المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌5 - باب الأقضية والشهادات - المفاتيح في شرح المصابيح - جـ ٤

[مظهر الدين الزيداني]

فهرس الكتاب

- ‌12 - كِتابُ النِّكَاحِ

- ‌2 - باب النَّظَرِ إلى المَخطوبةِ وبيانِ العَورات

- ‌3 - باب الوليَّ في النَّكاح واستِئذانِ المَرأةِ

- ‌4 - باب إعلانِ النكاحِ والخِطبةِ والشَّرطِ

- ‌5 - باب المُحرَّماتِ

- ‌6 - باب المُباشَرةِ

- ‌فصل

- ‌7 - باب الصَّداق

- ‌8 - باب الوَليمةِ

- ‌9 - باب القَسْمِ

- ‌10 - باب عشرةِ النِّساءِ وما لكلِّ واحدةٍ من الحقوقِ

- ‌11 - باب الخُلعِ والطلاقِ

- ‌12 - باب المُطلَّقَةِ ثلاثًا

- ‌فصل

- ‌13 - باب اللِّعَانِ

- ‌14 - باب العِدَّة

- ‌15 - باب الاستبراء

- ‌16 - باب النَّفقاتِ وحَقِّ المَملوكِ

- ‌17 - باب بلوغِ الصَّغيرِ وحضانتهِ في الصِّغَرِ

- ‌13 - كِتابُ العِتْقِ

- ‌2 - باب إعتاقِ العَبْدِ المُشتَرَك وشراءِ القريبِ والعتقِ في المَرَضِ

- ‌3 - باب الأيمانِ والنُّذورِ

- ‌فصل في النُّذورِ

- ‌14 - كِتَابُ القِصَاصِ

- ‌2 - باب الدَّيَاتِ

- ‌3 - باب ما لا يُضْمَنُ من الجنايات

- ‌4 - باب القَسامة

- ‌5 - باب قتلِ أهل الرِّدَّةِ والسُّعاةِ بالفسادِ

- ‌15 - كِتَابُ الحُدُودِ

- ‌2 - باب قَطْعِ السَّرِقَةِ

- ‌3 - باب الشَّفاعةِ في الحُدودِ

- ‌4 - باب حدِّ الخمرِ

- ‌5 - باب لا يُدْعى على المَحدودِ

- ‌6 - باب التَّعْزيرِ

- ‌7 - باب بيانِ الخَمْرِ ووعيدِ شاربها

- ‌16 - كِتابُ الإمَارَة وَالقَضَاءِ

- ‌1 - باب

- ‌2 - باب ما على الوُلاةِ من التَّيسيرِ

- ‌3 - باب العَملِ في القضاءِ والخَوفِ منهُ

- ‌4 - باب رزق الوُلاةِ وهداياهم

- ‌5 - باب الأقضيةِ والشَّهاداتِ

- ‌17 - كِتابُ الجهَادِ

- ‌2 - باب إعدادِ آلةِ الجِهادِ

- ‌3 - باب آدابِ السَّفَرِ

- ‌4 - باب الكتابِ إلى الكُفَّارِ ودعائِهم إلى الإسلامِ

- ‌5 - باب القِتالِ في الجهاد

- ‌6 - باب حُكْمِ الأُسارى

- ‌7 - باب الأمانِ

- ‌8 - باب قِسْمَةِ الغنائمِ والغُلولِ فيها

- ‌9 - باب الجِزْيَةِ

- ‌10 - باب الصُّلحِ

- ‌11 - باب الجلاء: إخراجِ اليهودِ من جزيرةِ العَرَبِ

- ‌12 - باب الفَيْءِ

- ‌18 - كِتَابُ الصَّيْدِ والذَّبَائِحِ

- ‌2 - باب

- ‌3 - باب ما يحلُّ أكلُه وما يحرُمُ

- ‌4 - باب العقِيقةِ

- ‌19 - كِتَابُ الأَطْعِمَةِ

- ‌2 - باب الضيافَةِ

- ‌فصل

- ‌3 - باب الأشرِبةِ

- ‌4 - باب النَّقيعِ والأنبذةِ

- ‌5 - باب تغطيةِ الأواني وغيرِها

الفصل: ‌5 - باب الأقضية والشهادات

أرسلتُ إليكَ لأِبعثَكَ في وَجْهٍ يُسَلِّمُكَ الله ويُغنِّمُكَ، وأَزْعبُ لكَ زَعْبَةً مِن المالِ"، فقلتُ: يا رسولَ الله! ما كانَتْ هِجرَتي لِلمالِ، ما كانَتْ إلا للهِ ولرسولِه، فقال: "نِعِمَّا بالمالِ الصَّالحِ للرَّجُلِ الصَّالحِ".

