المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌2 - باب إعداد آلة الجهاد - المفاتيح في شرح المصابيح - جـ ٤

[مظهر الدين الزيداني]

فهرس الكتاب

- ‌12 - كِتابُ النِّكَاحِ

- ‌2 - باب النَّظَرِ إلى المَخطوبةِ وبيانِ العَورات

- ‌3 - باب الوليَّ في النَّكاح واستِئذانِ المَرأةِ

- ‌4 - باب إعلانِ النكاحِ والخِطبةِ والشَّرطِ

- ‌5 - باب المُحرَّماتِ

- ‌6 - باب المُباشَرةِ

- ‌فصل

- ‌7 - باب الصَّداق

- ‌8 - باب الوَليمةِ

- ‌9 - باب القَسْمِ

- ‌10 - باب عشرةِ النِّساءِ وما لكلِّ واحدةٍ من الحقوقِ

- ‌11 - باب الخُلعِ والطلاقِ

- ‌12 - باب المُطلَّقَةِ ثلاثًا

- ‌فصل

- ‌13 - باب اللِّعَانِ

- ‌14 - باب العِدَّة

- ‌15 - باب الاستبراء

- ‌16 - باب النَّفقاتِ وحَقِّ المَملوكِ

- ‌17 - باب بلوغِ الصَّغيرِ وحضانتهِ في الصِّغَرِ

- ‌13 - كِتابُ العِتْقِ

- ‌2 - باب إعتاقِ العَبْدِ المُشتَرَك وشراءِ القريبِ والعتقِ في المَرَضِ

- ‌3 - باب الأيمانِ والنُّذورِ

- ‌فصل في النُّذورِ

- ‌14 - كِتَابُ القِصَاصِ

- ‌2 - باب الدَّيَاتِ

- ‌3 - باب ما لا يُضْمَنُ من الجنايات

- ‌4 - باب القَسامة

- ‌5 - باب قتلِ أهل الرِّدَّةِ والسُّعاةِ بالفسادِ

- ‌15 - كِتَابُ الحُدُودِ

- ‌2 - باب قَطْعِ السَّرِقَةِ

- ‌3 - باب الشَّفاعةِ في الحُدودِ

- ‌4 - باب حدِّ الخمرِ

- ‌5 - باب لا يُدْعى على المَحدودِ

- ‌6 - باب التَّعْزيرِ

- ‌7 - باب بيانِ الخَمْرِ ووعيدِ شاربها

- ‌16 - كِتابُ الإمَارَة وَالقَضَاءِ

- ‌1 - باب

- ‌2 - باب ما على الوُلاةِ من التَّيسيرِ

- ‌3 - باب العَملِ في القضاءِ والخَوفِ منهُ

- ‌4 - باب رزق الوُلاةِ وهداياهم

- ‌5 - باب الأقضيةِ والشَّهاداتِ

- ‌17 - كِتابُ الجهَادِ

- ‌2 - باب إعدادِ آلةِ الجِهادِ

- ‌3 - باب آدابِ السَّفَرِ

- ‌4 - باب الكتابِ إلى الكُفَّارِ ودعائِهم إلى الإسلامِ

- ‌5 - باب القِتالِ في الجهاد

- ‌6 - باب حُكْمِ الأُسارى

- ‌7 - باب الأمانِ

- ‌8 - باب قِسْمَةِ الغنائمِ والغُلولِ فيها

- ‌9 - باب الجِزْيَةِ

- ‌10 - باب الصُّلحِ

- ‌11 - باب الجلاء: إخراجِ اليهودِ من جزيرةِ العَرَبِ

- ‌12 - باب الفَيْءِ

- ‌18 - كِتَابُ الصَّيْدِ والذَّبَائِحِ

- ‌2 - باب

- ‌3 - باب ما يحلُّ أكلُه وما يحرُمُ

- ‌4 - باب العقِيقةِ

- ‌19 - كِتَابُ الأَطْعِمَةِ

- ‌2 - باب الضيافَةِ

- ‌فصل

- ‌3 - باب الأشرِبةِ

- ‌4 - باب النَّقيعِ والأنبذةِ

- ‌5 - باب تغطيةِ الأواني وغيرِها

الفصل: ‌2 - باب إعداد آلة الجهاد

‌2 - باب إعدادِ آلةِ الجِهادِ

(باب إعداد آلة الجهاد)

مِنَ الصِّحَاحِ:

2914 -

عن عُقبةَ بن عامرٍ قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبرِ يقولُ: " {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}، أَلا إنَّ القُوَّةَ الرَّميُ، أَلا إنَّ القُوَّةَ الرَّميُ، أَلا إنَّ القوةَ الرَّميُ".

