المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌12 - كِتابُ النِّكَاحِ

- ‌2 - باب النَّظَرِ إلى المَخطوبةِ وبيانِ العَورات

- ‌3 - باب الوليَّ في النَّكاح واستِئذانِ المَرأةِ

- ‌4 - باب إعلانِ النكاحِ والخِطبةِ والشَّرطِ

- ‌5 - باب المُحرَّماتِ

- ‌6 - باب المُباشَرةِ

- ‌فصل

- ‌7 - باب الصَّداق

- ‌8 - باب الوَليمةِ

- ‌9 - باب القَسْمِ

- ‌10 - باب عشرةِ النِّساءِ وما لكلِّ واحدةٍ من الحقوقِ

- ‌11 - باب الخُلعِ والطلاقِ

- ‌12 - باب المُطلَّقَةِ ثلاثًا

- ‌فصل

- ‌13 - باب اللِّعَانِ

- ‌14 - باب العِدَّة

- ‌15 - باب الاستبراء

- ‌16 - باب النَّفقاتِ وحَقِّ المَملوكِ

- ‌17 - باب بلوغِ الصَّغيرِ وحضانتهِ في الصِّغَرِ

- ‌13 - كِتابُ العِتْقِ

- ‌2 - باب إعتاقِ العَبْدِ المُشتَرَك وشراءِ القريبِ والعتقِ في المَرَضِ

- ‌3 - باب الأيمانِ والنُّذورِ

- ‌فصل في النُّذورِ

- ‌14 - كِتَابُ القِصَاصِ

- ‌2 - باب الدَّيَاتِ

- ‌3 - باب ما لا يُضْمَنُ من الجنايات

- ‌4 - باب القَسامة

- ‌5 - باب قتلِ أهل الرِّدَّةِ والسُّعاةِ بالفسادِ

- ‌15 - كِتَابُ الحُدُودِ

- ‌2 - باب قَطْعِ السَّرِقَةِ

- ‌3 - باب الشَّفاعةِ في الحُدودِ

- ‌4 - باب حدِّ الخمرِ

- ‌5 - باب لا يُدْعى على المَحدودِ

- ‌6 - باب التَّعْزيرِ

- ‌7 - باب بيانِ الخَمْرِ ووعيدِ شاربها

- ‌16 - كِتابُ الإمَارَة وَالقَضَاءِ

- ‌1 - باب

- ‌2 - باب ما على الوُلاةِ من التَّيسيرِ

- ‌3 - باب العَملِ في القضاءِ والخَوفِ منهُ

- ‌4 - باب رزق الوُلاةِ وهداياهم

- ‌5 - باب الأقضيةِ والشَّهاداتِ

- ‌17 - كِتابُ الجهَادِ

- ‌2 - باب إعدادِ آلةِ الجِهادِ

- ‌3 - باب آدابِ السَّفَرِ

- ‌4 - باب الكتابِ إلى الكُفَّارِ ودعائِهم إلى الإسلامِ

- ‌5 - باب القِتالِ في الجهاد

- ‌6 - باب حُكْمِ الأُسارى

- ‌7 - باب الأمانِ

- ‌8 - باب قِسْمَةِ الغنائمِ والغُلولِ فيها

- ‌9 - باب الجِزْيَةِ

- ‌10 - باب الصُّلحِ

- ‌11 - باب الجلاء: إخراجِ اليهودِ من جزيرةِ العَرَبِ

- ‌12 - باب الفَيْءِ

- ‌18 - كِتَابُ الصَّيْدِ والذَّبَائِحِ

- ‌2 - باب

- ‌3 - باب ما يحلُّ أكلُه وما يحرُمُ

- ‌4 - باب العقِيقةِ

- ‌19 - كِتَابُ الأَطْعِمَةِ

- ‌2 - باب الضيافَةِ

- ‌فصل

- ‌3 - باب الأشرِبةِ

- ‌4 - باب النَّقيعِ والأنبذةِ

- ‌5 - باب تغطيةِ الأواني وغيرِها

الفصل: ‌2 - باب الديات