قوله: "لأبعثَك في وَجْهٍ"؛ أي: لأرسلَك في عمل.

"وأَزْعَبَ"؛ أي: وأدفعَ إليك "زُعْبَةً" - بضم الزاء -؛ أي: قطعةً من المال؛ يعني: أعطيكَ أُجْرَةِ سَعْيك.

"نِعِمَّا بالمال الصالِح"، الباء زائدة؛ أي: نِعْمَ الشيءُ المالُ الحلال "للرجل الصالح"؛ أي: لا بأسَ بجمعِ المالِ الحلالِ إذا كان الرجلُ يؤدِّي منه حقوقَ الله تعالى.

* * *

‌5 - باب الأقضيةِ والشَّهاداتِ

(باب الأقضية والشهادات)

مِنَ الصِّحَاحِ:

2827 -

عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"لو يُعْطَى النَّاسُ بدعْواهُم لادَّعى ناسٌ دِماءَ رِجالٍ وأموالَهم، ولكنَّ البينةَ على المُدَّعي، واليمينَ على المُدَّعَى عليهِ".

قولُه: "ولكن اليمين على المدَّعَى عليه"؛ يعني: لا يدفَعُ إلى المدَّعِي ما ادَّعاه بمجرَّدِ دعواه، ولكنْ عليه البَيِّنَة، فإن لم يكنْ له بَيِّنَةٌ يحلِفُ المدَّعى عليه أنه لا شيءَ في ذِمَّتِه للمُدَّعِي، وتَبْرأ ذمته.

* * *

ص: 320

2828 -

وقال: "مَن حَلَفَ على يمينِ صَبْرٍ، وهو فيها فاجِرٌ، يَقتَطِعُ بها مالَ امرئٍ مسلمٍ، لقيَ الله يومَ القيامةِ وهو عليهِ غضبانُ".

قوله: "يمينِ صَبْر"، (الصبرُ)؛ الحَبْسُ، والمراد باليمين الصَّبْر: اليمينُ التي يكونُ الرجلُ فيها متعمِّدًا قاصدًا لإذهاب مالِ مسلم.

"وهو فيها فاجر"؛ أي: وهو فيها كاذب.

روى هذا الحديثَ عبدُ الله بن مسعود.

* * *

2829 -

وقال: "مَن اقتَطَعَ حقَّ امرئٍ مسلمٍ بيَمينِه فقد أَوْجَبَ الله لهُ النَّارَ وحرَّم عليهِ الجنَّةَ"، فقالَ لهُ رَجُلٌ: وإنْ كانَ شَيْئًا يَسيْرًا يا رسولَ الله؟ قال: "وإن كانَ قَضيبًا مِن أراكٍ".

قوله: "وحَرَّمَ عليه الجَنَّةَ"؛ يعني: حَرَّمَ عليه الجَنَّةَ حتى يطهُرَ من ذلك الذنبِ والمَظْلَمة.

روى هذا الحديثَ إياس بن ثعلبة الحارثي.

* * *

2830 -

وقال: "إنَّما أنا بَشَرٌ، وإنَّكم تَخْتصِمونَ إليَّ، ولعلَّ بعضَكم أنْ يكونَ أَلحنَ بحُجَّتِه مِن بعضٍ، فأَقضيَ لهُ على نحوِ ما أسمَعُ منهُ، فمَن قضيتُ لهُ بشيءٍ مِن حقِّ أخيهِ فلا يأخُذنَّهُ، فإنَّما أَقطعُ لهُ قِطعةً مِن النَّارِ".

قوله: "أَلحن بحُجَّته"؛ أي: أفصحُ وأقدَرُ على العِبَارة، فيُزين كلامَه بحيث أظنُّه صادقًا في دعواه، وربما يكون كاذبًا، فأقضي على وفق ظاهر دعواه، ولم أعرف أنه كاذبٌ بينه وبين الله.

