الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 - باب ما لا يُضْمَنُ من الجنايات
(باب ما لا يضمن من الجنايات)
مِنَ الصَّحَاحِ:
2635 -
عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "العَجْماءُ جُرْحُها جُبارٌ، والمَعدِنُ جُبارٌ والبئرُ جُبارٌ".
قوله: "العَجماءُ جُرحها جُبَارٌ، والمَعدِنُ جُبارٌ، والبئرُ جُبار" قال الخطابي رحمه الله: (العَجمَاءُ): البهيمة، وسميت عجماء لعجمتها، وكل من لم يقدر على الكلام فهو أعجم، ومعنى (الجُبَار): الهدر، وإنما يكون جرحها هدرًا إذا كانت منفلتة عائرة على وجهها ليس لها قائد ولا سائق.
وأما (البئر): فهو أن يحفر الرجل بئرًا في ملك نفسه فيتردى فيها إنسان، فإنه هدر لا ضمان عليه فيه، وقد يتأول أيضًا بالبئر التي تكون بالبوادي، يحفرها الإنسان فيحييها بالحفر والإنباط، فيتردى فيها إنسان فيكون هدرًا.
و (المعدن): ما يستخرجه الإنسان من معادن الذهب والفضة ونحوهما، فيستأجر قومًا يعملون فيها، فربما انهارت على بعضهم، يقول: فدمائهم هجر؛ لأنهم أعانوا على أنفسهم، فزال العنت عمن استأجرهم.
* * *
2636 -
وعن يَعْلى بن أُميَّةَ قال: غَزَوْتُ معَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم جيشَ العُسْرَةِ وكانَ في أَجيرٌ، فقاتلَ إنسانًا فَعَضَّ أحدُهما يدَ الآخرِ، فانتزَعَ المغضُوضُ يدَه مِن فِيْ العاضِّ فأنْدَرَ ثَنِيَّتَه فسقطَتْ، فانطلقَ إلى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأَهدَرَ ثَنِيَّتَه وقال:"أَيَدَعُ يدَهُ في فيكَ تَقضمُها كالفَحْلِ؟ ".
قوله: "غزوتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشَ العُسْرة"، قال ابن عرفة: سُمَّي جيشُ تبوك جيشَ العسرة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ندب الناس إلى الغزو في حَمَارَّةِ القَيظ، فغلظ عليهم وعسر، وكان إِبَّان ابتياع الثمر، ذكره في "الغريبين".
(حَمَارَّة القيظ): شدة الحرارة، (إِبَّان) بمعنى حين.
قوله: "فانتزعَ المعضوضُ يدَهُ مِنْ فِيِّ العَاضِّ فأَنْدَرَ ثنيَّتَهُ"، (انتزع ونزع) بمعنى واحد، (المعضوض) مفعول من عَضَّ: إذا أخذ بالسنِّ؛ يعني: جَرَّ الذي عُضَّتْ يده من فم ذلك العاض، فأسقط سنًا واحدة من أسنانه.
قوله: "أَيَدَع يدَهُ في فيكَ تقضمُها كالفحل"، قال صلى الله عليه وسلم للعاضِّ على سبيل الإنكار: أيتركُ يدَهُ في فمك (تقضمها)؛ أي: تأكلها، كما يقضمها الفحل من الإبل.
فيه دليل على أن دفع الصَّائل عن نفسه جائز، وإنه إذا لم يمكن الخلاص إلا بقتله كان دمه مهدرًا.
* * *
2637 -
وعن عبدِ الله بن عَمرٍو رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَن قُتِلَ دونَ مالِهِ فَهُو شَهيدٌ".
قوله: "من قُتِلَ دونَ مالهِ فهو شهيدٌ"، (دون ماله)؛ أي: عند الدفع عن ماله.
* * *
2638 -
وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ الله! أَرأيتَ إنْ جاءَ رجلٌ يُريدُ أخْذَ مالي؟ قال: "فلا تُعْطِه مالَكَ"،
قال: أرأيتَ إنْ قاتَلَني؟ قال: "قاتِلْهُ"، قال: أرأيتَ إنْ قتَلَني؟ قال: "فأنتَ شهيدٌ"، قال: أرأيتَ إنْ قتلتُه، قال:"هوَ في النَّارِ".