قوله: "ما من رجل يُصاب بشيء في جسده، فتصدَّق به إلا رفعَه الله به درجة"(أصاب) مأخوذ من (أصابَ المطرُ): إذا نزل، ومعنى (أصاب)؛ أي: نزل به شيءٌ يكرهه كالجراحات والآفات وغير ذلك؛ يعني: ما من رجل جُنِي عليه، فعفى عن الجاني وترك القِصاص؛ طلبًا لرضا الله سبحانه إلا رفعَه الله بذلك العفو درجةً عنده، و"حطَّ": أسقط عنه بذلك ذنبًا من ذنوبه.

* * *

‌2 - باب الدَّيَاتِ

(باب الدَّيات)

(الدِّيات): جمع الدَّية، وهي مصدر كأنها اسم للمال.

2616 -

عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قال: قَضَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في جَنِينِ امرأةٍ من بني لِحْيانَ بغُرَّةٍ: عبدٍ أو أَمَةٍ، ثم إنَّ المرأةَ التي قَضَى عليها بالغُرَّةِ تُوفِّيَت، فقَضَى بأنَّ ميراثِها لِبنيها وزوجِها، والعَقْلُ على عَصَبَتِها.

قوله: "قضى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة من بني لَحْيان بغُرَّةٍ عبدٍ أو أَمَةٍ"، (الجنين): الولد ما دام في البطن، والجمع: الأَجنَّة، و (الغُرَّة): بياض [في] الوجه، والمراد بها ها هنا: عبدٌ أو أَمَةٌ.

قال فى "شرح السُّنَّة": والغُرَّة من كل شيء: أنفسه، والمراد من الحديث: النَّسَمة من الرقيق ذكرًا كان أو أنثى.

وقال أبو عمرو بن العلاء: (الغُرَّة): عبدٌ أبيضُ أو أَمَةٌ بيضاءُ، سُمِّي غُرَّةً لبياضه، وذهب إلى أنه لا يُقبَل فيه العبدُ الأسودُ؛ ولم يقلْ به أحدٌ.

وقيل: (الغُرَّة) قد فسَّرها الفقهاءُ بعبدٍ أو أَمَةٍ ثمنُه يبلغ عُشرَ الدِّية.

ص: 208

و"غُرةٍ عبدٍ أو أَمَةٍ" بالتنوين، والإضافةُ روايةٌ، قيل: رواية التنوين أكثرُ، ووجه التنوين: أنه يكون (العبدُ) عطفَ بيانٍ أو بدلاً، وإذا رُفع (العبدُ) فهو خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هي عبدٌ، وإذا نُصب يُحتمَل أن يكونَ تمييزًا، ويُحتمَل أن يكونَ مفعولاً به؛ أعني: عبدًا أو أَمَةً.

قوله: "والعَقل على عصبتها"، قيل: أراد بـ (العَقل) ها هنا: الغُرَّة التي هي جنين المضروبة، ويُحتمل أن المراد بالعَقل: الدِّيةُ المضروبة.

* * *

2617 -

وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: اقتتلَت امرأتانِ من هُذَيلٍ فرمَتْ إحداهما الأخرى بحَجَرٍ فقتلَتْها وما في بطنِها، فقضَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنَّ دِيَةَ جنينِها غُرَّةٌ: عبد أو وَلِيدَةٌ، وقضَى بديَةِ المرأةِ على عاقِلَتِها، وَوَرَّثَها وَلَدَها ومَن معهم.

قوله: "وقضى بدِية المرأة على عاقِلَتِها"، (العاقلة): العَصَبة، وهي القرابة مِن قِبَل الأب؛ وإنما سُمِّيت عاقلةً لأنها مأخوذةٌ من (العَقل) الذي هو بمعنى الشدِّ، وذلك أنَّ القاتلَ كان يأتي بالإبل فيَعقلُها، أي: يشدُها بالعِقال في فِناء المقتول.

