المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌14 - كتاب القصاص - المفاتيح في شرح المصابيح - جـ ٤

[مظهر الدين الزيداني]

فهرس الكتاب

- ‌12 - كِتابُ النِّكَاحِ

- ‌2 - باب النَّظَرِ إلى المَخطوبةِ وبيانِ العَورات

- ‌3 - باب الوليَّ في النَّكاح واستِئذانِ المَرأةِ

- ‌4 - باب إعلانِ النكاحِ والخِطبةِ والشَّرطِ

- ‌5 - باب المُحرَّماتِ

- ‌6 - باب المُباشَرةِ

- ‌فصل

- ‌7 - باب الصَّداق

- ‌8 - باب الوَليمةِ

- ‌9 - باب القَسْمِ

- ‌10 - باب عشرةِ النِّساءِ وما لكلِّ واحدةٍ من الحقوقِ

- ‌11 - باب الخُلعِ والطلاقِ

- ‌12 - باب المُطلَّقَةِ ثلاثًا

- ‌فصل

- ‌13 - باب اللِّعَانِ

- ‌14 - باب العِدَّة

- ‌15 - باب الاستبراء

- ‌16 - باب النَّفقاتِ وحَقِّ المَملوكِ

- ‌17 - باب بلوغِ الصَّغيرِ وحضانتهِ في الصِّغَرِ

- ‌13 - كِتابُ العِتْقِ

- ‌2 - باب إعتاقِ العَبْدِ المُشتَرَك وشراءِ القريبِ والعتقِ في المَرَضِ

- ‌3 - باب الأيمانِ والنُّذورِ

- ‌فصل في النُّذورِ

- ‌14 - كِتَابُ القِصَاصِ

- ‌2 - باب الدَّيَاتِ

- ‌3 - باب ما لا يُضْمَنُ من الجنايات

- ‌4 - باب القَسامة

- ‌5 - باب قتلِ أهل الرِّدَّةِ والسُّعاةِ بالفسادِ

- ‌15 - كِتَابُ الحُدُودِ

- ‌2 - باب قَطْعِ السَّرِقَةِ

- ‌3 - باب الشَّفاعةِ في الحُدودِ

- ‌4 - باب حدِّ الخمرِ

- ‌5 - باب لا يُدْعى على المَحدودِ

- ‌6 - باب التَّعْزيرِ

- ‌7 - باب بيانِ الخَمْرِ ووعيدِ شاربها

- ‌16 - كِتابُ الإمَارَة وَالقَضَاءِ

- ‌1 - باب

- ‌2 - باب ما على الوُلاةِ من التَّيسيرِ

- ‌3 - باب العَملِ في القضاءِ والخَوفِ منهُ

- ‌4 - باب رزق الوُلاةِ وهداياهم

- ‌5 - باب الأقضيةِ والشَّهاداتِ

- ‌17 - كِتابُ الجهَادِ

- ‌2 - باب إعدادِ آلةِ الجِهادِ

- ‌3 - باب آدابِ السَّفَرِ

- ‌4 - باب الكتابِ إلى الكُفَّارِ ودعائِهم إلى الإسلامِ

- ‌5 - باب القِتالِ في الجهاد

- ‌6 - باب حُكْمِ الأُسارى

- ‌7 - باب الأمانِ

- ‌8 - باب قِسْمَةِ الغنائمِ والغُلولِ فيها

- ‌9 - باب الجِزْيَةِ

- ‌10 - باب الصُّلحِ

- ‌11 - باب الجلاء: إخراجِ اليهودِ من جزيرةِ العَرَبِ

- ‌12 - باب الفَيْءِ

- ‌18 - كِتَابُ الصَّيْدِ والذَّبَائِحِ

- ‌2 - باب

- ‌3 - باب ما يحلُّ أكلُه وما يحرُمُ

- ‌4 - باب العقِيقةِ

- ‌19 - كِتَابُ الأَطْعِمَةِ

- ‌2 - باب الضيافَةِ

- ‌فصل

- ‌3 - باب الأشرِبةِ

- ‌4 - باب النَّقيعِ والأنبذةِ

- ‌5 - باب تغطيةِ الأواني وغيرِها

الفصل: ‌14 - كتاب القصاص

‌14 - كِتَابُ القِصَاصِ

ص: 185

[14]

(كِتابُ القِصَاصِ)

(كتاب القِصَاص)

(القصاص): القَوَد، قيل:(القِصَاص) فِعَال؛ إمَّا من (قصَّ الأثرَ)؛ أي: تتبَّعَه؛ لأنَّ الوليَّ يتبعُ القاتلَ في فعله، وإمَّا من (المُقاصَّة)، وهي المساواة والمماثلة.

مِنَ الصَّحَاحِ:

2584 -

عن عبدِ الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَحِلُّ دمُ امرئٍ مُسلمٍ يشهدُ أنْ لا إلهَ إلا الله وأنَّي رسولُ الله إلا بإحدى ثلاثٍ: النَّفْسُ بالنَّفْسِ، والثَّيبُ الزَّاني، والتارِكُ لدينِهِ المُفارِقُ للجماعةِ".

قوله: "إلا بإحدى ثلاثٍ"؛ أي: بإحدى ثلاثِ خِصالٍ.

قوله: "المارق لدينه"، (المارق): اسم فاعل من (مَرَق السهمُ من الرمية)؛ أي: خرجَ من جانبها الآخر.

قوله: "والتارك للجماعة"؛ أي: الذي ترك الإجماع.

يعني: يحلُّ دماء هؤلاء الثلاثة؛ الأول: للقصاص، والثاني: للارتداد، والثالث: لترك الإجماع؛ لأنه مَن ترك الإجماع فكأنه قد ترك آيةً من كتاب الله تعالى.

* * *

ص: 187

2585 -

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لنْ يزالَ المؤمنُ في فُسْحَةٍ مِن دينِهِ ما لم يُصِبْ دَمًا حرامًا".

قوله: "لن يزالَ المؤمنُ في فُسحةٍ من دِينهِ ما لم يُصبْ دمًا حرامًا"، (لن): لتأكيد نفي المستقبل، (الفُسحة): السعة، ومكان فسيح؛ أي: واسع، (ما) في (ما لم يُصبْ) للدوام، (أصاب): إذا وجد.

يعني: المؤمن إذا لم يصدر منه قتلُ نفس بغير حقًّ تسهلُ عليه أمورُ دِينه، ويُوفَّق للعمل الصالح، وإذا صدر منه ذلك، تضيق عليه أمورُ دِينه، ويُشتَّت عليه شَملُه ما لم يَتبْ، أو لم يعفُ وليُّ الدم.

