعَ بينَهم، فأَعْتَقَ اثنينِ، وأَرَقَّ أربعةً، وقالَ لهُ قولًا شديدًا.

ص: 157

قوله: "فجزَّأهم أثلاثًا، ثم أقرَع بينهم، فأعتقَ اثنين، وأرقَّ أربعةً، فقال له قولًا شديدًا"، يُقال: جزَّأت الشيءَ تجزئةً؛ أي: قسَّمتُه، وجعلتُه أجزاءً، و (أقرَعَ): إذا ضربَ القُرعةَ، وكيفيتُه: أن تُأخَذَ مثلًا ثلاثُ رِقاعٍ متساويةٍ، فيكتب في واحدٍ منها: عتقٌ، وفي الاثنين الباقيين: رِقٌّ، وتُدرَج في بنادقَ، وتُخرَج رقعةٌ واحدةٌ منها باسم أحد العبيد؛ فإن خرج سهمُ العتق، عتقَ ذلك العبدُ الذي خرج باسمه، ورقَّ الآخرانِ، وإن خرج سهمُ الرقِّ، رقَّ العبدُ الذي خرج باسمه، ويُخرجُ رقعةً أخرى باسم آخر؛ فإن خرج سهمُ العتق، عتقَ الذي خرج باسمه، ورقَّ الثالثُ، وإن خرج سهمُ الرقِّ، رقَّ الذي خرج باسمه، وعتقَ الثالثُ؛ وقِسْ على هذه الصورة ما ذُكر في الحديث.

يُقال: أَرقَّ فلانًا: إذا جعلَه رقيقًا.

قال في "شرح السُّنَّة": في هذا الحديث دليلٌ على أن العتقَ المُنجَّز في مرض الموت في حكم المُعلَّق بالموت في الاعتبار من الثُّلثِ، وفي أنَّ مَن لا يصحُّ له الوصيةُ، لا يصحُّ التبرعُ معه في مرض الموت.

ويفترقان في حُكمَين:

أحدهما: أنه يجوز له الرجوعُ عن المُعلَّق بالموت؛ لأنَّ المُلكَ لم يحصل للمُتبرَّع عليه قبل الموت، ولا يملك الرجوعَ عن المُنجَّز؛ لحصول المُلك له.

والثاني: أن في المُنجَّز يُقدَّم الأسبقُ فالأسبقُ، وفي المُعلَّق بالموت لا يُقدَّم ما لم يُقيدْه.

بيانه: لو قال في مرض موته لثلاثة أَعبُدٍ له: سالمٌ حرٌّ وغانمٌ حرٌّ وزيادٌ حرٌّ؛ ولم يَخرجْ من الثُّلثِ إلا واحدٌ منهم، عتقَ الأولُ، فإن خرج اثنان من الثلث، عتقَ الأولانِ.

وفي المُعلَّق بالموت لو قال: إذا متُّ فسالمٌ حرٌّ وغانمٌ حرٌّ وزيادٌ حرٌّ؛

ص: 158

ولم يَخرجْ إلا واحدٌ منهم من الثُّلث، يُقرَعَ بينهم، فإن قيَّدَ بالتأخير، فقال: إذا متُّ فسالمٌ حرٌّ ثم غانمٌ ثم زيادٌ، أو قال: سالمٌ حرٌّ، وأَعتِقُوا غانمًا، ولم يَخرجْ إلا واحدٌ من الثُّلث، عتقَ الأولُ.

وفي الحديث إثباتُ القُرعةِ بينهم إذا أَعتقَهم معًا في مرض موته أو بعد موته؛ ليتميز العتيق عن غيره، فإن كانوا ثلاثةً قيمتُهم سواءٌ أُقرِعَ بينهم بسهمَي رقٍّ وسهم حريةٍ، فمَن خرج له سهمُ الحرية، كان عتيقًا من وقت إنشاء العتق، وما اكتسبَ من ذلك الوقتِ فله، ورقَّ الآخرانِ.

وإن كانوا ستةً، جزَّأهم على ثلاثة أجزاء على اعتبار القيمة، فإن كانت قيمتُهم متفاوتةً بأن كانت ثلاثةٌ منهم قيمةُ كلِّ واحدٍ مئةٌ، وثلاثةٌ قيمةُ كلِّ واحدٍ خمسون؛ ضُمَّ كلُّ واحدٍ ممن قلَّتْ قيمتُه إلى واحدٍ ممن كثرَتْ قيمتُه، ثم أُقرِع بينهم بسهمَي رقًّ وسهم حريةٍ.