وقيل: سُمِّيت عاقلةً لأنها مأخوذة من (العَقل) وهو المنع، وبه سُمَّي العقلُ المُركَّب في الإنسان؛ لأنه يمنعه عما لا يَحسُن ولا يَجمُل.

وليس ذلك بقياسٍ لمؤاخذة غير الجاني بجناية الجاني؛ ولكنَ أهلَ القاتل كانوا ينصرون الجاني منهم، ويمنعون أولياء المَجنيِّ عليه من طلب حقَّهم، فجعل الشرعُ تلك النصرةَ ببذل المال.

واختصَّ بالخطأ وشبه العمد، لأنه مما لا يمكن الاحترازُ عنه، ويكثر ذلك،

ص: 209

ففي الإيجاب عليه يكون إجحافًا، فأوجب على العاقلة بطريق المواساة، وجعله عليهم مُؤجَّلاً إلى ثلاث سنين؛ نظرًا لهم في المواساة، ولم يوجب على مَن بينه وبين الجاني بَعضية؛ لأنه كنفسه.

وعند أبي حنيفة: يجب على الإبعاض، ويجب في ماله إذا كان بالغًا عاقلاً ذكرًا ما يجب على واحدٍ من العاقلة.

قال في "شرح السُّنَّة": إذا جنى على امرأةٍ حاملٍ، فألقَتْ جنينًا ميتًا يجب على عاقلة الضارب غُرَّةٌ عبدٌ أو أَمَةٌ من أي نوع كان من الأرِقَّاء، سواءٌ كان الجنين ذكرًا أو أنثى، وإن سقط حَيًّا ثم مات، ففيه الدَّيةُ الكاملةُ، وإن ألقَتْ جنينَين ميتَين، فعليه غُرَّتانِ، ولِمُستحقَّها أن لا يَقبلَ مَعيبةً كالإبل في الدَّية، وله أن لا يَقبلَ دونَ سبع سنين أو ثماني سنين. وقال أبو حنيفة: يجب قَبولُ الطفل إذا كانت قيمتُها خمسَ مئةِ درهمٍ، وإذا عُدمت الغُرَّةُ ففيه نصفُ عُشْرِ دِية المسلم، وهي خمسٌ من الإبل في قول الشافعي، وقال مالك: ستُّ مئةِ درهمٍ، وقال أبو حنيفة: عليه غُرَّةٌ أو خمسُ مئةِ درهمٍ أو خمسون دينارًا.

* * *

2618 -

وعن المُغيرةِ بن شُعبةَ رضي الله عنه: أن ضَرَّتينِ رَمَتْ إحداهُما الأُخرى بعمُودِ فُسطاطٍ فأَلْقَتْ جنينَها، فقضَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في الجنينِ غُرةً: عبدًا أو أَمَةً، وجعلَها على عاقلةِ المرأةِ، ويروى: فَقتَلَتها، فجعلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم دِيَةَ المقتُولةِ على عَصَبةِ القاتِلَةِ.

قوله: "أن ضَرَّتيْنِ رَمَتْ إحداهما الأخرى بعمودِ فُسطاطٍ فأَلْقَتْ جنينَها"، (ضَرَّة المرأة): امرأة زوجها، سميت (ضَرَّة) لمُضَارَّتها الأخرى.

ص: 210

(الفسطاط): بيت من شعر، وفيه لغات:(فُسطاط) بضم الفاء، أو (فِسطاط) بكسرها، و (فُسَّطاط) بضم الفاء وتشديد السين، و (فِسَّطاط) بكسر الفاء وتشديد السين، و (فِستاط) بكسر الفاء وبالتاء المنقوطة فوقها بنقطتين بعد السين.

