المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌5 - باب المحرمات - المفاتيح في شرح المصابيح - جـ ٤

[مظهر الدين الزيداني]

فهرس الكتاب

- ‌12 - كِتابُ النِّكَاحِ

- ‌2 - باب النَّظَرِ إلى المَخطوبةِ وبيانِ العَورات

- ‌3 - باب الوليَّ في النَّكاح واستِئذانِ المَرأةِ

- ‌4 - باب إعلانِ النكاحِ والخِطبةِ والشَّرطِ

- ‌5 - باب المُحرَّماتِ

- ‌6 - باب المُباشَرةِ

- ‌فصل

- ‌7 - باب الصَّداق

- ‌8 - باب الوَليمةِ

- ‌9 - باب القَسْمِ

- ‌10 - باب عشرةِ النِّساءِ وما لكلِّ واحدةٍ من الحقوقِ

- ‌11 - باب الخُلعِ والطلاقِ

- ‌12 - باب المُطلَّقَةِ ثلاثًا

- ‌فصل

- ‌13 - باب اللِّعَانِ

- ‌14 - باب العِدَّة

- ‌15 - باب الاستبراء

- ‌16 - باب النَّفقاتِ وحَقِّ المَملوكِ

- ‌17 - باب بلوغِ الصَّغيرِ وحضانتهِ في الصِّغَرِ

- ‌13 - كِتابُ العِتْقِ

- ‌2 - باب إعتاقِ العَبْدِ المُشتَرَك وشراءِ القريبِ والعتقِ في المَرَضِ

- ‌3 - باب الأيمانِ والنُّذورِ

- ‌فصل في النُّذورِ

- ‌14 - كِتَابُ القِصَاصِ

- ‌2 - باب الدَّيَاتِ

- ‌3 - باب ما لا يُضْمَنُ من الجنايات

- ‌4 - باب القَسامة

- ‌5 - باب قتلِ أهل الرِّدَّةِ والسُّعاةِ بالفسادِ

- ‌15 - كِتَابُ الحُدُودِ

- ‌2 - باب قَطْعِ السَّرِقَةِ

- ‌3 - باب الشَّفاعةِ في الحُدودِ

- ‌4 - باب حدِّ الخمرِ

- ‌5 - باب لا يُدْعى على المَحدودِ

- ‌6 - باب التَّعْزيرِ

- ‌7 - باب بيانِ الخَمْرِ ووعيدِ شاربها

- ‌16 - كِتابُ الإمَارَة وَالقَضَاءِ

- ‌1 - باب

- ‌2 - باب ما على الوُلاةِ من التَّيسيرِ

- ‌3 - باب العَملِ في القضاءِ والخَوفِ منهُ

- ‌4 - باب رزق الوُلاةِ وهداياهم

- ‌5 - باب الأقضيةِ والشَّهاداتِ

- ‌17 - كِتابُ الجهَادِ

- ‌2 - باب إعدادِ آلةِ الجِهادِ

- ‌3 - باب آدابِ السَّفَرِ

- ‌4 - باب الكتابِ إلى الكُفَّارِ ودعائِهم إلى الإسلامِ

- ‌5 - باب القِتالِ في الجهاد

- ‌6 - باب حُكْمِ الأُسارى

- ‌7 - باب الأمانِ

- ‌8 - باب قِسْمَةِ الغنائمِ والغُلولِ فيها

- ‌9 - باب الجِزْيَةِ

- ‌10 - باب الصُّلحِ

- ‌11 - باب الجلاء: إخراجِ اليهودِ من جزيرةِ العَرَبِ

- ‌12 - باب الفَيْءِ

- ‌18 - كِتَابُ الصَّيْدِ والذَّبَائِحِ

- ‌2 - باب

- ‌3 - باب ما يحلُّ أكلُه وما يحرُمُ

- ‌4 - باب العقِيقةِ

- ‌19 - كِتَابُ الأَطْعِمَةِ

- ‌2 - باب الضيافَةِ

- ‌فصل

- ‌3 - باب الأشرِبةِ

- ‌4 - باب النَّقيعِ والأنبذةِ

- ‌5 - باب تغطيةِ الأواني وغيرِها

الفصل: ‌5 - باب المحرمات

قوله: "ألا أَرسلتُم معهم مَن يقول: أتيناكم أتيناكم، فحيانا وحياكم".

2344 -

عن الحَسَنِ، عن سَمُرَة رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "أيُّما امرأةٍ زَوَّجها وليَّانِ فهي للأوَّلِ منهما، ومَن باعَ بيعًا من رجلينِ فهو للأوَّل منهما".