* * *

2588 -

عن المِقْدادِ بن الأَسودِ: أنه قال: يا رسولَ الله! أرأيتَ إنْ لقيتُ رجلاً مِن الكُفَّارِ فاقْتَتَلْنا فضربَ إحدَى يديَّ بالسَّيفِ فقطعَها ثم لَاذَ مِنِّي بشجرةٍ، فقال: أسلمتُ للهِ، أَأَقْتُلُه بعدَ أَنْ قالَها؟ قال:"لَا تقتلْهُ"، فقالَ: يا رسولَ الله! إنه قطعَ إحدى يديَّ! فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقتلْهُ، فإنْ قَتَلْتَه فإنَّهُ بمنزِلَتِكَ قبلَ أَنْ تقتُلَهُ، وإنكَ بمنزِلَتِهِ قبلَ أنْ يقولَ كلمتَهُ التي قالَها".

قوله: "فإن قتلتَه فإنه بمنزلتِكَ قبل أن تقتلَه، وإنكَ بمنزلتِهِ قبلَ أن يقولَ كلمتَه التي قالَ": يريد بالكلمة: كلمةَ الشهادة.

قيل: ظاهرُ الحديث شُبهةُ الخوارج ومَن على مذهبهم في تكفير صاحب الكبيرة، وتأويلُ الحديث واجبٌ بدلائل منفصلة، منها قولُه صلى الله عليه وسلم:"لا تُكفَّرْه بذنبٍ، ولا تُخرِجْه عن الإسلام بعملٍ"؛ فتأويلُ الحديث: أنَّ التسويةَ بينهما من حيث إباحةُ الدم، لا من حيث الكفرُ؛ لأنَّ الكافرَ قبل ما تلفَّظَ بكلمة التوحيد كان مُباحَ الدم بالكفر، وقاتلُه بعدما أسلمَ يصير بمنزلته قبل ما أسلمَ؛ لأنه صار مُباحَ الدم

ص: 188

بالقِصاص، والتسويةُ بينهما في إباحة الدم.

* * *

2589 -

وعن أسامةَ بن زيدٍ رضي الله عنه قال: بعَثَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى أُناسٍ من جُهَينةَ، فأتيتُ على رجلٍ منهم فذهبتُ أَطعنهُ فقالَ: لا إله إلا الله فطعنتُهُ فقتلتُه، فجئتُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فأخبرتُهُ فقالَ:"أَقَتَلْتَه وقد شهِدَ أنْ لا إلهَ إلا الله؟ " قلتُ: يا رسولَ الله! إنَّما فعلَ ذلكَ تعوُّذًا، قال:"فهلَّا شَقَقْتَ عن قلبهِ".

2590 -

ورواه جُنْدبٌ البَجَلِيُّ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "كيفَ تصنعُ بلا إلهَ إلا الله إذا جاءَتْ يومَ القيامةِ" قالَهُ مِرارًا.

قوله: "فذهبتُ أطعنه"، (ذهبت)؛ أي: طفِقتُ، (الطعن): الضرب بالرمح.

قوله: "فجئتُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم"؛ أي: جئتُ قاصدًا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

قوله: "أقتلتَه وقد شهد أن لا إله إلا الله"، (وقد شهد): حال من الضمير المنصوب في (قتلتَه).

قوله: "إنما فعل ذلك تعوُّذًا"؛ يعني: ما أسلمَ إلا مُستعيذًا من القتل بكلمة التوحيد، وما كان مُخلِصًا في إسلامه.

قوله: "فهلا شققتَ عن قلبه"، الفاء في (فهلا): جواب شرط مُقدَّر، تقديره: إذا عرفتَ ذلك فهلا؛ أي: فلم لا شققتَ قلبَه؛ يعني: قال له في مَعرِض التوبيخ: إخلاصُه في الإسلام شيءٌ لا يُطَّلع عليه؛ لأنَّ محلَّه القلب، فبمَ عرفتَ ذلك؟!

قال في "شرح السُّنَّة": وفيه دليلٌ على أنَّ الكافرَ إذا تكلَّم بالتوحيد، وجبَ الكفُّ عن قتله.

ص: 189

قال الشيخ رحمه الله: وهذا في الثَّنَوي الذي لا يعتقد التوحيدَ؛ إذا أتى بكلمة التوحيد يُحكَم بإسلامه، ثم يُجبَر على سائر شرائط الإسلام، فأمَّا مَن يعتقد التوحيد، لكنه ينكرُ الرسالةَ، فلا يُحكَم بإسلامه بمجرَّد كلمة التوحيد حتى يقول: محمَّدٌ رسولُ الله، فإذا قاله كان مسلمًا؛ إلا أن يكونَ من الذين يقولون: إنَّ محمَّدًا صلى الله عليه وسلم مبعوثٌ إلى العرب خاصةً، فحينَئذٍ لا يُحكَم بإسلامه بمجرَّد الإقرارِ بالرسالة حتى يُقرَّ: أنه مبعوثٌ إلى كافة الخلق، ثم يُستحَبُّ أن يُمتحَن بالإقرار بالبعث والتبرُّؤ عن كل دِينٍ خالَفَ الإسلام.

وذهب أكثرُ أهل العلم إلى قَبول توبة الكافر الأصلي والمُرتد، وذهب جماعةٌ إلى أن إسلام الزَّنديق والباطنيَّة لا يُقبَل، ويقتلون بكلَّ حال، وهو قول مالك وأحمد، وقالت طائفة: إذا ارتدَّ المسلمُ الأصليُّ، ثم أسلمَ، لا يُقبَل إسلامُه، فأمَّا الكافرُ الأصليُّ إذا أسلمَ ثم ارتدَّ، ثم عاد إلى الإسلام، يُقبَل إسلامُه، وظاهرُ الحديث دليلُ العامةِ على قَبول إسلام الكل.

وفي قوله: (هلا شققتَ عن قلبه) دليلٌ على أن الحكمَ إنما يجري على الظاهر، وأنَّ السرائرَ مَوكولةٌ إلى الله عز وجل، وليس في الحديث: أنه ألزَمَ أسامةَ الدِّيةَ.

قال أبو سليمان الخطَّابي: يشبه أن يكونَ المعنى فيه: أنَّ الأصلَ في دماء الكفار الإباحةُ، وكان عند أسامةَ أنه إنما تكلَّم بكلمة التوحيد مُستعيذًا من القتل، لا مُصدَّقًا به، فقتلَه على أنه مُباحُ الدم، وأنه مأمورٌ بقتله، والخطأُ عن المجتهد موضوعٌ، أو تأوَّل في قتله: أنه لا توبةَ له في هذه الحالة؛ لقوله تعالى: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} [غافر: 85].

* * *

2591 -

وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَن قتلَ مُعاهِدًا لم يَرِحْ رائحةَ الجنةِ، وإنَّ

ص: 190

ريحَها تُوجدُ مِن مَسيرةِ أربعينَ خريفًا".