وإن لم تمكن التسويةُ بين الأجزاء في العدد بأن كانت قيمةُ واحدٍ مئةً، وقيمةُ اثنين مئةً، وقيمةُ ثلاثةٍ مئةً؛ جُعل الواحدُ جزءًا، والاثنين جزءًا، والثلاث جزءًا.

وإن كانوا ثلاثةً قيمةُ واحدٍ مئةٌ وخمسون، وقيمةُ الآخر مئةٌ، وقيمةُ الثالث خمسون؛ أُقرِع بينهم بسهمَي رقٍّ وسهم حريةٍ؛ فإن خرجت القُرعةُ للذي قيمتُه مئةٌ وخمسون عتقَ ثلثاه وتمَّ الثُّلث، وإن خرجت القُرعةُ للذي قيمتُه مئةٌ، عتقَ كلُّه، وهو ثلثُ ماله، وإن خرجت القُرعةُ للذي قيمتُه خمسون، عتقَ كلُّه، ثم تُعاد القُرعةُ بين الآخرَين، فيُقرَع بينهما بسهم رقٍّ وسهم حريةٍ، فإن خرج سهمُ الحرية للذي قيمتُه مئةٌ، عتقَ نصفُه، وإن خرج للذي قيمتُه مئةٌ وخمسون، عتقَ ثلثُه.

وذهب إلى الإقراع جماعةٌ من أهل العلم، وهو قول عمر بن عبد العزيز، وبه قال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق.

ص: 159

وذهب قوم إلى أنه لا يُقرَع، بل يُعتَق من كل عبدٍ ثلثُه، ويُستسعَى في ثُلثَيه للوَرَثة، حتى يعتقَ كله، وبه قال أصحابُ الرأي.

* * *

2536 -

وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَجْزِي وَلَدٌ والِدَهُ إلا أنْ يَجِدَهُ مَملوكًا فيشتَرِيَهُ فيُعتِقَهُ".

قوله: "لا يجزي ولدٌ والدَه إلا أن يجدَه مملوكًا؛ فيَشتريَه، فيُعتقَه"، قال في "شرح السُّنَّة": والعملُ على هذا عند أهل العلم، قالوا: إذا اشترى الرجلُ أحدًا من آبائه أو أمَّهاته، أو أحدًا من أولاده وأولاد أولاده، أو ملكَه بسببٍ آخرَ، يعتقُ عليه من غير أن يُنشِئَ فيه عتقًا.

وقال أيضًا: قوله: (فيُعتقه) لم يُرِدْ به: أنَّ إنشاءَ الإعتاق شرطٌ، بل أراد به: أنَّ الشراءَ يُخلِّصه عن الرِّقِّ، فعلى هذا المعنى الفاء في (فيُعتقه) للسببيَّة؛ يعني: سببُ إعتاقِه شراؤه، ولا يحتاج إلى قوله:(أَعتقتُك) بعد الشراء، بل عَتَقَ بنفس الشراء.

وذهب أهلُ الظاهر وبعضُ المُتكلِّمين: إلى أنَّ الأبَ لا يعتقُ على الابن؛ لأنَّ في الحديث: (فيَشتريَه، فيُعتقَه)؛ يعني: الفاء في (فيُعتقه) للتعقيب، لا للسببيَّة، وإذا صحَّ الشراءُ، ثبتَ المُلكُ، والمُلكُ يُفيدُ التصرُّفَ.

و (مملوكًا): نُصب على الحال من الضمير المنصوب في (يجده)، وهو ضمير الوالد، والعامل فيه (يجد).

* * *

2537 -

عن جابرٍ رضي الله عنه: أنَّ رجلًا من الأنصارِ دَبَّرَ مملوكًا ولم يَكُنْ لهُ مالٌ غيرُه، فبلغَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: مَن يَشتريهِ مِنَّي؟ فاشتراهُ نُعيمُ بن النَّحَّامِ العدويٌ بثمانمائةِ درهمٍ.