قوله تعالى: " {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} "، (أَعِدُّوا)؛ أي: هَيئُوا لهم؛ أي: للكفار ({مِنْ قُوَّةٍ})؛ أي: من رمي؛ أي: هَيئُوا القِسِيَّ والنِّبال، وتعلَّمُوا الرَّمْيَ لترمُوا الكفار.

* * *

2915 -

وقال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "ستُفْتَحُ عليكم الرُّومُ، ويَكفيكُم الله، فلا يَعجَزْ أحدُكم أنْ يَلهُوَ بأَسهُمِهِ".

قوله: "ستُفْتَحُ عليكم الرومُ، ويكفيكم الله، فلا يعجِز أحدُكم أن يلهوَ بأسهمه"، (ويكفيكُم)؛ أي: يدفعُ عنكم، (أن يَلْهوَ)؛ يعني: أن يلعب، (بأسهمه)؛ أي: بنباله؛ يعني: أهلُ الرُّوم غالبُ حَرْبهم بالرمي، وأنتم تتعلَّمُون الرميَ؛ ليمكنكم محاربةُ أهلِ الروم.

(ستفتح عليكم الروم)، ويدفعُ الله عنكم شرَّ أهل الروم، فإذا فُتِحَ لكم الروم، فلا تتركوا الرَّمْيَ بأن تقولوا: لم يكنْ أحدٌ يحتاجُ في قتاله إلى الرمي، بل تعلَّمُوا الرَّمْيَ، وداوِمُوا على الرمي، وتعلَّمُوا الرمي؛ فإن الرميَ مما يُحتَاجُ إليه

ص: 365

في القتال أبدًا.

روى هذا الحديثَ عقبةُ.

* * *

2916 -

وقال: "مَن عَلِمَ الرَّميَ ثم تَرَكَهُ فليسَ مِنَّا، أَوْ: قد عصى".

"مَنْ عَلمَ الرَّمْيَ ثم تَرَكَه فليسَ مِنَّا أو قَدْ عَصَى"، إنما أَكَّدَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم استحبابَ تعلُّمِ الرميِ، وبالغَ في النهي عن نسيانِ الرمي؛ لأن الرميَ كان قليلاً في العرب، بل أكثرُ محاربة العرب بالسيف والرُّمْحِ، فحَرَّضَهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم على تعلُّمِ الرمي والمداومةِ عليه؛ لأن الرميَ أنفعُ في دفعِ الأعداءِ من السيف والرمح.

روى هذا الحديثَ عقبة.

* * *

2917 -

وعن سَلَمةَ بن الأَكْوعِ قال: خرجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على قومٍ من أسلمَ يَتناضَلُونَ بالسُّوقِ فقال: "ارمُوا بني إسماعيلَ! فإن أَباكم كانَ راميًا، وأَنا معَ بني فلانٍ"، لأَحدِ الفَرِيقينِ، فأَمسَكُوا بأيديهم فقال:"ما لَكم؟ "، قالوا: وكيفَ نرَمي وأنتَ مَعَ بني فلانٍ؟ قال: "ارمُوا وأَنا معكم كلِّكم".

قوله: "مِن أَسْلَمَ"؛ أي: من قبيلة أسلم.

"بالسُّوق"، هو اسمُ موضعٍ.

"بني إسماعيل"؛ يعني: يا بني إسماعيلَ، والمرادُ منهم: العرب.

"فإنَّ أباكم"؛ أي: فإن إسماعيلَ.

"فأمسَكُوا بأيديهم"؛ أي: تركَ الفريقُ الآخرُ الرَّمْيَ.

ص: 366

"وكيف نَرْمِي وأنتَ مع بني فلان"؛ يعني: إذا كنتَ مع بني فلان لا نقدِرُ أن نقاوِمَ فريقًا أنتَ معهم.

* * *

2918 -

عن أنسٍ قال: كانَ أبو طلحةَ يَتترَّسُ مَعَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بِتُرْسٍ واحدٍ، وكانَ أبو طلحةَ حَسَنَ الرَّميِ، فكانَ إذا رَمَى تشرَّفَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فينظرُ إلى موضعِ نَبْلِهِ.