قوله: "مَن قتل مُعاهِدًا لم يَرِحْ رائحةَ الجنةِ"، (المُعاهد): الكافر الذي أجارَه واحدٌ من المسلمين، بأن يدخلَ في دار الإسلام لأجل تجارةٍ أو سماعِ كلامِ الله تعالى؛ بشرط أن لا يتضرَّرَ به المسلمون كالجاسوس، وينعقد الأمانُ بكلَّ لفظ يفيد مقصودَ الأمان، كقولك: أجرتُك، أو أمَّنتُك، ويجوز مدة الأمان إلى أربعة أشهر، وفيما فوق ذلك إلى السَّنة قولانِ، أصحُّهما: المنعُ قبل العهد.

والأمان للكفار على قسمين:

أحدهما: عهدٌ أبديٌّ، كمَن عُصم دمُه ومالُه لأجل الجزية.

والثاني: مَن له عهدٌ مؤقتٌ، فإذا انقضت المدة صار حربيًّا مُباحَ الدم، كما كان قبل العهد.

قال في "الغريبين": (لم يرح): يُروَى على ثلاثة أوجه: لم يَرَح، ولم يَرِح، ولم يُرِح بضم الياء، يُقال: رُحتُ الشيءَ أَرَاحُه، ورحتُه أَرِيحه، وأَرحتُه أُرِيحه: إذا وجدتُ رائحتَه.

يعني: لم يدخل الجنة حتى يُعذَّبَ بقدر إثم قتل المُعاهد.

وقيل: إنما قال صلى الله عليه وسلم: "لم يجدْ رائحة الجنة"؛ لأنَّ مَن استحقَّ دخولَ الجنة ما دام في موقف الحساب يجدُ رائحة الجنة ويستريحُ بها، فهو يُحرَم عن تلك الرائحة المريحة؛ لأجلِ ما صدرَ منه.

قوله: "أربعين خريفًا"، (الخريف): السَّنة؛ وإنما غلَّظ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إثمَ مَن قتل مُعاهَدًا؛ لأنَّ مَن قتلَ مُعاهدًا، فقد استخفَّ أمرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنه مَن جوَّز للمسلمين أن يُدخلوا الكفَّارَ إلى دار الإسلام بالأمان.

* * *

ص: 191

2592 -

وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "من تردَّى مِن جبلٍ فقتلَ نفسَه فهو في نارِ جهنمَ يترَدَّى فيها خالدًا مُخلَّدًا فِيها أبدًا، ومَن تَحَسَّى سُمًّا فقَتَلَ نفسَه فسمُه في يدهِ يتحسَّاهُ في نارِ جهنمَ خالِدًا مخلَّدًا فيها أبدًا، ومَن قتلَ نفسَهُ بحديدَةٍ فحديدتُه في يدهِ يَجَأ بها في بطنِهِ في نارِ جهنمَ خالِدًا مخلَّدًا فيها أبدًا".

قوله: "يتردَّى فيه خالدًا مُخلَّدًا فيها أبدًا"، تردَّى يتردَّى: إذا سقط، الضمير في (فيه) يعود إلى جهنم، (خالدًا مخلدًا): منصوبان على الحال من الضمير في (يتردَّى).

يعني: مَن قتل نفسَه بالتردِية من مكان علوًّ، واستحلَّ هذا الفعل، يصير كافرًا، ويُعذِّب نفسَه بالتردية من مكان علو في نار جهنم خالدًا مُخلَّدًا، كما فعل بنفسه في الدنيا، وإذا لم يَستحلَّ هذا الفعلَ، ومات قبل التوبة، فهو إلى الله؛ إن شاء عذَّبه، وإن شاء عفا عنه.

قوله: "ومَن تحسَّى سمًا": شربه.

قوله: "يَجَأ به في بطنه"، (وَجَأهُ بالسكين)؛ أي: ضربَه.

* * *

2593 -

وقال: "الذي يخنُق نفسَه يخنُقُها في النَّار، والذي يطعنُها يطعنُها في النار".

قوله: "يخنُق نفسه"، خنَقَه يخنِقُه - بكسر النون -: عصرَ حلقَه.

* * *

2594 -

عن جُندبِ بن عبدِ الله قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "كانَ فيمن كانَ قبلَكم رجلٌ به جُرحٌ فجزِعَ، فأخذَ سِكَّينًا فَحَزَّ بها يدَهُ فما رَقَأَ الدَّمُ حتى ماتَ،

ص: 192

قال الله تعالى: بادَرَني عبدِي بنفسِه فحرَّمتُ عليهِ الجنة".

قوله: "فحزَّ بها يدَه"، حزَّه واحتزَّه: قطعه؛ أي: قطع يدَه بتلك السكين، (السكين): يُذكَّر ويُؤنَّث.

قوله: "فما رَقَأ الدمُ حتى ماتَ"، رَقَأ الدمُ والدمعُ: سكَن وانقطع.

* * *

2595 -

عن جابرٍ رضي الله عنه: أنَّ الطُّفيلَ بن عمرٍو الدَّوسيَّ لما هاجَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينةِ، هاجرَ إليه وهاجرَ معَهُ رجلٌ مِن قومِهِ فمَرِضَ فجزِعَ، فأخَذَ مشاقِصَ له فقطَعَ بها بَراجِمَهُ فشخَبتْ يداهُ حتى ماتَ، فرآهُ الطُّفيلُ بن عمرٍو رضي الله عنه في منامهِ وهيئتُه حَسَنةٌ، ورآهُ مُغطَّيًا يدَيْهِ، فقالَ له: ما صنعَ بكَ ربُّكَ؟ فقال: غفرَ لي بهجرَتي إلى نبيهِ صلى الله عليه وسلم، فقالَ: ما في أراكَ مُغَطَّيًا يديْكَ؟ قالَ، قيلَ لي: لن نُصلِحَ منكَ ما أَفْسَدْتَ، فقصَّها الطُّفيلُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"اللهمَّ وَلِيَدَيْهِ فاغفِرْ".

قوله: "فأخذ مَشَاقصَ له، فقطعَ بَرَاجِمَه"، (المَشَاقص): جمع مِشْقَص، وهو: نصل طويل عريض، وقيل: سكين.

مفاصل الأصابع الأربعة: الأول الرَّوَاجب، ثم البَرَاجم، ثم البنان، ثم الأنامل، فالرواجب: جمع راجبة، وهي متصلة بالكف، والبراجم: جمع برجمة، وهي التي فوق الراجبة، والبنان: جمع بنانة، وهي: التي فوق البُرْجُمة، والأنامل: جمع أُنْمُلة، وهي: رأس الأصابع.

قوله: "فشخَبَت يداه"؛ أي: سالَتَا دمًا.