* * *

مِنَ الحِسَان:

2619 -

عن ابن عمرَ رضي الله عنهما: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألَا إنَّ في قَتيلِ العمدِ الخطأ بالسَّوطِ أو العَصا مائةً من الإبلِ مُغلَّطةً، منها أربَعونَ خَلِفَةً في بُطونِها أولادُها".

قوله: "ألا إن في قتيلِ العبد الخطأ بالسوط

" إلى آخره، (ألا): كلمة تنبيه، و (قتل العبد الخطأ): عبارة عن شبه العمد، وفي الحديث دليل على إثبات العبد الخطأ في القتل، وعند بعضهم القتل قسمان: عمد مَحض، وخطأ مَحض، وشبه العمد لا يُعرف، وهو قول مالك.

وأما استدلال أبي حنيفة بحديث ابن عمر على أن القتل بالمثقل شبه عمد لا يوجب القصاص، فليس له حجة في ذلك؛ لأن الحديث في السَّوط والعصا الخفيف الذي لا يقصد به القتل، فإذا حصل منه القتل يكون ذلك شبه عمد، فأما المُثقل الكبير فيلحق بالمحدد المُهيَّأ للقتل، هذا معنى كلام الشيخ في "شرح السنة".

* * *

2620 -

عن أبي بكرِ بن محمَّد بن عَمرِو بن حزمٍ، عن أبيه، عن جدِّه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كتبَ إلى أهلِ اليمنِ، وكانَ في كتابه: أنَّ مَن اعتَبَطَ مؤمِنًا

ص: 211

قتلاً فإنَّه قَوَدُ يدِهِ، إلا أنْ يَرضَى أولياءُ المقتولِ، وفيه: أنَّ الرَّجلَ يُقتَلُ بالمرأةِ، وفيه: في النَّفسِ الدِّيَةُ، مائةٌ مِن الإِبلِ، وعلى أهلِ الذَّهبِ ألفُ دينارٍ، وفي الأنفِ إذا أُوعِبَ جَدْعُه الديةُ مائةٌ من الإِبلِ، وفي الأسْنانِ الدِّيةُ، وفي الشِّفتَيْنِ الدِّيةُ، وفي البيضَتَينِ الدِّيةُ، وفي الذَّكَرِ الدِّيةُ، وفي الصُّلْبِ الدِّيةُ، وفي العَيْنَيْنِ الدِّيَةُ، وفي الرِّجْلِ الواحدةِ نصفُ الديةِ، وفي المَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدَّيةِ، وفي الجائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيةِ، وفي المُنَقِّلَةِ خمسَ عشْرةَ من الإِبلِ، وفي كُلِّ إِصبَعٍ مِن أصابعِ اليدِ والرِّجْلِ عَشْرٌ من الإِبلِ، وفي السِّنِّ خَمسٌ من الإِبلِ. وفي رواية: وفي العينِ خَمسُونَ، وفي اليدِ خمسونَ، وفي الرِّجْلِ خمسونَ، وفي المُوضحَةِ خَمْسٌ.

قوله: "منَ اعتَبَطَ مؤمنًا قتلاً فإنه قَوَدُ يدِهِ"، (عَبَطْتُ النَّاقة واعتبطتُها): إذا ذبحتُها وليس بها علة، فهي عَبيْطَة؛ يعني: مَنْ قتلَ مؤمنًا من غير جنايةٍ وجُرْمٍ موجبٍ ذلك (فإنه قود يده)؛ أي: فإن ذلك القتل موجبٌ للقصاص جزاءً لفعل يده الخاطئة.

قوله: "وفيه: أنَّ الرجلَ يُقتل بالمرأة"، الضمير في (فيه) يعود إلى الكتاب.

قوله: "وفي الأنفِ إذا أُوعِبَ جَدْعُه الديةُ مئةٌ من الإبل"، (أُوْعِبَ جدعه)؛ أي: قطع الأنف من أصله.