قوله: "يَتَترَّسُ مع النبي"؛ أي: وقفَ هو والنبيُّ صلى الله عليه وسلم خَلْفَ تُرْسٍ واحدٍ.

"تَشَرَّفَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم"؛ أي: رفعَ رأسَه من خَلْف التُّرْس؛ لينظرَ أين وقعَ سهمُ أبي طلحة، وهذا تحريضٌ على الرمي وتعلُّمِه، فإنه صلى الله عليه وسلم من غاية حبِّ الرمي كان يَطَّلِعُ بكلِّ رميٍ على موقعِ النبل، ولمَّا كان الرميُ محبوبًا ومرضيًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ينبغي أن يحبَّه ويتعلَّمَه كلُّ مَن يَقْدِرُ عليه.

* * *

2920 -

وعن جريرِ بن عبدِ الله قال: "رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَلْوي ناصيةَ فرسٍ بإصبَعِه وهو يقولُ: الخيلُ معقودٌ بنواصيها الخيرُ إلى يومِ القيامةِ: الأجرُ والغَنِيمةُ".

قوله: "يَلْوِي"؛ أي: يَفْتِلُ؛ أي: يُدِيرُ بإِصبَعه.

قوله: "الأجرُ والغنيمة"، هذان تفسيران للخير؛ يعني: إذا استعملَ الفرسَ في محاربةِ الكفارِ يحصلُ للرجلِ الأجرُ والغنيمةُ.

* * *

2922 -

عن أبي هريرةَ قال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَكْرهُ الشِّكالَ في الخَيلِ،

ص: 367

والشِّكالُ: أنْ يكونَ الفرسُ في رجلِه اليُمنى بياضٌ وفي يدهِ اليُسرى، أَوْ في يدِه اليُمنى ورجلِه اليُسرى.

قوله: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَكْرَهُ الشِّكَالَ في الخيل"، وتفسير (الشِّكَال): ما ذكر ها هنا.

وقيل: بل الشِّكَالُ أن تكونَ الفرسُ ثلاثُ قوائمَ منها أبيضُ، أو واحدٌ أبيض، ووجهُ كَراهةِ الشِّكَال شيءٌ عَلِمَه النبيُّ وإن لم نَعْلَمْه.

* * *

2923 -

عن عبدِ الله بن عمرَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم سابَقَ بين الخيلِ التي أُضْمِرَتْ مِن الحَفياءِ، وأَمَدُها ثَنِيَّةُ الوداعِ، وبينَهما ستةُ أميالٍ، وسابَقَ بين الخيلِ التي لم تُضَمَّرْ مِن الثَّنيَّةِ إلى مسجدِ بني زُريقٍ، وبينَهما مِيلٌ.

قوله: "سابَقَ"؛ أي: رَكَضَ؛ ليُظْهِرَ أيُّهما أَحْسَنُ وأشَدُّ عَدْوًا.

"أُضْمِرَتْ"؛ أي: جُعِلَتْ ضَامرًا؛ أي: دقيقَ الوَسَط.

قال في "صحاح اللغة": (التَّضْمِيرُ): أن يُعْلَفَ الفرسُ حتى يَسْمَن، ثم يردَّه إلى القُوْت، ويفعل ذلك مرارًا، ويركُضُها مرارًا، حتى تعتادَ بالجوع والعَدْو، فتصيرُ دقيقَ الوَسَط، وذلك في أربعين يومًا.

"الحَفيَاء"، اسم موضع، وكذا "ثنيةُ الوداع"، و"الأَمَدُ": الغاية.

* * *

2924 -

عن أنسٍ رضي الله عنه قال: كانتْ ناقةٌ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم تُسمَّى العَضْباءَ، وكانتْ لا تُسبَقُ، فجاءَ أعرابيٌّ على قَعُودٍ لهُ فسبقَها، فاشتدَّ ذلكَ على المُسلمينَ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"إنَّ حَقًا على الله أنْ لا يرتَفِعَ شَيءٌ مِن الدُّنيا إلا وَضَعَهُ".

ص: 368

قوله: "تُسمَّى عَضْبَاء"، وإنما سُمِّيتْ عَضْبَاء؛ لأنها كانت مقطوعةَ الأُذُن، والعَضْبَاءُ: مقطوعة، والعَضْبُ: القَطْعُ.