ص: 321

قوله: "فمن قضيتُ له بشيءٍ من حقِّ أخيه فلا يأخُذنَّه"؛ يعني: ما كانَ حرامًا لا يحِلُّ بأن يقضيَ القاضي بحِلِّه، وما كان حلالاً لا يحرَّم بأن يقضيَ القاضي بتحريمه، وبهذا قال الشافعي وأحمد ومالك.

وقال أبو حنيفة: الحُكْمُ ما قضى به الحاكمُ في العقود والفسوخِ، حتى لو شهدَ شاهدا زورٍ ببيعِ مال، فحكمَ القاضي بشهادتهما بالمُلْك للمُدَّعي في ذلك المبيع = حَلَّ ذلك المبيعُ للمُدَّعي، وإن كان كاذبًا فيما بينَه وبينَ الله تعالى.

روت هذا الحديثَ أمُّ سَلَمَة.

* * *

2831 -

وقال: "إنَّ أبغضَ الرِّجالِ إلى الله الأَلدُّ الخَصِمُ".

قوله: "الأَلَدُّ الخَصِمُ"، (الأَلَدُّ) مبالغة؛ أي: أشدُّ مخاصمةً، الأَلَدُّ مضافٌ، والخَصِمُ مضافٌ إليه، وهو مصدر، وتقديره: الذي لدَّتْ مخاصمتُه؛ أي: اشتدَّتْ.

روت هذا الحديث عائشة.

* * *

2832 -

عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بيَمينٍ وشاهدٍ.

قوله: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بيمينٍ وشاهدٍ"؛ يعني: كان للمدَّعِي شاهدٌ واحدٌ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلِفَ على ما يدَّعيه بدلاً من الشاهدِ الآخر، فلما حلَفَ قضى له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بما ادَّعاه، وبهذا قال الشافعيُّ ومالك وأحمد.

وقال أبو حنيفة: لا يجوزُ الحُكْمُ بالشاهد واليمين، بل لا بدَّ من الشاهدين،

ص: 322

وخلافُهم في الأموال، فأما إذا كان الدَّعوى في غير الأموال، فلا يُقبَلُ شاهدٌ ويمينٌ بالاتفاق.

* * *

2833 -

وعن عَلْقَمَةَ بن وائِلٍ، عن أبيهِ، قال: جاءَ رجلٌ مِن حَضْر مَوْتَ ورَجُلٌ مِن كِنْدَةَ إلى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقالَ الحَضْرَمِيُّ: يا رسولَ الله! إنَّ هذا غَلبني على أرضٍ لي، فقالَ الكِنْدِيُّ: هي أرضي وفي يَدِي ليسَ له فيها حَقٌّ، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم للحضْرَمِيِّ:"أَلَكَ بَينَةٌ؟ "، قال: لا، قال:"فَلَكَ يمينُهُ"، قال: يا رسولَ الله! إنَّ الرَّجُلَ فاجِرٌ لا يُبالِي على ما حَلفَ عليه، وليسَ يَتَوَرَّعُ مِن شيء، قال:"ليسَ لك مِنهُ إلَاّ ذلك"، فانْطَلَقَ ليَحلِفَ، فقال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لمَّا أَدْبَرَ:"لَئِنْ حَلَفَ على مالِهِ لِيَأْكُلَهُ ظُلمًا لَيَلْقَينَّ الله وهوَ عنهُ مُعرِضٌ".

قوله: "إلا ذلك"؛ أي: إلا اليمين.

قوله: "وهو عنه مُعْرِضٌ"؛ أي: لا ينظرُ إليه بنظَرِ الرحمة حتى يأخذَ مِن حسناته بقَدْر ما ظلمَ على المظلوم.

* * *

2834 -

وقال: "مَن ادَّعى ما ليسَ لهُ فليسَ منَّا، وليَتَبَوَّأْ مَقعَدَهُ مِن النَّارِ".

قوله: "من ادَّعى ما ليس له فليس منا"؛ يعني: مَن ادَّعى دعوى كاذبةً؛ ليأخذَ مالَ أحدٍ بالباطل، فليس مِنَّا في هذا الفعل، وله النار.

روى هذا الحديثَ أبو ذر رضي الله عنه.

* * *

ص: 323

2835 -

وقال: "أَلَا أُخْبرُكم بخيرِ الشُّهداءِ؟ الذي يأتِي بشهادَتِهِ قبلَ أن يُسْأَلَها".