قوله: "وهيئتُه حسنةٌ"، (الهيئة): الصورة.

قوله: "اللهم ولِيدَيه فاغفرْ": الفاء في (فاغفر) جواب شرط مُقدَّر؛ يعني:

ص: 193

إذا غفرتَ يا ربِّ لجميع جوارحه، فاغفر ليدَيه أيضًا برحمتك التي وسعَتْ كلَّ شيءٍ.

* * *

2596 -

عن أبي شُرَيْحٍ الكَعْبيَّ، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: أنه قال: "ثم أنتم يا خُزَاعَةُ قد قتلْتُم هذا القتيلَ مِن هُذَيْل وَأَنا والله عاقِلُهُ، مَن قَتَلَ بعدَه قتيلاً فأهلُه بينَ خِيرَتَيْنِ إن أَحَبُّوا قَتَلُوا، وإنْ أَحبُّوا أَخَذُوا العَقْلَ".

قوله: "فأهلُه بين خِيَرتَين: إن أحبُّوا قَتلوا، وإن أحبُّوا أخذوا العَقْل"، (الخِيَرة) بكسر الخاء وفتح الياء: اسم بمعنى الاختيار، و (العَقل): الدِّية، قيل: عَقلتُ القتيل؛ أي: أعطيتُ دِيتَه، وقيل: مأخوذ من (عَقلتُ البعيرَ): إذا حبستُه بالعِقال، وقيل: مأخوذ من أن تُعقَل الإبلُ بفِناء وليِّ الدم.

يعني: الخِيار إلى أولياء الدم بين القِصاص وبين أخذ الدِّية.

قال الخطَّابي رحمه الله: فيه دليلٌ على أنَّ الدِّيةَ مُستحَقةٌ لأهله كلَّهم، ويدخل في ذلك الرجال والنساء والزوجات؛ لأنهم جميعًا أهلُه، وفيه دليلٌ على أنَّ بعضَهم إذا كان غائبًا أو طفلاً، لم يكنْ للباقين القِصَاصُ حتى يبلغَ الطفلُ ويقدَمَ الغائبُ؛ لأنَّ مَن كان له خِيارٌ في أمرٍ لم يجزْ أن يفتاتَ عليه قبل أن يختارَ؛ لأنَّ في ذلك إبطالَ خِياره، وإلى هذا ذهب الشافعي وأحمد، وقال مالك وأبو حنيفة: للكِبارِ أن يستوفوا حقَّهم في القَوَد، ولا ينتظروا بلوغ الصِّغار.

* * *

2597 -

عن أنسٍ رضي الله عنه: أنَّ يهوديًّا رَضَّ رأسَ جاريةٍ بينَ حَجَريْنِ فقيلَ لها: مَنْ فعلَ بكِ هذا أَفُلانٌ؟ أَفُلانٌ؟ حتى سُمِّيَ اليهوديُ فأَوْمَأَتْ برأسِها، فجيءَ باليهوديَّ فاعتَرفَ، فأمرَ به النبيُّ صلى الله عليه وسلم فَرُضَّ رأسُه بالحِجارةِ.

ص: 194

قوله: "رضَّ رأسَ جارية بين حَجرَين"، (الرَّضَّ): الكسر والدَّقَّ، (الجارية مِن النساء): مَن لم تبلغ الحُلم.

قوله: "فأوْمَتْ"؛ أي: أشارت، وهذا اللفظُ مهموزٌ، أصله: أَومَأَتْ، فلُين، ثم حذف الهمزة، فصار: أَومَتْ.

قال الخطَّابي رحمه الله: وفيه دليلٌ على وجوب قتل الرجل بالمرأة، وهو قول عوام أهل العلم إلا الحسنَ البصريَّ وعطاءً؛ فإنهما زَعَمَا أنَّ الرجلَ لا يُقتَل بالمرأة.

وفيه دليلٌ على جواز اعتبار جهة القتل؛ فيُقتَصُّ من القاتل بمثل فعله، وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل، وقال أصحاب الرأي: لا يُقتَصُّ منه إلا بالسيف؛ فحاصل الخلاف: أنَّ المُماثَلةَ في صفة القتل مَرعيةٌ عند الشافعي ومالك وأحمد في القِصاص، سواءٌ قتلَه بمُحدَّد أو غيره من تخنيق وتجويع وغير ذلك، إلا إذا قتله بالسحر، فإنه يُقتَل بالسيف؛ لأن فعل السحر مُحرَّم، وكذا إذا قتله بسقي الخمر أو اللَّواط يُقتَل أيضًا بالسيف، وعند أصحاب الرأي إذا قتلَه بغير مُحدَّد يُقتَل بالسيف مطلقًا.

وقال الخطَّابي: وفي هذا اللفظ - أعني: قوله: "فاعترف" - الشفاء والبيانُ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يقتل اليهوديَّ بإيماء المُدَّعِي أو بقوله، بل بقول المُدَّعَى عليه واعترافِهِ، وقد شغَّب - أي: شنَّع - بعضُ الناس في هذا حين وجد أكثر الروايات خاليًا عن هذه اللفظة، فقال: كيف يجوز أن يُقتَلَ أحدٌ بقول المُدَّعِي وبكلامه، فضلاً عن إيمائه برأسه؟! وأنكروا هذا الحديث، وأبطلوا الحكم في اعتبار جهة المماثلة، وقال: وهذا اللفظ لو لم يكن مروية في هذه القصة لم يكن جائزًا؛ لأنَّ مِن العلم الشائع المستفيض - أي: المشهور - على لسان الأمة؛ خاصَّهم وعامِّهم: أنه لا يُستَحقَّ دمٌ ولا مالٌ إلا ببينة، وقد يُروَى كثيرٌ من الحديث على

ص: 195

الاختصار؛ اعتمادًا على أفهام السامعين له والمُخاطَبين به.

* * *

2598 -

عن أنس رضي الله عنه: أنَّه قال: كَسَرَتْ الرُّبَيعُ، وهي عمَّةُ أنسِ بن مالكٍ، ثَنِيَّةَ جاريةٍ من الأنصارِ فأَتَوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأمَرَ بالقِصاصِ، فقال أنسُ بن النّضر، عمُّ أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه: لا والله لا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُها يا رسولَ الله، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"يا أنسُ كتابُ الله القِصاصُ"، فرَضيَ القومُ وقَبلُوا الأَرْشَ، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"إن مِن عبادِ الله مَنْ لو أَقسَمَ على الله لأبَرَّهُ".

قوله: "لا، والله لا تُكسر ثنيَّتُها"، (لا): ردٌّ لأمره بالقِصاص على سبيل التعجُّبِ، لا على سبيل الإنكار؛ فإنَّ الكاسِرةَ كانت أشرفَ، (الثنِيَّة) واحدة الثَّنَايا من الأسنان.