"القَعُود" - بفتح القاف -: الجملُ الذي أُعِدَّ وهُيئَ للركوب، والغرض من هذا الحديث والذي قبله: بيانُ جواز المسابقة بالخيل والإبل.

* * *

مِنَ الحِسَان:

2925 -

عن عقبةَ بن عامرٍ قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّ الله يُدخِلُ بالسَّهمِ الواحدِ ثلاثةَ نفرٍ الجنةَ: صانِعَهُ يَحتسِبُ في صنعَتِهِ الخيرَ، والرامي بهِ، ومُنَبلَهُ، وارمُوا واركبُوا، وأنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إليَّ مِن أنْ تَرْكبُوا، كلُّ شيءٍ يَلهُو بهِ الرجلُ باطِلٌ، إلا رَميَهُ بِقَوْسِهِ، وتَأْديبَهُ فرسَه، ومُلاعبتَهُ امرأتَهُ، فإنهنَّ مِن الحقِّ، ومَن تَرَكَ الرَّميَ بعدَ ما عَلِمَهُ رغبةً عنه، فإنه نِعمةٌ تَرَكَها، أو قال: كَفَرَها".

قوله: "ومُنْبلَه"؛ أي: الذي يُعْطِي الراميَ السهمَ ليرميَ، سواءٌ كان السهمُ ملكَ المُعْطِي، أو الرامي.

قوله: "وتأديبَه فرسَه"؛ أي: وتعليمه فرسَه الركض والجَوَلان على نِيَّةِ الغَزْو.

* * *

2926 -

عن أبي نَجِيحٍ السُّلَميَّ قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "مَن بلغَ بسهمٍ في سبيلِ الله فهوَ لهُ درجةٌ في الجنَّةِ، ومَن رَمَى بسهمٍ في سبيلِ الله فهوَ لهُ عِدْلُ مُحَرَّرٍ، ومَن شابَ شَيْبَةً في الإسلامِ كانَتْ لهُ نورًا يومَ القيامةِ".

ص: 369

قوله: "ومن بلغَ بسهمٍ في سبيل الله"؛ يعني: ومن أَوْصَلَ سهمًا إلى كافر.

قوله: "ومن رَمَى بسهمٍ في سبيل الله"؛ يعني: ومن رَمَى سهمًا كان له من الثوابِ مثلُ ثوابِ إعتاقِ رقبة، وإن لم يوصِلْ ذلك السهمَ إلى كافر.

* * *

2927 -

وعن أبي هريرةَ، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"لا سَبْقَ إلا في نَصْلٍ أو خُفٍّ أو حافِرٍ".

قوله: "لا سَبْقَ"؛ أي: لا يجوزُ المسابقةُ إلا في النَّصْل، أو رَكْضُ الفَرَسَين، أو البعيرين، أراد بـ "النصل": جميعَ آلاتِ الحرب؛ يعني: يرمي اثنان بالسهم إلى هدف؛ ليُعْرَف أيُّهما أحسنُ رميًا.

وأراد بـ "الخف": ذواتُ الخُفِّ، وهي الإبل، وأراد بـ "الحافر": ذواتُ الحافِر، وهي الأفراس هنا دون الحِمَار والبَغْل، وفي الحمار والبغلِ والفيلِ خلافٌ، ولا يجوزُ المسابقةُ والمناضلةُ بِعِوَضٍ عند أبي حنيفة.

والمسابقة تكون في رَكْضِ الفرسَين وغيرهما، والمناضَلَةُ تكون في الرمي.

و"السبْق" - بسكون الباء - مصدرٌ، والسَّبَق - بفتح الباء -: المالُ الذي يأخذُه من سَبَقَ.

قال الخَطَّابي: الأصحُّ من الروايات في قوله صلى الله عليه وسلم: "لا سَبَقَ" بفتح الباء؛ أي: لا يجوزُ أخذُ المالِ إلا في هذه الأشياء.

* * *

2928 -

وقال: "مَن أدخلَ فَرسًا بينَ فرسينِ فإنْ كانَ يُؤمَنُ أَنْ يَسبقَ فلا

ص: 370

خيرَ فيهِ، وإنْ كانَ لا يُؤمَنُ أنْ يَسبقَ فلا بأسَ بهِ".

وفي روايةٍ: "وهوَ لا يَأْمنُ أنْ يَسبقَ فليسَ بقِمارٍ، وإنْ كانَ قد أَمِنَ أنْ يَسبقَ فهو قِمارٌ".