قوله: "أيُّما امرأةٍ زوَّجَها وليَّانِ فهي للأول منهما"، مثاله: كان لامرأةٍ أخوانِ، فزوجَاها من شخصَين، فإن وقعَ النَّكاحانِ معًا فهما باطلانِ، وإن وَقَعَا متعاقبَين؛ فإن عُلِمَ السابقُ منهما، فالسابقُ صحيحٌ، والثاني باطلٌ، وإن لم يُعرَفِ السابقُ منهما، فهو كما إذا وَقَعَا معًا حتى يَبطلا معًا.

وقال مالك: لو عُلِمَ التقدُّمُ والتأخُّرُ؛ فإنْ وَطِئ الثاني، لم يُفرَّقْ بين الثاني وبينها.

* * *

‌5 - باب المُحرَّماتِ

(باب المحرمات)

مِنَ الصِّحَاحِ:

2347 -

عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا يُجمَعُ بينَ المرأةِ وعمَّتِها، ولا بينَ المرأةِ وخالتِها".

قوله: "لا يُجمَع بين المرأةِ وعمَّتِها، ولا بين المرأةِ وخالتِها"؛ يعني: لا يجوز للرجل أن يَنكحَ عمَّةَ زوجتِه ولا خالتَها ما دامتْ تلك الزوجةُ في نكاحه، فإذا ماتَتْ تلك المرأةُ أو طلَّقَها بائنًا، جاز له أن يَنكحَ عمَّتَها أو خالتَها، وكذلك لا يجوز أن يَنكحَ أختَ زوجتِه ما دامتِ الزوجةُ في نكاحِه.

* * *

ص: 42

2348 -

وقال: "يَحْرُمُ من الرَّضاعةِ ما يَحرُمُ من الوِلادةِ".

قوله: "يَحرُمُ من الرَّضاعة ما يَحرُمُ من الولادة"؛ يعني: كلُّ امرأةٍ يكون بينك وبينها قرابةٌ من النَّسَب بحيث لا يجوزُ لك تزوُّجُها، فلو كانت تلك القرابةُ بينك وبينها من الرَّضاع، لا يجوز لك أيضًا أن تتزوَّجها، فإذا أُرضعتَ لبن امرأةٍ صارَتْ تلك المرأةُ أمَّك من الرَّضاع، ولا يجوز لك أن تتزوَّجَها، كما لا يجوز لك أن تَتزوَّجَ أمَّك التي ولدَتْك، وبناتُ المرأةِ التي أَرضعَتْك صِرْنَ أخواتِك من الرَّضاع، وهن مُحرَّمات عليك كأخواتِك من النَّسَب، وكذلك باقي الأمثلة.

رَوَتْ هذا الحديثَ عائشةُ رضي الله عنها.

* * *

2351 -

وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُحرِّمُ الرضْعةُ والرَّضعتانِ".

قوله: "لا تُحرِّم الرَّضعةُ أو الرَّضعتانِ".

رَوَتْ هذا الحديثَ أمُّ الفَضل.

* * *

2352 -

وقال: "لا تُحرِّمُ المَصَّةُ والمصَّتانِ".

2353 -

و"لا تُحرِّمُ الإمْلاجَةُ والإمْلاجَتانِ".

قوله: "لا تُحرِّم المَصَّةُ والمَصَّتانِ، ولا تُحرِّمُ الإمْلاجةُ والإمْلاجتانِ".

رَوى هذا الحديثَ عبدُ الله بن الزُّبير، عن عائشة رضي الله عنها.

(الإمْلاجة) بكسر الهمزة و [بـ]ـالجيم معناها: المَصَّة، و (أَملَجَ): إذا مصَّ.

ويُروَى: "ولا تُحرَّمُ المَلْحةُ والمَلْحتانِ" بالحاء المهملة، وهي بمعنى المَصَّة أيضًا.

ص: 43

وفي عبارة هذا الحديث تساهلٌ من المُصنِّف أو النُّسَّاخ؛ لأنه جاء في "الصِّحاح": "لا تُحرِّم المَصَّةُ والمَصَّتانِ"، ويُروَى:"لا تُحرِّمُ الإمْلاجةُ والإمْلاجتانِ".