قوله: "يا أنسُ! كتابُ الله القِصاصُ"، قال في "شرح السُّنَّة": قيل: أراد به قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} إلى قوله: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: 45]، وهذا على قول مَن يقول: إن شرائعَ الأنبياء عليهم السلام لازمةٌ لنا ما لم يَرد النسخُ في شرعنا.

وقيل: هذا إشارة إلى قوله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] وإلى قوله: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] على قراءة مَن يقرؤه مرفوعًا على طريق الابتداء.

وقيل: (كتاب الله) معناه: فرضَ الله الذي فرضَه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم.

قوله: "إن مِن عباد الله مَن لو أقسمَ على الله لأَبرَّه"، (برَّ وأبرَّ): إذا صدَّق اليمين؛ أي: لو أقسم على الله بفعل شيء يفعل ذلك الشيء اختراعًا في الحال - ولو كان عظيمًا كفتق جبل - (لأَبرَّه)؛ أي: أحدَث ذلك الشيء وصدَّقه إكرامًا

ص: 196

له، وهذا من كرامات الأولياء، وفيه دليلٌ على وجود ذلك لقوله:(لأَبرَّه)، وفيه دليلٌ على توقير عباد الله وتعظيمهم الله ولو كانوا فقراء خاملين.

* * *

2599 -

وعن أبي جُحَيْفَةَ قال: سألتُ عليًا هل عِندَكم شيءٌ ليسَ في القرآنِ؟ فقال: والذي فلقَ الحبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ ما عِندَنا إلا ما في القرآنِ، إلَّا فَهْمًا يُعطَى رجلٌ في كتابهِ، وما في الصَّحيفةِ! قلتُ: وما في الصَّحيفةِ؟ قال: العقلُ، وفِكاكُ الأسيرِ، وأنْ لا يُقْتَلَ مُسلمٌ بكافرٍ.

قوله: "والذي فلَق الحبةَ وبرأَ النسمةَ! ما عندنا إلا ما في القرآن"، الواو في (والذي): واو القسم، و (ما عندنا): جواب القسم، (فلق): إذا شقَّ، و (برأ): إذا خلق، (النسمة): النفس والروح، كأنه قال: والذي خلقَ الرزقَ والمرزوقَ، وهذا مبالغةٌ في الحَلف، وإنما بالَغَ في الحَلف في سؤال السائل درءًا لتوهُّم مَن يتوهَّمُ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم خصَّ أهلَ بيته بشيء من العلوم، وحلف وقال:"ما عندنا إلا ما في القرآن، إلا فَهْمًا يُعطَى رجل"؛ يعني: ما عندنا غيرُ ما في القرآن، لكن الناس متفاوتون في الفهم والإدراك واستنباط المعاني، كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"أنا قاسمٌ، والله يُعطي"؛ يعني: أنا مُبلَّغ للوحي السماوي إلى جميعهم من غير فرق، لكن الله سبحانه يُعطي الفهمَ مَن يشاء، ثم ذكر ما في الصحيفة التي كانت مُعلَّقةً بحمالة سيفه؛ إمَّا تورُّعًا واحتياطًا في يمينه، وإمَّا أن يكونَ منفردًا بسماع ذلك إن قيل: ما في الصحيفة أكثر مما في هذا الحديث؛ لأنه إذا سُئل عما فيها قال: "لعنَ الله مَن غيَّر مَنَارَ الأرض، لعنَ الله مَن تولَّى غيرَ مَواليه".

قيل: إذا ثبت هذا يُحتمَل أنه حدَّث بجميع ما فيها ونسي الراوي غيرَ ما في هذا الحديث، أو حدَّث بمجالسَ متفرقةٍ، ويُحتمَل أنه اقتصر على ما في هذا الحديث في ذلك الوقت.

ص: 197

وقيل: أراد بالعقل في هذا الحديث أسنانَ ما يُؤدَّى من الإبل في الدَّية وعددها.

قوله: "وفِكاكُ الأسير"، (الفكاك): ما يُفتَكُّ به، و (الافتكاك): التخليص، (الأسير): فَعيل بمعنى: مأسور، من (أَسَرَه يأسِرُه أسرًا): إذا شدَّه بالإسار، وهو القدُّ؛ لأنهم كانوا يشدُّونه بالقدَّ؛ يعني: مِن جملة ما في الصحيفة تخليصُ الأسير.

* * *

مِنَ الحِسَان:

2600 -

عن عبدِ الله بن عمرٍو رضي الله عنهما: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "لَزَوالُ الدُّنيا أهونُ على الله مِن قتلِ رجلٍ مسلمٍ"، ووقَفَه بعضُهم، وهو الأصحُّ.

قوله: "لَزوالُ الدنيا أهونُ على الله مِن قتل رجل مسلم"؛ يعني: الدنيا التي هي مَعبَرُ الإنسان إلى دارِ البقاء، ومَحلُّ تحصيل الأنبياء والأولياء أنواعَ القُربات من عالم الملكوت وممَّا عند الله تعالى مِنْ ما لا عينٌ رأتْ، ولا أذنٌ سمعَتْ، ولا خطَرَ على قلب بشر، فلو أزالها واحدٌ مثلاً لَكان أهونَ على الله من إراقة دم مسلم؛ لأنَّ الدنيا مَعبَرٌ وطريقٌ، والمسلمُ هو المقصودُ مِن إيجاد الدنيا وخلقتها.

قوله: "ووَقَفَه بعضُهم؛ وهو الأصحُّ"؛ يعني: وقفَ بعضُ أصحاب الحديث هذا الحديث على ابن عمرَ.

* * *

2601 -

وعن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه، وأبي هريرةَ رضي الله عنه، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال:"لو أنَّ أهلَ السماءَ والأرضِ اشتركُوا في دمِ مؤمنٍ لأَكبَّهم الله في النارِ"، غريب.

ص: 198

قوله: "لو أن أهل السماوات والأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكَبَّهم الله في النار": فالصوابُ: كبَّهم، قال في "الصَّحاح": كَبَّه لوجهه؛ أيا صرَعَه، فأَكبَّ هو على وجهه، وهذا من النوادر؛ أن يكونَ (أفعلَ) لازمًا، و (فعلَ) متعديًا، يُقال: كبَّ الله عدوَّ المسلمين، ولا يُقال: أكبَّ.

وقال الزَّمخشري: لا يكون بناء (أفعلَ) مطاوعًا لـ (فعلَ)، بل همزةُ (أكبَّ) للصيرورة أو للدخول، فمعناه: صار ذا كبًّ، أو دخل في الكبَّ، ومُطاوع (فعل): انفعل، نحو: كبَّ فانكبَّ، وقطع فانقطع.

