الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قولٍ، وإنما سَمَّاه حقًّا لكونه واجبًا أو سُنَّةً مُؤكَّدةً.
وضيافةُ اليوم الثاني سُنَّةٌ؛ لأنه فعلَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وأذن فيها.
وضيافةُ اليوم الثالث مكروهةٌ؛ لأنه لم يأتِ في الحديث استحبابُها، بل نَهَى عنها؛ لأنها سُمعةٌ ورياءٌ؛ يعني: يَفعلُها الرجلُ لِيُقالَ: أضافَ فلانٌ الناسَ ثلاثةَ أيام؛ لِيَنشرَ ذكرَ كرمه.
قوله: "سُمعة"، (السُّمعة): الشُّهرة، وهي: ما يحبُّ الرجلُ أن يُسمِعَها الناسَ، و (سَمَّع تسميعًا): إذا شهَّرَ أحدًا؛ يعني: مَن شهرَ نفسَه بكرمٍ أو غيره فخرًا ورياءً شهَّرَ الله يومَ القيامة بين أهل العَرَصات بأنه مُراءٍ كذَّابٌ.
رَوى هذا الحديثَ ابن مسعود رضي الله عنه.
* * *
2406 -
عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن طعامِ المُتُبارِيَيْنِ أنْ يُؤكلَ.
قوله: "نهى عن طعام المُتباريَين"، (المُتباري): الَّذي يَفعل فعلًا ليكونَ مثلَ صاحبه؛ وليَنشرَ ذكرَه مثلَ ما انتشرَ من ذكر صاحبه، أو ليَغلبَ ذكرُه على ذكرِه، فأكلُ طعام هذين الرجلَين منهيٌّ [عنه]؛ لأنه للرِّياء، لا لله.
* * *
9 - باب القَسْمِ
(باب القَسْمِ)
مِنَ الصِّحَاحِ:
2407 -
عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قُبضَ عن تسعِ نِسوَةٍ،
فكان يقسِمُ مِنهنَّ لثمانٍ.
قوله: "قُبض"؛ أي: تُوفِّي وفي نكاحِه تسعُ نسوةٍ.
"يَقسِم"؛ أي: يَبيتُ عند ثمانٍ منهنَّ على التناوب، وإنما قسَمَ لثمانٍ، ولم يَقسِمْ لتسعٍ؛ لأنَّ سَودةَ وَهبَتْ نَوبَتَها من عائشةَ.
* * *
2409 -
وعن عائشةَ رضي الله عنها: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كانَ يسألُ في مرضهِ الذي ماتَ فيهِ: "أينَ أنا غدًا، أينَ أنا غدًا؟ " يريدُ يومَ عائشةَ، فأَذِنَ له أزواجُه أنْ يكونَ حيثُ يشاءُ فكانَ في بيتِ عائشةَ رضي الله عنها حتى ماتَ عندَها.
قوله صلى الله عليه وسلم: "أين أنا غدًا؟ "؛ يعني بهذا اللفظ: أين أكونُ غدًا؟ عندَ امرأةٍ أخرى أم عندَ عائشةَ؟ فعلَمَتْ زوجاتُه: أنه يريد أن يكونَ عند عائشةَ قَدْرَ ما يشاء، فكان عند عائشةَ حتى تُوفِّي صلى الله عليه وسلم.
والتسويةُ بين النساء في القَسْم لم تكن واجبةً عليه، بل يُسوِّي بينهنَّ تفضُّلًا وكرمًا؛ لقوله عز وجل:{تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ} [الأحزاب: 51]؛ يعني: كلُّ زوجةٍ من زوجاتك تريد أن تكونَ معها فلا حرجَ عليك، وكلُّ زوجةٍ لا تريد أن تكونَ معها فلا حرجَ عليك، هذا هو المختار عند الغَزَاليِّ.
والأصحُّ عند مُحيي السُّنَّة: أنَّ القَسْمَ كان واجبًا عليه صلى الله عليه وسلم بدليلِ هذا الحديث؛ فإنه لو لم يكنِ القَسْمُ بين النساء عليه واجبًا، لم يَحتجْ إلى إذن نسائه في أن يكونَ عند عائشة رضي الله عنها.
* * *
2411 -
عن أبي قِلابةَ، عن أنسٍ رضي الله عنه قال: من السُّنَّةِ إذا تزوَّجَ البكْرَ على امرأتِهِ أقامَ عندَها سبعًا ثم قَسَمَ، وإذا تزوَّجَ الثَّيبَ أقامَ عندَها ثلاثًا ثم قَسَمَ. قال أبو قِلابةَ: ولو شئتُ لقلتُ: إنَّ أنسًا رفعَهُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
قوله: "من السُّنَّة إذا تزوَّج البكر
…
" إلى آخره.