يعني: هاتانِ العبارتانِ جاءتا بروايتَين، لا بروايةٍ واحدةٍ؛ لأنه لو كان بروايةٍ واحدةٍ يكون تكرارًا؛ لأنَّ المَصَّةَ والإمْلاجةَ بمعنًى واحدٍ، وكيف يجوز التكرارُ في حديثٍ واحدٍ وفي روايةٍ واحدةٍ؟!

واعلمْ أنَّ مذهبَ الشافعيِّ، وإحدى الروايتين عن أحمدَ: أنه لا تَثبتُ حُرمةُ الرَّضاعة بأقلِّ من خمسِ رَضَعاتٍ، ومذهبَ مالكٍ وأبي حنيفةَ: أنه تَثبتُ الحُرمةُ بقليلِ الرَّضاعِ وكثيرِه، وقال داود: تَثبتُ بثلاثِ رضعاتٍ، وقيل: لا تَثبتُ بأقلَّ من عشرِ رضعاتٍ.

* * *

2354 -

وقالت عائشةُ رضي الله عنها: كانَ فيما أُنزِلَ من القرآن: (عَشْرُ رَضَعاتٍ معلوماتٍ يُحَرِّمْنَ)، ثم نُسِخنَ بـ (خمسٍ معلوماتٍ)، فتُوفيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وهي فيما يُقرأُ من القرآنِ.

قول عائشة رضي الله عنها: "كان فيما أنزل من القرآن: عشرُ رَضَعاتٍ معلوماتٍ يُحرِّمْنَ، ثم نُسخْنَ بخمسٍ معلوماتٍ"؛ يعني: كانت في القرآن آية فيها: أنَّ المُحرِّمَ من الرَّضاع عشرُ رَضَعات، ثم نُسخَتْ تلاوة تلك الآيةُ، ونُسخَتْ من حُكمِها خمسُ رَضَعاتٍ، وبَقيَتْ خمسُ رَضَعاتٍ، فبقي الحُكمُ فيها: أنَّ المُحرِّمَ خمسُ رَضَعاتٍ لا عشرٌ.

وليس في لفظ القرآن أنَّ المُحرِّمَ عشرُ رَضَعاتٍ أم خمسٌ، بل نُسِخَتْ تلاوةُ آيةِ الرضاعِ مُطلقًا، وبقي حُكمُ تحريمُ خمسِ رَضَعاتٍ، وهذه الآيةُ كآية الرَّجم؛ فإنه نُسخَتْ تلاوتُها، وبقي حُكمُها.

ص: 44

قولها: "فتُوفِّي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وهي فيما يُقرَأُ من القرآن"، الواو في (وهي): واو الحال، والضمير في (وهي): ضمير آية: أنَّ المُحرِّمَ عشرُ رَضَعات؛ يعني: كان الناس يقرؤون تلك الآيةَ حتى تُوفَّي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، هذا معنى ظاهرِ لفظِها، ولكن ليس مرادُها هذا المعنى؛ لأنَّ تلك الآيةَ لو كان الناسُ يقرؤونها حتى تُوفَّي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فيجب أن لا تكونَ منسوخةً؛ لأنَّ النسخَ لا يُتصوَّر بعدَ وفاةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؛ بل مرادها: أنَّ الناسَ كانوا يقرؤون تلك الآيةَ إلى قُربِ وفاةِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فنُسخَتْ قبلَ وفاتِه صلى الله عليه وسلم بزمانٍ يسيرٍ.

* * *

2355 -

وعن عائِشَةَ رضي الله عنها: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم دخلَ عليها وعندَها رجلٌ فكأنه كرِهَ ذلك فقالَتْ: إنه أخي، فقال:"انظُرْنَ ما إخْوانُكُنَّ، فإنَّما الرَّضاعةُ من المَجاعَةِ".

"عن عائشةَ رضي الله عنها: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم دَخلَ عليها وعندَها رجلٌ، فكأنه كرهَ ذلك

" إلى آخره.

وفي بعض نسخ "المصابيح": "أنه صلى الله عليه وسلم قال لها: انظرِي ما إخوانُكنَّ؟ " وهذا خَبطٌ من الناسخ؛ لأنه غيرُ مستقيم في المعنى وفي الرواية؛ أمَّا في المعنى فلأنَّ قولَه صلى الله عليه وسلم: (انظرِي) خطابُ واحدةٍ، وقولَه:(إخوانُكنَّ) خطابُ جماعةِ، وهذا متناقضٌ، وأمَّا في الرواية فلأنه لم يُنقَلْ في "الصَّحاح":(انظرِي) بالياء، بل (انظرْنَ) بالنون.