قوله: "وفي البيضتين الدية"؛ أي: في قطع البَيْضَتَيْن، (البَيْضَةُ) ها هنا: الخصية "الصُّلب": الظهر.

قوله: "وفي المَأْمُومَةِ ثُلُثُ الديةِ"، (المَأْمُومَة): هي التي تبلغ أمَّ الرأس، وهي خريطة الدماغ المحيطة به، وتسمى أمه؛ لأنها بلغت أم الرأس.

قوله: "وفي الجائفة ثلث الدية"، (الجائفة): وهي أن يضرب ظهره أو

ص: 212

بطنه أو صدره، فينفذه إلى جوفه، فإن خرجت من الجانب الآخر فهي: جائفتان.

قوله: "وفي المنقَّلة خمسة عشر من الإبل"، (المنقَّلة) بكسر القاف: هي التي تنقل العظم.

قوله: "وفي الموضحة خمس"، (الموضحة): هي التي توضح العظم؛ أي: تظهره.

* * *

2624 -

عن عمْروِ بن شُعيب، عن أبيهِ، عن جدِّه، قال: خطبَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عامَ الفتحِ ثم قال: "أيُّها الناسُ إنَّه لا حِلْفَ في الإِسلامِ، وما كانَ مِنْ حِلفٍ في الجاهليةِ فإنَّ الإِسلامَ لا يَزيدُه إلا شِدَّةً، المؤمنونَ يدٌ على مَن سِواهم، يُجِيرُ عليهم أَدْناهم، ويَرُدُّ عليهم أَقصاهُم، ويَرُدُّ سَراياهم على قَعِيدَتِهم، لا يُقتَلُ مؤمن بكافرٍ، دِيَةُ الكافرِ نِصفُ دِيةِ المسلم، ولا جَلَبَ ولا جَنَبَ، ولا تُؤخذُ صَدقاتُهم إلا في دُورِهم". ويروى: "دِيَةُ المُعاهِدِ نصفُ دِيةِ الحرَّ".

قوله: "عامَ الفتح"؛ أي: فتح مكة.

"لا حِلْفَ في الإسلام"، (الحِلف) بكسر الحاء: العهد بين قوم، (حالف): إذا عاهد، قيل:(الحِلف والمُحَالفة): عبارة عن جريان التحالف بين قوم في الجاهلية على أن سِلْمَ بعضهم سِلْمُ كلهم، وحَرْبَ بعضهم حربُ كلهم، وأن يرثَ بعضُهم بعضًا، ويغرم بعضهم بعضًا، فإذا جاء الإسلام دفع هذه القاعدة من أصلها وأبدلها بالمؤاخاة والأخوة، وقال تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10].

ص: 213

قوله: "ويردُّ سراياهم على قَعِيدَتِهم": المراد بـ (القَعيدة): الجيش الذين نزلوا قرب دار الحرب، والباقي مفسر قبل هذا.

قوله: "ولا جَلَبَ ولا جَنَبَ" قد فسره الإمام مظهر الدين رحمه الله في (كتاب الزكاة).

قوله: "ديةُ المعاهدِ نصفُ ديةِ الحُرِّ": قال في "شرح السنة": ذهب مالك وأحمد إلى أن ديته نصف دية الحر المسلم، غير أن أحمد قال: إذا كان القتل خطأ، فإن كان عمدًا لم يُقد به ويُضاعف عليه اثنا عشر ألفًا.

وقال أصحاب الرأي: ديتُهُ مثلَ دية المسلم، وقال الشافعي: ديتُهُ ثلث دية المسلم، وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف، فأربعة الآلاف ثلث الدية.