قوله: "ألا أخبرُكُم بخيرِ الشهداء؟ الذي يأتي بشهادته قبلَ أنْ يَسْأَلها" هذا في شهادة الحسِبْة؛ أي: في حقوق الله تعالى كالزكاة وغيرها.

من عَلِمَ أنَّ على رجلٍ زكاةً جازَ له أن يشهدَ عليه عند عاملِ الزكاة على وجوب الزكاة على ذلك الرجل، وكذلك لو علمَ أن رجلاً أعتقَ عبدًا، أو وقفَ أرضَه وَقْفًا عامًا، أو طَلَّقَ امرأتَه = جازَ أن يشهدَ في هذه الأشياء، وإن لم يسأَلْه أحدٌ تلك الشهادةَ؛ لأنه ليس لهذه الأشياء مطالبُ، فلو لم يشهدْ بها؛ لضاعت هذه الأشياءُ، وكذلك لو كان حقٌّ لآدمي، وفيه شهادةٌ عند رجل، ولم يَعْلَمِ المُدَّعي أن له شاهدًا بذلك = جازَ للشاهد أن يشهَدَ بذلك الحقِّ، كيلا يضيعَ حقُّه.

والأَولى أن يخبرَ الشاهدُ المُدَّعِيَ قبلَ أن يَدَّعِيَ، بأن يقول: أنا شاهدٌ في هذا، فاطلُبني حتى أشهدَ لك به عند الحاكم، فأما كلُّ حقًّ لآدميٍّ يعلَمُ المُدَّعِي الشاهدَ لا يجوزُ للشاهد أن يشهدَ فيه حتى تُطْلَبَ منه الشهادةُ.

روى هذا الحديثَ زيدُ بن خالد الجُهَني.

* * *

2836 -

وقال: "خيرُ النَّاسِ قَرْني، ثُمَّ الذينَ يَلُونَهم، ثُمَّ الذين يَلُونَهم، ثُمَّ يَجيءُ قومٌ تَسْبقُ شهادةُ أحدِهم يمينَه، ويمينُهُ شهادَتَه".

قوله: "ثم يجيءُ قومٌ تسبقُ شهادةُ أحدِهم يمينَه، ويمينُه شهادتَه"؛ يعني: يشهدُ من غير أن يُسْتَشْهدَ، ثم يَحْلِفُ بأن يقولَ: والله إني لصادقٌ فيما شهدتُ به.

وقوله: "ويمينُه شهادتُه"؛ أي: يَحْلِفُ بأن يقولَ: إني لصادقٌ فيما أَشْهَدُ

ص: 324

به، ثم يَشْهدُ، ويحتملُ أن يكونَ هذا مِثلَ هذا في سرعة الشهادة واليمين، وحَرِصَ الرجلُ عليهما؛ يعني: يحرِصُ عليهما، وشرعُ فيهما حتى لا يَدْرِي أنه بأيهما يبتدئ، فكأنه يسبقُ شهادتُه يمينَه، ويمينُه شهادتَه من قِلَّة مبالاته بالدِّين.

وإنما تكونُ الشهادةُ مذمومةً قبل أن يستشهَد إذا علم صاحبُ الحق أن له في ذلك الحقِّ شاهدًا، فإذا كان كذلك لا يجوزُ للشاهد أن يشهدَ حتى يطلبَ صاحبُ الحقِّ منه الشهادة، وكذلك لا يجوزُ اليمينُ إذا وجبتْ عليه يمينٌ قبل أن يستَحْلِفَه صاحبُ الحقِّ، فلو حلفَ قبل أن يستَحْلِفَه ولم يعتدَّ بحَلِفِه، بل يلزمه إعادةُ الحَلفِ إذا استَحْلَفَه صاحبُ الحَقِّ.

* * *

2837 -

وعن أبي هُريرةَ رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عرضَ على قومٍ اليمينَ فأَسرَعوا، فَأَمَرَ أَنْ يُسْهَمَ بينَهم في اليمينِ أَيُّهم يَحلِفُ.

قوله: "أن النبي صلى الله عليه وسلم عرضَ على قومٍ اليمينَ فأسرعوا، فأمر أن يُسْهَمَ بينهم في اليمين أَيُّهم يحلف"، (أَسْهَمَ)؛ أي: أَقْرَع.