ص: 160

وفي روايةٍ: فاشتراهُ نُعيمُ بن عبدِ الله العدويُّ بثمان مئةِ درهمٍ، فجاءَ بها رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فدَفَعَها إليهِ، ثم قال:"ابدَأ بنفسِكَ فَتَصَدَّق عليها، فإنْ فَضَلَ شيءٌ فلأِهلِكَ، فإنْ فَضَلَ عن أهلِكَ شيءٌ فَلِذي قرابَتِكَ، فإنْ فَضَلَ عن ذي قرابَتِكَ شيءٌ فهكذا وهكذا، يقولُ: فبَيْنَ يَدَيْكَ وعن يميِنكَ وعن شِمالك".

قوله: "دبَّر مملوكًا، ولم يكن له مالٌ غيرُه"، (التدبير): تعليقُ عتق مملوكه بموته؛ يعني: يقول له: إذا متُّ فأنت حرٌّ.

وفي الحديث دليلٌ على أنَّ بيعَ المُدبر جائزٌ، وهو مذهب الشافعي وأحمد.

وعند أبي حنيفة ومالك: لا يجوز بيعُه، لكن عند مالك: يجوز بيعُه بعد موته إذا كان على الميت دَينٌ يحيط بتَرِكتِهِ.

* * *

مِنَ الحِسَان:

2539 -

عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"إذا وَلَدت أَمَةُ الرَّجلِ منهُ فهي مُعتَقةٌ عن دُبُرٍ منهُ، أو بعدَه".

قوله: "إذا ولدتْ أَمَةُ الرجل منه، فهي مُعتَقةٌ عن دُبُرٍ منه، أو بعدَه"، (أو): شكٌّ من الراوي، والضمير في (منه) عائدٌ إلى (الرجل)، و (دُبُرُ كل شيء): آخرُه؛ يعني: تُعتَق أمُّ الولد بعدَ موتِ سيدها.

* * *

2540 -

عن جابرٍ رضي الله عنه قال: بِعْنا أُمَّهاتِ الأولادِ على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكرٍ، فلمَّا كانَ عمرُ نهانا عنه فانتَهَيْنا.

قوله: "بِعْنا أمَّهاتِ الأولادِ على عهدِ رسول الله

" إلى آخره، (العهد) ها هنا: الزمان.

ص: 161

قال الخطَّابي: يُحتمَل أن يكونَ ذلك مُباحًا في العصر الأول؛ أي: في ابتداء الإسلام، ثم نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك قبل خروجه من الدنيا، ولم يعلمْ به أبو بكر؛ لأنَّ ذلك لم يحدث في أيامه لقصرِ مدتها، ولاشتغالِه بأمور الدِّين ومحاربة أهل الرِّدة واستصلاحِ أهل الدعوة، ثم بقي الأمرُ على ذلك في عصر عمرَ مدةً من الزمان، ثم نهى عنه عمرُ حين بلغَه ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانتهَوا عنه.

* * *

2541 -

عن ابن عمَر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَن أعتَقَ عبدًا ولهُ مالٌ فمالُ العبدِ له إلا أنْ يشترِطَ السيدُ".

قوله: "فمالُ العبدِ له إلا أن يَشترطَ السيدُ"؛ يعني: فمالُ العبد المُعتَقِ للسيد، إلا إذا شرط السيدُ للعبد في إعتاقه.

* * *

2542 -

وعن أبي المَلِيحِ، عن أبيه: أنَّ رَجُلًا أعتقَ شِقْصًا مِن غلامٍ فذُكِرَ ذلكَ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: "ليسَ للهِ شَريكٌ".

قوله: "ليس لله شريكٌ"؛ يعني: الأَولى أن يُعتقَ جميعَ عبده؛ فإنَّ العتقَ لله سبحانه، فإن أَعتقَ بعضَه وبقي الباقي على الرِّقِّ، فيكون أمرُ سيده نافذًا فيه؛ فهو كشريكٍ له تعالى صُورةً.

* * *

2543 -

عن سَفينَةَ قال: كنتُ مَملوكًا لأمِّ سَلَمَةَ فقالتْ: أُعتِقُكَ وأَشتَرِطُ عليكَ أنْ تخدُمَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ما عِشْتَ؟ فقلتُ لها: إنْ لَمْ تَشْتَرِطي عليَّ ما فارقتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ما عِشتُ، فأعتقَتْني واشترطَتْ عليَّ.