وقوله: (ما إخوانُكنَّ) قد رُوي بلفظة: (ما)، وقد رُوي بلفظة:(من)، فمَن رَوى بلفظة (مَن) فظاهرٌ، ومَن رَوى بلفظة (ما) فهو في معنى (مَن)؛ لأنَّ (مَن) للعقلاء، و (ما) لغيرهم.

معنى هذا الكلامُ أنه ليس كلُّ مَن ارتضعَ لبن أمَّهاتِكنَّ يَصيرُ أخاكُنَّ، بل

ص: 45

شرطُ صيرورته أخاكُنَّ أن تكونَ الرَّضاعةُ من المَجَاعة؛ يعني: يجب أن يكونَ الرَّضاعُ في وقتٍ يُشبعُ الرَّضاعُ الولدَ، وذلك يكون في الصِّغر؛ فإنَّ الصغيرَ تكون معدتُه ضعيفةً ضيقةً يَكفيه اللَّبن ويُشبعُه اللَّبن، ولا يحتاج إلى طعامٍ آخرَ، فيَنبتُ لحمُه بذلك اللَّبن ويَقوى، ويَعظمُ عظمُه ويَصير كجزءٍ من المُرضعة، فيكون ولدُها كسائر أولادها الذين وَلدَتْهم، وإذا كَبرَ الولدُ لم يَكفِه اللَّبن، ولم يُشبعْه، بل يحتاج إلى طعامٍ آخرَ، وإذا لم يَكفِه اللَّبن لم يصير ولدَ المُرضعة؛ لأنه لم يَقوَ، ولم يَعظمْ عظمُه، ولم يَنبتْ لحمُه بمجرد لبنها.

واختُلف في حدِّ مدةٍ يصير الرَّضاعُ فيها مُحرَّمًا؛ فمذهبُ الشافعيِّ وأحمدَ: أنَّ غايتَها سنتانِ، ومذهبُ مالكٍ: سنتانِ وبعدَها إلى مدةٍ قريبةٍ، ومذهبُ أبي حنيفةَ: ثلاثون شهرًا، وعندَ بعض العلماء: ثلاثُ سنين.

* * *

2355/ م - وعن عُقبةَ بن الحارث: أنه تزوَّجَ ابنةً لأبي إهابِ بن عَزيزٍ، فأتَت امرأةٌ فقالت: قد أرضعتُ عُقبةَ والتي تَزَوَّجَ بها، فقالَ لها عقبةُ: ما أعلمُ أنكِ أرضعْتِني ولا أخبرتِني! فأرسلَ إلى آلِ أبي إهابٍ فسأَلَهم، فقالوا: ما علمْنا أرضعَتْ صاحبتَنا! فركبَ إلى النبيَّ صلى الله عليه وسلم بالمدينةِ فسألَهُ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"كيفَ وقد قيلَ؟ " ففارقَها ونكحَتْ زَوجًا غيرَهُ.

"عن عقبة بن الحارث: أنه تزوج بنتًا لأبي إهابِ بن عَزيز

" إلى آخره، فالمُشكِل في هذا الحديث: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (كيف وقد قيل؟!) أي: كيف يجوز لك إمساكُها في نكاحِك وقد قيل: إنك أخوها من الرَّضاع؟! يعني: فارِقْها.

وهذا الحُكمُ منه صلى الله عليه وسلم للوَرَع، وإلا لا يُقبَلُ في الشرعِ قولُ المُرضعة؛ لأنَّ شهادةَ الإنسان على فعل نفسه غيرُ مقبولةٍ.

ص: 46

فإن لم تقلْ: إني أَرضعتُ فلانًا أو فلانةً، بل قالت: أَشهدُ أنَّ بين فلان وفلانة رضاعًا، فهل تُقبَلُ شهادةُ امرأةٍ واحدةٍ؟! قال أحمدُ: تُقبَل ولكنْ تحلف، وقال مالكٌ: تُقبَل شهادةُ امرأتَين، وقال الشافعيُّ: تُقبَل شهادةُ أربعِ نسوةٍ أو رجلَين أو رجلٍ وامرأتَين، وقال أبو حنيفةَ: تُقبَل شهادةُ المُرضعة وحدَها، وأمَّا غيرُ المُرضعة فلا تُقبَل عندَه، إلا شهادةُ رجلَين أو رجلٍ وامرأتَين.