صورة هذا: أن رجلين إذا تداعيا مَتاعًا في يدِ ثالث، ولم يكنْ لهما بَينَةٌ، أو لكلِّ واحدٍ منهما بَينَةٌ، وقال الثالث: لم أعلمْ أنه لكما، أو لغيركما، فحُكْمُ هذا أن يُقْرَعَ بين المتداعِيَيْن، فأيُّهما خَرَجَتْ له القُرْعَةُ يَحْلِفُ مع القُرْعة، ويُقْضَى له بذلك المتاع، وبهذا قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

ففي هذه الصورة في قول الشافعي: يُتْرَكُ ذلك المتاعُ في يدِ الثالث، وفي قولٍ آخرَ للشافعي، ومذهب أبي حنيفة: أنه يُجْعلُ بين المتداعِيَين نصفان مع يمينِ كلِّ واحدٍ منهما.

ص: 325

وقال الشافعيُّ في قولٍ آخر: يُقْرَعُ بين المتداعيين، فمن خرجَتْ قرعتُه يَحْلِفُ ويأخُذُ، وكذلك قال أحمد، إلا أنه قال: إذا خرجتْ لأحدهما القرعةُ يكون ذلك المتاعُ له بلا يمين.

* * *

مِنَ الحِسَان:

2839 -

عن أُمِّ سَلمةَ رضي الله عنها، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: في رَجُلَيْنِ اختصَما إليهِ في مَوَاريثَ لم يكنْ لهما بينَةٌ إلا دَعْوَاهُمَا فقال: "مَنْ قضَيتُ لهُ بشيءٍ مِن حقِّ أخيهِ فإنَّما أَقطعُ لهُ قِطعةً مِن النّارِ"، فقال الرَّجُلانِ كلُّ واحدٍ منهما: يا رسولَ الله! حقِّي هذا لِصَاحِبي، فقالَ:"لا ولكنْ اذهبَا فاقتسِما وتَوَخَّيا الحقَّ، ثم استَهِما ثم لْيُحَلِّلْ كلُّ واحدٍ منكما صاحِبَهُ".

ويُروى أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ في هذا الحديث: "إنما أَقضي بينَكم برأيي فيما لم يُنْزَلْ عليَّ فيهِ".

قوله: "في مَوَاريثَ"، وهي جَمْعُ موروث؛ يعني: تداعَيا في أمتعة، فقال أحدهما: هذه الأمتعة لي ورثْتُها من مُوْرِثي، وقال الآخر: بل إنها لي، ورثْتُها من مُوْرِثي، ولم يكنْ لهما بَينَةٌ بما قالا، فخَوَّفَهما رسولُ الله بقوله: إنما أَقْطَعُ له قِطْعةً من النار، فخافا وقال كلُّ واحدٍ منهما: هذا لصاحبي، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:

"فاقتسِما وتوخَّيا الحقَّ"؛ أي: اطلُبا العَدْلَ في القِسْمة، واجْعَلاها نِصْفَين.

"ثم اسْتَهِمَا"؛ أي: ثم أَقْرِعا، حتى يَظْهَرَ بالقُرْعَة، أيُّ القسمين وقعَ في نصيب كلِّ واحدٍ منكما، ثم ليحْلِلْ كلُّ واحدٍ منكما صاحبَه.

* * *

ص: 326

2841 -

عن أبي موسى الأشعريِّ: أنَّ رَجُلَيْنِ تَدَاعَيا بعيرًا على عهدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فبعثَ كلُّ واحدٍ منهما شاهدَينِ فَقَسَمَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بينَهما نِصفينِ.

وبإسناده: أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا بعيرًا ليستْ لواحدٍ منهما بينَةٌ فجَعَلَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بينَهما.

قوله: "فجعلَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بينهما"؛ اعلم أن رجلين إذا تداعيا مَتاعًا، وتساويا في أنَّ لكل واحدٍ منهما بَينَةً، أو ليس لكلِّ واحدٍ منهما بَينةٌ، وكان المتاع في أيديهما، أو لم يكن في يدِ واحدٍ منهما = يُقْسَمُ ذلك المتاعُ بينهما نصفين؛ لتساويهما في جميع هذه الأشياء، وإن كان في يد أحدهما يُحْكَم به لصاحب اليد.