قوله: "من أدخلَ فرسًا بين فَرَسَيْنِ

" إلى آخره.

اعلم أن المسابقة بين الفَرَسَيْن بِعِوَضٍ يأخذُه السابقُ جائزٌ، وشرطُه: أن يكونَ المالُ من أحدِ المسابقَين، لا من كليهما، أو مِنْ غيرِ المسابقَين بأن يقول رجلٌ للفارِسَين: اركُضَا من الموضع الفلاني إلى الموضع الفلاني، فمن سبقَ منكما الآخرَ أعطيتُه كذا.

وإن أخرجَ كلُّ واحدٍ من المُسَابقَين قَدْرًا من المال على أنَّ مَن سبقَ منهما أخذَ المالَيْنِ؛ لم يَجُزْ؛ لأن هذا عادةُ أهلِ القِمَار.

وطريق تصحيحِ هذا العَقْدِ: أن يكونَ بينهما مُحلِّلٌ، والمحلِّل - بكسر اللام -: من جَعَلَ العَقْدَ حلالاً، وهو أن يَدْخُلَ ثالثٌ بينهما لا يُخْرِجُ الثالثُ شيئًا من المال، على أنَّ المُحَلِّلَ لو سبقَ أخذَ المَالَيْنِ، ولو سبقَ أحدُ المُخْرِجَيْنِ أخذَ مالَ نَفْسِه، ومالَ المُتَأَخَّر، فلو كان بين جماعة أخرجوا المال بمُحَلِّلٍ واحد جاز.

ومقصودُ هذا الحديثِ: أن المُحَلِّلَ ينبغي أن يكونَ على فرسٍ مثلِ فَرَسَي المُخْرِجَين، أو قريبًا من فَرَسَيْهِما في العدو، فإن كانَ فَرَسُ المُحَلِّلِ جوادًا بحيثُ يَعْلَمُ أنه لا يَسْبقُه فرسا المُخْرِجَين لم يَجُزْ، بل وجودُه كعَدَمِه، وإن كان لا يعلمُ أنه يسبقُ فَرَسَي المُخْرِجَيْنِ يقينًا، بل يُمْكنُ أن يكونَ سابقًا، وأن يكونَ مسبوقًا جاز، وكذلك لو كان فرسُ المُحَلِّلِ بَلَيدًا بحيث يَعْلَمُ أنه يكون مسبوقًا لا يجوز، وإن أمكنَ أن يكونَ سابقًا، وأن يكونَ مسبوقًا جاز.

ص: 371

روى هذا الحديثَ أبو هريرة.

* * *

2929 -

وقال: "لا جَلَبَ ولا جَنَبَ" يعني: في الرِّهانِ.

قوله: "لا جَلَبَ ولا جَنبَ، يعني: في الرهان"، (الرِّهَانُ والمراهنة): المسابَقَةُ.

ذكر شرح: (لا جَلَبَ ولا جَنبَ) في (كتابِ الزكاة)، و (باب الغَصْب).

روى هذا الحديثَ عِمران بن حُصَين.

* * *

2930 -

وعن أبي قتادةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"خيرُ الخيلِ الأدْهمُ الأقرَحُ الأرثَمُ، ثم الأقرَحُ المُحَجَّلُ طُلْقُ اليمين، فإنْ لم يكنْ أَدْهَمَ فَكُمَيْتٌ على هذه الشِّيَةِ".

قوله: "الأَدْهَمُ الأَقْرَحُ الأَرْثَمُ"، (الأَدْهَمُ): الأسود، و (الأَقْرَحُ): الذي في جبهته بياضٌ بقَدْرِ دِرْهَمٍ، أو دونَه، و (الأَرْثَمُ): الذي شَفَتُه العُلْيا بَيْضَاءُ.

قولُه: "ثم الأَقْرَحُ المُحَجَّلُ طَلْقُ اليمين"، أراد بـ (طَلْقِ اليمين): أن لا يكون يمينُها محجَّلاً، و (المُحَجَّلُ): الأبيض.

"فإنْ لم يكنْ أَدْهَمَ، فكُمَيْتٌ على هذهِ الشِّيَة"، و (الكُمَيْتُ): الفرسُ الذي ذَنَبُه وعُرْفُه - أي: شَعْرُ عُنُقِه - أسودان، والباقي: أحمر، (الشِّيَةُ): العلامة.

وقوله: (هذه الشِّيَة)، إشارة إلى الأَقْرَحِ الأَرْثَمِ، والأَقْرَحِ المُحَجَّلِ طَلْقِ اليمين.