* * *

2356 -

وعن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يومَ حنينٍ بعثَ جيشًا إلى أوْطاسٍ فأَصابُوا سبايا، فكأنَّ ناسًا من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم تحرَّجُوا من غِشيانِهِنَّ مِن أجلِ أزواجِهِنَّ من المشركينَ، فأَنزلَ الله عز وجل:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} أي: فَهُنَّ حلالٌ لكم إذا انقضَتْ عِدَّتُهنَّ.

قوله: "فأصابوا سبَايا"، (السَّبَايا) جمع سبيَّة، وهي (فَعِيلة) بمعنى: مفعولة، من (سَبَى يَسبي): إذا أغار: نساءُ الكفارِ وأولادهم.

قوله: "تحرَّجوا"؛ أي: تجنَّبوا، (التحرُّجُ): التجنُّب من الإثم.

"الغَشَيان": المُجَامَعة؛ يعني: وجدوا في ذلك الغزو سَبَايا من نساء الكفار، فقسمُوهنَّ بينهم، وكان بعضُهم يَطَأ مَن وقعَتْ في نصيبه من السَّبيَّة، وبعضُهم يَعتقدُ تحريمَ وطئهنَّ؛ لأجل أنَّ لهنَّ أزواجًا من الكفار، وقال: كيف يجوز وطءُ امرأةٍ لها زوجٌ؟! فنَزل قولُه تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24]؛ النساء ها هنا: النساءُ اللاتي لهنَّ أزواجٌ، وهذا معطوفٌ على قوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23]؛ يعني: هؤلاء المذكوراتُ في هذه الآية مُحرَّماتٌ عليكم، والنساءُ اللاتي لهنَّ أزواجٌ أيضًا مُحرَّمات على غير أزواجِهنَّ، {إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}؛ يعني: إلا

ص: 47

ما أخذتُم من نساء الكفَّار، فإنهنَّ مُحلَّلاتٌ لكم، وإنْ كان لهنَّ أزواجٌ من الكفَّار؛ فإنه يَنقطعُ النَّكاحُ بينهنَّ وبينَ أزواجِهنَّ من الكفَّار بعدَما أخذتُموهنَّ.

* * *

مِنَ الحِسَان:

2357 -

عن أبي هريرةَ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى أنْ تُنكَحَ المرأةُ على عَمَّتِها، أو العَمَّةُ علي بنتِ أخيها، والمرأةُ على خالتِها، والخالةُ علي بنتِ أُختِها، "لا تُنْكَحُ الصُّغرَى على الكُبرَى، ولا الكُبرى على الصغرَى".

قوله: "لا تُنكَحُ الصُّغرى على الكُبرى، ولا الكُبرى على الصُّغرى"، أراد بالصَّغرى: بنتَ أخي المرأة، وأراد بالكبرى: عمَّتَها، وكذلك بنتُ أختِ المرأةِ هي الصُّغرى، وخالتُها هي الكُبرى.

يعني: لا يجوز أن تُنكَحَ بنتُ أخي المرأةِ على المرأةِ، ولا تُنكَحُ عمَّةُ المرأةِ عليها، ولا أن تُنكَحَ بنتُ أختِ المرأةِ عليها، ولا أن تُنكَحَ خالتُها عليها حتى يُطلِّقَ التي في نكاحِه أو تموتَ.

وعلتُهُ أنَّ تحريمَ الجمعِ بين الأختَين، وبين المرأة وعمَّتِها، وبين المرأة وخالتِها: أنَّ الأختَين من الرَّحِم، وكذلك المرأةُ وعمَّتُها وخالتُها من ذواتِ الرَّحِم، فلو جَمَعَ بينهما في النَّكاح، لَظَهرَتْ بينهما عداوةٌ وقطيعَةُ الرَّحِم، ولا يجوز ما هو سببُ قطعِ الرَّحِم.

* * *

2358 -

وعن البَراء بن عازبٍ قال: مَرَّ بي خالي ومعَهُ لواءٌ فقلتُ: أينَ تذهبُ؟ قال: بعثني النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى رجلٍ تَزَوَّجَ امرأةَ أبيهِ آتيهِ برأسِه.

ص: 48

وفي روايةٍ: فأَمرني أنْ أضرِبَ عُنُقَهُ وآخُذَ مالَه.

قوله: "ومعه لواءٌ": كان ذلك اللواءُ علامةَ كونه مبعوثًا من جهة النبيِّ صلى الله عليه وسلم في ذلك الأمر.