فمذهبُ الشافعيِّ ومالكٍ وأحمدَ: أنَّ الرجلُ إذا كانت له زوجةٌ، فتزوَّج جديدةً؛ فإن كانت الجديدةُ بِكرًا، أقام عندها سبعَ ليالٍ وأيامَهنَّ، وإن كانت ثيبًا، أقام عندها ثلاثَ ليالٍ وأيامَهنَّ، وذلك لِتَستأنسَ الجديدةُ بالزوج، وليَحصلَ بينهما انبساطٌ، وإنما فُضلت البكرُ على الثيب؛ لأنَّ استحياءَ البكر أكثرُ، فتحتاج في ارتفاع استحيائها إلى زمانٍ أكثرَ من زمان الثيب.
ومذهبُ أبي حنيفةَ: أنه لا تفضيلَ للجديدة على القديمة، سواءٌ كانت الجديدة بِكرًا أو ثيبًا.
قوله: "ثم قسم"؛ يعني: بعدما فرغَ من سبعِ البكر يَقسِم؛ أي: يُسوِّي بين القديمة والجديدة، وإذا فرغَ من ثلاثِ الثيب يَقسِم بين القديمة والجديدة.
قول أبي قِلابة: "لو شئتُ لَقلتُ: إنَّ أنسًا رفعَه إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم" معناه: لم يَقلْ أنسٌ: إني سمعتُ هذا الحديثَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل قال: من السُّنَّة، ولكن لو شئتُ لَقلتُ: لم يَقلْ أنسٌ هذا الحديثَ من اجتهاده، بل سمعَه من النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لأني أعتقدُ أنَّه لا يُحدِّث بشيءٍ إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* * *
2412 -
عن أبي بكرِ بن عبدِ الرَّحمنِ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حينَ تزوجَ أمَّ سلمةَ وأصبَحَتْ عندَه قالَ لها: "ليسَ بكِ على أهلِكِ هَوانٌ، إنْ شئتِ سبَّعْتُ عندَكِ وسبَّعْتُ عندَهنَّ، وإنْ شئتِ ثلَّثْتُ عندَكِ ودُرْتُ"، قالت: ثَلِّث. ويُروَى أنَّه قال لها: "للبكْرِ سَبْعٌ وللثَّيبِ ثلاثٌ".
قوله: "ليس بك على أهلك هوانٌ"، (الهَوان): المَذلَّة؛ أي: ليس على أهلك هَوانٌ بسببك؛ يعني: أنتِ لستِ خسيسةً يَلحقُ أهلَك هَوانٌ بسببك؛ بل لك حُرمةٌ؛ يعني: حقُّ البكر الجديدة سبعٌ، وحقُّ الثيب ثلاثٌ، فلا تَظنِّي أنَّ مُكثي عندك ثلاثًا لا سبعًا من أجل هَوانِكِ، بل هذا حُكمُ الشَّرع.
قوله: "إن شئتِ سبَّعتُ عندك، وسبَّعتُ عندهنَّ"، (التسبيع): جعلُ الشيءِ سبعًا؛ يعني: إن طلبتِ مني أن أَجعلَ مقامي عندك سبعًا، بَطَلَ حقُّك من الثلاث بسبب طلبك شيئًا غيرَ شرعيٍّ، بل إذا قمتُ عندك سبعًا، أقضي هذه السبعَ للباقيات، وإن قنَعتِ بحقِّك - وهو الثلاثُ - أَقمتُ عندك، ثم "دُرتُ"؛ أي: ثم أُسوِّي بينك وبينهنَّ في النَّوبة، ولا أَقضي الثلاثَ.
* * *
2413 -
رُوِيَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يقسِمُ بينَ نسائِه فيَعدِلُ ويقول: "اللهمَّ هذا قَسْمي فيما أَمْلِكُ، فلا تَلُمْني فيما تَملِكُ ولا أَمْلِكُ".
قوله: "فلا تَلمْني فيما تَملكُ ولا أَملكُ"؛ يعني: أُسوِّي بين نسائي في القَسْم، ولكن لا أَقدِر أن أُسوِّيَ بينهنَّ في المحبة؛ لأنَّ المحبةَ في القلب، والقلبَ ليس مقدوري، بل أنتَ القادرُ عليه وعلى كلِّ شيءٍ، (فلا تَلمْني)؛ أي: فلا تُؤاخذْني في التفاوت بينهنَّ في حبي.
اعلمْ أنَّ الرجلَ غيرُ مُؤاخَذٍ بالتفاوت بين نسائه في الحبِّ؛ لأنَّ الحبَّ غيرُ مقدورٍ عليه، والرجلُ لا يُؤاخَذُ بما لم يكنْ قادرًا عليه.
رَوى هذا الحديثَ أبو قِلابةَ، عن عبد الله بن زيد، عن عائشة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* * *
2414 -
عن أبي هريرةَ رضي الله عنه، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا كان عندَ الرَّجلِ