* * *

2627 -

عن عَمرِو بن شُعيبٍ، عن أبيهِ، عن جدِّه، قال: كانت قيمةُ الدَّيَةِ على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ثمان مئةِ دينارٍ، أو ثمانيةَ آلافِ درهم، وَدِيَةُ أهلِ الكتابِ يومَئذٍ النِّصفُ من دِيَةِ المسلمين. قال: فكانَ كذلكَ حتى استُخلِفَ عمرُ فقامَ خطيبًا فقال: إنَّ الإِبلَ قد غَلَتْ، فَفَرَضَها عمرُ رضي الله عنه: على أهلِ الذهبِ ألفَ دينارٍ، وعلى أهلِ الوَرِقِ اثني عَشَرَ ألفًا، وعلى أهلِ البقرِ مائتَي بقرةٍ، وعلى أهلِ الشَّاءِ أَلْفَيْ شاةٍ، وعلى أهلِ الحُلَلِ مائتي حُلَّةٍ، قال: وتَركَ دِيَةَ أهلِ الكتابِ لمْ يرفعْها.

قوله: "حتى استُخلِفَ عمر"؛ أي: جعل خليفة.

"فقام خطيبًا"؛ أي: وعظنا فقال: "إن الإبل قد غلت"، (الغلاء): ارتفاع السعر؛ أي: إن الإبل قد زادت قيمتها، "ففرضها عمر رضي الله عنه": فقدرها، و"الورق":

ص: 214

الفضة، و"الحُلَل": جميع حلة، وهي عبارة عن إزار ورداء.

قال في "شرح السنة": وذهب الشافعي في القديم إلى أن التقدير الذي قدَّره عمر رضي الله عنه عند إعواز الإبل، فأوجب ألف دينار أو اثنا عشر ألف درهم.

عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلاً من بني عدي قُتل، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ديته اثنا عشر ألفًا.

وذهب مالك وأحمد إلى أن الواجب في الدية مئة من الإبل أو ألف دينار، أو اثنا عشر ألف درهم. وذهب أبو حنيفة إلى أنها مئة من الإبل، أو ألف دينار، أو عشرة آلاف درهم.

* * *

2629 -

عن عَمرِو بن شُعيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه قال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُقَوِّمُ دِيَةَ الخطأ على أهلِ القُرى أربعَ مئةِ دينارٍ إلى ثمان مئةِ دينار، أو عَدْلَها مِن الوَرِقِ، ويُقَوَّمُها على أَثمانِ الإِبلِ، فإذا غَلَتْ رَفَعَ في قيمتِها، وإذا هاجَتْ برُخْصٍ نَقَصَ مِن قيمتِها، وبلغَتْ على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ما بينَ أربع مئةِ دينارِ إلى ثمان مئةِ دينارٍ، أو عَدْلِها مِن الوَرِقِ ثمانيةِ آلافِ درهمٍ، قال: وَقَضَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على أهلِ البقرِ مائتي بقرةٍ، وعلى أهلِ الشَّاءِ أَلْفي شاةٍ، وقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ العَقْلَ ميراثٌ بينَ ورثةِ القتيلِ، وقضَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أنَّ عَقْلَ المَرأةِ بينَ عَصَبَتِها ولا يَرِثُ القاتِلُ شيئًا.

قوله: "يُقَوِّمُ ديَةَ الخطأ على أهل القرى أربع مئة دينار"، (التقويم): جعل شيء ذا قيمة معينة، (القُرى): جمع قرية.

قوله: "وإذا هاجَتْ رُخْصٌ"، (هاج): ثار، و (ظهر الرُّخْصُ): ضد الغلاء، و (عَدلها) بفتح العين: مثلها.

ص: 215

وفيه دليل على أن الأصل في الدية الإبل، فإذا أعوزت تجب قيمتها ما بلغت، وهو قول الشافعي في الجديد، ذكره في "شرح السنة".

قوله: "إن العَقْلَ ميراثٌ بين ورثةِ القتيل"، (العقل): الدية، بمعنى: ديةُ القتيل موروثةٌ، كما أن المالَ موروثٌ، يرثها ورثة القتيل من النسب والسبب جميعًا.