قوله: "فأَمرَني أن أَضربَ عنقَه وآخذَ مالَه" تأويل هذا: أنَّ ذلك الرجلَ تزوَّجَ زوجةَ أبيه معتقدًا حِلَّ هذا النَّكاح، فإذا اعتقد حِلَّ شيءٍ مُحرَّمٍ كَفَرَ، وجاز قتلُه وأخذُ مالِه، وأمَّا لو تزوَّجَ أحدٌ امرأةَ أبيه أو واحدةً من مَحارمه جاهلًا تحريم نكاحِها - يعني: لم يعلمْ أنه حرامٌ تزوُّجُها - لم يَصِرْ كافرًا، وكذلك لو تزوَّجَها عالمًا تحريمَ نكاحِها، ولكنْ [لا] يَعتقدُ تحريمَها، فُسِّقَ بهذا النكاح، وفُرَّقَ بينهما وعُزَّرَ، ولكنْ لا يجوز قتلُه ولا أخذُ مالِه، وهذا إذا لم يَجرِ بينهما دخولٌ، فإن جرى دخولٌ؛ فإنْ عَلمَ تحريمَه فهو زانٍ، وحُكمُ الزاني لا يخفى، وإنْ جَهلَ تحريمَه فهو واطئٌ بالشُّبهة، ولا يجب عليها الحَدُّ، ويجب عليه مهرُ المِثل، ويَثبتُ نسَبُ الولد.

* * *

2359 -

وعن أمَ سلَمَةَ قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا يُحَرِّمُ من الرَّضاعِ إلا ما فتَقَ الأمعاءَ في الثَّدي، وكانَ قبلَ الفِطامِ".

قوله: "لا يُحرَّم من الرَّضاع إلا ما فتَقَ الأمعاءَ [في الثَّدي] ، وكان قبلَ الفِطام"، أراد بقوله:(ما فتَقَ الأمعاءَ): أن يَصلَ اللَّبن إلى الجوف، وهنا احترازٌ عن إن تقيَّأ الولدُ اللَّبن قبلَ الوصول إلى الجوف، فإنه لا يحصل به التحريمُ.

ويُحتمل أن يريدَ بفَتقِ الأمعاءِ: أن يَشربَ اللَّبن في زمانٍ يكون اللَّبن له غذاءً، وذلك قبل سنتَين.

و (الفَتْق): هو الشَّقُّ، و (الأمعاء): جمع المِعَى، وهو موضع الطعام من البطن.

ص: 49

قوله: "وكان قبل الفِطام"؛ يعني: قبل الحَولَين، أو قبلَ الحَولَين ونصفِ الحَول، أو قبلَ ثلاث سنين، على اختلاف الأقوال.

* * *

2360 -

وعن حَجَّاجِ بن حَجَّاجِ الأسلميِّ، عن أبيه: أنه قال: يا رسولَ الله! ما يُذهِبُ عني مَذَمَّةَ الرَّضاعِ؟ فقال: "غُرَّةٌ، عبدٌ أو أَمَةٌ".

قوله: "ما يُذهب عني مَذمَّةَ الرَّضاع"، (المَذِمَّة) بفتح الذال وكسرها: الذِّمام، وهو الحُرمة والحقُّ، وقيل:(المَذِمَّة) بكسر الذال: الحُرمة والحقُّ، و (المَذَمَّة) بفتح الذال: بمعنى الذَّم، وهو اللَّوم؛ يعني: أيُّ شيءٍ أفعلُ لِمُرضعتي حتى يَسقطَ عني حقُّها وحرمتُها التي أَثبتَتْها عليَّ بإرضاعها إيَّاي؟ فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أعطِها عبدًا أو أَمَةً يَخدمُها؛ ليَرفعَ عنها كلفةَ الخدمة؛ ليكونَ جبرَ ما فعلَتْ بك من الرَّضاع والتربية.

* * *

2361 -

عن أبي الطُّفَيل قال: كنتُ جالسًا معَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إذ أَقبلَت امرأةٌ، فبسطَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم رِداءَهُ حتى قعدَتْ عليهِ، فلمَّا ذهبَتْ قيلَ: هذه أرضَعَت النبيَّ صلى الله عليه وسلم".

قوله: "فبَسط النبيُّ صلى الله عليه وسلم رداءَه حتى قعدَتْ عليه": هذا إشارةٌ إلى تعظيم أمِّ الرَّضاع، وعلى هذا القياس ينبغي تعظيمُ مَن أثبتت عليك حقًا.