ص: 162

قولها: "أَعتقتُكَ، وأشترطُ عليكَ أن تخدمَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ما عِشتَ"، (ما) في (ما عشتَ) للدوام، هذا لا يوجب الخدمة؛ لأنه وعدٌ، والوعد لا يلزمُه الوفاءُ به، وإنما كان وعدًا؛ لأنه عَتَقَ بقول سيدته: أَعتقتُك؛ فلفظُ (أشترط) قد وقع بعد عتقه.

قال الخطَّابي: هذا وعدٌ عُبر عنه باسم الشرط، وأكثرُ الفقهاء؟ لا يُصحِّحون إيقاعَ الشرط بعد العتق؛ لأنه شرطٌ لا يُلاقي في مُلكًا، ومنافعُ الحرِّ لا يملكها غيرُه إلا بالإجارة أو ما في معناها.

وقد اختلفوا في هذا؛ فكان ابن سيرين يُثبتُ الشرطَ في مثل هذا، وسُئل أحمدُ بن حنبلَ عنه، فقال: يشتري هذه الخدمةَ من صاحبه الذي اشتَرط له، قيل له: يشتري بالدراهم؟ قال: نعم.

قال في "شرح السُّنَّة": لو قال رجلٌ لعبده: أَعتقتُك على أن تخدمَني شهرًا، فقبلَ؛ عتقَ في الحال، وعليه قيمةُ رقبتِهِ للمولى.

* * *

2545 -

عن أمِّ سَلَمَةَ قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كانَ عندَ مُكاتَبِ إحداكُنَّ وَفاءٌ فلتَحْتَجِبْ منه".

قوله: "إذا كان عند مُكاتَبِ إحداكنَّ وفاءٌ، فَلْتَحتجِبْ منه"؛ يعني: خاطَبَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم جماعةَ نسوةٍ، فقال: إذا قدر مُكاتَبُ إحداكنَّ على أداء النجومِ نجومِ الكتابة، ولم يُؤدِّ بعدُ، ينبغي أن تحتجبَ منه؛ من حيث الورعُ والاحتياطُ؛ لأنه بصددِ أن يعتقَ ساعةً فساعةً، بأن يُؤديَ نجومَ الكتابة، لكنه رقيقٌ بعدُ، هذا معنى قول مُحيي السُّنَّة في "شرح السُّنَّة".

* * *

ص: 163

2546 -

وعن عمرِو بن شُعيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن كاتَبَ عبدَه على مائةِ أوقيةٍ فأدَّاها إلا عَشْرَ أواقٍ - أو قال: عَشْرةَ دنانيرَ، ثم عَجَزَ فَهُوَ رَقيقٌ".

قوله: "مَن كاتَبَ عبدَه على مئةِ أوقيةٍ

" إلى آخره، في الحديث دليلٌ على أنَّ المُكاتَبَ إذا أدَّى نجومَ الكتابة إلا قليلًا منها، ثم عجز عن أداء ذلك الباقي، يعود رِقُّه كما كان.

قوله: "عشرة أواق"، حقه: عشر أواق؛ لأن واحد (أواق): أوقية، وفيها تاء التأنيث.

* * *

2547 -

عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"إذا أصابَ المُكاتبُ حدًّا أو ميراثًا وَرِثَ بحسابِ ما عَتَقَ منه".

وقال: "يُؤدِّي المكاتَبُ بحصَّةِ ما أدَّى ديةَ حُرٍّ، وما بقي ديةَ عبدٍ"، ضعيف.

قوله: "إذا أصابَ المُكاتَب حدًّا أو ميراثًا ورثَ بحسابِ ما عَتَقَ منه"؛ يعني: إذا ثبت لمكاتَبٍ ديةٌ أو ميراثٌ يثبتُ له من الدِّية والميراث بحساب ما عتق من نفسه، كما لو أدَّى نصف مال الكتابة، ثم مات أبوه، وهو حرٌّ، وما خلَّف سواه، يرث من أبيه نصفُ مالِهِ؛ لعتق نصفه، وقياسُ الدِّية على الميراث، كما يأتي في الحديث الذي بعده شرحها، وهذا الحديثُ والذي بعده غيرُ معمولٍ بهما.

قوله: "يُؤدِّي المُكاتَب بحصة ما أدَّى

" إلى آخره، قال في "شرح السُّنَّة": وعامةُ أهل العلم على أنَّ المُكاتَب إذا قُتِلَ، وقد بقي عليه شيءٌ من

ص: 164