قوله: "أرأيتَ إن جاءَ رجلٌ يريدُ أخذَ مالي"، (أرأيت)؛ معناه: أخبرني، وكذا (أرأيت) الذي بعده في هذا الحديث؛ معناه: أخبرني.
قوله: "إنْ قتلتُه، قال: هو في النار" فيه دليل على أن دفع الصَّائل وإن هلك في الدَّفع مباح.
* * *
2639 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، سمعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ:"لو اطَّلَعَ في بيتِكَ أَحدٌ ولم تَأذَنْ له، وخَذَفْتَه بحَصاةٍ فَفَقَأْتَ عينَهُ، ما كانَ عليكَ مِن جُناحٍ".
قوله: "خذفته بحصاة ففقأت عينه"، (الخَذْفُ) بالخاء المنقوطة: رميك حصاة أو نواة تأخذها بين سَبَابَتَيْك.
و (الحذف) بالحاء المهملة: رميك زيدًا بالعصا، والخذف - بالخاء المنقوطة - ها هنا.
* * *
2640 -
وعن سَهْلِ بن سَعدٍ: أنَّ رَجُلاً اطَّلَعَ في جُحْرٍ مِن بابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ومعَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم مِدْرًى يَحُكُّ بهِ رأسَهُ فقال:"لو أَعلمُ أنَّكَ تَنْظُرني لَطَعَنْتُ بهِ في عينِكَ، إنَّما جُعِلَ الاستِئْذانُ مِن أَجلِ البَصَرِ".
قوله: "مِدْرًى يحكُّ به رأسه"، (المِدْرَى): قيل: هو الشيء شبه مِسَلَّةٍ تصلح به الماشطة قرون النساء، وقيل: هو شيء شبه سكين يُحَكُّ به الرأس.
* * *
2641 -
عن عبدِ الله بن مُغفَّلٍ رضي الله عنه: أنَّه رأى رَجُلاً يَخذِفُ فقال له: لا تَخذِفْ فإنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عن الخَذْفِ وقال: "إنه لا يُصادُ به صَيدٌ، ولا يُنْكَأُ به عدوٌّ، ولكنَّه قد يَكْسِر السِّنَّ ويَفقأُ العينَ".
قوله: "ولا يُنْكَأُ به عدوٌّ"، نكَأتُ القَرحَةَ أنْكَؤُها نَكْأً: إذا قشرتها؛ يعني: لا يخرج عدو بحصى الخذف بل يكسر به الأسنان.
و"يفقأ"؛ أي: يعمي به العيون.
* * *
2642 -
وقال: "إذا مرَّ أحدُكم في مسجِدنا، أو في سُوقِنا، ومعَه نَبْلٌ فليُمسِك على نِصالِها أنْ يُصيبَ أحدًا مِن المسلمينَ منها بشيءٍ".
قوله: "فليمسِك على نِصالها أن يُصيب أحدًا من المسلمين منها بشيء"؛ يعني: فليأخذْ نِصالها بيده؛ حذرًا من أن يصيب أحدًا من المسلمين من تلك النِّصال بشيء، أو كراهةَ أن يصيب.
* * *
2643 -
وقال: "لا يُشيرُ أحدكم على أخيهِ بالسِّلاحِ، فإنَّه لا يدري لعَلَّ الشَّيطانَ ينزِعُ في يدِه فيقَعُ في حُفرةٍ مِن النَّارِ".
قوله: "لا يشيرُ أحدُكم على أخيه بالسلاح .... " إلى آخره، قال في "الصحاح":(نزَعَ) في القوس: مدها؛ يعني: لا ينبغي لأحدكم أن يشير إلى أخيه بالسلاح، لعلَّ الشيطان يجرُّ يدَ المشير إلى المشار إليه، فتقع يده مع السلاح عليه، فيقع المشير في النار، والضمير في (يده) يعود إلى (الأحد) الذي هو المشير.
* * *
2647 -
وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يوشِكُ إنْ طالَتْ بكَ مُدَّةٌ أنْ تَرَى قَومًا في أَيديهم سِياطٌ مثلُ أذنابِ البقرِ، يَغْدُونَ في غَضبِ الله، ويَرُوحونَ في سَخَطِ الله". ويُروى: "ويَروحونَ في لَعْنَتِهِ".