و (لو) للمضيِّ، و (أنَّ) فاعلَ فعلٍ مُقدَّرٍ يُفسَّره ما في (أن) من معنى الثبوت، تقديره: لو ثبت أنَّ أهلَ السماء، و (أن): حرف المصدر، وهي مع الفعل الذي وقع في خبره على تقدير المصدر؛ يعني: لو ثبت اشتراك أهل السماء والأرض في إزهاق روح مؤمن لَصرَعَهم الله في النار.

* * *

2602 -

وعن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم: أنَّه قال: "يجيءُ المقتولُ بالقاتِلِ يومَ القيامةِ ناصيتُه ورأسُه بيدِه وأَوْداجُه تَشْخُبُ دمًا يقولُ: يا ربِّ قتلَني حتى يدُنِيَه مِن العَرشِ".

قوله: "وأوداجهُ تَشخُبُ دمًا"، (الأوداج): جمع وَدَج، وهو: عرق في العنق، (تَشخُب)؛ أي: تَسيل.

"حتى يُدنيَه من العرش"، (يُدنيَه)؛ أي: يُقرِّبه.

* * *

2604 -

عن أبي الدَّرداءِ، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا يزالُ المؤمنُ مُعنِقًا صالحًا ما لم يُصِبْ دمًا حرامًا، فإذا أصابَ دمًا حرامًا بَلَّحَ".

ص: 199

قوله: "لا يزال المؤمن مُعنِقًا صالحًا"، (مُعنِقًا)؛ أي: مُنبسِطًا في سيره؛ يعني: يوم القيامة، ذكره في "الغريبين".

قيل: قول صاحب "الغريبين": (يوم القيامة) فيه ما فيه؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد قيَّدَ قولَه: (لا يزال المؤمنُ مُعنِقًا) بقوله: "ما لم يُصِبْ دمًا حرامًا"، وإصابةُ الدمِ الحرامِ في القيامة غيرُ جائزٍ [ة]؛ بل معناه: يكون مُوفَّقًا للطاعة ما لم يَقتل نفسًا بغير حقٍّ، فإذا قتلَها انقطعَ عنه التوفيقُ للخيرات.

قال في "شرح السُّنَّة": أراد بالمُعنِق: خفيفَ الظَّهر، يُعنِق في مَشيهِ سيرَ المُخِفَّ، و (العَنَق): ضربٌ من السير وسيعٌ.

وقيل: معنى مُعنِقًا؛ أي: ذا حُجَّةٍ ظاهرةٍ، ومنه:"المُؤذَّنون أطولُ الناس أعناقًا"؛ أي: أظهرُ حُجَّةٌ بالتوحيد.

وقوله: "بلَّح" معناه: أعيَى وانقطع، يقال:(بَلَحَ الفرسُ): إذا انقطع جَريُه، و (بَلَحَتِ الرَّكِيَّة): انقطع ماؤها، (الرَّكِيَّة): البئر، ذكره في "شرح السُّنَّة"، قال الإمام التُّورِبشتي في "شرحه": الرواية في هذا الحديث (بلَّح) بالتشديد.

* * *

2605 -

وعنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"كلُّ ذنبٍ عسى الله أنْ يغفِرَهُ إلا مَن ماتَ مُشركًا، أو من يَقتُلُ مؤمنًا مُتعمِّدًا".

قوله: "ومَن يَقتل مؤمنًا مُتعمدًا"؛ يعني: إذا كان مُستحِلًّا دمَه.

* * *

2606 -

عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُقامُ الحدودُ في المساجدِ، ولا يُقادُ بالولدِ الوالدُ".

ص: 200

قوله: "لا تُقام الحدودُ في المساجد"؛ لأنَّ المساجدَ ما بنيت إلا للصلاة وقراءة القرآن والذَّكر وغير ذلك من العبادات، فإذا أُقيمت الحدودُ فيها فلا تخلو عن صخبٍ ولوثٍ بالدم وغيره، فإذا كان كذلك، فلا تُقام الحدودُ في المساجد؛ صيانةً لها وحفظًا لحرمتها، هذا على سبيل الأولوية، أمَّا لو التجأ مَن عليه القِصاص إلى الحَرَم، فجاز استيفاؤه منه في الحَرَم، سواءٌ كان القِصاصُ واجبًا عليه في النفس أو الطرف، فتُبسط الأنطاعُ، ويُقتَل في الحَرَم؛ تعجيلاً لاستيفاء الحقَّ، وعند أبي حنيفة لا يُستوفَى قِصاصُ النفس في الحَرَم، بل يُضيَّق عليه الأمرُ بحيث لا يُكلَّم ولا يُعامَل ولا يُطعَم حتى يخرجَ بنفسه، فيُقتَل.

قوله: "ولا يُقاد بالولد الوالدُ"، قال في "شرح السُّنَّة": والعملُ عليه عند أهل العلم، قالوا: لا يُقاد أحدٌ من الوالدَين بالولد، ولا يُحدُّ بقذفه، ويُقاد الولدُ بالوالد، ويُحدُّ بقذفه، وإنما قال: لا يُقاد الوالدُ بالولد؛ لأنَّ الوالدَ سببُ وجوده، فلا يجوز أن يكونَ الولدُ سببًا لعدمه، وحُكمُ الأجداد والجدَّات مع الأحفاد حُكمُ الوالدَين مع الولد.

* * *

2607 -

عن أبي رِمْثَةَ رضي الله عنه قالَ: دخلتُ مع أبي على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فرأَى أبي الذي بظَهرِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقالَ: دَعْني أُعالجُ الذي بظهركَ فإني طبيبٌ، فقالَ:"أنتَ رفيقٌ، والله الطبيبُ"، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ هذا مَعَك؟ " قالَ: ابني فاشهدْ به، فقالَ:"أَما إنه لا يَجني عليكَ ولا تَجْني عليهِ".

قوله: "فرأى أبي الذي بظَهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ": أراد بالذي بظَهر رسول الله صلى الله عليه وسلم: خاتمَ النبوَّة، وظنَّ أنه سِلَعةٌ، و (السلعة): شيء ينتشر من جسم الإنسان يشبهُ الغُدَّة، فقال:"دعني أعالجُ الذي بظَهرك؛ فإني طبيب"؛ يعني: اتركْني أُداوي

ص: 201

ما بظهرك من الداء الذي ظهر؛ فإني أعرف الطبَّ، فقال صلى الله عليه وسلم:"أنت رفيقٌ، والله الطبيب". قال في "شرح السُّنَّة": قوله: (أنت رفيق) معناه: أنت ترفق بالمريض، فتحميه مما يُخشَى أن لا يتحملَه بدنُه، وتُطعمه ما تَرى أنه أرفقُ به.