* * *

ص: 372

2931 -

عن أبي وهبٍ الجُشَميِّ قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بكلِّ كُمَيْتٍ أَغَرَّ مُحجَّلٍ، أو أَشقرَ أَغَرَّ مُحَجَّلٍ، أو أَدْهَمَ أَغَرَّ مُحَجَّلٍ".

قوله: "أَغرَّ مُحجَّلٍ"، (الأَغَرُّ): الأبيضُ الوَجْه، (المُحَجَّلُ): أبيضُ القوائم، و"الأَشْقَرُ": الفرسُ الذي جميعُ لونهِ أحمرُ.

* * *

2932 -

عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يُمْنُ الخَيلِ في الشُّقْرِ".

قوله: "يُمْنُ الخيل في الشُّقْر"، (الشُّقْر): الحمرة؛ يعني: البركةُ فيما هو أحمرُ من الخيل.

* * *

2933 -

عن شيخٍ من بني سُلَيمٍ، عن عُتبةَ بن عبدِ الله السُّلَميَّ أنه سمع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ:"لا تَقُصُّوا نَواصيَ الخيلِ ولا معارِفَها ولا أَذنابَها، فإنَّ أذنابَها مَذابُّها، ومَعارفَها دِفاؤُها، ونَواصيَها معقودٌ فيها الخيرُ".

قوله: "لا تَقُصُّوا"؛ أي: لا تَقْطَعُوا.

"المَذَابُّ": جمع مِذَبَّة، وهي ما يُذَبُّ به الذُّبابُ؛ يعني: تَذُبُّ الفرسُ بذَنبَها الذبابَ عن نفسها.

"المعارف": جمعُ مَعْرِف، وهو ها هنا شَعْرُ عُنُقِ الفَرَس.

و"الدِّفاء" - بكسر الدال وسكون الفاء -: الحرارةُ، وما يُدْفَأُ به؛ أي: يصيرُ به حارًا؛ أي: يندفِعُ البَرْدُ عن الفَرَس بمَعْرِفِه.

* * *

ص: 373

2934 -

وعن أبي وَهْبٍ الجُشَميِّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ارتبطوا الخيلَ، وامْسَحُوا بنواصِيها وأَعجازِها - أو قال: أَكفالِها - وقَلِّدوها، ولا تُقَلَّدُوها الأوتارَ".

قوله: "ارتبطُوا الخيلَ"؛ أي: ارتبطُوها وسَمِّنُوها لأجل الغَزْوِ.

قوله: "وامسَحُوا بنواصيها وأعجازِها"، النواصي: جمعُ ناصية، و (الأعجازُ): جمع عَجُز، وهو الكِفْل؛ لعلَّه صلى الله عليه وسلم يريد بهذا المسح: تنظيفَ الخَيْل من الغُبَار، وتعرُّفَ حالِها من السِّمَن والعَجَف، فإن الخيلَ لِيَكُنْ سمينًا؛ ليقدرَ على الرَّكْض والجَوَلَانِ في المحاربة، ولتكنْ نظيفةً حسنةً كيلا يستخفَّها ويستحقِرَها الكفار، ولهذا جَوَّزَ تحليةَ آلاتِ الحرب بالفضة كي لا يستَحقِرَ الكفارُ المسلمين.

قوله: "وقَلِّدُوها"؛ أي: عَلَّقوا بأعناقها ما شئتم إلا الأوتارَ، وهو جمِعُ وَتَر، وإنما نَهَى عن تقليدِها الوترَ؛ لأنَّ العربَ كانوا يعتقِدُون أن الوَتَرَ يدفعُ العينَ عما عُلقَ به الوَتَر، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الفعلِ والاعتقادِ؛ لأنه لا دافعَ ولا معطيَ إلا الله.

وقيل: إنما نهاهم عن تعليق الوَتَر كيلا يختَنِقَ الفَرَسُ به.

* * *

2935 -

عن ابن عبَّاسٍ قال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عبدًا مأمورًا، ما اختصَّنا دونَ النَّاسِ بشيءٍ إلا بثلاثٍ: أَمَرَنا أنْ نُسبغَ الوُضوءَ، وأنْ لا نأكلَ الصَّدَقةَ، وأنْ لا نُنْزِيَ حِمارًا على فرسٍ.