* * *

2842 -

وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه: أنَّ رَجُلينِ اختصَمَا في دابَّةٍ وَلَيْسَ لهما بينَةٌ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"استهِمَا على اليَمينِ".

قوله: "أن رجلين اختصما في دابةٍ وليس لهما بينةٌ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: استهما على اليمين"، هذا الحديث مثلُ الحديث الذي ذُكر شَرْحُه قبل حِسَانِ هذا الباب.

* * *

2844 -

عن الأَشْعَثِ قال: كانَ بَيْنِي وبينَ رجُلٍ مِن اليَهودِ أرضٌ فجحدَني، فقدَّمتُهُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالَ:"ألَكَ بَينَةٌ؟ "، قلتُ: لا، قال لليهوديِّ:"احلِفْ"، قلتُ: يا رسولَ الله، إِذَنْ يَحْلِفَ ويذهبَ بمالي، فأنزلَ الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} ، صحيح.

ص: 327

قوله: "إذنْ يَحْلِفَ ويذهبَ بمالِي"؛ يعني: لو حلَّفته لحلف، ولذهب بمالي يعني لو حَلَّفه يحلف؛ لأنه يهوديٌّ لا يخاف الله، فأنزل الله هذه الآية تخويفًا لمن يحلِفُ كاذبًا، أو ينقضُ عهدًا لسبب متاعِ الدنيا.

شرح الآية: قوله: " {ثَمَنًا قَلِيلًا} "؛ أي: مالًا قلَّ أو كَثُرَ؛ لأن جميعَ متاع الدنيا قليل.

" {لَا خَلَاقَ} "؛ أي: لا نصيب لهم في الآخرة من الخير والثواب.

" {وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ} "؛ أي: ولا يكلمهم الله بما يَسرُّهم ويُفْرِحُهم، بل يُسمعهم ما يُحزنهم.

" {وَلَا يُزَكِّيهِمْ} "؛ أي: ولا يطهِّرهم من ذلك الذنب حتى عُذِّبُوا بذلك الذنب، ثم خرجوا من النار إن كانوا مسلمين.

* * *

2845 -

عن الأَشْعَثِ بن قيْسٍ: أنَّ رَجُلاً مِن كِنْدَةَ ورَجُلاً مِن حَضْرَمَوْتَ اختصَمَا في أرضٍ مِن اليمنِ، فقال الحَضْرَمِيُّ: يا رسولَ الله، إنَّ أرضي اغتَصبنيها أبو هذا وهي في يَدِهِ، قال:"هَلْ لَكَ بَينَةٌ؟ "، قال: لا ولكن أُحَلِّفُه: والله ما يَعْلمُ أنَّها أرضي اغتَصَبنيها أبوهُ، فَتَهَيَّأَ الكِنْدِيُّ لليمينِ، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"لا يَقْتَطِعُ أحدٌ مالاً بيمينٍ إلا لقيَ الله وهو أَجْذَمُ"، فقالَ الكِنْدِيُّ: هي أَرْضُه.

قوله: "وهو أَجْذَمُ"، (الأَجْذَمُ): مقطوعُ اليد، والمراد به ها هنا: أنه يكون يوم القيامة بلا عُذْرٍ ولا حُجَّة؛ يعني: يكون خاسرًا خائبًا، ولا يكونُ له عند الله عُذْرٌ وحُجَّةٌ في أَخْذِ مالِ مسلمٍ ظلمًا، وفي حَلِفِه كاذبًا.

ص: 328

2846 -

عن عبد الله بن أُنَيْسٍ، قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ مِن أكبرِ الكَبائِرِ الشِّركَ بالله وعُقوقَ الوالدَيْنِ، واليمينَ الغَمُوسَ، وما حَلَفَ حَالِفٌ بالله يمينَ صَبْرٍ، فأَدْخَلَ فيهِ مثلَ جَناحِ بعُوضَةٍ إلا جُعِلَتْ نُكْتَةً في قلبهِ إلى يومِ القِيامَةِ"، غريب.

قوله: "فأدخلَ فيها مثلَ جناحِ بعوضةٍ"؛ أي: أدخلَ في تلك اليمينِ شيئًا من الكَذِب.

* * *

2847 -

عن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَحْلِفُ أَحَدٌ عندَ مِنبري هذا عَلَى يَمِينٍ آِثمَةٍ - ولو على سِوَاكٍ أخضرَ - إلا تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ من النَّارِ، أو وَجَبَتْ لهُ النَّارَ".