قوله: "أنَّ عَقْلَ المرأةِ بين عصبَتِها، ولا يرثُ القاتلُ شيئًا"، (العصبة والعصابة): الجماعة؛ يعني: الدية التي تجب بجناية المرأة على العصبة الذين يسمون بالعاقلة، وليست كجناية العبد؛ فإن عاقلته لا تحمل عنه، بل يتعلق برقبته ودية الجاني الحر إذا كان خطأ تتحملها العاقلة وجوبًا، قد ذكر شرح العقل ومأخذه في أول الباب.

* * *

2631 -

وقال: قضَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في العينِ القائمةِ السَّادَّةِ لمكانِها بثلثِ الديَةِ.

قوله: "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في العين القائمة السَّادَّة لمكانها بثلث دية"، (العين القائمة السادة لمكانها): عبارة عن حدقة أعمى، ففي قلعها ثلث الدية عند إسحاق فإنه عمل بظاهر الحديث، وعند غيره من العلماء ما وجب إلا الحكومة.

قال في "شرح السنة": معنى (الحكومة) أن يقال: لو كان هذا المجروح عبدًا كم كان ينتقص بهذه الجراحة من قيمته، فتجب من ديته بذلك القدر، وحكومة كل عضو لا يبلغُ بدَلَه المقدَّر، حتى لو جُرح رأسه جراحة دون الموضحة لا يبلغ حكومتها أرش الموضحة وإن قبح شينها.

* * *

ص: 216

2633 -

عن عَمرِو بن شُعيبٍ، عن أبيه، عن جدَّه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ تطبَّبَ ولم يُعْلَم مِنْهُ طِبٌّ فهو ضامِنٌ".

قوله: "منَ تَطَببَ ولم يُعلم منه طِبٌّ فهو ضامن": قال في "الصحاح": (المتطبب): الذي يتعاطى علم الطب؛ أي: يخوض فيه؛ يعني: مَنْ شرع في علم الطب ولا يكون مشهورًا فيه، فإذا عالج مريضًا فهو ضامن.

وتلخيص البحث: أنَّ مَنْ عالجَ مريضًا وتعدَّى في علاجه، فمات المريض، صار ضامنًا، والذي تعاطى علمًا أو عملًا ولا يعرف ذلك فهو متعدي، فإذا تولد من فعله الهلاك، فهو ضامن لا محالة، ولكن يسقط عنه القصاص؛ لأنه ما عالج مستبدًا بل عالج بإذن المريض، فإذا كان مأذونًا من عنده تكون مرتبته مرتبة جناية الخطأ، فلهذا أوجب عامة الفقهاء دية جناية الطبيب على عاقلته، هذا معنى كلام الخطابي رحمه الله.

* * *

2634 -

عن عمران بن حصين: أنَّ غُلامًا لأُناسٍ فقراءَ قَطَعَ أُذُنَ غلامٍ لأُناسٍ أغنياءَ، فأَتَى أهلُهُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالوا: إِنَّا أُناسٌ فقراءُ، فلَمْ يجعلْ عليهم شيئًا.

قوله: "أنَّ غلامًا لأناسٍ فقراءَ قطعَ أُذُنَ غلامٍ لأُناسٍ أغنياءَ

" الحديث، المراد بـ (الغلام الجاني): الحر لا الرقيق، والمراد بـ (جنايته): جناية خطأ، وعاقلته كانوا فقراء، والعاقلة لا يتحملون الدية إلا إذا كانوا ذوي قدرة وسَعَة، وإلا فليس على الفقراء شيء، فلهذا ما أوجب النبي صلى الله عليه وسلم عليهم شيئًا، أما الرقيق إذا جنى على رقيق أو على حرًّ فأرش جنايته يتعلق برقبته عند جميع العلماء، وفقر مولاه لا يدفع عنه ذلك.

* * *

ص: 217