(الطبيبُ) هو العالِمُ بحقيقة الداء والدواء القادرُ على الصحة والشفاء، وليس ذلك إلا الله الواحد القهار، ثم تسميةُ الله تعالى به أن يُذكَرَ في حال الاستشفاء، مثل أن يقول: اللهم أنتَ المُصحِّح والمُمرِض والمُداوِي والطبيب، ونحو ذلك، فأمَّا أن يقولَ: يا طبيبُ! افعلْ كذا، كما يقول: يا حليمُ يا رحيمُ، فإنَّ ذلك مُفارقٌ لأدب الدعاء؛ فإنما الدعاءُ الثناءُ عليه بأبلغِ الألفاظ والمُختصِّ به، بخلاف الشائع المشترك بينه وبين غيره، ولأنَّ أسماءَه توقيفيةٌ، وأيضًا الطبيب عُرفًا: إنسان آخر سوف يمرض ويموت، فنُزِعَ عن لفط مُشعرٍ بنقصانٍ.

* * *

2609 -

عن الحسنِ، عن سَمُرَة قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَن قتلَ عبدَهُ قتلْناهُ، ومَن جَدع عبدَهُ جَدَعْناهُ، ومَن أَخْصَى عبدَه أَخصيْناهُ".

قوله: "مَن قتل عبدَه قتلْناه"، قال الخطَّابي: هذا زجرٌ؛ ليَرتدعوا فلا يُقدموا على ذلك، كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم في شارب الخمر:"إذا شربَ فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، ثم قال في الرابعةِ أو الخامسةِ: فإن عادَ فاقتلوه"، ثم لم يقتلوه حين جِيء به وقد شرب رابعًا أو خامسًا.

وقد تأوَّلَه بعضُهم على أنه إنما جاء في عبدٍ يملكه مرةً، فزال عنه ملكُه، وصار كفُؤًا له بالحرية، فإذا قتلَه كان مقتولاً به، وهذا كقوله تعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة: 234]؛ أي: مَن كنَّ أزواجًا قبل الموت.

وذهب بعض أهل العلم إلى أنَّ هذا الحديثَ منسوخٌ.

ص: 202

قال في "شرح السُّنَّة": وذهب عامة أهل العلم إلى أنَّ طرَفَ الحرِّ لا يُقطَع بطرَف العبد، فثبت بهذا الاتفاق أن الحديثَ محمولٌ على الزَّجر والرَّدع، أو هو منسوخٌ.

قال في "شرح السُّنَّة": "جدَعَ" الأنفَ واليدَ والأذنَ: قطعَها، خَصيتُ الفحلَ خِصاءً و"أَخصيتُه": سَلَلتُ خُصيَيه، ذكره في "الصِّحاح".

* * *

2609/ م - عن عمرِو بن شُعيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن قتَلَ متعمِّدًا دفع إلى أولياءِ المقتولِ فإنْ شاءوا قَتَلُوا، وإنْ شاؤوا أخذُوا الدِّيَةَ وهي: ثلاثونَ حِقَّةً، وثلاثونَ جَذَعَةً، وأربعونَ خَلِفَةً، وما صالَحوا عليهِ فهو لهم".

قوله: "أربعون خَلِفة"، (الخَلِفة): الحامل.

* * *

2610 -

عن عليًّ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"المسلمونَ تَتكافَأُ دماؤُهم، ويَسعَى بذِمَّتِهم أَدناهم، ويَرُدُّ عليهم أَقْصاهم، وهُم يَدٌ على مَنْ سِواهم، ألا لا يُقتَلُ مُسلمٌ بكافرٍ، ولا ذُو عهدٍ في عهدِه".

قوله: "المسلمون تتكافأ دماؤهم"، قال في "شرح السُّنَّة": يريد أنَّ دماءَ المسلمين متساويةٌ في القِصاص؛ يُقاد الشريفُ منهم بالوضيع، والكبيرُ بالصغير، والعالِمُ بالجاهل، والرجلُ بالمرأة، وإذا كان المقتولُ شريفًا أو عالمًا، والقاتلُ وضيعًا جاهلًا لا يُقتَل به غيرُ قاتله، على خلاف ما كان يفعله أهل الجاهلية؛ كانوا لا يرضَون في دم الشريف بالاستقادة من قاتله الوضيع حتى يقتلوا عِدَّةَ من قبيلة القاتل.

ص: 203

قوله: "ويسعى بذِمَّتهم أدناهم"، (أدنى): أفعل التفضيل من دَنَا يَدْنَأُ دَنَاءَةً: إذا سَفُلَ في فعْلِهِ ومَجَنَ، ذكره في "الصَّحاح"، و (أدنى) معناه ها هنا: مَن يَقِلُّ اعتباره وقَدره كالعَبيْدِ والنسوان.

يعني: مَن أجارَ واحدًا من الكفار وأمَّنَه، ولو كان المُجير ممن يقلُّ قَدرُه واعتباره، لا يجوزُ لأحد أن يُبطلَ ذمَّتَه ويقتلَه؛ فمَن أبطلَ ذمَّتَه وقتله، لم يجد رائحة الجنة.

قوله: "ويردُّ عليهم أقصاهم"، (أقصى): أفعل التفضيل، من (قصَى المكانُ يَقْصُو قُصُوًّا): إذا بَعُد.

قال في "شرح السُّنَّة": معناه: أن يخرج الجيش، فيُنيخوا بقرب دار العدو، ثم تنفصل منهم سَرية، فيغنموا، يردُّون ما غنمُوه على الجيش الذين [هم] رِدءٌ لهم - أي: عونٌ - ولا يتفرَّدون به، بل يكونون جميعًا شركاء فيه، فأمَّا مَن أقامَ ببلدة ولم يخرج معهم فلا شِركةَ له فيه.

قوله: "وهم يدٌ على مَن سواهم"؛ يعني: المسلمين، لا يسعهم التخاذل، بل يُعاون بعضُهم بعضًا على جميع الأديان والمِلل، ذكره في "الغريبين".

قيل: جعلَهم كاليد الواحدة في التعاون والتناصر على مَن سواهم.

قوله: "لا يُقتَل مسلمٌ بكافرٍ، ولا ذو عهدٍ في عهده"، قال الخطَّابي: فيه البيان الواضح أنَّ المسلمَ لا يُقتَل بأحد من الكفار، سواءٌ كان المقتولُ منهم ذِمَّيًّا أو مُعاهدًا أو مُستأمَنًا أو ما كان، وذلك أنه نفيٌ في نكرةٍ؛ فاشتمل على جنس الكفار عمومًا.