قوله: "عند منبري"، إنما خصَّ صلى الله عليه وسلم منبَره بتعظيمه وشرفِه، وإلا لكان الكذبُ في اليمين وغيرِه موجِبًا للإثم، فإذا كان الكذبُ إثمًا يكونُ مع اليمين أكثرَ كذبًا وإثمًا، ويكون في الموضع الشريف أكثرَ إثمًا من موضعٍ غيرِ شريف.

* * *

2848 -

عن خُرَيْم بن فَاتِكٍ قال: صلى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صلاةَ الصُّبح فلمَّا انصرفَ قامَ قائِمًا وقالَ: "عُدِلَتْ شَهادةُ الزُّورِ بالإشراكِ بالله، ثلاثَ مَرَّاتٍ، ثم قَرَأَ: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} ".

قوله: "عُدِلَتْ شهادةُ الزُّوْر بالإشراكِ بالله"؛ أي: جُعِلَت الشهادةُ الكاذبة متماثلةً للإشراك بالله في الإثم؛ يعني: كما أن الإشراكَ بالله مُوْجِبٌ للعذاب،

ص: 329

فكذلك شهادةُ الزور، إلا أن الإشراكَ بالله موجِبٌ للخلود في النار؛ لأنه كفرٌ، وشهادة الزور غير موجبة للخلود؛ لأنه ذنبٌ لا كفرٌ.

* * *

2849 -

عن عائشةَ رضي الله عنها تَرْفَعُه قالتْ: لا تَجُوزُ شَهادةُ خائنٍ ولا خائِنَةٍ ولا مَجلُودٍ حدًّا، ولا ذِيْ غِمْرٍ على أخيهِ، ولا ظَنِينٍ في وَلاءٍ، ولا قَرابَةٍ، ولا القانِعِ لِأَهْلِ البيتِ. ضعيف.

قوله: "لا تجوز شهادة خائنٍ ولا خائنةٍ"؛ يعني: لا يجوزُ شهادةُ الفاسِقَين، والخيانةُ من جملة الفسوق، والفاسق: من فعلَ كبيرةً، أو أصرَّ على الصغائر، فإذا تاب تُقْبَلُ شهادته، والخيانةُ من الكبائر، وهي أخذُ مالِ أحدٍ غصبًا، أو سرقة، وبأي سبب يأخذ مالَ أحدٍ بغير إذنه وبغير استحقاق، فهو خائن.

قوله: "ولا مجلود حَدًا"، قال أبو حنيفة: إذا جُلِدَ القاذفُ لا تقبلُ شهادتُه أبدًا وإن تاب، وأما قبل الجَلْد تُقْبلُ شهادتُه.

وقال غيره: (القذف) من جملة الفسوق، لا يتعلَّقُ بإقامة الحَدِّ، بل إن تاب قُبلَتْ شهادتُه سواءٌ جُلِدَ أو لم يُجلَد، وإن لم يتبْ لا تُقبَلُ شهادتُه سواءٌ جُلد أو لم يُجلَد.

قوله: "ولا ذي غِمْرٍ على أخيه"، (الغِمْرُ): الحقدُ على أخيه؛ أي: على أخيه المسلمِ سواءٌ كان أخاه من النسب، أو كان أجنبيًا؛ أي: لا تقبل شهادةُ العدوِّ على عدوٍّ خلافًا لأبي حنيفة.

قوله: "ولا ظَنِينٍ في وَلاء، ولا قَرابة"، (الظَّنِينُ): المُتَّهم؛ يعني: مَن قال: أنا عَتِيقُ فلانٍ، وهو كاذب فيه بحيث يتهمه الناس في قوله: أنا عتيق فلان،

ص: 330

ويكذبونه لا تقبل شهادته؛ لأنه فاسق؛ لأنَّ قَطْعَ الولاء عن المُعْتِق، وإثباتَ ولائه لمن ليس بمعتِقه كبيرة، وفاعلُ الكبيرةِ فاسقٌ، وكذلك الظَّنين في القرابة، وصورتُه أن يقول: أنا ابن فلان، وأنا أخو فلان من النسب، وهو كاذب بحيث يتَّهِمُه الناس، ويكذِّبونه في ذلك الانتساب لا تُقبَلُ شهادتُه؛ لما ذكرنا.