* * *

2362 -

عن ابن عمرَ رضي الله عنهما: أنَّ غيلانَ بن سلَمَة الثَّقفيَّ أسلمَ، وله عشرُ نسوةٍ في الجاهليَّةِ فأَسْلَمْنَ معَهُ، فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَمسِكْ أربعًا، وفارِق سائرَهُن".

ص: 50

قوله: "أَمسِكْ أربعًا، وفارِقْ سائرَهنَّ"، وفي هذا الحديث ثلاث أبحاثٍ:

أحدها: أنَّ أنكحةَ الكفَّار صحيحةٌ إذا أسلموا، ولا يُؤمَرُون بإعادة النكاح إلا إذا كان في نكاحهم مَن لا يجوز الجمعُ بينهنَّ من النساء كأختَين، أو العمَّةِ وبنتِ أخيها، أو الخالةِ وبنتِ أخيِها، أو كانت في نكاحهم مَن لا يجوز نكاحُها كالمَحَارم، أو تزوَّجَها في العِدَّة أو بشرطِ الخِيارِ أيامًا؛ إذا بقي عند الإِسلام من مدة العِدَّة أو الخِيار شيءٌ.

الثاني: أنه لا يجوز تزوُّجُ أكثرَ من أربعِ نسوةٍ.

الثالث: أنه إذا قال: اختَرتُ فلانةً وفلانةً للنكاح، ثبتَ نكاحُهنَّ، وحصلَتِ الفُرقةُ بينه وبين ما سوى الأربعِ، من غير أن يُطلَّقَهنَّ، أو يقول: فارقتُهنَّ.

قوله صلى الله عليه وسلم: "وفارِقْ سائرَهنَّ" معناه: اتركْ سائرَهنَّ، وليس المرادُ منه: وجوبَ اللفظ بالفراق أو الطلاق.

ومذهبُ الشافعيَّ ومالكٍ وأحمدَ: أنه يجوز له أن يختارَ أربعًا من جملتهنَّ، سواءٌ تزوَّجَ الأربعَ المختارةَ أولًا أو آخرًا، وكذلك لو أَسلَمَ وتحتَه أختانِ وأَسلَمَتَا معه، كان له أن يختارَ إحداهما، سواءٌ كانت المُختارةُ تزوَّجَها أولًا أو آخرًا. وقال أبو حنيفة: إنْ تزوَّجَهنَّ معًا لا يجوز له أن يختارَ واحدةً منهنَّ، وإن تزوَّجَهنَّ متعاقبات كان له أن يختارَ الأربعَ الأُولياتِ، ولا يجوز له أن يختارَ الأُخرياتِ، وكذلك الأختَين إن تزوَّجَهما معًا؛ لا يجوز أن يختارَ واحدةً منهما، وإن تزوَّجَهما متعاقبتَين، فله أن يختارَ الأُولى منهما دونَ الأخيرة.

* * *

2365 -

عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: أسلَمَت امرأةٌ فتزوَّجَتْ، فجاءَ زوجُها إلى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: يا رسولَ الله! إنَّي قد أسلمتُ وعَلِمَتْ بإسلامي، فانتزَعَها

ص: 51

رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من زوجِها الآخِرِ، ورَدَّها إلى زوجِها الأولِ. ورُوِيَ أنه قال: إنَّها أسلَمَت معي، فرَدَّها عليهِ.

قوله: "إني قد أَسلَمتُ وعلمَتْ بإسلامي"؛ يعني: قال زوجُها الأولُ: قد أَسلمتُ معها أو قبل انقضاء عِدَّتِها، فلما قال الزوجُ هذا الكلامَ انتَزعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الزوجةَ من زوجِها الآخِرِ، وردَّها إلى زوجِها الأولِ بلا تجديدِ نكاحٍ، بل حَكَمَ بأن النكاحَ بينها وبين زوجها الأول باقٍ، ونكاحَ الزوج الثاني باطلٌ.