قوله: "يوشِكُ إن طالَتْ بكَ مدةٌ أن ترى قومًا في أيديهم مثلَ أذنابِ البقر"، "يوشك"؛ أي: يسرع ويقرب، و"أن ترى": اسم (يوشك) ولا خبر له؛ لأنه ليس بناقص، "الغدو": نقيض الرواح، و"الرواح": من زوال الشمس إلى الغروب.
يعني: قال صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة: إن طال عمرُك يوشك أن ترى قومًا من خدمة الملوك والأمراء الظالمة، في أيديهم أخشاب أمثال أذناب البقر، يؤذون الناس بها، ويروعونهم ويسعون بين أيديهم، وعلى أعناقهم تلك الأخشاب، يطردون المارة بها عن الطرق، فهؤلاء القوم يَغْدُون في غضبِ الله، ويروحون في لعنته.
* * *
2648 -
وقال صلى الله عليه وسلم: "صِنفانِ مِن أهلِ النَّارِ لم أَرَهُما: قومٌ معهم سِياطٌ كأَذنابِ البقرِ يضرِبُونَ بها النَّاسَ، ونِساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ، مُمِيلاتٌ مائلاتٌ، رؤوسُهنَّ كأَسنِمَةِ البُخْتِ المائلةِ، لا يَدخُلْنَ الجنَّةَ ولا يَجِدنَ ريحَها، وإنَّ ريحَها لتوجَدُ مِن مَسيرةِ كذا وكذا".
قوله: "ونساء كاسياتٌ عارياتٌ"؛ يعني: أنهن يلبسن ثيابًا رقيقة، تحكي عن بشرتهن لمن ينظر إليهن، وإذا كان كذلك: فهن عاريات حقيقة كاسيات صورة، وقيل: كاسيات من نعمة الله تعالى، عاريات من شكره سبحانه.
قوله: "مائلات مميلات": قال أبو بكر: قوله: (مائلات)؛ أي: زائغات عن استعمال طاعة الله وما يلزمهن من حفظ الفروج، و (مميلات): يُعَلَّمْنَ غيرَهُنَّ
الدخولَ في مثل فعلهن، يقول: أخبثَ فلانٌ فلانًا فهو مُخبث: إذا علمه الخبث فأدخله فيه، وفيه وجه آخر (مائلات): متبخترات في مشيهن، و (مميلات): يُمِلْنَ أكتافهن وأعطافهن، ذكره في "الغريبين".
قوله: "رؤوسهن كَأسْنِمة البخت"، (الأَسْنِمَة): جمع سَنَام الإبل، (البُخت) بضم الباء: من الإبل، معرب، البَخَاتِي جمع: البُخْتِي.
قيل: المراد أنهن يعظمن رؤوسهن بالخمر والعصائب حتى تشبه أسنمة البُخت.
* * *
2649 -
وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا قاتَلَ أحدكم فليجتَنِبِ الوجْهَ، فإنَّ الله تعالى خَلَقَ آدمَ على صورَتِهِ".
قوله: "إذا قاتَلَ أحدُكم فليجتنب الوجه فإن الله خلقَ آدم على صورَتِهِ"، (قاتل)؛ أي: حارب، (فليجتنب)؛ أي: فليحترز عن ضربهِ وجهَ مَنْ يقاتلُهُ، فإن الله سبحانه خلق ابن آدم على صورة آدم.
ومعنى إضافة الصورة إلى آدم، وكل أحد خلق على صورة نفسه: التنبيهُ على اختراع عظيم في خلقه، إذ كل مخلوق قد تقدم له أمثال، فيُخلَقون على صورة أمثالهم المتقدمة، وأما آدم فاختُرِعَ خلقًا جديدًا عجيبًا، ملكيَّ الروح، حيوانيَّ الجسم، منتصبَ القامة، فلم يُوجد على مثال له تقدم.
كأنه قال: ارتجل صورته اختراعًا لا تشبيهًا لمتقدم، ولا محاذيًا لخلق آخر لشيء له يشبهه، بل تولى القديمُ بنفسه خلقَ هذا الصورة إبداعًا جديدًا، وخَلْقًا عجيبًا، لم يسبقه ما يشبهه بصورة ما، وتعظيم وجه الإنسان ونسبته (1) إلى القديمِ
(1) في "ق": "وتشبيه خلقه".