قوله: "ولا القانع من أهل البيت"، (القانعُ): السائلُ المُقْتَنع؛ أي: الصابرُ بأدنى قُوْت، والمراد به ها هنا: مَن كان في نفقةِ أحدٍ لا تُقبَلُ شهادتُه له؛ لأنه يَجُرُّ نَفْعًا بشهادته إلى نفسه؛ لأنَّ ما حصلَ من مالٍ للمشهود له يعودُ نفعًا إلى الشاهد؛ لأنه يأكلُ من نفقته.

وكذلك لا تُقبَلُ شهادةُ مَنْ جرَّ نفعًا بشهادته إلى نفسه كالوالد يشهدُ لولده، أو الولد يشهدُ لوالده، أو الغريمِ يشهدُ بمالٍ للمُفْلِس على أحد، وتُقْبَلُ شهادةُ أحدِ الزوجين لآخر، خلافًا لأبي حنيفة وأحمدَ، وتُقْبَلُ شهادةُ الأخِ لأخيه خلافًا لمالك.

* * *

2851 -

وعن أبي هُريرةَ رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تجوزُ شهادةُ بَدَويٍّ على صاحِبِ قَرْيةٍ".

قوله: "لا تجوزُ شهادةُ بَدَويٍّ على صاحبِ قَرْية"، قال الخَطَّابي: إنما لا تُقبَلُ شهادةُ البَدَوِيِّ؛ لجهالتهم بأحكام الشريعة، وبكيفية تحمُّلِ الشهادةِ وأدائها، وغلبةِ النسيانِ عليهم، فإن عَلِمَ كيفيةَ تحمُّلِ الشهادة وأدائها بغير زيادة ونقصان، وكان عَدْلاً، مِن أهل قَبُول الشهادة جازت شهادتُه خلافًا لمالك.

* * *

2852 -

عن عَوْفِ بن مالكٍ رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بينَ رَجُلينِ، فقالَ المَقْضيُّ عليهِ لَمَّا أَدبرَ: حَسْبيَ الله ونِعْمَ الوكيلُ، فقالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله يَلُومُ

ص: 331

على العَجْزِ، ولكنْ عليكَ بالكَيْسِ، فإذا غَلَبَكَ أمرٌ فقلْ: حَسْبيَ الله ونِعْمَ الوكيلُ".

قوله: "حسبي الله ونعم الوكيل"، إنما قال المقضيُّ عليه - وهو المُدَّعى عليه - هذا الكلامَ: إشارةً إلى أن المُدَّعِي أخذَ مني المال باطلاً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إنَّ الله يلومُ على العَجْز"؛ يعني: أنت مقصِّرٌ في الاحتياط، ولعل المقضيَّ عليه كان عليه دَيْنٌ للمُدَّعِي، فأدَّاه مرةً، ولم يكنْ له في الأداء بَينةٌ، فادَّعى المُدَّعِي مرة أخرى، وأخذ الدَّيْن منه مرة أخرى، فقال المَقْضيُّ عليه: قد أَدَّيْتُ الدَّيْنَ مرةً، ولكن لمَّا لم يكن له بَينَةٌ في الأداء لم يُسمعْ منه دَعْوى الأداء، فعابه النبي صلى الله عليه وسلم على التقصير في الإشهاد.

قوله: "فإذا غلبَكَ أمرٌ"؛ يعني: بالغْ في الاحتياط بقَدْرِ طاقتك، فإذا بالغتَ في الاحتياط، ثم وقعَ عليك واقعةٌ بحيث لم يكنْ منك تقصيرٌ، فحينئذ قل: حسبي الله.

* * *

2853 -

عن بَهْزِ بن حَكِيْمٍ، عن أبيه، عن جده:"أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حَبَسَ رَجُلاً في تُهْمةٍ ثم خلَّى عنه".

قوله: "حبسَ رجلاً في تُهمةٍ، ثم خَلَّى عنه"؛ يعني: ادُّعِيَ على ذلك الرجل ذنبٌ أو دينٌ، فحبسَه رسول الله؛ ليعلمَ صدقَ تلك الدعوى بالبَينَة، فلمَّا لم يكن للمُدَّعِي بَينَةٌ رُفِعَ عنه الحبسُ، وهذا دليلٌ على أن الحَبْسَ من أحكام الشرع.

° ° °

ص: 332