قوله: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عَبدًا مأمورًا ما اختصَّنا دونَ الناسِ بشيءٍ إلا بثلاث"، مفهومُ كلامِ ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما اختصنا بهذه الثلاثة بأمر الله؛ لأنه لا يقولُ شيئًا إلا بأمر الله.

قوله: "أن نُسْبغَ الوُضُوءَ".

ص: 374

قوله: "وأن لا نأكلَ الصدقةَ"، وعِلَّتُه: أن الزكاةَ والصدقةَ وسخُ المالِ، وآل النبي صلى الله عليه وسلم أعزُّ من أن يأكلوا وَسَخَ المال.

قوله: "وأن لا نُنْزِيَ حمارًا على فرس"، نهى النبي صلى الله عليه وآله من إِنزاءِ الحمارِ على الفَرَس؛ لأنَّ الفرسَ إذا حَمَلَتْ من جنسِها يكونُ ولدها مأكولَ اللحم، ويكونُ صالحًا للركض، والجَوَلانِ في الحرب، وتخويفِ الأعداء، ويكون له سهمان في القِسْمة، ويكون له نَسْلٌ، ولو حَمَلَتِ الفرسُ من الحمار لا يكونُ لولدِها شيءٌ من هذه المنافع.

ولا شكَّ أن تفويتَ هذه المنافعِ لا يَلِيقُ بآل النبي صلى الله عليه وسلم، وإنزاءُ الحِمارِ على الفَرَسِ جائزٌ للأمة.

* * *

2936 -

عن عليًّ رضي الله عنه قال: أُهديَتْ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم بَغْلَةٌ فركبَها، فقال عليٌّ: لو حَمَلْنا الحَميرَ على الخيلِ لكانَتْ لنا مثلَ هذه، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"إنَّما يفعلُ ذلكَ الذينَ لا يعلمونَ".

قوله: "إنما يفعلُ ذلك الذين لا يَعْلَمُون"؛ يعني: إنما يُنْزِي الحمارَ على الفرسِ الذين لا يعلَمون أن إنزاءَ الفرسِ على الفرسِ خيرٌ من إنزاء الحمارِ على الفرس؛ لما ذُكِرَ قُبَيْلَ هذا من الفوائد.

وإنما قال صلى الله عليه وسلم هذا تسلَّيًا لخواطر آله رضي الله عنهم حين نهاهم.

إنزاءُ الحمار على الفرسِ جائزٌ؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد ركبَ البَغْلَ، ومنَّ الله على عباده بالبغل فقال:{وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8]، ولو لم يكنْ إنزاءُ الحمار على الفرس جائزًا لم يمنَّ الله على عباده بشيءٍ غيرِ جائز.

ص: 375

2937 -

وقال أنسٌ رضي الله عنه: كانتْ قَبيعَةُ سيفِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم مِن فِضَّةٍ.

قوله: "كان قَبيعةُ سيفِ رسول الله صلى الله عليه وسلم من فِضَّة".

(قبيعة السيف) بمنزلة شعيرة السِّكِّين، فهي ما بين المِقْبَضِ وما بعده من المَقْطَع.

وهذا الحديث صريحٌ بأن تحليةَ آلاتِ الحربِ بالفضة جائزةٌ كيلا يستحقرَ الكفارُ المسلمين.

* * *

2939 -

عن السَّائبِ بن يزيدَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ عليهِ يومَ أُحُدٍ دِرْعانِ قد ظاهرَ بينَهما.

قوله: "قد ظاهَرَ بينهما"؛ يعني: لَبسَ أحدَهما فوقَ الأخرى، وهذا الحديث صريحٌ بأن لُبْسَ السلاحِ وما يَدْفَعُ سهامَ الأعداء وضَرَرَهم سُنَّةٌ.

* * *

2940 -

عن ابن عبَّاسٍ قال: كانَتْ رايةُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم سوداءَ ولِواؤُهُ أبيضَ.

قوله: "كانت رايةُ نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم سَوْدَاءَ، ولواؤُه أبيضَ"، (الرَّايةُ): العلم الكبير، و (اللواءُ): العَلَمُ الصغيرُ، يقالُ له: البَيْرَق.

* * *

2941 -

وسُئِلَ البراءُ بن عازبٍ عن رايةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كانَت سوداءَ مُرَبَّعةً مِن نَمِرةٍ.

قوله: "من نَمِرَة"، (النَّمِرَةُ): بُردَةٌ من صُوْف.

* * *

ص: 376