وقد اختلف الناس في هذا؛ فقال بظاهر الحديث جماعةٌ من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار، وهو قول مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد

ص: 204

ابن حنبل وإسحاق، وقال الشَّعْبي والنَّخَعي: يُقتَل المسلمُ بالذَّمَّيَّ، وإليه ذهب أصحاب الرأي، وتأوَّلوا قوله:"لا يُقتَل مؤمنٌ بكافرٍ"؛ أي: بكافرٍ حربيًّ، دونَ مَن له عهدٌ وذِمَّةٌ من الكفار، وادَّعوا في نظم الكلام تقديمًا وتأخيرًا، كأنه قال: لا يُقتَل مؤمنٌ ولا ذو عهد في عهده بكافر، قالوا: ولولا أنَّ المرادَ به هذا لَكان الكلامُ خاليًا عن الفائدة؛ لأنه معلوم بالإجماع: أنَّ المُعاهدَ لا يُقتَل في عهده، ولم يجرِ حملُ الخبر (1) الخاص على شيء قد استُفيد معرفتُه من جهة العلم العام المُستفيض.

قال في "شرح السُّنَّة": قوله: "لا يُقتَل مؤمن بكافر" كلامٌ تامٌّ مستقلٌّ بنفسه؛ فلا وجهَ لضمَّه إلى ما بعدَه وإبطالِ حُكم ظاهرِه، وقد رَوينا عن (صحيفة عليًّ):"أن لا يقتل مؤمن بكافر" من غير ذكر ذي العهد، فهو عامٌّ في حقِّ جميع الكفار أن لا يُقتَلَ به مؤمنٌ، كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"لا يَرثُ المسلمُ الكافرَ، ولا الكافرُ المسلمَ"، وكان الذَّمَّيُّ والمُستأمَنُ والحربيُّ فيه سواءً.

وقال أيضًا في "شرح السُّنَّة": قوله: "ولا ذو عهد" وأراد به أنَّ ذا العهد لا يجوز قتلُه ابتداءً ما دام في العهد، وفي ذكر المُعاهَد أنه لا يُقتَل ابتداءً فائدةٌ: وهو أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لما أسقطَ القَوَدَ عن المسلم إذا قتل الكافرَ أوجبَ ذلك توهينَ حُرمة دماء الكفار، فلم يُؤمَن من وقوع شبهة لبعض السامعين في حُرمة دمائهم، وإقدام المُسرِع من المسلمين إلى قتلهم، فأعادَ القولَ في حظر دمائهم دفعًا للشبهة، وقطعًا لتأويل المُتأوَّل.

* * *

(1) في "ق": "فلم يجز حمل خبر".

ص: 205

2611 -

عن أبي شُرَيحٍ الخُزاعيِّ قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "مَن أُصيبَ بدمٍ أو خَبْلٍ - والخَبْلُ: الجُرْحُ - فهو بالخيارِ بينَ إحدَى ثلاثٍ، فإنْ أرادَ الرَّابعةَ فَخُذُوا على يَدَيْه، بينَ أنْ يَقتَصَّ، أو يَعفُوَ، أو يأخذَ العَقْلَ، فإنْ أخذَ مِن ذلكَ شيئًا ثم عَدا بعدَ ذلكَ، فلهُ النارُ خالِدًا فَيها مخلَّدًا أبدًا".

قوله: "فإن أراد الرابعةَ فخُذوا على يدَيه: بين أن يَقتصَّ، أو يعفوَ، أو يأخذ العقل"، (بين أن يقتصَّ): بدل من قوله: (بين إحدى ثلاث)، الفاء في:(فإن أراد الرابعة) جواب شرط مُقدَّر، تقديره: إذا تقرَّر هذا فإن أراد الرابعةَ زائدةً على الثلاث.

"فخُذوا على يدَيه"؛ أي: اعتَرِضوا عليه، ولا تُخلُّوا سبيلَه، واحبسوه عن ذلك.

قوله: "فإن أخذَ من ذلك شيئًا، ثم عدا بعد ذلك فله النار"، (ذلك) إشارة إلى الخِصال الثلاث؛ يعني: إن أخذ شيئًا من الخصال الثلاث، ثم تجاوز بعد ذلك - يعني: طلب شيئًا آخرَ، كما أنه إذا عفا وأخذ الدية، ثم قتله - فله النارُ.

* * *

2612 -

عن طاوسٍ، عن ابن عبَّاسٍ، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال:"من قُتِلَ في عِمِّيَّةٍ، في رميٍ يكونُ بينَهم بالحجارةِ أو جَلْدٍ بالسِّياطِ أو ضَرْبٍ بعصًا، فهو خطأٌ، وعَقْلُه عَقْلُ الخَطَإ، ومَن قتلَ عمدًا فهو قَوَدٌ، ومَن حالَ دونَه فعليهِ لعنةُ الله وغضَبُه، لا يُقبَلُ منه صَرْفٌ ولا عَدْلٌ".

قوله: "مَن قُتل في عِمِّيَّة في رمي يكون بينهم بالحجارة" قال في "الغريبين": قال أحمد بن حنبل: هي الأمر الأعمى كالعصبية لا يَستبين ما وجهه، وقال

ص: 206

إسحاق: هذا في تجارح (1) القوم، وقتل بعضهم بعضًا، وكان أصله من (التَّعْمِية) وهو: التلبيس.

وقال في "شرح السُّنَّة": (عِمِّيَّة) فعيلة من العَمَى، ومعناه: أن يَترامَى القومُ، فيُوجَد منهم قتيلٌ لا يُدرَى مَن قاتلُه ويُعمَّى أمرُه؛ ففيه الدِّيةُ.

قوله: "ومَن حال دونَه فعليه لعنةُ الله"، (حَالَ): إذا حجز ومنع، الضمير في (دونه) يعود إلى القاتل؛ يعني: مَن حجز بين القاتل ووليِّ الدم فعليه لعنةُ الله، و"لا يُقبل منه صَرْفٌ ولا عَدْلٌ": قيل: (الصَّرْف): التوبة، و (العَدْل): الفِدية، وقيل:(الصَّرْف): النافلة، و (العَدل): الفريضة.

* * *

2613 -

وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا أُعفي مَن قتلَ بعدَ أخْذِ الدَّيةِ".

قوله: "لا أُعفي مَن قتلَ بعد أخذ الدِّية"، (أَعْفَى): إذا ترك؛ يعني: إذا أخذ وليُّ الدم الدِّيةَ، ثم قتلَ القاتلَ بعد ذلك، لا أعفو عن هذا الصنيع؛ بل أقتلُه بالقِصاص، وفي بعض النسخ:"لا يُعفَى" على بناء ما لم يُسمَّ فاعلُه من (العَفْوِ)، بدل:"لا أُعفي".

* * *

2614 -

عن أبي الدَّرداءِ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "ما مِن رجلٍ يُصابُ بشيءٍ في جسدهِ فَتَصَدَّقَ به إلَّا رفَعَه الله بهِ درجةً، وحَطَّ عنهُ بهِ خطيئةً".

(1) في "ق": "تخارج".

ص: 207