والضابطُ في هذه المسألة: أنه لا يخلو إمَّا أن يُسلمَ الزوجانِ معًا، أو يُسلمَ أحدُهما قبلَ الآخر، فإن أَسلَمَا معًا ثبتَ النكاحُ بينهما، سواءٌ كانا أَسلَمَا قبلَ الدخول أو بعدَه، وإن أَسلَمَ أحدُهما قبلَ الآخر فانظرْ؛ فإن أَسلَمَ الزوجُ أولًا؛ فإن كانت زوجتُه كِتابيَّةً فالنكاحُ باقٍ بحاله؛ لأنه يجوز للمسلم تزوُّجُ الكِتابيَّة، وإن كانت زوجتُه على كفرِ غيرِ أهلِ الكتاب، فإن كان إسلامُه قبلَ الدخول، انفسَخَ النكاحُ بينهما في الحال، وإن كان إسلامُه بعدَ الدخول، وُقِفَ النكاحُ على انقضاء العِدَّة، فإنْ أَسلَمَتِ الزوجةُ قبلَ انقضاء العِدَّة، بقي النكاحُ، وإن لم تُسلِمْ حتى انقضَتْ عِدَّتُها، تبيَّنَ ارتفاعُ النكاحِ بينهما من حين إسلامِ الزوج، هذا بحيث ما إذا أَسلَمَ الزوجُ أولًا، فإذا أَسلمَتِ الزوجةُ أولًا؛ فإن كان إسلامُها قبل الدخول، انفسخ النكاح في الحال، سواء كان زوجها كتابيًا أو كافرًا آخرَ غير الكتابي، وإن كان إسلامها بعد الدخول، وُقِف النكاح حتى انقضاء العِدَّة؛ فإن أسلم الزوج قبلَ انقضاء عِدَّتِها، بقي النكاح، وإن لم يُسلمْ حتى انقضَتْ عِدَّتُها، تبيَّنَ ارتفاعُ النكاح من حين إسلامها.

* * *

2366 -

وروي أنَّ جماعةً من النِّساء رَدَّهُنَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالنَّكاحِ الأوَّلِ على

ص: 52

أزواجِهِن، عندَ اجتماعِ الإِسلامينِ في العدة بعدَ اختلافِ الدِّينِ والدَّارِ، منهُن: بنتُ الوليدِ بن المغيرةِ، كانَتْ تحتَ صفوانَ بن أميةَ فأَسلَمَتْ يومَ الفتح، فهرَبَ زوجُها من الإِسلام، فبَعَثَ إليه ابن عمِّه وهبُ بن عُميرٍ برداءِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أمانًا لصفوانَ، فلمَّا قَدِمَ جعلَ له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم تَسْييَر أربعةِ أشهرٍ حتى أَسلمَ، فاستقرَّتْ عندَه، وأسلَمَتْ أمُّ حكيمٍ بنتُ الحارثِ بن هشامٍ، امرأةُ عِكرمَةَ بن أبي جهلٍ يومَ الفتحِ بمكةَ، وهربَ زوجُها من الإِسلام حتى قَدمَ اليمنَ، فارتحلَتْ أمُّ حكيم حتى قَدِمَتْ عليهِ اليمنَ، فدعَتْهُ إلى الإِسلامِ فأسلَمَ، فثبَتا على نكاحِهما.

قوله: "عند اجتماع الإِسلامَين"؛ يعني: بشرط أن يكونَ إسلامُ الزوجَين معًا، أو يكونَ إسلامُ المتأخرِ قبلَ انقضاء العِدَّة.

قوله: "بعد اختلاف الدِّين والدار"؛ يعني: إذا أَسلَمَا قبلَ انقضاء العِدَّة ثبتَ النكاحُ بينهما، سواءٌ كانا على دِينٍ واحدٍ كاليهوديَّين أو النصرانيَّين، أو وثنيَّين، أو مجوسيَّين، أو أحدُهما كان على دِينٍ والآخرُ على دِينٍ آخرَ، وسواءٌ كانا في دار الإِسلام، أو كانا في دار الحرب، أو كان أحدُهما في دار الإِسلام والأَخرُ في دار الحرب؛ بأن يَفرَّ من دار الإِسلام إلى دار الحرب، هذا مذهبُ الشافعيِّ وأحمدَ.

وقال عمر بن عبد العزيز مع جماعة: إنَّ الفُرقةَ بينهما بنفسِ إسلامِ أحدِهما، سواءٌ فيه قبلَ الدخول أو بعدَه.

وقال أبو حنيفةَ: لا تحصل الفرقةُ بينهما إلا بأحد ثلاثةِ أشياءَ: انقضاءِ العِدَّة، أو عرضِ الإِسلام على الآخر مع الامتناعِ عن الإِسلام، أو ينتقل أحدُهما من دار الإِسلام إلى دار الحرب أو بالعكس، وسواءٌ عنده الإِسلامُ قبلَ الدخول وبعدَه.

"جعلَ له النبيُّ صلى الله عليه وسلم تسييرَ أربعة أشهر"؛ يعني: أمنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صفوانَ

ص: 53