تعالى؛ إما لأنه أشرف جزء في الإنسان؛ إذ أكثر الحواس فيه، أو لأنه إذا عُدِمَ عدم الكل بخلاف بقية الأعضاء.
فإن قيل: كيف المطابقة بعد النهي عن ضرب الوجه وبعد الإخبار بخلق آدم، وهذا ليس بآدم حتى يُنهى عن ضَرْبِ وجهه، إذ ضرب وجه آدم محرَّمٌ، بل جميع أعضائه لما ذكر من خلقه إياه؟
قيل: فيه إضمار كأنه قال: هذا المضروب من أولاد آدم، فاجتنبوا ضرب وجهه العضو الأشرف منه؛ احترامًا لهذا الوجه الذي يشبه وجه آدم عليه السلام.
* * *
مِنَ الحِسَان:
2650 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"الرِّجْلُ جُبارٌ".
2651 -
وقال: "النَّارُ جُبارٌ".
قوله: "الرِّجلُ جُبَارٌ"، "والنار جُبارٌ"، قال الخطابي: ذهبَ أصحابُ الرأي إلى أن الراكب إذا رَمَحَتْ دابتُهُ إنسانًا برجلها - أي: ضربت برجلها - فهو مهدر - أي: باطل -، وإن نَفَخَتْهُ بيدها - أي: ضربته - فهو ضامن، قالوا: وذلك أن الراكب يملك تصريفَهَا من قُدامها، ولا يملك ذلك منها فيما وراءها.
وقال الشافعي: اليد والرجل سواء، لا فرق بينهما، وهو ضامن؛ لأنه إن كان فارسًا يقدر عليها من قدامها ومن ورائها جميعًا.
* * *
2652 -
وعن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَن كَشَفَ سِترًا
فأَدخَلَ بصرَهُ في البيتِ قبلَ أنْ يُؤذَنَ له فرأَى عَورةَ أهلِهِ فقد أَتَى حدًّا لا يَحِلُّ له أنْ يأتيَهُ، ولو أنَّه حينَ أَدخَلَ بصرَهُ فاستقبلَهُ رجلٌ ففقَأَ عينَهُ ما عَيَّرتُ عليهِ، وإنْ مرَّ الرَّجُلُ على بابٍ لا سِترَ له، غيرِ مُغلَقٍ، فنظرَ فلا خطيئةَ عليهِ، إنَّما الخطيئةُ على أهلِ البيتِ"، غريب.
قوله: "مَنْ كَشَفَ سترًا فأدخل بصره في البيت
…
" إلى آخره؛ يعني: مَنْ رَفَعَ سترَ بيتٍ، فنظر إلى مَنْ هو فيه مِن عورات أهله من غير إذن صاحبه.
"فقد أتى حدًا"؛ أي: فقد فعل شيئًا يُوجب حدًا؛ يعني: أذنب ذنبًا صغيرًا، فيه يستحق التعزير والملامة؛ لأن فعل الذنب محرمٌ فمن ارتكب المحرم استحق الذنب والتعزير.
قوله: "ففقأ عينه ما عَيَّرتُ عليه"، (التعيير) والتوبيخ واحد؛ يعني: من نظرَ إلى عورةِ أحدٍ في بيته بعد ما كشف ستر بيته من غير إذنه، أو نظر من ثقبه في ستر بيته أو في بابه، فإذا أعمى صاحبُ البيت عينَ الناظر في ذلك الوقت بشيء خفيفٍ كحصاة أو مِدرًى، فليس بضامن عند الشافعي، وعند أبي حنيفة ضامن.
وقال بعضهم: إنما لا يضمن إذا زجَرَهُ فلم ينصرِفْ، هذا إذا كان الباب مغلقًا أو الستر مرسلًا (1)، فأما إذا كان الباب مفتوحًا أو الستر مرفوعًا، ونظر أحدٌ إلى من هو في ذلك البيت من النسوان، فلا ذنب عليه، فإن فعلَ به ما ذُكِرَ فهو ضامن.
* * *
2654 -
وعن الحسنِ، عن سَمُرةَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهى أنْ يُقَدَّ السَّيْرُ بينَ أُصبَعَينِ.
(1) في "م": "مغلقًا".